الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً: الاتصال السمعي:
منها:
أ- طريقة الكلام (السرد - الشرح) :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد كسردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس إليه» (1) قولها: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد» ..) بضم الراء من السرد وهو الإتيان بالكلام على الولاء والاستعجال فيه.. والمعنى لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابع الحديث استعجالاً بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع.. وقوله: (فصل) أي بين ظاهر يكون بين أجزائه فصل. (2)
إن عرض المادة العلمية بسرعة يسبب إرباكاً لدى الطالب، ويشتت ذهنه، ويحرمه الانتفاع بكثير من الفوائد والمسائل التي قد تمر سريعاً ولا يتصيدها الذهن، وهذه الطريقة يقع فيها كثير من المعلمين، ولذا وجب التنبيه لها. وعكس ذلك البطء الشديد الممل، الذي يبعث على الاسترخاء والنوم، ويولد الضجر والسآمة لدى الطالب.
والطريق الأمثل، هو الفصل بين الكلمات، حيث يفصل بين الكلمة وأختها فلا تتداخل الكلمات والحروف لكي لا تشكل وتصعب على الطالب، وكذلك التوسط في السرد فلا هو بالسريع المفرط ولا البطيء المخل.
(1) الشمائل المحمدية. للترمذي. تحقيق الألباني. وقال الترمذي حديث حسن صحيح. وحسن الألباني إسناده وعند البخاري في المناقب وفيه: (كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه) وهو عند مسلم في فضائل الصحابة وأحمد في باقي مسند الأنصار والترمذي في المناقب وأبو داود في العلم..
(2)
تحفة الأحوذي / أبواب المناقب / باب 39. بتصرف يسير.
ب- عدم التشدق في الكلام وتكلف السجع:
التشدق: هو التوسع في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل المتشدق المتكلف في الكلام فيلوي به شدقيه، والشدق جانب الفم (1) . وتكلف الكلام، والإتيان بغرائبه، والمبالغة في إخراج حروفه، أمر مذموم شرعاً، ومرفوض عقلاً، لأن من كانت هذه صفته لا بد وأن يرى في نفسه التعاظم على الغير وازدراء الآخرين لكونهم أقل منه بلاغة وفصاحة. ولعل حديث جابر رضي الله عنه، وحديث عبد الله بن عمرو يغنيان عن كثير من الكلام في هذا الباب:
1-
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً. وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون " قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: (المتكبرون» (2)
(1) عون المعبود (كتاب الأدب / باب 95 باب ما جاء في التشدق في الكلام) .
(2)
قال النووي في رياض الصالحين ص233: رواه الترمذي وقال حديث حسن. ثم قال: (الثرثار) : هو كثير الكلام تكلفاً. (والمتشدق) : المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء الفم فيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه، (والمتفيهق) أصله من الفهق، وهو الامتلاء، وهو الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه، ويغرب به تكبراً وارتفاعاً، وإظهاراً للفضيلة على غيره.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانها» . / (1) يقول الغزالي في الإحياء: التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات والمقدمات وما جرى به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة. وكل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت.. ثم بعد أن ساق أخباراً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بل ينبغي أن يقتصر في كل شيء على مقصوده: ومقصود الكلام التفهيم للغرض وما وراء ذلك من تصنع مذموم. ولا يدخل في هذه تحسين ألفاظ الخطابة والتذكير من غير إفراط وإغراب (2) .
قلت: هذا إذا كان المتكلم ممن يحسن التحدث بالعربية ولكن بلينا بقوم فرطوا في لغتهم، فادخلوا عليها ما ليس فيها كقول بعضهم (أوكي / ok) ، و (يس / yes) ونحو ذلك، فلا لغتهم نصروا، ولا لغة عدوهم دفعوا! .
ت - رفع الصوت (أو تغيير نبرات الصوت) بالتعليم:
(1) رواه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة / وأبو داود في الأدب / والترمذي في الأدب. وصحح الألباني رواية أبي دواد. والباقرة أي البقرة: وخص البقرة لأن جميع البهائم تأخذ النبات بأسنانها وهي تجمع بلسانها. قاله في عون المعبود / كتاب الأدب / باب 95
(2)
إحياء علوم الدين (3 / 193) .
