الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[4]
العدل والمساواة
.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1) وقال تعالي: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} (2) . وقال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (3) . وقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} (4) . . ففي الآية الأولى يأمر الله بالعدل ويوجبه على العباد فالعدل الذي أمر الله به، يشمل العدل في حقه، وفي حق عبادة.. ويعامل الخلق بالعدل التام فيؤدي كل والٍ ما عليه، تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء، ونواب الخليفة، ونواب القاضي. أهـ (5) وقس على ذلك الولاية التي تكون للمعلم على تلميذه فإن له ولاية على طلابه بحسبها. وفي الآية الثانية أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعدل بين أهل الكتاب، وأن لا تكون هذه العداوة مانعة من العدل في الأحكام، وكذلك الآية الثالثة تحث على إقامة العدل
(1) سورة النحل، الآية:90.
(2)
سورة الشورى، الآية:15.
(3)
سورة المائدة الآية: 8.
(4)
سورة الأنعام الآية: 152.
(5)
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان. (4 / 232) بتصرف يسير.
مع الأعداء، ألا ترى إلى قوله:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} أي لا يحملنكم بغضكم لهم على ألا تعدلوا. ثم أخبر تعالى في ختام الآية أن تحقيق العدل وإقامة القسط ولو كان مع العدو فإنه سبب في كمال التقوى. وفي قوله تعالى {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم فإن تم العدل كملت التقوى. أهـ (1) . وفي الآية الرابعة أمر الله سبحانه بالعدل مع القريب والبعيد. قال ابن كثير: وقوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وكذا التي تشبهها في سورة النساء يأمر الله تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل كل حال.
(1) المصدر السابق (2 / 259)
أهـ (1) .
فمما سبق يتبين أن القيام بالقسط والعدل بين الناس، شأنه عظيم، ولذلك جاءت الآيات في بيان أمره والتعظيم من شأنه. ورسولنا صلى الله عليه وسلم يضرب أروع الأمثلة في تحقيقه للعدل بين أفراد أمته. انظر للحديث الذي ترويه أم المؤمنين عائشة - رضى الله عنها -
1-
قالت: «إن قريش أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة، فقال: رسول الله " أشفع في حد من حدود الله؟ " ثم قام فاختطب، ثم قال: " إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم والله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» (2) الله أكبر! انظر إلى من بلغ الذروة في تحقيق العدالة «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وحاشاها أن تفعل ذلك
(1) تفسير القرآن العظيم (2 / 190) .
(2)
متفق عليه.
2-
«عن النعمان بن بشير قال: تصدق علي أبي ببعض ماله. فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفعلت هذا بولدكم كلهم؟ " قال: لا. قال:" اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ". فرجع أبي فرد تلك الصدقة» (1) . وجاء في رواية أخرى: «فلا تشهدني إذًا. فإني لا أشهد على جور» . (2)
والمعلمون، يتعرضون لمواقف كثيرة من قبل طلابهم، سواء في توزيع المهام والواجبات إن كانت هناك أعمال تحتاج إلى مشاركات جماعية أو تفضيل بعضهم دون بعض ونحو ذلك. ويتأكد العدل عند وضع العلامات ورصد الدرجات، فلا مجال لمحاباة أحد، أو تفضيل أحد على أحد سواء لقرابته أو معرفته أو لأي أمر كان، فإن هذا من الظلم الذي لا يرضاه الله وصاحبه متوعد بالعقوبة.
إن اختلال هذا الميزان عند المعلم، أي وجود التميز بين الطلاب، كفيل بأن يخلق التوتر وعدم الانسجام والعداوة والبغضاء بين الطلاب، وكفيل بأن يجعل هناك هوة واسعة بين المعلم وطلابه الآخرين الذين بين طلابه لكي يشيع الإخاء والمحبة بينهم.
(1) رواه البخاري في كتاب الهبة / ومسلم في كتاب الهبات. واللفظ له / وأحمد في مسند الكوفيين والنسائي في النحل / وأبو داود في البيوع / وابن ماجه في الأحكام / ومالك في الأقضية.
(2)
مسلم بشرح النووي كتاب الهبات (حديث رقم 1623) .
أيها المعلم: إن كانت لك علاقة قربى أو صداقة مع أحد طلابك، فلتكن بعيدة عن مسمع ومرأى الطلاب الآخرين.
روي عن مجاهد قال: (المعلم إذا لم يعدل كتب من الظلمة)
…
ويروى عن الحسن البصري قوله: (إذا قوطع المعلم على الأجر فلم يعدل بينهم - أي الطلاب - كتب من الظلمة)(1) .
الخلاصة:
عظم شأن العدل، حيث أمر الله به وأوجبه مع القريب والبعيد، ومع العدو أيضاً
أهمية تحقيق العدل والمساواة بين الطلاب، لما فيه من إشاعة المحبة والمودة بينهم.
يتأكد العدل ويتعين، عند وضع العلامات ورصد الدرجات.
الحرص على إبقاء علاقات القرابة أو الصداقة، بعيدة عن مسمع ومرأى الطلاب الآخرين.
(1) النقل من كتاب إعداد المعلم. د / عبد الله عبد الحميد محمود. ص238.