الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1]
غرس العقيدة الصحيحة وتقوية الإيمان خلال التعليم:
قليل من المعلمين الذين يتفطنون إلى هذه الطريقة، وهي تتلخص في ترسيخ العقيدة في نفوس الطلاب، عند تعليمهم مواد العلوم الطبيعية، والمواد (الجغرافية) والفلكية، ونحوها وقبل أن نورد خبر المعلم الأول صلى الله عليه وسلم، تعال لنتأمل ونتدبر كلام الله عز وجل. قال الله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1) أي {تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً} لا نبات فيها {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ} أي المطر {اهْتَزَّتْ} أي تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} (2) ثم: أنبتت من كل زوج بهيج فأحيا بها العباد والبلاد. {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} بعد موتها وهمودها {لَمُحْيِي الْمَوْتَى} من قبورهم إلى يوم بعثهم، فنشورهم {أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، لا تعجز عن إحياء الموتى. أهـ (3) . فيا ليت المعلمين يحسنون الربط بين الظواهر الطبيعية وبين أمور العقيدة (4) كما جاء في الآية السابقة، حيث بين الله
(1) سورة الأنعام.
(2)
ربت: أي انتفخت وزادت قال أبو السعود في تفسيره: أي تحركت بالنبات، لأن النبات إذا دنا أن يظهر، ارتفعت له الأرض، وانتفخت، ثم تصدعت عن النبات.
(3)
تيسير الكريم الرحمن. لابن سعدي. سورة الأنعام الآية: 39.
(4)
يجب التنبه إلى مسألة هامة وهي أنه لا يلزم منا أن نستدل بكل ظاهرة من ظواهر العلم أو جزئية معينة، بدليل من الكتاب والسنة، ولا أن نلوي أعناق النصوص أو نتكلف ذلك، فالقرآن الكريم أنزل ليتلى ويتدبر ويعمل به، والسنة لتطبق ويعمل بها، ولكن إن جاء أحد منهما مصرحاً بذكر شيء من الظواهر قبلناه وأثبتناه ولا نتكلفه.
سبحانه وتعالى حال الأرض الميتة التي لم تمطر، من الجفاف وموت النبات فيها، وأثر الماء عليها إذا جاءها وغمرها من ظهور الحياة عليها وتحرك النبات فيها، ثم بين الله سبحانه لعباده أن هذا الإحياء الذي يشاهده العباد له نظير يوم القيامة وهو إحياء الموتى، كما جاء في التفسير السابق قوله: فكما لم تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها، لا تعجز عن إحياء الموتى. وفي هذا رد شاف على منكري البعث. ومثله لو أراد المعلم أن يتكلم عن الجبال فيحسن به أن يذكر فائدتها، والحكمة من إيجادها وهو تثبيت الأرض ومنعها من الاضطراب، ثم يذكر قوله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} (1) وقوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} (2) وقوله: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} (3) .
(1) سورة النبأ.
(2)
سورة النازعات.
(3)
سورة الغاشية.
والقرآن الكريم مليء بذكر مثل ذلك وفيما ذكرنا غنية لمن عقل. ولعلنا نعرج على سنة المصطفى، لنرى كيف كان النبي يرسخ العقيدة عند صحبه رضوان الله عليهم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا صفر ولا هامة ". فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فمن أعدى الأول» ؟ (1) .
قال الحافظ ابن حجر قوله: (فيجربها) وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من العدوى، أي يكون سبباً لوقوع الجرب بها، وهذا من أوهام الجهال، كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل في الأصحاء أمرضهم فنفى الشارع ذلك وأبطله، فلما أورد الأعرابي الشبهة رد عليه صلى الله عليه وسلم بقوله:«فمن أعدى الأول» ؟
(1) متفق عليه.
وقال بعد قوله: «فمن أعدى الأول» ؟) وهو جواب في غاية البلاغة والرشاقة. وحاصله من أين جاء الجرب للذي أعدى بزعمهم؟ فإن أجيب من بغير آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفصح به، فإن أجيب بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعى، وهو أن الذي فعل بالجميع ذلك هو الخالق القادر على كل شيء وهو الله سبحانه وتعالى (1) . (2) .
الخلاصة:
إن غرس العقيدة عن طريق عرض العلوم غير علوم الشريعة، وسيلة نافعة جداً في ربط المسلم بدينه في كل مجالات الحياة.
إن هذه الطريقة، تؤدي إلى تقوية الإيمان لدى الطلاب عموماً، فتنشئ لنا جيلاً قوياً في معتقده، وثيق الصلة بربه.
(1) فتح الباري (10 / 252)
(2)
ينبغي أن نشير هنا إلى أمر هام وهو أن الأسباب لا تؤثر بنفسها فالمؤثر هو الله، ولكننا نتجنب الأسباب التي تكون سبباً للبلاء.. وفي هذا المعنى يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرحه لكتاب التوحيد (2 / 82) قال: وهذا النفي في هذه الأمور الأربعة (وهي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث «ولا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» ) ليس نفياً للوجود، لأنها موجودة، ولكنه نفي للتأثير، فالمؤثر هو الله، فما كان سبباً معلوماً فهو سبب صحيح، وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببه. فقوله:«لا عدوى» العدوى موجودة، ويدل لوجودها قوله صلى الله عليه وسلم:«لا يورد ممرض على مصح» أي: لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة، لئلا تنتقل العدوى. أهـ.