المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تدوين التأريخ الجاهلي: - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ١

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: تحديد لفظة العرب

- ‌الفصل الثاني: الجاهلية ومصادر التاريخ الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌موارد التاريخ الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌ النقوش والكتابات:

- ‌تاريخ الكتابات:

- ‌ التوراة والتلمود والتفاسير والشروح العبرانية:

- ‌ الكتب الكلاسيكية:

- ‌الموارد النصرانية:

- ‌الموارد العربية الإسلامية:

- ‌المؤرخون المسلمون:

- ‌الفصل الثالث: إهمال التأريخ الجاهلي وإعادة تدوينه

- ‌مدخل

- ‌تدوين التأريخ الجاهلي:

- ‌الفصل الرابع: جزيرة العرب

- ‌مدخل

- ‌ الحِرار، أو الأرضون البركانية:

- ‌ الدهناء:

- ‌ النفود:

- ‌مصدر الصحاري:

- ‌الدارات:

- ‌الجبال:

- ‌الأنهار والأودية:

- ‌أقسام بلاد العرب

- ‌مدخل

- ‌العربية السعيدة:

- ‌العربية الصحراوية:

- ‌العربية الحجرية، العربية الصخرية:

- ‌التقسيم العربي

- ‌مدخل

- ‌تهامة:

- ‌اليمن:

- ‌العروض:

- ‌اليمامة:

- ‌نجد:

- ‌الفصل الخامس: طبيعة جزيرة العرب وثرواتها وسكانها

- ‌مدخل

- ‌الطرق البرية:

- ‌الفصل السادس: صلات العرب بالساميين

- ‌مدخل

- ‌وطن الساميين:

- ‌الهجرات السامية:

- ‌اللغة السامية الأم:

- ‌العقلية السامية:

- ‌الفصل السابع: طبيعة العقلية العربية

- ‌الفصل الثامن: طبقات العرب

- ‌مدخل

- ‌العرب البائدة:

- ‌هود:

- ‌لقمان:

- ‌ثمود:

- ‌طسم وجديس:

- ‌جديس:

- ‌أميم:

- ‌عبيل:

- ‌جرهم الأولى:

- ‌العمالقة:

- ‌حضورا:

- ‌هلاك العرب البائدة:

- ‌فهرس

الفصل: ‌تدوين التأريخ الجاهلي:

معرض كما قلت سابقًا لآفات عديدة، أهمها تحكم العواطف القبلية على الرواة وتعرض الخبر للنسيان كلما تقدم العهد به في الذاكرة، وكلما ابتعد به الزمن؛ إذ تقل حماسة الناس له، ويضعف تأثيره في العواطف، وتفتر عندئذ همم الرواة عن حفظه وبذلك يتعرض للموت والاندثار، ومن هنا اندثرت وضاعت أخبار الجاهلية البعيدة عن الإسلام. أما الجاهلية القريبة من الإسلام؛ فقد بقي منها ما يشبه ذكريات الطفولة، خلا الأمور التي عاصرت ظهوره، فقد أدركها الصحابة؛ فكان في إمكانهم تذكرها وروايتها، وانتقلت منهم إلى من جاء بعدهم حتى وصلت إلى المدونين.

ما ذكرته هو أهم أسباب إهمال التأريخ الجاهلي، فجاء ذلك التأريخ لذلك ناقصًا فجًّا على نحو ما نقرؤه في المؤلفات العربية القديمة. أما تدوينه مجدّدًا، وإعادة كتابته وتنظيمه وتنسيقه وسدّ الفجوات الواسعة فيه؛ فقد تم على هذا النحو:

ص: 123

‌تدوين التأريخ الجاهلي:

للمستشرقين مجهود يقدر في تدوين التأريخ الجاهلي وفي كتابته بأسلوب حديث، يعتمد على المقابلات والمطابقات ونقد الروايات والاستفادة من الموارد العربية والأعجمية. وقد أفادوا مما جاء عن العرب في التوراة وفي التلمود وفي الكتب اليهودية، كما أفادوا مما جاء عن جزيرة العرب وسكانها في الكتابات الأشورية والبابلية ومن الموارد "الكلاسيكية" والمؤلفات النصرانية سريانية ويونانية ولاتينية؛ فأضافوا كل ما تمكّنوا الحصول عليه في هذا الباب إلى ما ورد في الموارد الإسلامية عن الجاهليين، فصحّحوا وقوّموا، وسدّوا بهذه المواد بعض الثلم في التأريخ الجاهلي.

وعملهم في بعث الكتابات الجاهلية ونشرها، مشكور مقدر؛ فقد أعادوا إلى الخط الذي كتبت به الحياة، وجعلوه مقروءًا معروفًا، وترجموا كثيرًا من هذه النصوص إلى لغاتهم، وهي وثائق من الدرجة الأولى، وعملوا على نشر النصوص بالمسند وبالحروف اللاتينية أو العبرانية أو العربية في بعض الأحيان، وعلى استخلاص ما جاء فيها من أمور متنوعة عن التأريخ العربي قبل الإسلام.

ص: 123

وقد أمكننا بفضل هذا المجهود المضني الحصول على أخبار دول وأقوام عربية لم يرد لها ذكر في الموارد الإسلامية؛ لأن أخبار تلك الدول وأولئك الأقوام كانت قد انقطعت وطمست قبل الإسلام؛ فلم تبلغ أهل الأخبار.

وقد ساعدهم في شرح الكتابات الجاهلية وتفسيرها علمهم بلغات عديدة، مثل اللغة العبرانية والسريانية والبابلية، فإن في هذه اللغات ألفاظًا ترد في تلك الكتابات بحكم تقاربها واشتراكها في هذه الثقافة المتقاربة التي نسميها "الرابطة السامية"، كما أن فيها أفكارًا وآراء ترد عند المتكلمين بهذه اللغات، ولهذا صار في الإمكان فهم ما ورد في الكتابات الجاهلية بالاستعانة بتلك الأفكار والآراء.

