المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما قبل الشعر وأثره في النثر العربي: - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ٣

[عبد الله الطيب المجذوب]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثالث/ في الرموز والكنايات والصور)

- ‌الباب الأول

- ‌تمهيدطبيعة القصيدة

- ‌تعريف القصيدة:

- ‌أطوار أوزان القصيدة:

- ‌السجع والتقفية:

- ‌الأوزان:

- ‌ما قبل الشعر وأثره في النثر العربي:

- ‌أثر القرآن على البلغاء:

- ‌شاعرية النثر العربي:

- ‌الباب الثانيطبيعة الشعر العربي

- ‌معنى الاختلاس:

- ‌الحركات والسكنات والحروف:

- ‌ القافية

- ‌طور التنويع:

- ‌الرجز والهزج:

- ‌القصيدة والقافية الواحدة:

- ‌حالة الجذب

- ‌منزلة الشاعر:

- ‌الصعلكة والفروسية:

- ‌بطولة الشاعر:

- ‌طريقة القصيدة ووحدتها:

- ‌شكل القصيدة:

- ‌المبدأ والخروج والنهاية:

- ‌الباب الثالثالمبدأ والنسيب

- ‌(1) الرمزية المحضة

- ‌تمهيد:

- ‌رموز الأنثى ورمزيتها:

- ‌(2) رمزية الشوق والحنين

- ‌تمهيد:

- ‌رمزية المعاهد والديار:

- ‌البرق وتوابعه:

- ‌الحمامة والحنين:

- ‌ الأصل النوحي

- ‌الأصل اليمامي:

- ‌الأصل الهديلي:

- ‌الحمامة وبكاء العشاق

- ‌الأثافي والرماد والحمام

- ‌الليل والنجوم:

- ‌الباب الثالث والرابعالغزل والنعت

- ‌الوداع والظعائن:

- ‌تتمة في الحركة والحيوية:

- ‌أوصاف النساء ومداخل الغزل:

- ‌مدح النساء وذمهن:

- ‌مقاييس الجمال:

- ‌الخمصانة:

- ‌نموذج بين بين:

- ‌النموذج العظيم:

الفصل: ‌ما قبل الشعر وأثره في النثر العربي:

مناف. وذلك يدل على إسقاط شعر عاد وثمود وحمير وتبع» - فابن سلام كما ترى لا يرد القصيدة الطويلة إلى تاريخ بعيد بعدًا سحيقًا عن أوان بعثة النبي، إذ ليس بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين هاشم إلا أبوان أو قل ثلاثة أجيال أو قل قرن على أبعد تقدير، فذلك مقارب لزمان امرئ القيس والمهلهل وعمرو بن قميئة وعبيد بن الأبرص وعلقمة بن عبدة وهؤلاء أوائل الشعراء، وما سبقهم فهو كالتمهيد والتوطئة لهم.

‌ما قبل الشعر وأثره في النثر العربي:

نريد بقولنا «ما قبل الشعر» جميع أصناف الموازنة والمقابلة والسجع والازدواج التي سبقت اختراع الوزن المحكم والقصيدة التامة.

فإذا وضح هذا من مرادنا، فانا نرى أن «ما قبل الشعر» هذا قد أتيح له، بعد أن انفرقت عنه القصيدة وصارت هي الشعر، أن تنشأ منه ضروب النثر العربي الفني من لدن الأمثال الأولى إلى المقامات والرسائل وما يجري مجراها. وقد كان القرآن هو السبب الأكبر في هذا التطور العظيم. إذ قد جاء خارجًا من أعاريض القصيد، ولكنه مع ذلك ذو إيقاع رصين وفواصل كالقوافي، وأسجاع وازدواج بارع النغم، كقوله تعالى (سورة سبأ):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ (1) مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)}

ونحو قوله تعالى:

{ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ

(1) بالهمز وبدونه.

ص: 12

قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)}.

وكقوله تعالى:

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا (1) عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} .

وكقوله تعالى مما هو ظاهر التسجيع بالحروف الصحائح:

{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (2) (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} .

وكقوله تعالى:

{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)} .

وقرئ ناخرة وذكر الطبري أن هذه القراءة أعجب إليه من أجل مراعاة السجع (3).

وكقوله تعالى مما التسجيع فيه بالألف اللينة:

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)} .

(1) بتشديد الميم وتخفيفها.

(2)

بتشديد السين وتخفيفها.

(3)

تفسير ابن جرير، الحلبي، 30/ 35.

ص: 13

وفي القرآن إحدى عشرة سورة رؤوسها هكذا وللقراء فيهن مذاهب في الأداء بين التفخيم (1) والتقليل (2) والبطح (3).

وكقوله تعالى مما التسجيع فيه بالضمائر وهاء السكت:

«ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه» .

وسورة الرحمن بعد من أنصع الأمثلة على تسجيع الفواصل وإحكام الازدواج وإتقان الإيقاع وتكرار نغم بعينه للزيادة من رنين هذا الإيقاع وذلك قوله تعالى:

{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} .

والحق أن الناظر في سورة القرآن يجد فيها ألوانًا من طرق الإيقاع الغريب الواقع. مثلاً سورتا الكهف (وقل أوحي) لهما إيقاع متشابه. وسورة الإسراء والفرقان. و «هل أتى على الإنسان حين من الدهر» . فيهن إيقاع متشابه. وسورة ص وق متشابهتا الجرس والفواصل. ولنظام السجع والازدواج في كل ذلك أثر لا ينكر.

ثم طريقة سوق الآيات في السورة تتبع نظامًا من التكرار والترجيع ورد الآخر على الأول، يجعل منها كلاً ذا كينونة واضحة وجرس خاص.

ثم توشك كل سورة أن تدفع إلى الأخرى أما بتجاوب في ألفاظ ما بين أواخرها وأوائل ما يليها نحو قوله تعالى في آخر الإسراء:

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} .

وفي أول الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} . وفي آخر مريم: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)} إلخ ..

(1) التفخيم نعني ههنا ترك الإمالة. والتقليل إمالة بين بين، والبطح الإمالة الكاملة.

(2)

التفخيم نعني ههنا ترك الإمالة. والتقليل إمالة بين بين، والبطح الإمالة الكاملة.

(3)

التفخيم نعني ههنا ترك الإمالة. والتقليل إمالة بين بين، والبطح الإمالة الكاملة.

ص: 14

وفي أول طه: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2)} .

وفي آخر هذه: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى} وأول ما يليها: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} .

ومن أوضح هذه الأمثلة ما في آخر الأحقاف:

{بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} .

وأول القتال: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} .

وآخر الطور: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)} .

وأول النجم بعدها: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} .

وآخر هذه: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)} .

وأول ما يليها: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} .

وأنت تعلم أن الله جل شأنه يقول في سورة العلق: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} .

فهذا قد يبين عندك ما نزعمه من قوة الصلة بين السجود في آخر هذه والاقتراب في أول السورة التي بعدها.

هذا وآخر القمر: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} .

وأول الرحمن بعدها: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)} . والصلة غير خافية.

وآخر الواقعة: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} .

وأول الحديد: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . هذا ولا يخفى ما بين أول الواقعة وآخر الرحمن من الصلة المعنوية القوية.

هذا ولأمر ما ذكروا عن حمزة القارئ إنه كان يعد القرآن كله بمنزلة السورة الواحدة (1). وقد كان غير حمزة من القراء كثير «يرون وصل السور بسكت وبلا

(1) النشر في القراءات العشر لابن الجزري، طبع مصطفى محمد، 1:264.

ص: 15