الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاء شرحًا لما جاء موجزًا في القرآن الكريم، ويرجع بعضه إلى "الحارث بن حسان البكري" و "الحارث بن يزيد البكري"، وتزعم راوية وردت في تأريخ الطبري أنه قصّ على الرسول قصصًا عن أمر "عاد"1، ويرجع بعض آخر إلى "كعب الأحبار" وإلى "وهب بن منبّه"، وهما من مسلمة يهود2، وإلى "السّدّي"3، وإلى أشخاص آخرين تجد ذكرهم في سند الروايات المذكورة عند "محمد بن إسحاق" صاحب السيرة، وعند الطبري وعند آخرين من أهل الأخبار والتواريخ ممن ساروا على طريقة ذكر المسند مع الروايات.
ويظهر أن كثيرًا من أخبار "عاد" وضعت في أيام "معاوية" الذي كان له ولع خاص بأخبار الماضين، فجمع في قصره جماعة اشتهرت برواياتها هذا النوع من القصص، وفي مقدمة هؤلاء "عبيد بن شَرْيَة الجُرْهُمي" و "كعب الأحبار"4.
ويذكر بعض أهل الأخبار أن رجلا قصّ في أيام معاوية، أن إبلًا له ظلت في تيه أيمن، وهو غائط بين حضرموت وأبين، فالتقطها من هناك، ووجد فيه موضع "إرم ذات العماد"، ووصف أبنيته العجيبة، وهذا الرجل هو في جملة من موّن العاشقين للأساطير بأخبار عاد. قد ذكر الطبري أن "وهب بن منبه" قص أنه سمع من رجل اسمه "عبد الله بن قلابة" أن إبلًا له كانت قد شردت، فأخذ يتعقبها؛ فبينما هو في صحاري "عدن"، وقف على موضع "إرم ذات العماد"، وقد وصف ذلك الموضع على النحو المألوف عن "وهب"، من إغراقه في الأساطير وفي القصص الخيالي البعيد عن العقل5.
1 الطبري "1/ 217 فما بعدها"، شمس العلوم "ج1، القسم الأول، ص 262"
2 الطبري "1/ 226".
3 الطبري" 1/ 225".
4 نهاية الأرب "13/ 62 فما بعدها" راجع قصة "ابن بيض" مع لقمان، ويظهر أنها من قصص الجاهلية، المفضليات "ص91، ديوان المفضليات "ص91" "طبعة بيروت 1920م".
5 تفسير الطبرسي "9/ 486".
ثمود:
ويرد اسم ثمود في الكتب العربية مقرونًا باسم "عاد"، وبعد هذا الاسم
في الغالب، والروايات العربية الواردة عنهم لا تعرف من تأريخهم شيئًا، إنما روت عنهم قصصًا أوردتها لمناسبة ما ذكر عنهم في القرآن الكريم على سبيل العظة والاعتبار والتذكير، وقد وردت إشارات عنهم في الشعر الجاهلي1.
وجاء اسم "ثمود" في مواضع عديدة من القرآن الكريم، جاء منفردا، وجاء مقرونًا باسم شعوب أخرى مثل قوم "نوح" وقوم "عاد"، فبدأ بقوم نوح ثم عاد ثم ثمود2. وجاء مع ثمود في موضعين "أصحاب الرسّ"، جاءوا بعد "ثمود:"3. كما جاء اسمهم قبل "ثمود"4. ووردت أيضا ذكر قوم "لوط" و"أصحاب الأيكة"، وقد تقدم في هذا الموضع اسم "ثمود"، ودعت الآية أولئك: "الأحزاب"5، كما ورد ذكر "ثمود" مع "عاد"6. وقد تقدم اسم "عاد" على ثمود إلا في آية واحدة تقدم فيها اسم ثمود على اسم "عاد": {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} 7، وورد اسم "ثمود" في آيات
1 ورد في الشعر المنسوب لأمية ابن أبي الصلت:
كثمود التي تفتكت الدين
…
عتيا وأم سقب عقيرا
وذكر قصة الناقة، راجع ديوانه "ص44"، "طبعة فر. شلتيز" fr. schulthess" "لا يبزك 1911م".