وقد كان للسياح الذين جابوا مواضع متعددة من جزيرة العرب، ولا سيما المنطقة الغربية والجنوبية منها، فضل كبير في بعث الحياة في الكتابات الجاهلية. فقد أخذ أولئك السياح بعض كتابات، كما أخذوا صور بعض آخر، ويفضل تعاونهم مع العلماء المبحرين باللغات الشرقية أمكن حلّ رموزها وبعث الحياة فيها بعد موت طويل.

وقد كان أسفار أولئك السياح مغامرات ومجازفات؛ إذ تعرضت حياة أكثرهم للخطر، بسبب عدم استقرار الأمن إذ ذاك، وبسبب سوء الأوضاع الصحية، ولعدم وجود أماكن مريحة تناسب حياتهم التي تعوّدوها؛ إلا أنهم لم يبالوا ذلك ولم يحفلوا به، وتحايلوا بمختلف الحيل للتغلب على تلك الصعوبات ولكسب ودّ رؤساء القبائل والحكّام لتسهيل مهمتهم. وقد قضى نفر منهم نحبه في أسفاره هذه. وقد كانت أكثر أسفار هؤلاء الروّاد أسفارا فردية قام بها أفراد من العلماء ومن الضباط والمغامرين. والأسفار الفردية، مهما كانت، لا تأتي بالنتائج التي تنجم عن دراسات البعثات المتخصصة بمختلف الشئون؛ لذلك نتطلع إلى اليوم الذي تتمكن فيه البعثات العلمية الكبيرة من اختراق آفاق بلاد العرب، وتقديم نتائج بحوثها إلى العلماء لتدوين تأريخ مرتب لجزيرة العرب قبل الإسلام، ولا سيما إلى البعثات العلمية العصرية التي تتألف من متخصصين من الناطقين بلغة هذه البلاد؛ لأن هؤلاء أقدر من غيرهم على فهم اللهجات القديمة ومحتوياتها وروح ذلك التأريخ.

ونستطيع أن نعدّ السائح الدانماركي"كارستن نيبور" carsten niebuhr الذي

ص: 124

قام في سنة 1761 للميلاد برحلة إلى جزيرة العرب، أوّل رائد من روّاد الغرب ظهر في القرون الحديثة، وصف بلاد العرب، ولفت أنظار العلماء إلى المسند والرقم العربية1. وقد أثارت رحلته هذه همم العلماء والسياح؛ فرحل من بعده عدد منهم لا يتسع المقام لذكرهم جميعًا رحلات إلى مختلف أنحاء جزيرة العرب عادت على التأريخ العربي بفوائد جزيلة.

فزار الدكتور "سيتزن" dr. seetzen جنوبي بلاد العرب، وتمكن من نقش صور نصوص عربية جنوبية أرسلها إلى أوروبة عام 1810م وهذه النصوص على قصرها وغلطها، أفادت في تدوين تأريخ العرب قبل الإسلام إفادة غير مباشرة؛ لأنها لفتت أنظار المستشرقين إليها وإلى دراسة التأريخ العربي القديم، حتى آل الأمر إلى حل رموز تلك الكتابة ومعرفة حروفها2.

وتمكن الرّحّالة السويسري "ليدويك بركهارد" johann Ludwig burckhard من القيام برحلة إلى الحجاز، فتزيا بزي مسلم اسمه "إبراهيم بن عبد الله" يريد الحج وزيارة مسجد الرسول وقبره. وقد صحب الحجاج في حجهم، ووصف موسم الحج وصفًا دقيقًا، وكتب عن مكة والمدينة كتابة علميّة. وقد زار آثار الأنباط وعاصمتهم "البتراء"3.

1 Carsten Niebur، Reisebesehreibung nach Arabien und anderen umliegenden Laendern، Kopenhagen، 1772-1837، in 2 Bande.

وهناك طبعة فرنسية وترجمة إنكليزية،

Carsten Niebuhr، Description de L'Arabie، Copenhagen، 1773، Voyage en Arabie،

Amsterdam، 1774-80، R.H. Sanger، The Arabian Peninsula، Cornell University

Press، 1954، P.، 241.

2 Pfannmueller، S-،' 85، Seetzen، Travels in Yemen، 1810، Hommel، Explorations in

Arabia، in Hilprecht، Explorations in Bible Land، P.، 702، Seetzen، Fundgrubendes Orients، Vienna، 1811،

نشر مذكرات "Seetzen" التي أرسلها إلى أوروبة المستشرفون "Fleischer"

و"Kruse" و "Heinrich Mueller" في أربع مجلدات:

Reisen durch Syrien، Palaestina، Phoenizien، die Tranajordan-Lander، Arabia Petraea und Unter-Aegypten.

3 Johann Ludwig Burckhardt، Travels in Arabia، London، 1829، Deutsch، Weimar، 1830، Burckhardt، Travels in Syria and Holy Land، London، 1822، Notes on the Bedouins and Wahabys، 2Vola.، London، 1830، in German، Weimar،1831،S. M. Zwemer، Arabia the Cradle of Islam، London، Explorations، P.، 703

ص: 125

وتمكن ضابط إنكليزي يُدعى james r. wellsted من زيارة الأنحاء الجنوبية من جزيرة العرب، ومن الظفر بصورة نصوص عربية قديمة قصيرة، ومن استنساخ كتابة حصن "غراب" التي يرجع تأريخها إلى سنة "640" من تأريخ أهل اليمن، وتوافق سنة 525 للميلاد. وبفضل هذا الضابط عرف المستشرقون هذا النص1.

وأضاف الرّحّالة "هوتن" t. g. hutton عددًا آخر من الكتابات الجاهلية سنة 1835 إلى ما كان قد عرف سابقًا. وجاء "كروتندن" cruthenden سنة 1838م بنقوش أخرى جديدة. وكذلك "الدكتور مكل" dr. mackell الذي عاد بخمسة نصوص سبئية؛ فتوسعت بذلك دوائر البحث قليلًا، وتمكن العلماء بفضل هذه النقوش من حلّ رموز المسند2.

وقد قام الصيدلي الفرنسي "توماس يوسف أرنو""Thomas joseph arnaud" برحلة إلى اليمن، كانت موفقة جدًّا؛ إذ تمكن بفضل علمه بالعقاقير، من اكتساب صداقة المشايخ والزعماء. وبهذه الصداقة استطاع أن يتجول في بعض أنحاء اليمن ومدنها، ولم يكن ذلك أمرًا ميسورًا للغرباء، فزار الجوف ووقف على خرائب "مأرب"، ومكث في مدينة "صنعاء" أمدًا، وزار "صرواح" المدينة الأثرية القديمة، واستنسخ ستة وخمسين نصًّا كتابيًّا قديمًا3.

