الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زهاء "150" مترًا، ولذلك لا يعد سطح بادية النفود سطحًا مستويًا منبسطًا. وتأخذ هذه المرتفعات مختلف الأشكال، فتكون في أغلب الأحيان على شكل نعل الفرس، ويكون اتجاهها من الغرب نحو الشرق، وتكون أبعادها وأعماقها مختلفة، وتسمى "القعور". وقد تركت أثرًا عميقًا في مخيلة المسافرين ورجال القوافل1.
وبعد الأشتية الممطرة تتحول هذه المنطقة الرملية الموحشة إلى جنة حقيقية فتظهر الرمال وكأنها قد فرشت ببسط خضر، ويزينها الزهر والشقائق ومختلف الأعشاب الصحراوية، وينتجعها الأعراب للرعي. وقد تنمو فيها النباتات المرتفعة ذات السيقان القوية كبعض أنواع "الغَضَي"؛ فتكون أدغالًا يحتطب منها البدو، وقد يحرقونها لاستخراج الفحم منها2. وهذه الأعشاب والنباتات، لا تظهر إلا في المنطقة ذات الرمال الحمر "نفود سمرًا". أما النفود البيضاء المؤلفة من رمال نشأت من تفتت أحجار" الكوارتز" فإنها في أكثر الأماكن غير منبتة3.
ولكن هذه الجنة الأرضية جنة قصيرة العمر، لا يدوم عمرها إلا أسابيع قليلة، ثم يحلّ بها الجفاف، وتهب السمائم، فتقضي على كل ما نبت في هذه البادية، فتبدو كالحة عابسة مزعجة منفّرة، وكأن إنسانًا كنس وجهها كنسًا أزال عنه كل أثر لذلك الجمال. وتهب في شهر نيسان رياح حارة من الشرق والجنوب، ورياح في شهور الصيف تحرق البادية حرقًا، حتى تغدو وكأنها جحيم4.
وفي العربية ألفاظ عديدة لها صلة بالبوادي، كثرت وتعددت لاتصال حياة العرب بها، منها ما لها علاقة بشكل البادية وظاهر وجهها، ومنها ما لها علاقة بطبيعتها وبتركيبها، إلى غير ذلك من مصطلحات، نشأ بعضها من تعدد لهجات العرب ولغاتها؛ إذ تسمى قبيلة البادية باسم ربما لا تعرفه قبيلة أخرى، وهكذا تنوعت التسميات.
1 Eufing، in "Zeitschr. der Ges. fue Erdkunde zu Berlin" No. 5، Tagebuch، 1، 144.
2 Moritz، S.، 16.
3 Moritz، S.، 16. f.، A Blunt، Pilgrimage to Nejd، 2، 55.
4 Handbook of Arabia Vol.، r، P.، 12، Moritz، S.، 17.
خاصة، وصيرت معظم أهلها بدوًا بالرغم منهم، فأقول لك: إن الرأي المنتشر أن هذه الصحاري تكوّنت من تفتت الأحجار الرملية بتأثير الرياح والجفاف فيها1. ويؤيد وجود مثل هذه الأحجار في الشمال الغربي من بلاد العرب هذا الرأي كثيرًا، ويظهر أنه رأي علمي ينطبق على بعض الصحاري انطباقًا كبيرًا، غير أنه لا يحل مشكلة مصدر الرمل الأحمر المتكوّن من أحجار غير رملية الذي يغطي مساحات واسعة من صحراء النفود، بينما الرمل الناشيء من الأحجار الرملية لا يغطي إلّا مساحات ضيقة بالنسبة إلى المناطق الأخرى. وهذا يدل دلالة صريحة على أن رمال "النفود" لم تتكون من تفتت الأحجار الرملية حسب، بل من عوامل أخرى كالتقلبات الجوية وتأثيرها في قشرة الأرض2.
يكون ظاهر التربة الأجرد معرضًا لحرارة الشمس والتغيرات الجوية مباشرة؛ إذ لا أشجار تحميه، ولا أعشاب تحافظ على تماسك ذراته وحفظها من تلك التغيرات. فإذا انقطعت الأمطار، جفت التربة، فتفتتت تدريجيًّا، وتستطيع الرياح أن تعبث فيها بكل سهولة، وتتمكن الرياح التي سرعتها 18 كيلومتر في الساعة من إثارة الطبقات الرملية الخفيفة والأتربة الباقية المبعثرة على سطح الأرض.
وإذا هبت الرياح بسرعة 33 كيلومترًا في الساعة، امتلأ الجو بالغبار، فإذا ازدادت السرعة، استحالت إلى عواصف تؤثر تأثيرًا كبيرًا في سطح الأرض فتحمل ما عليه من أتربة، وتعرض الطبقات السفلى التي كانت تحت هذه الأتربة لفعل الجو المباشر؛ ليحدث لها ما حدث في الطبقة التي كانت فوقها، وهكذا تتحول هذه المناطق إلى صحاري، وتتكون الرمال حينئذ من التربة المتفتتة لا من تهشم الأحجار الرملية أو الكلسية وحدها3.
وتهب مثل هذه الرياح في الشمال الغربي من جزيرة العرب من نهاية شهر "آذار" مارس حتى نهاية شهر "أيار" مايس، وتهب في أغلب الأحيان هبوبًا فجائيًّا، وتستمر يومين أو ثلاثة أيام، وتنتهي في بعض الأحيان برعد
1 Moritz، S. 17.
2 المصدر نفسه
3 Moritz، S.، 17، Arabia Deserta، Vol.، 2، P.، 656.
مصدر الصحاري:
وإذا سألتني عن مصدر هذه الصحاري المزعجة التي وسمت جزيرة العرب بسمة