وورد في شعر لسلمة بن الحرث، وهو من معاصري عمرو بن كثلوم:
حتى تزور السباع ملحمة
…
كأنها من ثمود أو أرما
راجع المفضليات "ص428".
وورد اسم ثمود أيضا في شعر لجرير بن خرقاء العجلي:
ويوم الحنو قد علمت معد
…
حصدناكم كما حصدت ثمود
المفضليات "ص 439"، وورد في شعر لبيد اسم إرم وعاد وثمود، ديوان لبيد، "ص25"، سبائك الذهب، للسويدي "ص15".
2 سورة التوبة 9، الآية 70، سورة إبراهيم 14، الآية 9، سورة الحج 22 الآية 42، سورة غافر، 40، الآية 31.
3 "وعادا وثمودا وأصحاب الرس"، سورة الفرقان 25، الآية 38.
4 سورة ق، 50، الآية 12.
5 سورة ص، 38، الآية 13.
6 سورة العنكبوت 29، الآية 38، سورة فصلت 41، الآية 13، سورة النجم 53، الآية 51.
7 سورة الحاقة، 69، الآية 4.
أخرى من القرآن الكريم1.
وقد ذكر الطبري أن شعراء الجاهلية ذكرت في شعرها عادًا وثمود، وأن أمرهما كان معروفًا عند العرب في الشهرة قبل الإسلام، وأن من يظن أن الجاهليين لم يكونوا يعرفون عادًا أو ثمودًا فإنه على وهم وخطأ2.
ويظهر من ورود ذكر "ثمود" في مواضع متعددة من القرآن، لترهيب "الكفار" من العاقبة التي آلت إليها حالة "ثمود" بعد أن استحبّوا العمى على الهدى، واستمروا بطغواهم كما استمر طغيان "فرعون"3 وقوم "مدين"4 وغيرهم ممن ذكرناهم، أن الجاهليين كانوا يعلمون مصير ثمود ومصير عاد الذي كان من نوع مصير ثمود5، وأنهم كانوا يعرفون منازلهم كالذي يظهر بجلاء من الآية:{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} 6 معرفة جيدة، ولم يعيّن القرآن الكريم موضع منازل "ثمود"، وإنما يظهر من آية:{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} 7، أن مواضعهم كانت في مناطق جبلية، أو في هضبات ذات صخور. وقد ذكر المفسرون أن معنى "جابوا الصحر" قطعوا صخر الجبال واتخذوا فيها بيوتا8، وأن "الواد" هو وادي القرى. فتكون مواضع ثمود في هذه الأماكن. وقد عين أكثر الرواة "الحجر" على أنه ديار ثمود، وهو قرية بوادي القرى. وقد زارها بعض الجغرافيين وعلماء البلدان
1 سورة الأعراف 7، الآية 73، سورة هود11، الآية 61، 68، 95، سورة الإسراء، 17، الآية 59، سورة الشعراء، 26، الآية 141، سورة النمل، 27 الآية 45، سورة الذاريات 51، الآية 43، سورة القمر، 54، الآية 23، سورة البروج 85، الآية 18، سورة الفجر 89، الآية 9، سورة الشمس 91، الآية 11.
2 الطبري "1/ 232"، طبعة دار المعارف"، الكامل، لابن الأثير"1/ 50"، نهاية الأرب "2/ 292".
3 سورة البروج 85، الآية 18.
4 سورة هود11، الآية 95.
5 سورة فصلت 41، الآية 13.
6 سورة العنكبوت 29، الآية 38.
7 سورة الفجر 89، الآية 9.
8 الكشاف، للزمخشري "4/ 209"، تفسير الطبري "30/ 113"، روح المعاني، للألوسي "30/ 124".
والسيّاح، وذكروا أن بها بئرا تسمى بئر "ثمود"1، وقد نزل بها الرسول مع أصحابه في غزوة "تبوك"2. وقد ذكر المسعودي أن منازلهم كانت بين الشام والحجاز إلى ساحل البحر الحبشي، وديارهم بفج الناقة، وأن بيوتهم منحوتة في الجبال، وأن رمميهم كانت في أيامه باقية، وآثارهم بادية، وذلك في طريق الحاج لمن ورد الشام بالقرب من وادي القرى3.