وكتب التوفيق لسائح أوروبي آخر، هو الضابط الإنكليزي "coghlan" فحصل في سنة 1860م على عشرين لوحًا برنزيًا سليما عثر عليها في أنقاض مدينة "عمران"4. وقد أرشدت هذه الألواح المعدنية المستشرقين إلى ناحية مهمة

1 Otto Weber، Arabien vor dem Islam، S.، 10، Wellsted، Travels In Arabia، London،

1838، in 2 Vols.، Narrative of a Journey to the Ruins of Nakeb el Hajar، in

Journal Royal Geogr. Soc.، VH، 20، in German، Halle، 1842، by Rodiger، Saenge،

The Arabian Peninsula، p.، 221، 241

2 Cruttenden C. J. Journy، of an Excursion to San'a the Capital of Yemen،

Bombay، 1838، Journal of the Royal Geographical Society of London، Vot، III،

276-

289، and in the Proceedings of the Bombay Geographical Society، 1838،

PP.، 39-55

3 Otto Weber، S. (10. Pfanomiieller، S.، 85، Hommel، Explorations، P.، 704 Arnaud

Relation d'un Voyage a Mareb، in Journal Asiatique، 1845، 211، 309، 1874، 3.

4 "عمران"، الإكليل "8/ 13، 106، 110"

ص: 126

من نواحي الفن العربي القديم1.

وتواصل العلماء، بعد جهود، إلى حلّ رموز هذه الكتابة العربية، فعرفوا منها -وكان أغلبها قصيرًا- إنها تبحث في موضوعات متشابهة، وإنها مؤلفة من حروف أطلقوا عليها اسم "الكتابة الحميرية" أو "الحروف الحميرية". وكان الرأي السائد بادئ بدء أنها كذلك، حتى تبيّن لهم أن هذه النصوص والنصوص التي جيئ بها أخيرًا لم تكن جميعها نصوصًا حميرية؛ بل كان بعضها من النصوص المعينية، وبعضها كتابات سبئية ترجع إلى عهد دولة سبأ، وبعضها بلهجات أخرى، تختلف عن الحميرية بعض الاختلاف. وهذه الكتابة، هي الكتابة المسماة بـ "خط المسند" وبـ "القلم المسند: وبـ "المسند" في الموارد العربية.

عالج بعض العلماء ممن أولعوا بدراسة النقوش، تلك النصوص، وأعملوا رأيهم فيها حتى تمكّن بعضهم من التوصل إلى حل رموز بعضها، مثل العالم "وليم كسنيوس""wilhelm gisenuis" والعالم "رودكر""e. rodiger" والعالم "هاينرش إيوالد""heinrich ewald" والعالم "فريسنل""f. fresnel" الذي نشر النصوص التي جاء بها، وعددها ستة وخمسون نصًّا بحروف عربية وحميرية، في الجريدة الآسيوية "journal asiatique" سنة 1845م إلا أن نشره لم يكن متقنًا إتقانًا تامًا. وجاء القسيس "أرنست أوسيندر""ernest osiander"؛ فأتم ما كان قد بدئ به2. ولم يتمكن العلماء الذين عالجوا مشكلة الكتابة العربية الجنوبية من معرفة الحروف كلها؛ ولذلك لم يستطيعوا قراءة أكثر النصوص التي جئ بها إلى أوروبة وفهم معناها، كما أن النصوص المقروءة لم تكن مضبوطة ضبطًا تامًا؛ فاستطاع هذا العالم بجهوده العظيمة قراءة كل النصوص التي جاء بها السياح والعلماء، وتعيين أشكال الحروف، ووضع أسس متينة لدراسة عرفت بعد ذلك باسم "الدراسة العربية الجنوبية" وقد استعان العلماء على فهم هذه الكتابات بالدراسات اللغوية السّامية مثل العبرانية، وباللغة العربية التي نزل با القرآن الكريم، وباللهجات اليمانية، وبالمعلومات الجغرافية المدوّنة في الكتب

1 Pfannmueller، S.، 85، Weber، S.. 10.

2 Pfannmuller، S.، 85، Fulgence Fresnel، in Journal Asiatique، 111، Series، V، 521، 1838. Lettrea Sur Hist، des Arabes Avant l'lslamisme، 1853، Fresnel، Recherches sur les Inscriptions Himyariques tie San'a، Kha'riba

ص: 127

العربية، وبأسماء الملوك والأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المؤلفات العربية1. وترسم المستشرق "ليفي" "m. a. levy" أثر "أوسيندر"، وتتبع أسلوبه في البحث، وحاول استخراج مادة تأريخية من هذه النصوص التي ترجمت وعرفت. وقد تمكن من نشر ما تركه "أسيندر" من نصوص عاجلته المنيّة قبل أن يوفق لإخراجها إلى الناس، فتمكّن "ليفي" من تنسيقها وتهذيبها، وطبعها وعرضها على العلماء2.

وفاق "يوسف هاليفي""joseph halevy"، وهو يهودي فرنسي، كل من تقدمه بكثرة ما جاء به إلى أوروبة من نقوش، وبسعة علمه في تأريخ اليمن، وبدراسة الكتابات العربية الجنوبية. دخل هذا الفرنسي اليمن في هيئة يهودي متسوّل من أهل القدس؛ ليتجنب بذلك ما يتعرض له الغرباء وأهل البلاد المسلمون على السواء من أخطار رجال القبائل وقطّاع الطرق الذين لا يمسّون أهل الذمة بسوء.

وقد استطاع، بهذه الطريقة، التطواف في أرجاء اليمن، حتى بلغ أعاليها مثل "نجران"، وأعالي الجوف وهي المنطقة التي كان فيها "المعينيون". ووصل في تطوافه إلى حدود "مأرب" عاصمة سبأ وإلى "صرواح"، وهو بهذا أول أوروبي زار "نجران"3. ولمّا عاد إلى أوروبة، أحضر معه "686" نقشًا جمعها من مواضع مختلفة من اليمن.

