المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تقديم السائل من خلال سؤاله، وإجابته بما يناسب حاله - المعلم الأول صلى الله عليه وسلم

[فؤاد الشلهوب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مدخل

- ‌ إخلاص العلم لله

- ‌ صدق المعلم

- ‌ مطابقة القول العمل

- ‌ العدل والمساواة

- ‌ التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة

- ‌ تواضع المعلم

- ‌ شجاعة المعلم

- ‌ مزاح المعلم مع تلاميذه:

- ‌ الصبر واحتمال الغضب:

- ‌ تجنب الكلام الفاحش البذيء:

- ‌ استشارة المعلم لغيره:

- ‌ غرس العقيدة الصحيحة وتقوية الإيمان خلال التعليم:

- ‌ إسداء النصيحة للمتعلم:

- ‌ الرفق بالمتعلم وتعليمه بالأسلوب الحسن:

- ‌ عدم التصريح بالأسماء أثناء التوبيخ

- ‌ إلقاء السلام على المتعلم قبل الدرس وبعده

- ‌ استخدام العقوبات أثناء التعليم

- ‌ تقديم المكافآت للمتعلم

- ‌ تهيئة المتعلم لاستقبال العلم

- ‌أولاً: الاتصال السمعي:

- ‌ثانياً: الاتصال البصري:

- ‌ الأسلوب العملي في التعليم

- ‌ عرض المادة العلمية بأسلوب يناسب عقل الطالب وفهمه

- ‌ أسلوب المحاورة والإقناع العقلي

- ‌ التعليم عن طريق القصص

- ‌ ضرب الأمثال أثناء التعليم

- ‌ أسلوب التشويق في التعليم

- ‌ استخدام الرسومات للتوضيح والبيان

- ‌ توضيح المسائل المهمة عن طريق التعليل

- ‌ ترك استخراج الجواب للمتعلم

- ‌ استخدام التكرار في التعليم

- ‌ استخدام أسلوب التقسيم في التعليم

- ‌ استخدام أسلوب الاستفهام أثناء التعليم

- ‌ طرح بعض المسائل العلمية المهمة لاختبار مقدرة الطالب العقلية

- ‌ حث المعلم طلابه على طرح الأسئلة

- ‌ تقديم السائل من خلال سؤاله، وإجابته بما يناسب حاله

- ‌ التعليق على إجابة المتعلم

- ‌ قول المعلم لا أدري لما لا يدري جزء من العلم

- ‌خاتمة

الفصل: ‌ تقديم السائل من خلال سؤاله، وإجابته بما يناسب حاله

[18]

‌ تقديم السائل من خلال سؤاله، وإجابته بما يناسب حاله

يتلقى المعلمون والمربون، أسئلة كثيرة من طلابهم وتلاميذهم ونجد أن كثيراً من المعلمين والمربين يقتصرون في إجاباتهم على مراد السائل فقط لا يتعدونه. والتحقيق أن يقال: إن الاقتصار على مراد السائل فقط لا ينبغي في كل الأحوال، بل قد يكون في بعض الأحيان ما يدعو المعلم إلى الزيادة على مراد السائل وتوضيح بعض المسائل التي تتعلق بالسؤال، أو تقرير بعض المسائل المهمة والتي يمكن ربطها بالسؤال، وذلك الأمر يشتد إذا كان السائل يغلب عليه الجهل. وإليك التفاصيل:

أ - معاملة السائل من جهة جهله:

1-

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإذا توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته» .) (1)

(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين / والنسائي في المياه / وأبو داود في الطهارة / وابن ماجه في الطهارة وسننها / ومالك في الطهارة / والدارمي في الطهارة / والترمذي في الطهارة.

ص: 168

قال الرافعي: لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم مييته وقد يبتلى به راكب البحر فعقب الجواب على سؤاله ببيان حكم الميتة.. وقال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى أن يجاء في الجواب بأكثر مما يسأل عنه تتميماً للفائدة وإفادة لعلم آخر غير مسئول عنه، ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفاً. (1) ونحن هنا نلمس حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان حكم جديد لذلك السائل، لأن من سأل عن طهورية ماء البحر وجهل حكمه، فلئن يجهل حكم ميتته من باب أولى كما قاله ابن العربي.

(1) تحفة الأحوذي (شرح جامع الترمذي للمباركفوري) أبواب الطهارة / باب 52.

