الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[8]
أسلوب التشويق في التعليم
أسلوب التشويق: هو أسلوب أو طريقة من الطرق تبعث على إيقاظ الهمم، وإذكاء النفوس، إذ إن النفس البشرية تتطلع إلى استكشاف كل جديد، بل إن إثارة المتعلم وتشويقه، تجعله يبحث ويستقصي بلهف شديد، ورغبة شديدة، في معرفة ذلك الشيء المشوق. يوضح ذلك الحديث الذي يرويه «أبو سعيد المعلي رضي الله عنه:
1-
قال: (كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ؟ ثم قال لي: لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» . (1) في هذا الحديث يظهر لنا جلياً شوق ذلك الصحابي إلى معرفة أعظم سورة في القرآن، حيث إنه لم يصبر ولم يمهل الرسول حتى يخرج بل بادره بقوله: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟) .
(1) رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن / وأحمد في مسند المكيين / والنسائي في الافتتاح وأبو داود في الصلاة / وابن ماجه في الأدب / والدارمي في الصلاة.
2-
ومثله الحديث الذي عند مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احشدوا (أي اجتمعوا) فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن) فحشد من حشد. ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: قل هو الله أحد. ثم دخل فقال: بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبر جاءه من السماء. فذاك الذي أدخله. ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن. ألا إنها تعدل ثلث القرآن» (1) . ألا إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله، كان له أثر كبير في تشوقهم، لسماع ثلث القرآن منه صلى الله عليه وسلم ففي هذه القصة فوائد منها دلالة واضحة على فضل قراءة سورة الإخلاص، ومنها تلهف الصحابة لسماع ثلث القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها أن قوله (احشدوا) ثم دخوله وخروجه مرة أخرى يلزم منه رسوخ هذه القصة بأحداثها عند الصحابة وحفظهم لها.
(1) رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرهم / وأحمد في باقي مسند المكثرين / والترمذي في فضائل / القرآن وابن ماجه في الأدب / والدارمي في فضائل القرآن. وعند مسلم أيضاً (برقم 811) عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن قال: (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) .
3-
روى الإمام أحمد: «عن أنس قال: كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال رسول الله مثل ذلك فطلع الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت قال: (نعم) قال أنس فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار (1) وتقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) فطلعت أنت في الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك
(1) تعار: بتشديد الراء: هب من النوم مع كلام، وقيل: تمطيء النهاية لابن الأثير، (عرر) . (نقلاً من التمهيد لابن عبد البر (6 / 122) حاشية 2)
تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هو ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. قال عبد الله فهذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق» (1) .
وفي هذه القصة كان الدافع الذي حدا بعبد الله بن عمرو بن العاص إلى أن يقول ما يقول لذلك الصحابي، لكي يعلم السبب الذي من أجله كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات:«يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» ، ولا يخفى ما في هذه القصة من أسلوب إثارة وتشويق وهو بين ظاهر.
الخلاصة:
إن استخدام أسلوب التشويق والإثارة، من أقوى الدوافع على التعلم والبحث والاستقصاء (2) .
يجب أن يضع المعلم في اعتباره، أن العبارات المستخدمة في هذا الأسلوب، يجب أن تؤدي إلى معنى تهواه وتستشرف إليه النفس. كقوله صلى الله عليه وسلم:«لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» ، وقوله:«احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن» وقوله: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» ثلاث مرات.
كلما كان أسلوب التشويق قوياً، كلما كانت الدوافع أقوى.
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين قال ابن كثير (4 / 337، 338) ورواه النسائي. في اليوم والليلة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن معمر به. وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس فالله أعلم. وكذلك رواه ابن عبد البر بسنده انظر التمهيد (6 / 121، 122) .
(2)
من أساليب التشويق التي يستطيع المدرس تقديمها لطلابه، هي تقسيم الفصل إلى مجموعتين أو فريقين ثم يقوم بطرح الأسئلة على الفريقين ويعطي درجات معينة على الإجابات الصحيحة. ولا شك أن هذه الطريقة ونحوها تدفع الطلاب إلى التعلم لأن فيها تشويقاً وإثارة. وقس على ذلك.
[9]
استخدام الإيماءات (حركات اليدين والرأس) في التعليم
لا ينفك المعلم بحال من الأحوال عن إيماءات اليدين والرأس، أثناء ممارسته للتعليم، فهي ملازمة للمتحدث أياً كان نوع الحديث. ولكن هل من سبيل إلى توظيف هذه الحركات والإيماءات لصالح التعليم؟ الجواب. نعم. وإن سألتني كيف ذلك؟ قلت لك: تابع معي السطور التالية:
إن عين التلميذ تتابع حركات المعلم وسكناته، ولذلك فهو يتأثر بالانفعالات التي يحدثها المعلم، إذاً فهو يتأثر بحركة اليدين والرأس. والمعلم قد يستفيد من هذه الحركات والإشارات في أمور عدة:
أحدها: زيادة بيان وإيضاح وتأكيد على الكلام: نأخذ هذه من حديث جابر رضي الله عنه، في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:
1-
«أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه، أن لمن لم يسق الهدي أن يحل من إحرامه بعد طوافه بين الصف والمروة ويجعلها عمرة وقال: (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي. وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل. وليجعلها عمرة) فقام سراقة بن مالك بن جشم فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لا بد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى. وقال: (دخلت العمرة في الحج) (1) مرتين (لا بل لا بد الأبد» (2) ووجه الدلالة هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه ليبين ويؤكد على أن هذا الحكم مستمر للأبد، ولا يخفى ما في هذه الحركة من معان قوية، تزيد الكلام تأكيداً، وقوة إلى قوة.