وفي سنة 1872- 1874م نشر هذا العالم في الجريدة الآسيوية "journal asiatique" ما كتبه في وصف رحلته إلى بلاد اليمن، وقد ضمن كتاباته وصفًًا للأماكن التي حلّ بها والطرق التي اجتازها، وترجمة ل"686 نصًّا، وهي النصوص التي كان قد جاء بها أو استنسخها من أصولها، ونشر بحثًا علميًّا وانتقادًا قيِّمًا للأبحاث اللغوية والتراجم والنصوص التي سبق أن نشرها العلماء من قبله4.

1 Pfannmueller، S.، 85، Weber، S.، 10.

2 Pfannmueller، S.، 85.

3 Halevy، in، Bulletin، de la Societe" de

2G£ographie، 1873، et 1877، Rapport sur cne

Mission Arehfiologique dans le Yemen، in Journal Asiattque، Series O، VoL، XIX، Joseph Hal6vy، in Journal Asiatique، 1874، Pfannmueller، S.، 86، Explorations، P.، 709.

4 pfannmueller، S.، 85

ص: 128

وكان ممن ذهب إلى اليمن شاب نمساوي اسمه "سيكفريد لنكر""siegfrid langer"، وقد استطاع تصوير بعض النقوش واستنساخ قسم من الكتابات في عام 1882م؛ غير أن القدر عاجله إذ قتل هناك، فَفَقَد البحث في تأريخ اليمن بوفاته عضوًا نشيطًا. غير أن نمساويًّا آخر عوّض عن خسارة ذلك الشاب، وهو العالم "إدورد كلاسر""eduard glaser". وقد قام بأربع رحلات إلى اليمن، ورجع بعدد كبير من النصوص والنقوش وبمادة غزيرة من المعلومات1.

بدأ الرحلة الأولى "في أكتوبر من سنة 1882م"، وختمها في شهر آذار "مارس" من سنة 1884م، وكانت الحالة السياسية في ذلك الزمن مضطربة، والأوضاع غير مساعدة، والفوضى عامة في بلاد اليمن، ولم يكن للحكومة على القبائل من سلطان. ومع ذلك تمكّن من الحصول على "250" نقشًا رجع بها إلى أوروبة. أما الرحلة الثانية، فكانت في نيسان سنة 1885م ودامت حتى فبراير سنة 1886، وقد زار في أثنائها المناطق الجنوبية الشرقية والمنطقة الجنوبية الممتدة من جنوب "صنعاء" حتى" مدينة "عدن". وقد تمكن من جمع معلومات مهمة عن طبغرافية البلاد وأماكنها الأثرية، وعاد بنصوص معينة مهمة دخلت في ممتلكات المتحف البريطاني2.

وقام بالرحلة الثالثة في سنة 1887م، ومكث في اليمن إلى سنة 1888م، وكانت رحلته هذه موفَّقة جدًّا؛ إذ حصل على آثار ونقوش كتابية كانت على جانب عظيم من الأهمية، منها أربعمائة نصّ أخذها من مدينة "مأرب" عاصمة "سبأ"، ومن هذه النصوص نصّان عن تصدع سدّ مأرب يرجع عهدهما إلى زمن قريب من ميلاد الرسول، ونصوص أخرى من مدينة "صرواح" يرجع عهدها إلى العصر السبئي، وهي ذات أهمية كبيرة في تدوين تأريخ بلاد العرب الجنوبية3.

وكانت رحلته الرابعة، وهي الأخيرة، في سنة 1892م، وكانت موفقة

1 O'leary، P.، 221، Explorations، p.، 722، PfannmueUer، P.، 83، Weber S. 11

2 Weber، S.، 11.

3 Explorations، P.، 721، Mitheilungen der Vorder-Asiatischen Geaellschaft، Berlin، Beilage der Allgemeinen Zeitung، 1888، Nos 293، f.، Eduard، Reise nach maarib.

ص: 129

جدًّا كذلك. اتبع فيها أسلوبًا جديدًا في الحصول على صور النصوص؛ إذ استعان بالأعراب الذين فرقهم في مختلف الجهات التي لم يسبقه أحد من الأوروبيين إلى زيارتها، بعد أن علمهم مختلف الطرق في الحصول على تلك النصوص بطريق الورق الذي يتأثر بالضوء وبطريقة القوالب الجبسية وبطرق أخرى. وقد تمكن بهذا الأسلوب الجديد من الظفر بصوة مضبوطة بعض الضبط للكتابات القديمة التي لم يكن بوسعه الذهاب إلى أماكنها واستنساخها بنفسه، وبها أيضًا تمكن من تصحيح أغلاط الصور التي أخذها "هاليفي" عن النقوش الأصلية، ومن الحصول على زهاء مائة نصّ قتباني أخذها من منطقة خرائب "مأرب". وفي متحف "فينا" قسم من الأحجار المكتوبة التي كان هذا العالم قد جلبها معه في المرة الأخيرة إلى أوروبة1.

وقد زار المستشرق "جورج أغسطس والين george augustus wallin" سنة 1845م نجدًا ودوّن رحلته إليها2. وزار الحجاز المستشرق الهولندي الشهير "سنوك هرغونية snouk hurgtonje"؛ فكتب في أحوال مكة ووصف الحياة في الحجاز وموسم الحج. وكان قد ذهب إليه سنة 1885-1886م وهو من العلماء المدققين3.

وقد زار الحجاز "السير ريشارد برتن""sir Richard burton" متنكّرًا بزيّ مسلم سمّى نفسه "عبد الله" زار الحرمين وكتب وصف رحلته هذه4.

