المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الصبر واحتمال الغضب: - المعلم الأول صلى الله عليه وسلم

[فؤاد الشلهوب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ إخلاص العلم لله

- ‌ صدق المعلم

- ‌ مطابقة القول العمل

- ‌ العدل والمساواة

- ‌ التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة

- ‌ تواضع المعلم

- ‌ شجاعة المعلم

- ‌ مزاح المعلم مع تلاميذه:

- ‌ الصبر واحتمال الغضب:

- ‌ تجنب الكلام الفاحش البذيء:

- ‌ استشارة المعلم لغيره:

- ‌ غرس العقيدة الصحيحة وتقوية الإيمان خلال التعليم:

- ‌ إسداء النصيحة للمتعلم:

- ‌ الرفق بالمتعلم وتعليمه بالأسلوب الحسن:

- ‌ عدم التصريح بالأسماء أثناء التوبيخ

- ‌ إلقاء السلام على المتعلم قبل الدرس وبعده

- ‌ استخدام العقوبات أثناء التعليم

- ‌ تقديم المكافآت للمتعلم

- ‌ تهيئة المتعلم لاستقبال العلم

- ‌أولاً: الاتصال السمعي:

- ‌ثانياً: الاتصال البصري:

- ‌ الأسلوب العملي في التعليم

- ‌ عرض المادة العلمية بأسلوب يناسب عقل الطالب وفهمه

- ‌ أسلوب المحاورة والإقناع العقلي

- ‌ التعليم عن طريق القصص

- ‌ ضرب الأمثال أثناء التعليم

- ‌ أسلوب التشويق في التعليم

- ‌ استخدام الرسومات للتوضيح والبيان

- ‌ توضيح المسائل المهمة عن طريق التعليل

- ‌ ترك استخراج الجواب للمتعلم

- ‌ استخدام التكرار في التعليم

- ‌ استخدام أسلوب التقسيم في التعليم

- ‌ استخدام أسلوب الاستفهام أثناء التعليم

- ‌ طرح بعض المسائل العلمية المهمة لاختبار مقدرة الطالب العقلية

- ‌ حث المعلم طلابه على طرح الأسئلة

- ‌ تقديم السائل من خلال سؤاله، وإجابته بما يناسب حاله

- ‌ التعليق على إجابة المتعلم

- ‌ قول المعلم لا أدري لما لا يدري جزء من العلم

- ‌خاتمة

الفصل: ‌ الصبر واحتمال الغضب:

[9]

‌ الصبر واحتمال الغضب:

الصبر لغة بمعنى المنع والحبس (1) ، وهي منزلة رفيعة لا ينالها إلا ذوو الهمم العالية، والنفوس الزكية. والغضب هو ثورة في النفس، يفقد فيها الغاضب اتزانه، وتنقلب الموازين عنده، فلا يكاد يميز بين الحق والباطل، وهي خصلة غير محمودة، إلا ما كان منها غضباً لله، وهو ما كان يتصف به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكن يغضب لنفسه ولم ينتصر لها قط، إنما كان يغضب إذا انتهكت حرمات الله.

(1) عدة الصابرين. لابن القيم الجوزيةص21.

ص: 42

ووجه تعلق ذلك بالتعليم: أن المعلم يتعامل مع أفراد يختلفون في الطباع، والأفكار، فمنهم الجيد، ومنهم الضعيف، هذا بالإضافة إلى انشغال المعلم بعمليات التحضير، والتصحيح، والتدريس المتواصل أغلب فترات اليوم الدراسي، مع ما يتبع ذلك من تحمل لمشاكل الطلاب المتكررة، إلى غير ذلك من المهام المنوطة بالمعلم. فكل الأمور السالفة الذكر وغيرها، تستلزم من المعلم صبراً وتحملاً، وهذا الصبر ليس سهل المنال، بل إنه يحتاج إلى طول ممارسة من المعلم حتى يعتاد ذلك ويألفه. وفقدان الصبر يوقع المعلم في حرج شديد، خصوصاً إذا كان ذلك أثناء ممارسته للتعليم، فإن المعلم يواجه عقليات متفاوتة في الإدراك والتصور، والاستجابة، إلى غير ذلك. فقد يظل المعلم يلقي درسه لمدة ساعة متواصلة، ثم يفاجأ بقول أحد طلابه بأنه لم يفهم هذا الدرس كله، أو قد يتعرض المعلم إلى أسئلة تافهة أو في غير محلها، أو قد يفاجأ المعلم أثناء إلقائه بأن أحد طلابه نائم أو يبتسم.. الخ. بل إن من أشدها وقعاً وأثراً على المعلم وهو ما إذا تعرض المعلم لكلمة نابية من أحد طلابه، وليس ذلك بمستغرب لاختلافهم في الطباع، والإدراك ونحو ذلك.

