الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذه الأسباب وغيرها رَأَوا أن دراستها تفيد كثيرًا في الوقوف على خصائص السامية القديمة ومزاياها1.
وقد شغل علماء العرب أنفسهم بموضوع اللغة السامية أو لغة سام بن نوح بتعبير أصحّ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، ذهبوا إلى البحث في لغة آدام أبي البشر وفي لغة أهل الجنة. وقد سبق لليهود والنصارى أن بحثوا في هذا الموضوع أيضًا، في موضوع لغة آدام أي لغة البشر الأولى، التي تفرّعت منها كل لغات البشر حتى اليوم. وقد ذهب بعض علماء العربية إلى أن العربية هي اللسان الأول، هي لسان آدم؛ إلا أنها حُرّفت ومُسِخَت بتطاول الزمن عليها، فظهرت منها السريانية، ثم سائر اللغات. قالوا:"كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربيًّا، إلى أن بَعُد العهد وطال، فحُرِّف وصار سريانيًّا. وهو يشاكل اللسان العربي إلا أنه محرف"2. وقد أدركوا ما أدركه غيرهم من وجود قرابة وصلة بين العربية وبين السريانية، فقال المسعودي: "وإنما تختلف لغات هذه الشعوب "أي شعوب جزيرة العرب" من السريانيين اختلافًًا يسيرًا"3.
وقد أخذ علماء العربية نظريتهم هذه من أهل الكتاب. ولما كانت السريانية هي لغة الثقافة والمثقفين، ولغة يهود العراق وأكثر أهل الكتاب في جزيرة العرب في ذلك العهد؛ فلا يستغرب إذن قول من قال إن السريانية هي أصل اللغات وأنها لسان آدام ولسان سام بن نوح.
1 Nicholson، A Literary History of th Arabs، P. XV.
2 المزهر "1/ 20"
3 التنبيه "ص68".
العقلية السامية:
وتحدث المشتغلون بالتأريخ الثقافي و "علم الأجناس" عن عقلية خاصة بالشعوب السامية، دعوها "العقلية السامية"، كما تحدثوا عن عقلية "آرية" وعن عقليات أخرى، وحاولوا وضع حدود لأوصاف العقلية السامية، ورسم صورة خاصة بها تميّزها عن صور العقليات البشرية الأخرى.
وقد شاعت هذه النظرية نظرية خصائص العقلية السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ووجدوا لها رواجًا كبيرًا، لظهور بعض الآراء والمذاهب التي مجّدت العقلية الأوروبية، وسبّحت بحمدها، وقالت بتفوق العقل الغربي الخلّاق المبدع على العقل الشرقي الساذج البسيط! ورمز العقل الشرقي هو العقل السامي، فهو لذلك عقل ساذج بسيط. ومن أشهر مروّجي هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي "رينان""ernest renan""1823- 1892"، و "كراف كوبينو""graf arthur gobineau""1816- 1882م"، وهو من القائلين بتمايز العنصريات البشرية وبتفوق بعضها على بعض وبسيادة العقلية الآرية على سائر العقليات1، و "هوستن ستيورات شامبرلن housten stewart chamberlain""1855- 1927م" صاحب كتاب "أسس القرن التاسع عشر"2.
ومن هذه الموارد أَخَذت "النازية" نظريتها في تفوق العرق الآري على سائر أعراق البشر، وتفوق الجنس "الجرماني" خاصة من العراق الآري على سائر الأجناس والأعراق البشرية. ومن هنا وضع "هتلر""قوانين نورنبرك" لحماية الدم الآري من الاختلاط بالدماء الأخرى، ولصيانته ولبقائه دمًا نقيًّا صافيًا. ولترسيخ هذه النظرية في نفوس الناس ولترويجها بين الألمان والأوروبيين، شجع البحث في موضوع "الأجناس البشرية"، وحشد عددًا كبيرًا من الأساتذة لإجراء بحوث ودراسات فيه، وأوحى إلى أساتذة التأريخ كتابة التأريخ بطريقة تظهر دائما أن الحضارة البشرية هي حاصل عمل الشعوب الآرية وحدها، وناتج من نتاجها، بتلك الشعوب بدأت وبها تستمر. وقرر أن ما يقال عن حضارات الشرق الأدنى القديمة هو لغو وهراء؛ ولهذا أوجب كتابة تأريخ هذه الشعوب على نحو جديد، وعلى أساس هذه الفلسفة.