وتوغلت "حنة بلنت""anne blunt" سنة 1879م في شمال بلاد العرب حتى بلغت أرض نجد، وكانت مولعة بدراسة أحوال الخيول العربية5. واختراق الرّحّالة الإنكليزي "تشرالس دوتي" "charlis m. doughty" الصحاري العربية وشمال بلاد العرب، ووضع كتابًا مهمًّا وصف فيه أسفاره في بلاد العرب

1 Weber، S.، 12، Pfannmueller، S.، 86،

2 Ency. Brita.، Vol.، 2، P.، 171، Explorations، P.، 705.،

3 Ency. Brita.، 3 Vol.، 2، P.، 170، Mekka، den Haag، 1888، Explorations، P. 720.

4 Richard Burton، Personal Narrative of a PilgTimage to El-Medina and Meecah، London، 1857، in two Vols.

5 Anne Blunt، A Pilgrimage to Najd، 2 Vols، London، 1883، The Bedouins of the Euphrates، London،

1879.

ص: 130

الصحراوية1. وقد اهتم خاصة بدراسة النواحي "الجيولوجية" والجغرافية للبلاد العربية، ودوّن ملاحظاته عن الظواهر الجوّية وتغيرات الجو ولم يغفل عن دراسة طبائع البدو وحياتهم الاجتماعية وطرق تفكيرهم وعقائدهم. وقد طبع كتابه، في سنة 1888، وترجم إلى بعض اللغات الأوروبية لأهميته2.

ويعد هذا الرّحّالة من المتعصبين على الإسلام، وقد يكون لهذا التعصب سبب؛ فقد لاقى من الأعراب وأهل المدن شيئًا كثيرًا أثّر في نفسه، فصار يتحامل على المسلمين ويقسو في حكمه على الرسول؛ إلا أنه لم يتمكن مع ذلك من الغضّ من قيمة المبادئ الأخلاقية التي يتحلى بها. ومما لاحظه على البدو، عدم اهتامهم بعبادتهم كالصلوات الخمس والصوم، كما لاحظ من جهة أخرى أن الخوف من وجود إله يكاد يكون أعمق أثرًا في نفوس هؤلاء من الحضر. ولاحظ أيضًا أن جذور الوثنية القديمة لا تزال راسخة حتى الآن في نفوس الأعراب وأكثر سكان القرى والمدن، وقد أظهر هذا الرّحّالة ميلًا عظيمًا لدراسة حياة البدو وطرق معيشتهم، وهو يتشوق إلى الصحراء ويحنّ إليها حنين البدو، ويتجلى ذلك العطف في رحلته التي تعد من روائع الأدب الإنكليزي3.

ورحل "ثيودور بنت""Theodore bent" وزوجته إلى البحرين وجنوب الجزيرة العربية فزارا الأماكن الأثرية، وتحدثا عن بعض الخرائب الجاهلية والكتابات. وكانت زيارتهما للبحرين سنة 1889م. أما زيارتهما لمسقط وعمان وحضرموت، فكانت في هذه السنة ثم في سنين بعدها4.

وتزيّا الرّحّالة الألماني "هاينرش فون مالتزن""heinrich von maltzen" بزيّ حاجّ مغربي، وكان قد زار المغرب وتعلّم لهجة سكانه، وذهب إلى الحجاز وتظاهر هناك بأنه منهم، وبعد عودته من الحج وضع رحلته5.

1 Travels in Arabia Deserta، Cambridge، 1888، in 2 Vols

2 Charlis M. Doughty، Die Offenbarung Arabiens، Paul List Verlag، Leipzig، 1937. Passage from Arabia Deserta، Selected by، Edward Garnett، London، 1949، Pfannmueller، S.، 54

4 Th. Bent and Mrs Bent، Southern Arabia Sudan and Socotra، London، 1900

5 von Maltzen، Meiue Wallfart nach Mekka، Leipzig، 1865، Bd.، 1، 2،" bearbeitet von P. Gansberg، Braunschweig، 1919، Reise in Aratrien، Braunschweig، 1873، Bd،، 1، 2، Arabica، Parts 4 und 5، Leiden، 1896-1898

ص: 131

ومن الجوابين العلماء "يوليوس أويتنك Julius euting"، وقد اهتم خاصة بدراسة أحوال البدو، وكتب في الوهابيين والحركة الوهابية1.

ومنهم الرّحّالة الجيكوسلوفاكي الأصل "ألويس موسل""alois musil"، زار "العربية الحجرية" وكتب عدة كتب في وصف شمال الحجاز وبادية الشام ومنطقة الفرات الأوسط وتدمر ونجد، ووضع في نهاية كل كتاب من كتبه فصولًا علمية قيّمة فيها تحقيق تأريخي جليل2. وثمة جوّابون آخرون لا بد من ذكرهم مثل "جوسن" "antonine jausen"3 و "برونوف" "r. e. brtunnow" و "تشارلس هوبر" "charles huber" و "وبرترام توماس" الشاب الإنكليزي المستشرق الذي استطاع في شباط سنة 1929م أن يخترق لأول مرة "الربع الخالي" فكشف بذلك بقعة من أكبر البقاع المجهولة في بلاد العرب6. ويضارعه في مخاطراته هذه "فلبي" الذي أسلم فأطلق على نفسه "الحاج عبد الله فلبي". وقد ألف هذا الإنكليزي المستعرب عدة كتب بالإنكليزية وصف فيها أسفاره في بلاد العرب، وقد تهيأ له من الفرص ما لم يتهيّأ لأوروبي آخر؛ إذ كان من الملازمين للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود والمقربين إليه. وقد مكث الرّحّالة الألماني "راتجن" "c. rathjens" بضع سنين في اليمن وكتب عنها، وجلب معه عدة كتابات يمانية قديمة إلى ألمانيا وضعت في "متحف الشعوب" في مدينة "هامبرغ"7.

1 Julius Euting، Tagbuch einer Relse in Inner-Arabien، Leiden، 1896-1914، Bd.، I.

2 The Northern Hegas، New York، 1926، Arabia Deserta، New York، 1927، t Palmyrena، New York، 1928، Northern Negd، New York، 1928، The Middle Euphrates، New York، 1927، In the Arabian Desert، New York، 1930.

3 Antonine Jausen، Countems des Arabes au Pays de Moab، Paris، 1908، Pfannmueller، x 8.، 29، Hittl، P. 7.

R.E. Bruennow und A.V. D omaszewski، Die Provincia Arabia، Strassburg، 1904-1909، 3 Baende.