وينسب النسابون ثمود إلى "ثمو بن جاثر أو كاثر بن إرم سام بن نوح"4، ويكتفي بعضهم بإرجاع نسبهم إلى عاد، فيقولون عنهم إنهم من بقية عاد5. وينسبهم بعض آخر إلى "عابر بن إرم بن سام بن نوح"، وزعموا أن ثمود هو أخو جديس6.
وقد استطاع المستشرقون التعرف على الثموديين من الكتابات والمؤلفات "الكلاسيكية"، فوجدوا اسم ثمود في النصوص الأشورية: وجدوه في نص من نصوص "سرجون الثاني"، مع أسماء شعوب أخرى سوف أتحدث عنها. وقد دعوا بـ "tamudi""thamudi"7، وذلك بمناسبة معركة جرت بين الآشوريين وبين هذه الشعوب، انتصر فيها الآشوريون، كما وجدوه في النصوص والكتابات الثمودية، وقد عُثر عليها في مواضع متعددة من جزيرة العرب، وفي النصوص "الكلاسيكية" حيث عرفوا باسم "thamudeni" thamudenoi" "thamydenoi" "thamyditai"8
1 البلدان "3/ 221"، الطبري "1/ 118"، اللسان "5/ 242"، سبائك الذهب "ص15"، صبح الأعشى "1/ 313"، تقويم البلدان "89".
2 البكري، معجم "2/ 426""طبعة السقا" الأغاني "6/ 28"، ابن كثير، البداية "1/ 131وما بعدها"
3 مروج الذهب "1/ 259"، "قال كعب: لما أهلك الله عز وجل عادا، جاءت ثمود وعمرت الأرض، وكانوا بضع عشر قبيلة
…
وكانت منازلهم ما بين الحجاز إلى الشأم، وهي ديار الحجر من وادي القرى"، نهاية الأب "13/ 71".
4 صبح الأعشى "1/ 313".
5 "وثمود، كصبور بن عابر بن إرم بن سام. قبيلة من العرب الأول، ويقال إنهم من بقية عاد"، تاج العروس "2/ 312"، اللسان "3/ 105"، "صادر".
6 ابن كثير، البداية "1/ 130 وما بعدها".
7 Rawllnson، Cunal Form Inscriptions، Vol.، I، PI.، 36، Lyon، Sargon، P.، 4، Musil، Deserta، P.، 291.
8 Musil، Deserta، P.، 291، Ptolemy، Geography، VI، 7 ; 4، VI، 7;21، Diodorus، Bibliotheca Historica، in، 44، Forster، Vol.، I، P.، 323، Vol.، 2، P.، 30، 117، 274، 284.
ولقد وصف مؤلف كتاب: "الطواف حول البحر الأريتري" مواضع الثموديين "thamudeni" مستندًا إلى مورد آخر، أخذ منه، أقدم عهدًا منه فذكر أن "thamudeni"، كانوا يقيمون على ساحل صخري طويل، لا يصلح لسير السفن، وليست فيه خلجان تستطيع أن تأوي إليه القوارب فتحتمي بها من الرياح، ولا ميناء تتمكن من الرسو فيه، ولا موضع أو جزر عنده تقبل إليه القوارب الهاربة من الأخطار1. فيظهر من وصف هذا المؤلف أن مواطن ثمود كانت في الحجاز على ساحل البحر الأحمر.
وقد ذكر هذا الوصف، ولكن بشيء من التحوير" ديودورس"2. وأما "بلينيوس"، فذكر "tamudaei" بين "domata"و "haegra" ومدينة دعاها "badanatha" "baclanaza". وأما "بطلميوس"3، فقد جعل قوم ثمود "thamuditae""thamudeni" بين ال "sarakenoi" وبين "apatae"4 ويظهر من كل ذلك أن ديارهم في شمال غربي "العربية السعيدة"5، أي في المواضع التي عينتها المصادر العربية.
