الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[4]
عدم التصريح بالأسماء أثناء التوبيخ
غالباً ما يكون التوبيخ له أثر في نفس الموبخ، ويعظم هذا الأثر إن كان التوبيخ بحضور جماعة من الناس، فإنه حينئذ يتضاعف. والنبي صلى الله عليه وسلم كانت له طريقة فريدة من نوعها في معالجة الأخطاء الظاهرة التي تحدث من صحابته، إذ إن الغاية من تشهيره عليه الصلاة والسلام بالخطأ ليس التشفي من المخطئ، بل هو تحذير من الوقوع في الخطأ، وذم للخطأ نفسه. وقصة الثلاثة الذين تقالوا عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم مشهورة:
1-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه (1) فقال: " مابال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام.وأصوم وأفطر وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني» (2) .
(1) أي: بعد أن علم بمقالتهم، صعد على المنبر وخطب بالناس، وهذا جاء مصرحاً به في روايات أخرى لهذا الحديث.
(2)
رواه البخاري في كتاب النكاح / ومسلم في النكاح واللفظ له / وأحمد في باقي مسند المكثرين / والنسائي في النكاح.
تأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام» ، فهو لم يصرح بأسمائهم وإن كان بعض الصحابة يعرفونهم ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يصرح بأسمائهم لأن الغرض - كما قلنا سابقاً - ليس هو التشهير بالمخطئ أو بصاحب الفعل المذموم، وإنما هو بيان ذلك الفعل المذموم أو القول المذموم والتحذير منه. قال النووي عند قوله:(أن النبي صلى الله عليه وسلم حمد لله تعالى وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا» هو موافق للمعروف من خطبه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا أنه إذا كره شيئاً فخطب له ذكر كراهيته ولا يعين فاعله، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم فإن المقصود من ذلك الشخص وجميع الحاضرين وغيرهم ممن يبلغه ذلك ولا يحصل توبيخ صاحبه على الملأ (1) . وإليك قصة أخرى يرويها أبو حميد الساعدي:
(1) مسلم بشرح النووي: كتاب النكاح / حديث رقم (1401) .
2-
وفي هذه الواقعة، قوله صلى الله عليه وسلم:«ما بال العامل نبعثه» ، حيث لم يفصح الرسول صلى الله عليه وسلم عن اسمه مع أن كثيراً من الصحابة يعلمون هذا الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:«ما بال العامل نبعثه» ، ولكن لما كان القصد هو التحذير من الفعل المذموم وبيان ضرره وسوء عاقبته حتى لا يقع في الآخرون، شهر بالفعل دون الفاعل، إذ ليس هناك مصلحة ترجى من ذكر اسم الفاعل. وحول هذا الحديث وهذا المعنى يشير ابن حجر بقوله: وفيه أن من رأى متأولاً أخطأ في تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للناس ويبين خطأه ليحذر من الاغترار به (2)
(1) البخاري في كتاب الأحكام / مسلم في الإمارة / أحمد في باقي مسند الأنصار / أبو داود في الخراج والإمارة والفيء / والدارمي في الزكاة
(2)
فتح الباري. كتاب الأحكام (13 / 179) باب هدايا العمال غلول.
والمعلمون كذلك يجب أن تكون طريقتهم في علاج الأخطاء التي تقع من الطلاب، عن طريق التشهير بالخطأ وذمه وبيان سوء عاقبته، والتحذير منه، مع عدم التصريح باسم المخطئ خصوصاً إذا كان الخطأ عن غير تعمد من الطالب نفسه، لكي لا يستغلها ضعاف النفوس في تحقيره ورميه بالنقائص، ولكي لا يوجد حالة من الكراهية والبغضاء بين المعلم والطالب، أما إن كان المخطئ متعمداً عالماً فهذه حالة يقدرها المعلم، هل يشهر به أمام الآخرين لردعه عما هو فيه - مع ملاحظة تجرد النفس من قصد التشفي والانتصار لها -؟ أم يستعمل أساليب أخرى لعلاج هذه الحالة؟ وهذه كما قلت سابقاً، راجعة إلى تقدير المعلم. وعموماً فإن طريقة التعريض بالخطأ دون التصريح باسم صاحبه مهمة ليست بيسيرة، إذ فيها تكمن براعة المعلم في علاج الخطأ دون التعرض لكرامة الطالب (1) . وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح. وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيئة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار. أهـ.
الخلاصة:
(1) من هنا يبدأ النقل من إحياء علوم الدين. (1 / 95) .
ليس القصد من إعلان الخطأ التشهير بالمخطىء، بل هو تحذير وبيان لسوء الفعل أو القول، لكي لا يغتر به.
عدم التصريح بالاسم أثناء بيان الخطأ، وإن كان المخطئ معلوماً عند البعض.
إذا كان المخطئ عامداً عالماً، فللمعلم أن يجتهد في إيجاد السبيل الأقوم في معالجة وتأديب المخطئ.
براعة المعلم تكمن في كيفية علاج الخطأ، دون التصريح باسم المخطئ. .