الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[5]
التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة
.
لا شك أن الكلمة الطيبة والعبارة الحسنة تفعل أثرها في النفوس، وتؤلف القلوب، وتذهب الضغائن والأحقاد من الصدور، وكذلك التعبيرات التي تظهر على وجه المعلم تحدث مردوداً إيجابياً أو سلبياً لدى الطالب، وذلك لأن انبساط الوجه وطلاقته مما تأنس به النفس وترتاح إليه. وأما عبوس الوجه وتقطيب الحاجبين فهو مما تنفر منه النفس وتنكره.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان أطيب الناس روحاً ونفساً، وكان أعظمهم خلقاً {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) ولم يكن فظاً غليظاً حاد الطباع بل كان سهلاً سمحاً ليناً رءوفاً بأمته {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2) وقال تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (3) .
(1) سورة القلم.
(2)
سورة التوبة.
(3)
سورة آل عمران الآية: 159.
1-
«فعن عطاء بن يسار قال: (لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال: (أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبض الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: (لا إله إلا الله) ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً» (1) تلكم كانت بعض صفات النبي صلى الله عليه وسلم، خلق عظيم، وبالمؤمنين رءوف رحيم، ليس بفظ ولا غليظ القلب
…
إلخ وتلك صفات كانت من لوازم الدعوة إذ إن المدعوين يحتاجون إلى من يرفق بهم ن ويعلمهم أمور دينهم، ففيهم الجاهل وفيهم الصغير وفيهم الكبير، وكل أولئك يلزمهم رفق، وخلق، وحلم، وأناة، ولطف، وحسن تصرف وإلا انفضوا وغضبوا ولم يتبعوا الهدى ممن جاء به. ولقد ضرب رسولنا الكريم - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حسن الخلق، كيف لا
(1) رواه البخاري في البيوع، وتفسير القرآن / وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.
وربنا عز وجل هو الذي امتدحه بذلك {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: «كان خلقه القرآن» (1) . وتعال معنا لنرى ذلك الموقف الذي يرويه «أنس بن مالك:
2-
قال: (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، قال: يا محمد، مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء» (2) .
ما أعظم ذلك الخلق الرفيع الذي امتاز به النبي صلى الله عليه وسلم، كان في مقدوره أن يؤدب ذلك الأعرابي على صنيعه، ولكن لم تكن تلك من شيم ولا أخلاق المعلم الأول صلى الله عليه وسلم، كيف يفعل ذلك وهو الذي قال:
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار.
(2)
متفق عليه.
(3)
رواه أحمد وابن ماجه، والترمذي وقال هذا حديث غريب، وأبو داود برقم (3997-4777) وقال الألباني: حسن.
والمربون والمعلمون حري بهم أن يترسموا خطى المعلم الأول صلى الله عليه وسلم، في التحلي بالأخلاق الفاضلة والأدب الرفيع، وهي من أنجع الوسائل في التعليم والتربية، حيث إن الطالب في الغالب يتأثر وتخلق بأخلاق معلمه ويتقبل منه أكثر من غيره، فإذا كان المعلم يتحلى بأخلاق حميدة أثر ذلك على طلابه إيجاباً، وعملت في نفوسهم ما لم تعمله عشرات النصائح والدروس، ومن هنا نفهم سر قوله صلى الله عليه وسلم «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» (1) وقوله:«إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل، وصائم النهار» (2) . لأن حسن الخلق سجية تعمل عمل السحر في أسر القلوب، واستمالة النفوس، وإشاعة المحبة بين أفراد المجتمع. والمعلمون هم أولى الناس بذلك! .
الخلاصة:
الأخلاق صفة حميدة ينبغي للمعلم أن يتحلى بها، ويحث طلابه على التخلق بها.
الكلمة الطيبة، والبشاشة وطلاقة الوجه، من الأسباب التي تزيل الحاجز النفسي بين المعلم وتلميذه.
الحلم والأناة، وانشراح صدر المربي، في مقابل جهل الطالب.
(1) أخرجه أبو داود، وأحمد، وصححه ابن حبان، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال الألباني إسناده صحيح (السلسلة الصحيحة = 2 / 563) .
(2)
أخرجه أبو داود، وابن حبان، والحاكم، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. قلت: أي الألباني - وهو كما قالا (السلسلة الصحيحة 2/437)