يظهر من جغرافية "بطلميوس" إذن، أن ديار ثمود كانت غير بعيدة عن ديار"عاد"، ليس بينها وبين ديار عاد "oaditae" إلا ديار "سره كيني" "sarakeni" وكلها في أعالي الحجاز في هذه المنطقة الجبلية التي تخترقها الطرق التجارية التي توصل الشام ومصر بالحجاز واليمن. وفي هذا تأييد للروايات العربية القائلة إن ديار ثمود كانت على مقربة من ديار عاد. فإذا كانت "الحجر" وما والاها هم مواطن ثمود: وجب أن تكون ديار "عاد" على مقربة من هذه المواضع.
وأما تأريخ قوم "ثمود"، فيعود إلى ما قبل الميلاد بزمان. وقد ذكرت قبل قليل أنهم كانوا في جملة الشعوب التي حاربت الآشوريين في عهد "سرجون
1 Musll، Deserta، p.، 302، The Periples of the Erythrean Sea، by William Vincent، London، 1800، Part the Second، P.، 262.
2 Diodorus، Bibliotheca Historlca، III، 44، Musil، Deserta، P.، 291.
3 Pliny، Natur. History، (translated by H. Rackham) ، Vol.، 2، P.، 456 457، VI، 32.
4 Glaser، Sklzze، 2، S.، 108، Ptolemy، VI، 7:4 VI، 7:21، V، 19 7 Hastings. A Dictionary of the Bible، Vol.، I، P.، 630.
5 Musil، Hegaz، P.، 291، Glaser، Skizze، 2، S.، 108، 256.
الثاني"، وقد ذُكر هذا الملك في النصوص التأريخية التي سجلها، أنه تغلب عليهم، وأنه أجلاهم من مواطنهم إلى "السامرة" "samaria"1. ولم يكن أولئك الثموديون الذين حاربوه من أبناء الساعة، بل لا بد أن يكون لهم أسلاف عاشوا قبلهم عدة قرون.
وقد عرفت المنطقة التي حارب بها قوم ثمود والشعوب الأخرى الأشوريين باسم "بري""bari"، ويظهر أنها تعني لفظة "بر" ، و"برية" العربية، أي "البادية" فحرفت إلى "بري" إلى وفق الآشوري2.
ويرى بعض الباحثين أن آخر ذكر ورد في الوثائق لقوم "ثمود" كان في القرن الخامس للميلاد، حيث ورد أن قوما منهم كانوا فرسانا في جيش الروم3.
وقد كان الثموديون يقطنون بعد الميلاد في مواطنهم المذكورة في أعالي الحجاز في "دومة الجندل" و "الحجر" وفي غرب "تيماء". وقد ذكر أنهم كانوا يمتلكون في منتصف القرن الثاني للميلاد حَرّتّيْ "العوارض" و "الأرحاء"4. ويرى "دوتي" أن "الحجر" التي سكن بها قوم ثمود، هي موضع "الخريبة" في الزمن الحاضر، لا "مدائن صالح" التي هي في نظره "حجر" النبط. وتقع "مدائن صالح"، وهي عاصمة النبط، على مسافة عشرة أميال من موضع "الخريبة"5.
ولم يرد في الموارد العربية الإسلامية، ما يفيد وجود قبائل ثمودية قبيل الإسلام، أو في الإسلام، غير ما ذكره بعضهم من نسب "ثقيف" الذي رجعوه إلى ثمود، ولكن ذلك لم يرضِ الثقفيين. فقد كان الحجاج بن يوسف يكذب ذلك6، والظاهر أن أعداء ثقيف ولا سيما معارضي الحجاج وضعوا ذلك على ثقيف بغضًا
1 Lyon، Keilschrifttexte Sargons، S.، 4، (1883) ، Winckler، Keilschrifttexte
Sargons، (1889) ، Bd.، 2، PL.، 2، No.، I، Linie 20، Schrader، Keilinschriftliche Bibliothek، (1889-1900) ، Bd.، 2، S.، 42، Musil، Deaerta، P.، 479،
Musil، Hegaz، P.، 289
2 Sprenger، Geography، S.، 28
3 Doughty، Vol.، I، P.، 229، Sprenger، S.، 28
4 Musil، Hegaz، P.، 291
5 Doughty، Vol.، I، P.، 229
6 ابن خلدون "2/ 24"، الكامل "1/ 276".