ص: 43

إن احتواء الغضب والسيطرة عليه، علامة قوة للمعلم، وليست علامة ضعف، خصوصاً إذا كان ذلك المعلم قادراً على إنفاذ ما يريد، أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«ليس الشديد بالصرعة (1) ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (2) " ويجسد ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله فإنه - بأبي وأمي - كان أملك الناس لغضبه.

«عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه رداء نجراني غليظ شديد الحاشية، فأدركه أعرابي. فجبذه بردائه جبذة شديدة. نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته. ثم قال: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم أمر بعطاء» (3) . علق النووي على هذا الحديث بقوله: فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة (4) قلت: ولا شك أنه مهما بلغ من أمر الطالب ما بلغ، فهو دون فعل ذلك الأعرابي بكثير!! .

(1) قال النووي في رياض الصالحين (ص42) : (والصرعة) بضم الصاد وفتح الراء، وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيراً.

(2)

متفق عليه.

(3)

رواه البخاري في الأدب وفي مواقع من صحيحه / مسلم في الزكاة / أحمد في باقي مسند المكثرين / ابن ماجه في اللباس.

(4)

مسلم بشرح النووي: حديث 1057.

ص: 44

(1) رواه البخاري في الأدب. وفي مواقع من صحيحه / مسلم في الزكاة / أحمد في مسند المكثرين من الصحابة.

(2)

إحياء علوم الدين: لأبي حامد الغزالي (3 / 262، 263) بتصرف يسير.

ص: 45

ومن أثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزبد على الأشداق وتحمر الأحداق وتنقلب المناخر وتستحيل الخلقة، ولو رأى الغضبان في حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته، واستحالة خلقته.. وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ. وأما أثره على الأعضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجرح عند التمكن من غير مبالاة.. وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه فالحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة بالمساءات والحزن بالسرور.. أهـ.

وعلاج ذلك يكون بالعلاج الرباني والنبوي: أما العلاج الرباني فقد أثنى الله سبحانه وتعالى على الذين يكظمون غيظهم وليس ذلك فقط بل مع العفو عن الناس. قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1) . وأما العلاج النبوي فقد عالج النبي الغضب بعدة طرق.

أن يقول الغاضب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (2) .

(1) سورة آل عمران

(2)

البخاري 5764 ترقيم د. البغا.

ص: 46

أن يسكت الغاضب ولا يتكلم، حتى لا يتمادى به الغضب فيقع في المحذور (1) .

إذا كان الغاضب قائماً فليجس، وإن لم ينطفئ غضبه فليضطجع.

أن يتوضأ الغاضب وضوءه للصلاة، فإن الغضب يطفأ بالماء (2) .

قال علي بن ثابت (3) :

العقل آفته الإعجاب والغضب

والمال آفته التبذير والنهب

وقال أبو العتاهية (4) :

ولم أر في الأعداء حين خبرتهم

عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب

الخلاصة:

الصبر عامل قوي في نجاح المعلم.

الغضب ثورة في النفس، واختلال في الموازين وضعف في التمييز، وعواقبه وخيمة.

براعة المعلم تكمن في كيفية امتصاص غضبه عند حدوثه والسيطرة على أعصابه.

التدرج، وطول المران يكسبان المعلم، قوة ومنعة.

المبادرة بعلاج الغضب عند حدوثه، وأفضله على الإطلاق العلاج الرباني النبوي.

(1) أحمد 2552 ترقيم إحياء التراث.

(2)

أحمد 17524 ترقيم إحياء التراث.

(3)

التمهيد. لابن عبد البر (7 / 250)

(4)

المصدر السابق.

ص: 47