(1) في قوله: (فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج) يقول النووي: واختلف العلماء في معناه على أقوال أصحها به قال جمهورهم معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. (مسلم بشرح النووي. كتاب الحج. حديث 1216) .
(2)
حديث جابر الطويل في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم. أورده مسلم في كتاب الحج / باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: (فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه) وأشار بيده يقللها» (يزهدها)(1) وبتأمل هذا الحديث، يتبين أن إشارته صلى الله عليه وسلم أفادت معنى جديدً زائداً على كلامه صلى الله عليه وسلم، وهو أن هذه الساعة أمرها يسير في مقابل نيل أمر عظيم، وهذا من فضل الله على عباده. قال الزين بن المنير: الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها (2) .
ثانيها: جذب الانتباه وترسيخ بعض المعاني في الذهن: نلمس ذلك من الحديث السابق الذي ساقه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وذلك عندما «خطب النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في نمرة يوم عرفة، حيث بين لهم في هذه الخطبة أموراً كثيرة وعظيمة، ثم بعد أن بلغهم قال لهم:
(1) رواه البخاري في كتاب الجمعية (والزيادة التي بين المعقوفتين هي عند المصنف في كتاب الدعوات) / ومسلم في الجمعة / وأحمد في باقي مسند المكثرين / والترمذي في الجمعة / والنسائي في الجمعة / وأبو داود في الجمعة / وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها / ومالك في النداء للصلاة / والدارمي في الصلاة.
(2)
فتح الباري (كتاب الجمعة ح935)
1-
(وأنتم تسألون عني. فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها (1) إلى الناس (اللهم! اشهد. اللهم! اشهد) ثلاث مرات» (2) ففي رفع الرسول صلى الله عليه وسلم لأصبعه إلى السماء ثم الإشارة به إليهم، جذب لأنظار الناس لهذا الأمر الهام والخطير وهو مقام الشهادة على التبليغ (3) .
2-
ذكر أبو العالية البراء.. تأخير ابن زياد الصلاة ذكر ذلك لعبد الله بن الصامت فعض على شفتيه فضرب فخدي وقال سألت أبا ذر كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال: «صل الصلاة لوقتها فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل أني قد صليت فلا أصلي» قال في شرح مسلم: قوله فضرب فخذي أي للتنبيه وجمع الذهن على ما يقوله له (4) .
ثالثها طلب الاختصار: أما طلب الاختصار فنأخذه من الحديث المتفق عليه الذي يرويه ابن عباس بقوله:
(1) ورد في سنن أبي داود (وينكبها) بالباء الموحدة، وكذلك (وينكتها) بالتاء المثناة. ومعنى (ينكبها) أي يقلبها ويردها على الناس مشيراً إليهم. ومعنى (وينكتها) أي يشير بها إلى الناس كالذي يضرب بها الأرض (عون المعبود. كتاب المناسك. باب 57. (5 / 264 بتصرف يسير) .
(2)
مسلم. كتاب الحج. باب حج النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
وفي رفعه صلى الله عليه وسلم لأصبعه إلى السماء، بيان جلي إلى أن الله سبحانه وتعالى في العلو، وأنه منزه عن تخبيطات وأوهام الفلاسفة، والاتحادية والحلولية ومن نحى نحوهم. ولكنه سبحانه يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، فلله الحمد والفضل والمنة.
(4)
ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية وقال: (فصل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التنبيه وصراحته في التعليم. (2 / 87) ط. مكتبة الرياض / وهو عند مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة / وأحمد في مسند الأنصار / والترمذي في الصلاة / والنسائي في الإمامة / وأبي داود في الصلاة / وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها / والدارمي في الصلاة.
1-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده إلى الأنف، واليدين والركبتين، وأطراف القدمين» ألا ترى أنه قال أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ثم قال الجبهة وأشار بيده إلى الأنف، فهذا فيه بيان إلى أن الأنف تابع للجبهة، أي كأنهما عضو واحد، وفيه أيضاً اختصار بديع، إذ أنه صلى الله عليه وسلم استغنى عن ذكر الأنف بالإشارة إليه، ألا ترى أنه لو لم يشر إلى الأنف لكان يتوجه أن يقال: الجبهة والأنف، فلما استخدمت الإشارة على الأنف مع قوله الجبهة، أغنى ذلك عن ذكر الأنف. والله أعلم.
2-
عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل في حجته فقال: ذبحت قبل أن أرمي، فأومأ بيده قال: ولا حرج. قال: حلقت قبل أن أرمي، فأومأ بيده قال: ولا حرج. قال: حلقت قبل أن أذبح فأومأ بيده: ولا حرج» (1) .
3-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج) قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ فقال: هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل» (2) .
الخلاصة:
(1) ساق البخاري هذا الحديث في كتاب العلم. باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس.
(2)
التخريج السابق.
توظيف إيماءات اليدين والرأس في صالح التعليم.
الإشارات تفيد المعلم في الاختصار، أو زيادة تأكيد على الكلام، أو ترسيخ وتعميق بعض الأمور الهامة أو جذب انتباه السامع، أو تساعد المعلم في التعبير عن بعض المعاني التي قد يتعذر على اللسان الإتيان بها. وغيرها.
هناك وظائف كثيرة متعارف عليها، وهي معلومة لنا بحكم العادة، كإشارة طلب السكوت، أو النفي، أو طلب المجيء والانصراف.
إن الإسراف في حركة اليدين، مزعجة للطالب، ونقيضه تعطيل هذه الوسيلة يفوت على المعلم وسائل مساعدة في إيضاح بعض مواد الشرح. فكلا قصد طرفي الأمور ذميم.