المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مطابقة القول العمل - المعلم الأول صلى الله عليه وسلم

[فؤاد الشلهوب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ إخلاص العلم لله

- ‌ صدق المعلم

- ‌ مطابقة القول العمل

- ‌ العدل والمساواة

- ‌ التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة

- ‌ تواضع المعلم

- ‌ شجاعة المعلم

- ‌ مزاح المعلم مع تلاميذه:

- ‌ الصبر واحتمال الغضب:

- ‌ تجنب الكلام الفاحش البذيء:

- ‌ استشارة المعلم لغيره:

- ‌ غرس العقيدة الصحيحة وتقوية الإيمان خلال التعليم:

- ‌ إسداء النصيحة للمتعلم:

- ‌ الرفق بالمتعلم وتعليمه بالأسلوب الحسن:

- ‌ عدم التصريح بالأسماء أثناء التوبيخ

- ‌ إلقاء السلام على المتعلم قبل الدرس وبعده

- ‌ استخدام العقوبات أثناء التعليم

- ‌ تقديم المكافآت للمتعلم

- ‌ تهيئة المتعلم لاستقبال العلم

- ‌أولاً: الاتصال السمعي:

- ‌ثانياً: الاتصال البصري:

- ‌ الأسلوب العملي في التعليم

- ‌ عرض المادة العلمية بأسلوب يناسب عقل الطالب وفهمه

- ‌ أسلوب المحاورة والإقناع العقلي

- ‌ التعليم عن طريق القصص

- ‌ ضرب الأمثال أثناء التعليم

- ‌ أسلوب التشويق في التعليم

- ‌ استخدام الرسومات للتوضيح والبيان

- ‌ توضيح المسائل المهمة عن طريق التعليل

- ‌ ترك استخراج الجواب للمتعلم

- ‌ استخدام التكرار في التعليم

- ‌ استخدام أسلوب التقسيم في التعليم

- ‌ استخدام أسلوب الاستفهام أثناء التعليم

- ‌ طرح بعض المسائل العلمية المهمة لاختبار مقدرة الطالب العقلية

- ‌ حث المعلم طلابه على طرح الأسئلة

- ‌ تقديم السائل من خلال سؤاله، وإجابته بما يناسب حاله

- ‌ التعليق على إجابة المتعلم

- ‌ قول المعلم لا أدري لما لا يدري جزء من العلم

- ‌خاتمة

الفصل: ‌ مطابقة القول العمل

[3]

‌ مطابقة القول العمل

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} . (1) أي: لم تقولون الخير، وتحثون عليه، وربما تمدحتم به، وأنتم لا تفعلونه. وتنهون عن الشر، وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون متصفون به. فهل تليق بالمؤمنين، هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله، أن يقول العبد ما لا يفعل؟ . ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه، والناهي عن الشر، أن يكون أبعد الناس عنه، قال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} . وقال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} أهـ (2) .

(1) سورة الصف.

(2)

تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (7 / 365، 366) .

ص: 14

ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يأمر الناس بالخير وهو أول من يأتيه، وكان ينهاهم عن الشر وهو أول من يجتنبه ويبتعد عنه، وهذا من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام، ولا عجب فقد كان خلقه القرآن. ومطاقة القول العمل، أسرع في الاستجابة من مجرد القول بمفرده، يتبين لنا ذلك من خلال عرض هذا الحدث الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين معه في قصة الحديبية. فعندما صالح المشركون المسلمين على شروط معينة ومنها أن يرجع المسلمون من عامهم هذا عن مكة ويحجوا في عامهم المقبل. قال ابن القيم:

(1)

فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قوموا فانحروا، ثم احلقوا " فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد (2) ، دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي منه الناس، فقالت أم سلمة: يا رسول الله: أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فقام، فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً» .

(1) من هنا يبدأ النقل من زاد المعاد (3 / 295) .

(2)

لا ينبغي لأحد أن يتأخر عن امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم البتة، وقد تكلم ابن القيم في زاد المعاد (3 / 307،308) على سبب تأخر الصحابة رضوان الله عليهم، عن امتثال أمر النبي في حادثة الحديبية، فراجعه إن شئت ففيه فوائد.

ص: 15

وهنا يتضح لنا جلياً كيف أن الصحابة تأخروا عن تنفيذ قوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لما رأوا أنه بادر إلى ذلك قبلهم، تبعوه ولم يتخلف منهم أحد.

والمعلم هو أحوج الناس إلى التزام ذلك المنهج في واقع حياته، لأنه قدوة يحتذى، وطلابه يأخذون عنه الأخلاق، والأدب، والعلم ولعمر الله أي فائدة ترجى من معلم ينقض قوله عمله! (1) . ثم إن التناقض الذي يشاهده الطالب من قبل معلمه يوقعه في حيرة عظيمة، وكأني بذلك الطالب المحتار وهو يسأل نفسه: لقد احترت في أمري، ماذا أفعل، هل أصدق قوله، أم فعله الذي يناقض قوله؟ ، فهو يقول لنا: الكذب عادة سيئة مذمومة وعاقبتها إلى الخسران، ثم نسمعه بعد ذلك مراراً يكذب علينا! .

من أجل ذلك كان النهي الشديد في قوله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} . فالواجب على المربين والمعلمين أن يتقوا الله في فلذات الأكباد، فهم أمانة في أعناقهم، فليحرصوا على تعليمهم ما ينفعهم، ومطابقة أقوالهم لأعمالهم، لأن في ذلك ترسيخاً للعلم الذي تعلموه من معلميهم ومربيهم.

(1) يخبرني طالب في إحدى المدارس المتوسطة: أن لديهم مدرس لمادة الدين، وهو يتصف بثلاث خصال مذمومة، الأولى: حليق، والثانية: مسبل، والثالثة: يتعاطى الدخان!! قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، أي علم يؤخذ عن هذا!!

ص: 16

قال الغزالي (1) : الوظيفة الثامنة: أن يكون المعلم عاملاً بعلمه فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر. فإذا خالف العمل العلم منع الرشد وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم على ما نهوا عنه فيقولون لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به. ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل النقش من الطين والظل من العود فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه ومتى استوى الظل والعود أعوج؟

قال أبو الأسود الدؤلي (2) :

يا أيها الرجل المعلمُ غيرهَ

هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

لا تنه عن خلق وتأتيَ مثلَه

عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

وابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ

فهناك تُقبل إن وعظت ويُقتدى

بالقول منك وينفع التعليمُ

تصفُ الدواءَ لذي السقام الضنا

كيما يصح به وأنت سقيمُ

وأراك تلقح بالرشاد عقولنا

نصحاً وأنت من الرشادِ عديمُ

الخلاصة:

(1) إحياء علوم الدين. (1 / 97) ط. دار الحديث.

(2)

مختصر جامع بيان العلم وفضله. لابن عبد البر. اختصره الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي. ص167.

ص: 17

الحالة الذميمة التي يتحلى بها من خالف قوله عمله، وكفى بقوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} فإنه فيه عظة وعبرة لمن عقل.

إن مخالفة القول للعمل توقع الطالب في حيرة، وتجعله لا يستقر على حال.

عظم المهمة الملقاة على المعلمين والمربين.

ص: 18