كتابات ثمودية من أعالى الحجاز من كتاب: "آنو ليتمن":
Zur Entzifferung: Taf.3.
للحجاج، الذي كان قاسيًا عاتيًا شديدًا. وقد روى "دوتي" أن بدو نجد يذكرون أن قبيلة "بني هلال" هي من نسل عاد وثمود1.
ونجد في كتاب: "mission archeologique en arabie" لمؤلفيه "jaussen" و "savignac"، عددًا من الكتابات الثمودية، عثرَا عليها في "العلا" وفي مواضع أخرى من الأرضين التي هي اليوم في المملكة الأردنية الهاشمية وفي أعالي الحجاز من المملكة العربية السعودية، كما عثر غيرهما قبلهما وبعدهما على عدد آخر، أغلبه من هذه الكتابات القصيرة، التي كتبت على مختلف الأحجار، بالمناسبات، مثل تذكّر شخص، أو تسجيل اسم لمناسبة وجود صاحبه في هذا المكان، كما يفعل كثير من الناس في أيامنا2.
وتمكن "لانكستر هاردنك" محافظ مديرية الآثار العتيقة في المملكة الأردنية الهاشمية من تصوير ما يزيد على خمسمائة كتابة ثمودية أرسلها إلى المستشرق "أنوليتمان"، يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، ويعود قسم منها إلى ما بعد الميلاد، ومن بينها نص أرخ بسنة "267" للميلاد، ونص آخر رسمت فيه دائرة في داخلها صورة تشبه الصليب، وكتابة قرأها المستشرق "أنوليتمان":"يشوعة" أو "ليشوعة"، أي "ليسوع"، وهو النص الذي رُقّم بـ "476". والظاهر أن صاحبه كتبه تيمنًا باسم المسيح، ولا يعرف تأريخه بالضبط. ويعتقد "ليتمان" أنه أقدم شاهد عرف حتى الآن عن انتشار النصرانية في شمال جزيرة العرب3. وقد قرأها المستشرق "فان دين برندن":"بوايوب" أي لأيوب"، أو "بأيوب"، أو "أيوب". وبالجملة فإن العلماء لم يتمكنوا من ترجمة تلك الكتابات ترجمة صحيحة حتى الآن4.
وفي المتاحف الأوروبية وفي مكتبات بعض الجامعات وفي أوراق المستشرقين مجموعة من النصوص الثمودية، جميعها في أمور شخصية وفي موضوعات دينية وأدعية لآلهة ثمود. وأما المناطق التي وجدت فيها هذه النصوص، أو أخذت
1 Die Offenbarung Arablens، (Arabia Deserta) ، Leipzig، 1937، S.، 63.
2 Van den Branden، Les Inscriptions Thamoud^ennes، Louvain-Heverbe، 1950.
3 The Muslim World، Vol.، XI، No.، I، January، 1950، Jesus in Pre-islamic Arabic Inscription، by Enno Littmann،
4 A. Van den Branden، in Le Museon، LXIII، (1950) 1-2، P.، 47-51، "Une Inscription Thamoudeenne".
صورها، فهي مناطق "حائل" بنجد، وأرض "تبوك" وتيماء ومدائن صالح والسلاسل الجبلية الممتدة بين هذه المنطقة والحجاز، وعثر في الطائف على بعض النصوص الثمودية أيضا وفي السواحل الحجازية الشمالية للبحر الأحمر عند "الوجه" وفي "طور سيناء" وفي "الصفا" شرقي دمشق وفي مصر1. وفي "الحرة" و "الرحبة" وفي شمال غربي تدمر2.
وقد عثر على نقوش ثمودية في اليمن، ويدل وجود هذه الكتابات هنالك على وجود صلات بين اليمن وثمود، ولعلهم كانوا يقيمون في اليمن كذلك. وقد عثرت البعثة المصرية التي زارت اليمن على مخربشات ثمودية في "حجر المعقاب" عند جبل "حليل" على مسافة ليست بعيدة من "بيت حميد" بوادي شرع بالخارد3.