وبحوث مثل هذه تقوم في ظروف كهذه أو في ظروف مشابهة لها، لا يمكن أن تكون إلا دراسات فجّة مغرضة، مبعثها عاطفة وقصد مبيت، لذلك لا يمكن الاطمئنان إليها ولا الاعتماد عليها. والبحث في خصائص جنس من
1 Essai sur L'InGgaUt6 des Races Humaines.
2 Housten Stewart Chamberlain، Die Grundlagen dea neunzehnten Jahrhunderts، in2 Vols.
الأجناس وفي مميزاته وسماته الظاهرة والباطنة، يقتضي تقصّي ملامح الجنس في الحاضر والماضي، وذلك بدراسة ملامح الباقين وبفحص أجسامهم وخصائصهم بطرق علمية حديثة، وبدراسة عظام الماضين وما تخلّف من أجسامهم في باطن الأرض بالأساليب العلمية الحديثة أيضًا، ليكون بحثنا شاملًا للماضي والحاضر، ومثل هذه البحوث لم تجرِ حتى الآن لا على العرب، ولا على غير العرب من هذه الشعوب التي نسميها "الشعوب السامية".
ثم إن البحوث العلمية على قلتها وضآلتها تدل على وجود فروق بارزة بين الساميين في الملامح الجسمية، في مثل شكل الجمجمة والأنف. ووجود مثل هذه الفروق، لا يمكن أن يكون علاقة على وجود "جنس" بالمعنى العلمي المفهوم من "الجنس" يضم شمل الساميين. وعلى وجود عقلية خاصة بالساميين ذات حدود ورسوم تختلف عن عقليات الأجناس البشرية الأخرى.
والصفة العامة التي يراها علماء الساميات في الساميين، أن الساميين يحبون الحركة والتنقل والهجرة من مكان إلى مكان على طريقة الأعراب، وأنهم ميّالون إلى الغزو والأخذ بالثأر، وعاطفيون تتحكم العواطف في حياتهم، ويغضبون لتافه الأمور ويرضون بسرعة، يحبون فيسرفون في حبّهم، ويظهرون الوَجْد فيه، ويبغضون فيبالغون في بغضهم حتى ليصلوا إلى حدّ القساوة والعنف لأسباب تافهة لا تستوجب كراهيةً ولا بغضًا، فرديون في طِبَاعهم، تتغلب عليهم الفردية، لذلك تراهم في الأصل قبائل، إذا اتحدت وكوّنت حكومة قوية كبيرة، لا تلبث أن تتعرض للانفصال والتفتت، الحياة عندهم على وتيرة واحد. موسيقاهم وشعورهم العام بما في ذلك الشعر والغناء وكل وسائل التعبير عنه، حزن ونغم معدود مكرر1. قضاؤهم قضاء قبلي، يقوم على القصاص بالمثل، على أساس السن بالسن والعين بالعين والقتل بالقتل، ونظام الحكم عندهم نظام، أُسُسُه الفكرة القبلية، وديانتهم متشابهة، تتجلى عندهم الغريزة الدينية واتّقاد المَخِيلَة وقوة الشعور الفردي والقسوة2. وتتغلب عليهم السطحية في التكفير، فلا يميلون إلى التعمق في درس الأشياء للوصل إلى كنهها وجوهرها، كما فعل اليونان.