4 Charles Huber، Voyage dans l'Arabie Centrale، Paris، 1885، Journal d'un Voyage t en Arabie، (1883-1884، Paris، 1891.

5 Arabia Felix، Across The Empty Quarter of Arabia، New York، 1932.

6 The Empty Quarter، 1988، The Background of Islam، 1947،

وكتب كتبا أخرى

7 C. Rathjens und H. von Wissmann، Suedarabien-Reise، 3 Bd.، Hamburg، 1934، Rathjens und von Wissmann، "Sanaa، Eine Stuedarabische Stadtlandschaft" In، Zeitschrift der GeselLsch. f. Erdk. zu

ص: 132

وقامت بعثة أمريكية عرفت بـ "المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان""the American foundation for the study of man" برئاسة "وندل فيلبس""wendell Phillips"، وضمت بعض العلماء الواقفين على تأريخ اليمن القديم مثل "إلبرايت""dr. w. f. Albright" أستاذ الآثار في جامعة "جون هوبكنس" بالولايات المتحدة، وآخرين في مختلف الموضوعات؛ وذلك ما بين سنتي 1950-1952م بأعمال الحفر في منطقة "عدن" واليمن. وبالرغم من النهاية المحزنة التي انتهت أعمال البعثة إليها؛ فقد تمكنت من الحصول على نتائج حسنة جديدة لم تكن معروفة عن تأريخ مملكة قتبان وسبأ، وعادت ببعض الآثار1.

وكانت في جملة ما درسته هذه البعثة نظم الري في مملكة "قتبان". ودراسة موضع "هجر بن حميد"؛ حيث عثرت على فخار ومواد أخرى يعود عهدها، كما يرى خبراء البعثة إلى ألفي سنة. ودراسة أخرى لمدينة "تمنه" عاصمة "قتبان" ولمعبدها الشهير ولبقايا مقبرتها، وعثرت على كتابات جديدة، وقدّرت سقوط تلك العاصمة وخرابها بسنة "25" قبل الميلاد2.

وقامت هذه البعثة في سنة "1952" و "1953" للميلاد بأعمال الحفر في "ظفار" بعمان. ثم عادت فنقبت في هذه المنطقة في ابتداء سنة "1960"م؛ حيث كشفت عن بعض الخفايا من تأريخ هذه المنطقة التابعة لسلطنة عمان3.

وقامت في سنة "1962"م بعثة أمريكية من المستشرقين الأميركان، لا علاقة لها بالبعثة المتقدمة بزيارة مواضع من المملكة العربية السعودية؛ فزارت "سكاكة""سككه" والجوف وتيماء ومدائن صالح والعلا وتبوك، وظفرت بنماذج من فخار قديم، ونقلت صورًا لكتابات ثمودية ونبطية، أهمها الكتابات التي وجدتها في قمة "جبل غنيم" الذي يقع على مسافة ثمانية أميال من جنوب "تيماء".

1 وقد ترجم كتاب "وندل فليبس" ونشر بعنوان: "كنوز مدينة بلقيس" ترجمة "عمر الديراوي" سنة 1961، وفي كتاب، ويا للأسف أغلاط كثيرة في تدوين الإعلام، زيد بن علي عنان: تأريخ اليمن القديم "وقد أولاني ثقته -حفظه الله- حين أرسلني مشرفًا على أعمال الحفر بمأرب الذي قامت به البعثة الأميركية المشئومة برئاسة وندل فيليبس، ذلك اللص النصاب الذي جنى على دعائم محرم بلقيس.. إلخ"، المقدمة،

2 Saenger، the Arabian Peninsula، P. 241.

3 BASOR.، Num. 159 "1960"، PP.، 14

ص: 133

وهي، كما تقول البعثة، من أقدم الكتابات التي عثر عليها حتى الآن في العربية الشمالية. وكان "فلبي" قد استنسخها بيده، وتبيّن بعد مقارنة ما استنسخه فلبي بالصور "الفوتوغرافية" التي أخذتها البعثة أن في نقل "فلبي" أوهامًا عديدة. وفي جملة ما عثرت عليه البعثة صور نحتت على أحجار تمثل آلهة عربية قديمة1.

وهناك طائفة أخرى من المستشرقين خدمت التأريخ العربي قبل الإسلام خدمة جليلة مهمة، هي طائفة أساتذة الجامعات وأصحاب التتبع والبحوث، استفادت من بحوث السياح ومن الموارد المذكورة التي تحدثت عنها عن مصادر التأريخ الجاهلي، ثم غربلتها ونقدتها وألفت منها مادة جديدة لتأريخ الجاهلية. ومن هؤلاء المستشرق:"بركر""berger" مؤلف كتاب "جزيرة العرب قبل محمد في الآثار"، (L'Arabie Avant Mahomet d'apres les Inscriptions) ، Paris 1885. والمستشرق "كوسان دي برسفال" العلامة الفرنسي صاحب كتاب "تأريخ العربي قبل الإسلام"2 (Essai sur I'Histoire des Arabes Avant l'ISIamisme) وهو من الكتب المفيدة. وقد جاء صاحبه بنتائج مهمة وبآراء صائبة في بعض الموضوعات؛ غير أن الكتاب أصبح قديمًا، وفيه نواقص كثيرة، وهو لا يتفق اليوم مع أساليب البحث الحديثة. وقد اعتمد مؤلفه على المصادر العربية ولا سيما كتاب "الأغاني" وعلى مصادر أخرى كانت معروفة في ذلك الوقت؛ غير أنه لم يتمكن من الوصول إلى مصادر كثيرة أخرى مهمة؛ لأنها لم تكن في متناول يده في ذلك العهد.

وللمستشرق الإيطالي "كيتاني""l. caetani" بحث جيّد في تأريخ العرب قبل الإسلام، جعله مقدمة لتأريخ الإسلام3. وهو على جهده في محاولة التعمق في فهم تأريخ الجاهلية والإسلام، لا يخلو من هفوات ومن تغلب العاطفة عليه، ولا سيما في القسم الخاص بتأريخ الإسلام.

وممن كتب في حياة العرب قبل الإسلام المستشرق "أوليري delacy o'leary"،

1 BASOR.، Num 168، 1962، P.، 9.

2 Paris، 1847-1848، Reprinted، 1902، in 3 Vols.

3 Annali Deil'lslam، by Leone Caetani، Principe di Teano، Vol.، I، Milano، 1905، Studi dl Storia Orientate، Milano، 1911.