ص: 169

2-

«عن أبي جرير الهجيمي قال: (رأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئاً إلا صدروا عنه قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال: لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الميت» (1) قل السلام عليك. قال قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشف عنك، وإن أصابتك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة (بأرض قفراء أو فلاة) فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك. قال قلت: اعهد إلي. قال لا تسبن أحداً.. الحديث) (2) . وفي هذا الحديث يتبين لنا جهل ذلك السائل واضحاً بأمور: أولاً في قوله: (رأيت رجلاً) وهذا يدل على أنه لأول وهلة يرى الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: في قوله (عليك السلام) ، فإن تحية الإسلام لا يجهلها أحد من الصحابة. لأنها من الأمور المتكررة التي تحدث في اليوم الواحد مرات عديدة، فلما رأي الرسول صلى الله عليه وسلم، جهله أراد أن يدله على خالقه ويعلمه، فأرشده أولاً إلى تصحيح خطئه بقوله:«لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت» ثم بين له أن كشف الضر، والاستغاثة كلها

(1) قال الخطابي: هذا يوهم أن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلام كما يفعله كثير من العامة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل المقبرة فقال السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، فقدم الدعاء على اسم المدعو له كهو في تحية الأحياء، وإنما كان ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الأموات إذا كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته إن شاء أن يترحما. وكقول الشماخ: عليك سلام من أمير وباركت يد الله في ذلك الأديم الممزق. (عون المعبود. شرح سنن أبي داود. كتاب اللباس. باب ما جاء في إسبال الإزار 11 / 93) .

(2)

رواه أحمد في مسند المكيين، والترمذي في كتاب الاستئذان والأدب وقال: حسن صحيح، وأبو داود في كتاب اللباس وقال الألباني صحيح.

ص: 170

لا تصرف إلا لله. وفي الحديث لفتة كريمة للمسلم حيث دل الأعرابي على خالقه الذي يملك وحده الضر والنفع، وربطه به وحده دونه صلى الله عليه وسلم، ورغبه في اللجوء إليه وطلب العون منه والاستغاثة به في الملمات. (1)

ب - معاملة السائل من جهة ما هو أنفع له:

1-

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف» .. الحديث) (2) قال النووي: قال العلماء هذا من بديع الكلام وجزله لأن ما لا يلبس منحصر فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال: لا يلبسك كذا أي ويلبس ما سواه.. وقال ابن دقيق العيد: يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل منه المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا تشترط المطابقة. (3)

(1) من قوله، وفي الحديث لفتة كريمة.. (نقلاً من زاد المعاد حاشية (2) ص (2 / 420))

(2)

رواه البخاري في كتاب الحج / ومسلم في الحج / وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة / والنسائي في مناسك الحج والترمذي في الحج وأبو داود في المناسك / وابن ماجه في المناسك / ومالك في الحج / والدارمي في المناسك.

(3)

فتح الباري (حديث رقم 1542) .

ص: 171

2-

عن قتادة قال: سألوا النبي عن الأهلة لم جعلت؟ فأنزل الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فجعلها لصوم المسلمين وإفطارهم ولمناسكهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل دينهم. (1) وصدر الحديث بقوله: وأخرج ابن عبد حميد وابن جرير عن قتادة. الحديث.

يقول ابن القيم: فسألوه عن سبب ظهور الهلال خفياً ثم لا يزال يتزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل ثم يأخذ في النقصان، فأجابهم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوال معاشهم ومواقيت أكبر عباداتهم وهو الحج، وإن كانوا قد سألوا عن السبب فقد أجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه وإن كانوا سألوا عن حكمة ذلك فقد أجيبوا عن عين ما سألوا عنه.. (2)

الخلاصة:

(1) فتح القدير / الشوكاني (208)

(2)

أعلام الموقعين (4 / 121)، وقد بوب عليه ابن القيم بقوله:(للمفتي العدول عن السؤال بما هو أنفع) .

ص: 172

تقديم حال السائل، وبيان ما قد يحتاجه السائل، ففي المثال الأول من الفقرة الأولي: كان السائل جاهلاً بحكم معين وهو قد يخفي على بعض دون بعض ولذلك أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم على سؤاله وأردفه بحكم آخر يجهله السائل وهو متعلق بالسؤال نفسه، فمن جهل الحكم الأول فلا بد أن يجهل الآخر. فتأمله. وفى المثال الثاني من الفقرة الثانية: كان سؤال الصحابي يدل على جهله الشديد بأمور الإسلام حيث أخطأ في السلام وهو أمر لا يكاد يخطئه أحد لشيوعه بين الناس، ولذا عامله الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب حاله، حيث أجاب على سؤاله ثم علمه ودل على خالقه.

قد تكون إجابة السائل بخلاف السؤال ولكنها أنفع له ففي المثال الأول من الفقرة الثانية: كان السؤال عن جنس ما يلبس وهو كثير صعب الحصر، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى مالا يلبس وهو قليل محصور. وفي المثال الثاني من الفقرة الثانية: فيه سؤالهم عن طبيعة الهلال وخلقته، فأجابهم بما هو أنفع لهم من الحكمة العظيمة في إيجاده.

ليس ذلك التقديم مضطرداً في كل أحوال السائلين، وإنما هي أمور يقدرها المعلمون.

ص: 173

الاستفادة من أسئلة الطلاب في ترسيخ معاني معينة، أو بيان أحكام جديدة، وغير ذلك.

ص: 174