الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أضرف ما كان إذا ما صحا
…
وأملح الناس إذا ما انتشى
وقد بنى برج حمام له
…
أرسل فيه طائراً مُرْعَشا
يا ليتني كنت حماماً له
…
أو باشقاً يفعل بي ما يشا
لو لبس القوهيّ من رقة
…
أوجعه القوهي أو خدّشا
وحسبنا أن نقف بالقلم عند هذا الحدّ ونكتفي منه بأن نقول إن نساء بيت بني العباس قد أخذن مآخذ الرجال من السرف والاندفاع، وما نريد أن نقول إنهن تجاوزن المرح والدعابة إلى ما وراءهما من العبث والفساد. وإذا زلت هنالك قد أو طمحت عين أو لَفَظ لسان، فإنّ لا يصدع البيت، ولا يئلم الأسرة إلا أن يقال إن ترف الحضارة ورونق النعيم، قد رفعا عن تلك البيئة كلفة الدين وخلعا عنها عذار الوقار.
بيت العلويين
أما نساء هذا البيت فقد عكفن على التبتل وأنِسْن بالوحشة وانقطعن عن الناس. وما ظنك بامرأة لا تنتقل من فاجعة إلا إلى فاجعة، ولا نصير من نازلة إلا إلى نازبة، قد رضّ الحديد عظام أهلها، ونهلت السيوف من دمائهم، وراح وحش الفلا بأشلائهم، وكأن بينهم وبين كل دولة ثأراً لا تسكن نأمته، ولا تروي غلته حتى لقد استجاز قُسَماؤهم وبنو عمهم أن يقودوا الطفل من ملعبه إلى مذبحه، وإليك فاسمع إحدى حوادثهم.
قال الطبري: ذكر أبو يعقوب بن سليمان، قال: حدذثني حميدة العطارة - عطارة أبي جعفر - قالت: لما عزم أبو جعفر المنصور على الحج دعا رَيْطة بنت أبي العباس امرأة المهدي - وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر - فأوصاها بما أراد وعهد إليها ودفع إليها مفاتيح الخزائن وتقدّم إليها وأحلفها ووكد
الأيمان ألا تفتح باب تلك الخزائن ولا تُطلع عليها أحداً إلا المهدي، ولا تَطْلع هي إلا أن يصح عندها موته، فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما ثالث حتى يفتحا
الخزانة، فلما قدم المهدي من الري غلى مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح وأخبرته عن المنصور أنه تقدّم إليها فيه ألا يفتحه ولا يطلع عليها أحداً حتى يصح عندها موته، فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور وولي الخلافة فتح الباب ومعه ريطة فإذا فيه جماعة من قتلى الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم وإذا فيه أطفال ورجال شباب ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى المهدي ارتاع لِما رأى فحفرت لهم حفيرة ودفنوا فيها.
تلك فَغْلَة من فَعَلات أبي جعفر بأبناء عمه، وهي مَثَل واحد من كثير لا حدّ له. وما كان الرشيد بأنعم يداً، ولا أرق كبداً من جدّه المنصور، بل كانت سيوفه الطائشة كحمم النار ترتمي يميناً وشمالاً على رءوس الأبرياء من بني عمه، حتى لقد كانت سياسته فيهم سياسة إبادة وإفناء. فأين تقرّ العيون الباكية، وكيف تسر القلوب الدامية، وهل يطمئن بالحياة من تنذره كل لحظة بحيف نازل أو كيد محيق. لذلك لم يجد نساء هذا البيت فَرجة من الهم ولا متسعاً للسرور. ولذلك ائتنسن بالوحشة، واسترحن إلى الوحدة، وانعطفن إلى الدين، حتى لقد نشأ جواري ذلك البيت على غير ما ينشأ عليه جواري ذلك العصر. فما كانت تدخل في رقهم حتى تتلقاها إحدى نسائهم فترويها الحديث وتعلمها الفرائض.
وقد حدثوا أن فتاة رومية من بيت القياصرة، وفدت على أبي محمد الحسن العسكري فلما رآها راغبة في مصاهرة بيت النبوّة، دعا أخته حكيمة فقال: خذيها إلى منزلك فعلميها الفرائض والسنن.
ومما أذكر في وصف هذين البيتين وعقد الموارنة بينهما قول أبي فراس الحمداني