ص: 134

صاحب كتاب "البلاد العربية قبل محمد"1. وقد تحدث فيه عن صلات العرب بالمصريين فالأشوريين إلى زمن ظهور الإسلام، وهو لا يخلو أيضًا من هفوات. وقد صار قديمًا. والمستشرق "تشارلس فورستر""charles forster"، وله كتاب مفيد "وإن أصبح قديمًا جدًّا" في تأريخ بلاد العرب القديمة وجغرافيتها ويستند في أكثر أبحاثه كأغلب معاصريه إلى نظريات التوراة2.

وقد كتب المستشرق الألماني "أوتو ويبر""otto weber" رسالة صغيرة في حالة العرب قبل الإسلام3.

وقد كتب المستشرقون الذين عنوا بالسيرة النبوية وبالتأريخ الإسلامي عامة فصولًا تمهيدية في حالة العرب قبل الإسلام، تعرضوا فيها لمختلف النواحي التأريخية، وهي مفيدة للاطّلاع على أحوال الجاهلية.

وهناك من كتب في موضوع خاص من التأريخ الجاهلي كالمستشرق "رينه دوسو"؛ فقد وضع كتابًا في "العرب في الشام قبل الإسلام"4. والمستشرق الألماني "ثيودور نولدكه"، وله كتاب في "تأريخ الفرس والعرب في عهد الساسانيين"5، وكتاب آخر في "أمراء غسان"6.

وللمستشرق "روتشتاين""Rothstein" كتاب "تأريخ أسرة اللخميين في الحميرة"7، وهو من الكتب المهمة التي جمعت شيئًا كثيرًا من أخبار هذه الأسرة. وقد استعان مؤلفه بالمصادر العربية والسريانية واليونانية، ولا يخلو على كل حال من الضعف في بعض مواضعه.

ويضاف إلى كل ذلك ما كتبه بعض المستشرقين في الحالة الدينية عند العرب قبل الإسلام، وأهمها كتاب "بركمن""bergmann" في أديان العرب في الجاهلية8، والفصل الذي كتبه المستشرق "أرنست أسيندر""Ernst osiander"

1 O'Leary، Arabia، before Muhamraed، London، 1927.

1 Charles Forster، The Historical Geography of Arabia، London، MDCCCXLIV، 2 Vols.

3 Arabien vor dem Islam، 1904.

4 Les Arabes avant 1'Islam en Syrie.y

5 Geschichte der Perser und Araber zur Zeit der Sassaniden، 1879.

6 Die Ghassanidischen Fuersten aus dem Hause Gafna's، Berlin، 1887،

7 Die Dynastie der Lachmiden in al-Hira، Berlin، 1899.

8 De Religione Arabum anteislamica.

ص: 135

في ديانة العرب قبل الإسلام، في مجلة الجمعية الآسيوية الألمانية1. وقد بحث هذا المستشرق في ديانة العرب قبل الإسلام بحثًا عميقًا، وهو أول مستشرق درس هذا الموضوع بعد "بوكوك" "pococke" الذي كان أقدم مَن درس الوثنية عند العرب دراسة تفصيلية مستقلة في كتاب المطبوع سنة 1649 للميلاد2. وقد تطرق "أسيندر" لعبادة النجوم عند العرب وعبادة الأصنام والأماكن المقدسة في جنوبي بلاد العرب وعبادة الأصنام في الحجاز ونجد، وتوصل إلى أن العرب عبدوا النجوم في بادئ الأمر، ثم تطورت الفكرة الدينية عندهم، وبالرغم من ذلك ظلّت عقدة عبادة النجوم راسخة في أدمغتهم.

وجاء المستشرق "لودولف كريل""ludolf krehl"؛ فأحيا هذه الدراسة مرة ثانية بكتابه "بحث عن ديانة العرب قبل الإسلام"3، وطرق موضوعات لم يتمكن من سبقه من البحث فيها. وقد ذهب إلى أن العرب القدماء كانوا من الموحدين في الأصل؛ غير أنهم تركوا التوحيد بعدئذ، وعمدوا إلى عبادة النجوم والأصنام فالأحجار والأشجار، وبذلك انحطت الحالة الدينية عندهم، وفي القرن السادس تأثروا بالديانة اليهودية والنصرانية في الأماكن التي حدث فيها اتصال بهاتين الديانتين.

وأهم ما ألف في الوثنية عند العرب قبل الإسلام، كتاب المستشرق الألماني "ولهوزن" الذي سماه:"بقايا الوثنية العربية"4. وقد بحث في نواحٍ مختلفة من نواحي الحياة الدينية عند عرب الجاهلية وفي الأصنام؛ فجمع ما لم يتمكن من جمعه في هذا الباب أحد من المستشرقين قبله، واتبع أسلوب المقابلة والنقد في البحث.

هذا ولا بد من الإشارة إلى مجهود عدد من العلماء تخصصوا بالعربيات وعالجوا نواحي عديدة من دراسات الجاهلية، ومنهم "فرتز هومل""fritz hommel" صاحب المؤلفات والبحوث الكثيرة، والدراسات القيّمة في تأريخ اليمن والعرب

1 Sludien ber die vorislaraische Religion der Araber، in: Zeitachrift der Deutchen

Morgenlaendischen Gesellschaft، 7، 1853.

2 Specimen Historiae Arabum، Oxford، 1649.

3 Ueber die Religion der vorislamischen Araber، Leipzig، 1863-

4 Reste arabischen Heidentums، Berlin، 187.، 2 Ausgabe 1929

ص: 136

الجنوبيين، وفي ترجمة الكتابات المعينية والسبئية والحضرموتية والقتبانية والحميرية، وفي الدراسات اللغوية. وهو في مقدمة من وضع أسس الدراسات العربية الجنوبية ومهد الجادة لمن جاء بعده من المستشرقين. و"رودوكناكس"1 "mikolaus rhodokanakis"، وهو صاحب جملة مؤلفات في شرح وحلّ النصوص العربية الجنوبية، و"دتلف نيلسن""detlief Nielsen" الدانماركي من الباحثين في الكتابات العربية الجنوبية وفي الحضارة العربية، والتأريخ العربي قبل الإسلام2.