1 Hastings، Extra Volume، P.، 85.
2 Hastings، A Dictionary of the Bible dealing with its Language Literature and Contents،' Including the Biblical Theology، Extra Volume، 1904، P.، 90.
وليست لهم قابلية في فهم الأمور المعقدة، ولهذا صارت أحكامهم عامة شاملة ساذجة لا تعقيد فيها، لأن تفكيرهم تفكير ساذج غير معقّد. وتفكيرهم هذا هو الذي جعلهم يبشرون بالتوحيد على حين كانت الأديان الآبة –على حد قولهم- أديانًا معقدة تعتقد بوجود أكثر من إله1!!
ويرى هؤلاء العلماء أن البدوي هو خير ممثل للعقلية السامية، فقد عاش الساميون بدوًا أمدًا طويلًا، ومرّوا في حياتهم بحياة البداوة ولهذا صارت عقليتهم عقلية بداوة، تجمع بينهم صفات مشتركة نتجت من اشتراكهم في تلك الحياة2.
وقد وضع المتعصبون للنظرية العنصرية كتبًا في موضوعات متعددة، تعالج الجسم والروح عند السامين والآريين، وعنوا عناية خاصة بدارسة الحياة الروحية ومظاهرها عند الجنسين، فبحثوا في الناحية القانونية والتشريعات المختلفة عند الساميين والآريين، وقارنوا بين التشريع عند الجماعتين3. كذلك عالجوا مختلف النواحي الأخرى من الحياة، حتى إن بعضهم ألف كتابًا في موضع حُرْمَة أكل لحم الخنزير عند الساميين. مع أنه من اللحوم الشهيّة عند الآريين، وعدّ ذلك من مميزات الجنس4.
وهناك جماعة من العلماء، رَدّت على هذه النظرية التي تحدد العقليات، وترسم لها حدودًا وتضع لا معالم، رأت أن ما يذهب إليه أصحابها من وجود عقليات صافية خالصة للأجناس البشرية المذكورة، يستوجب وجود أجناس بشرية صافية خالصة ذات دماء نقية، لم تمتزج بها دماء غريبة، ويقتضي ذلك افتراضنا اعتزال الأجناس بعضها عن بعض عزلة تامة، وهو افتراض محال، لأن البشرية لم تعرف العزلة منذ القِدم، ولم تَبْنِ حولها أسوارًا مرتفعة لتحول بينها وبين الاختلاط ببقية الأجناس، والشواهد التأريخية والبحوث العلمية المختبرية تشير إلى العكس، تشير إلى الاختلاط والامتزاج، كما ذكرنا آنفًا، فما يقال عن اختلاف العقليات، هو حديث أَوْحَته العواطف والنزوات. أما ما نشاهده من اختلاف في أساليب
1 Ancient Iraq، by Georges Roux، London، 1964، P.، 126، A. Guillaume، Prophecy and pivlnation among the Hebrews and other Semites، London، 1938.
2 Hastings، P.، 85، ff. (Extra Volume) .
3 Gerd. Ruehle، Rasse und Sozialismua im Recht، Berlin، 1935.
4 R. Walter Darr6، Das Scliwein ala Kriterium fuer Nordische Voelker und Semlten، Muenchen، 1933.
الفكر وفي فهم الأمور، فليس مرجعه ومردّه إلى الدم، بل إلى البيئات الطبيعية والاجتماعية والثقافية، فهي التي أثرت وكوّنت هذه الفروق. وعلى الباحث دراسة كل ما يؤثر على الإنسان من محيط ومن مؤثرات طبيعية مثل الضغوط الجوية والحرارة والبرودة والرطوبة، ومن تركيب الأجسام وأشكالها. وألوان الشعر والبشرة والعين وبنية الجسم بصورة عامة، ومن أنواع الأغذية التي يتناولها والمحيطات الثقافية التي يعيش فيها إلى غير ذلك من مؤثرات يدرسها علماء الأجناس اليوم، وذلك لإصدار أحكام معقولة عن أجناس البشر.