1-
«عن عبد الله بن عمرو قال: تخلف عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثاً» (1) هذا الحديث بوب عليه البخاري في صحيحة بقوله: باب من رفع صوته بالعلم. قال الحافظ: واستدل المصنف على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله: «فنادى بأعلى صوته» وإنما يتم الاستدلال بذلك حيث تدعو الحاجة إليه لبعد أو كثرة جمع أو غير ذلك، ويلحق بذلك ما إذا كانت موعظة كما ثبت ذلك في حديث جابر «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته» .. الحديث) أخرجه مسلم. (2)
يستفاد مما سبق من رفع الصوت أثناء التعليم، في بيان المسائل المهمة جداً التي تستلزم جذب انتباه السامعين، لكي تطرد الغفلة والشرود عن أذهانهم وتهيئتهم لما سيلقى إليهم، وكذلك يستفاد من رفع الصوت في الإنكار كما جاء في الحديث المتقدم، وقد يستفاد من رفع الصوت قليلاً أثناء الشرح، إذا أراد المعلم أن ينبه فرداً أو أفراداً معينين من الطلاب، ولم يرد أن يقطع حديثه.
ث - استمرار المعلم في الإلقاء وعدم قطعه:
(1) رواه البخاري في كتاب العلم / ومسلم في الطهارة / وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة / وأبو داود في الطهارة / والنسائي في الطهارة.
(2)
ذكره الحافظ في الفتح (1 / 173) وهو عند الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين / وأبي داود في الخراج والإمارة والفيء / والنسائي في صلاة العيدين / وابن ماجه في المقدمة / والدارمي في المقدمة.
يلجأ بعض الطلاب إلى أيقاف شرح المعلم لتوضيح نقطة غامضة، أو إعادة لشرح مضى، وقد يستجيب المعلم لهذا الطلب وقد لا يستجيب، وفي استجابة المعلم عدة محاذير. أولاً: تقديم رغبة طالب واحد أو اثنين على حساب مجموعة كبيرة وهي الأغلبية. ثانياً: قطع الحديث بعضه عن بعض وكان حقه أن يكون متصلاً. ثالثاً:التشويش على أذهان الطلاب بهذا القطع الطارئ. رابعاً: التشويش على المعلم نفسه وقطع تسلسل أفكاره. ومستندناً في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه قال:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذا قضى حديثه قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله. قال: " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» (1) .
تأمل هذا الحديث يتضح لك ما قلناه آنفاً، وفيه زيادة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاب على سؤال السائل بعد فراغه من حديثه، ونستنبط من هذا عدم قطع الحديث المتصل (2) ، وإجابة السائل بعد الفراغ من الحديث المتصل.
(1) رواه البخاري في كتاب العلم / وأحمد في باقي مسند المكثرين.
(2)
أحد طلاب الثانوية يقول: مدرسنا اضطر لقطع حديثه مرتين من أجل أن يجيب على رسالة (لا سلكية) جاءته عبر جهاز «الجوال» !!؟.
ج- السكوت أثناء الإلقاء (الشرح)
للسكوت أثناء شرح المعلم فوائد يحسن بنا الوقوف عندها قليلاً فمنها: أنها تجذب انتباه الطلاب، فكون المعلم يتكلم في موضوع معين ثم يسكت فجأة فإن هذا وبلا شك يستلزم انتباهاً من المستمع، ومنها: أنها تسمح بتراد نفس المعلم وأخذ قسط قليل من الراحة ومنها: أنها تعطي المعلم فرصة لترتيب أفكاره وهي عملية ذهنية لا تستغرق سوى ثوان معدودة. ولعل الحديث الآتي يقرب ما قلناه آنفاً:
(1) رواه البخاري في المغازي / ومسلم في القسامة والمحاربين والقصاص / وأحمد في مسند البصرين / وابن ماجه في المقدمة / والدارمي في المناسك.
فأنت ترى أثر هذا السكوت على الصحابة، وكيف جذب حواسهم وانتباههم، ولك أيها المعلم أن تستخدم هذه الطريقة أثناء شرحك، بعد كل نقطة رئيسة للفصل بين النقاط، وللتهيؤ لشرح النقطة التي تليها.