كذلك خصص "موردتمن""j. h. mordtmann" و "داؤو هاندش ميلر""d.h. Mueller"، و "ميتوخ""eugen mittwoch"، و "فون فزمن""von wissmann"، و "بيستن""c.f.l. beeston"، و "كونتي روسيني""c.conti Rossini"، و "فنت""f.v. winnett"، و "ركمنس""c.ryckmanns"، و"كروهمن""A. grohmann"، و "ملاكر""k. mlaker"، و "أغناطيوس كويدي" و"هربرت كريمه""herbert grimme" و "أنوليتمن" و "إلبرايت"، وغيرهم قسطًًا من بحوثهم في العربيات الجنوبية، فساعدوا بذلك على تقديم مادة غنية للمؤرخين والباحثين، وعلى تحسين معارفنا في اللهجات العربية وقواعدها وفي تأريخ الجاهلية3.

هذا، ولا بد لي أيضًا من الإشارة إلى جهود مستشرقين محدثين قصروا عملهم على البحوث العربية الجنوبية، وصرفوا وقتهم في دراستها، وألّفوا وكتبوا فيها، ونشروا بحوثهم في المجلات، ونشروا نشرًا جديدًا نصوصًا سبق أن نشرت، وبعثوا الحياة في نصوص لم تكن معروفة فعرفت. ومن هؤلاء:"فون وزمن""h.von wissmann". و "ريكمنس""j.ryckmans"، وهو صاحب

1 Nikolaus Rhodokanakis: Katabanische Texte zur Bodenwirtschaft، 2 Hefte، Studien \ zur Lexikographie und Grammatik des Altsuedarabischen، Der Grundsatz der

Offentlichkeit in den Sudarabischen، Urkunden، 1914.

2 Handbuch der Altarabischen Altertumskunde، Bd، 1، Hamburg، 1927.

3 للاطلاع على المؤلفات التي تعرضت لأسفار السياح في جزيرة العرب، يستحسن الرجوع إلى الكتب التي ألفت في هذا الموضوع باللغات الأوروبية، ومنها:

Hilprecht: Explorations in Bible Land during' the 19th Century، Edinburgh، 1903، Ency. Brita.،' Vol.، 2، P.، 169. ff

ص: 137

بحوث وتحقيقات في نشر الكتابات والتعليق عليها وعلى أيام الملوك. و "إلبريت""w.f.albright" العالم الآثاري الأمريكي الذي ذكرته قبل قليل. و "الأب جامة""a. jamme" الذي رافق البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان، والخبير بقراءة النصوص وبعيين زمان كتابتها، وناشر جملة كتابات عثرت عليها البعثة المذكورة. و"مارية هوفنر""m،hofner"و "بيرين""j. pirenne" و "بيستن""a. f. l. beeston" وغيرهم، ممن جاءوا ببحوث قيمة جديدة وما زالوا يبحثون في التأريخ الجاهلي1.

هذا، وسوف يكون لدراسة علماء الآثار للآثار التي عثر وسيعثر عليها من ناحية علم الآثار، وكذلك تطور الخطوط ومقارنة الكتابات بعضها ببعض لمعرفة زمانها وتحليل الآثار ودراستها بالمختبرات وبطرق "الفحص" الكاربوني" وبما شاكل ذلك من طرق تعد اليوم حديثة، شأن كبير في الكشف عن التأريخ الجاهلي، وتقريبه من الواقع، وتضييق شقق الخلاف التي نراها بين العلماء في عمر الدول وفي حكم الملوك وأمثال ذلك من أمور هي اليوم في موضع اهتمام الباحثين في تأريخ الجاهلية.

هذا وأودّ أن أشير هنا إلى أمر يتعلق بالكتابات الجاهلية، هو أن غالبية من عالجها وترجمها اعتمد في الغالب على العبرانية وعلى السريانية في الترجمة، ولهذا لم يوفّقوا في ترجمتهم توفيقًا كبيرًا، وأعتقد أن دراسة اللهجات العربية لقبائل اليمن وبقية العربية الجنوبية وجمع معاني مفرداتها، تفيد كثيرًا في تفسير كتابات المسند وشرحها مثلًا؛ لأن كثيرًا من هذه المفردات ما زال مستعملًا استعمال القدماء له؛ ولكن مثل هذه الدراسات لم تتم بشكل علمي منظم منسق حتى الآن ويا للأسف. ورجائي أن يأتي يوم يقوم فيه المتخصصون من العرب بدراسة تلك اللهجات وتثبيتها بصورة علمية ووضع معجمات بألفاظها، فإن في هذا العمل خدمة كبيرة للتراث العربي القديم.

وقد قام المستشرقون بنصيبهم في كتابة تأريخ الجاهلية، فهم يستحقون على عملهم هذا كل شكر وثناء، مهما وقع في دراستهم من قوة وضعف، وغرض ونيّة، فهم قد قاموا بعمل، وقد أفادونا في عملهم هذا ولو بعض الفائدة،

1 E. Wright، The Bible and the Ancient Near East، Essays in Honor of William Foxwell Albright، New

ص: 138

فعلينا ألّا ننكر فضل الناس، وإذا كان هناك شيء من خطأ أو نيّة سيئة؛ فعلينا يقع واجب تصحيحه وبيان مواطن سوء النيّة، فهم غرباء، ونحن حملة هذا التأريخ وأصحابه. وعلينا وحدنا يقع واجب تدوينه وانتزاعه من باطن الأرض، والبحث في كل زاوية ومكان لإيجاد مورد جديد نضيفه إلى الموارد الموجودة. وعلى الحكومات العربية واجب إتمام العمل، وتيسير الوسائل التي توصل الباحثين إلى الأماكن التي يقصدها العلماء وحمايتهم ورعايتهم، وواجب إعداد طائفة من المنقبين العرب للقيام بهذه المهمة والإنفاق عليهم بسخاء، وإنشاء متاحف تحفظ فيها العاديات، ومنع الناس من التجاوز والتطاول على الأماكن الآثارية، ومن أحق بالمحافظة على تراث البلاد من أبنائها؟.

ص: 139