ويشك المستشرق "هوبرت كريمه""hubert grimme" في صحة نسبة كثير من هذه النصوص إلى ثمود، ويرى أنها لأناس غيرهم؛ إذ لا دليل علميا هناك يثبت كون هذه النصوص تعود إلى هؤلاء.
وهناك عدد غير قليل من النصوص الثمودية يعود عهدها إلى العهد النبطي، ويشغل حيزًا من الزمن يقع بين حوالي مائتي سنة قبل المسيح وثلاثمائة سنة بعده، وتمتزج في مثل هذه النصوص الثمودية بالنبطية. وقد عثر على بعض نصوص نبطية في الحجاز ظن أنها نصوص ثمودية، مثل نص: hu. 418 = eu. 772، ونص آخر يعود إلى سنة 267 للميلاد4
إلا أن هناك نصوصًا ثمودية يظهر عليها أثر عبادة "صلم""salm". وقد كانت "تمياء" من أهم الأماكن التي كانت تقدس هذا الإله سنة "600" ق. م، ويرمز أهل تيماء إلى "صلم" برأس ثور، وقد وجد هذا الرمز
1 Ency.، Vol.، 4، P.، 736، Musil، Negd، P.، 104، 140، Huber in Journal D'un Voyage en Arabie، 1883-1884، Grimme، Entzifferung Thamudenischer Inachriften، 1904، Jausen-Savignac، Mission Arch6ologique en Arabie، 1-2 19911، 1914.
2 E. Littmann، Thamud und Safa، S.، 6. f، 95. f، Die Araber in der Alten Welt، y I، S.، 164.
3 نشر نقوش سامية قديمة من جنوب بلاد العرب وشرحهما، للدكتور خليل يحيى نامي، القاهرة 1943 "ص 109"، وقد عثر الرحالة "فلبي" على بعض الكتابات التي يظهر أنها ثمودية لحيانيه،
Philby، Sheba'st Daughters، P.، 441.
4 Ch. Doughty، Documents Eplgraphiques Recueillis dans le Nord de L'arabie، 1884.
على النقوش الثمودية، كما وجدت أسماء بعض الآلهة التي كان يتعبد لها أهل تيماء منقوشة في النصوص الثمودية، مما يدل على أن قوم ثمود كانوا يتعبدون لها كذلك، وأن هنالك صلات ثقافية ودينية بين تيماء وثمود.
ويرجع بعض الباحثين تأريخ عدد من الكتابات الثمودية إلى القرن السابع قبل الميلاد. وهناك كتابات يرون أنها أقدم عهدًا من القرن السابع. غير أن أكثر ما عثر عليه يعود تأريخه إلى ما بعد الميلاد. وهي بالجملة في أمور شخصية لا تفيد المؤرخ الذي يريد تدوين تأريخ ثمود: فائدة كبيرة. ولكنها نافعة على كل حال من نواحٍ أخرى، فهي تفيد اللغوي الذي يريد الوقوف على لغة الثموديين ومعرفة أسمائهم ولهجاتهم، وتفيد الباحثين في اللهجات العربية الجاهلية وفي الساميّات.
والكتابات الثمودية في نظر الباحثين نوعان: كتابات قديمة وقد دوّنت بالقلم الثمودي القديم، وكتابات حديثة وقد كتبت بقلم ثمودي متطور تختلف أشكال حروفه ورسومها بعض الاختلاف عن القلم القديم. وللقلم الثمودي صلة بقلم "طور سيناء"، كما أن له علاقة بالقلم المسند. وتفيد دارسته من هذه الناحية في الوقوف على تأريخ تطور الكتابة في جزيرة العرب قبل الميلاد، وفي تطور الأقلام بوجه عام1.
ويلاحظ وجود بعض الخواص في الكتابات الثمودية التي عثر عليها في الحجاز، لا نجدها، أو قلما نجدها في كتابات ثمودية أخرى، عثر عليها في نجد وفي اليمن. ويعود سبب ذلك إلى تأثير البيئات، ولا شك في هؤلاء الثموديين الذين تأثروا بلهجات جيرانهم وبثقافاتهم، فظهر ذلك الأثر في هذه الكتابات2.
ويظهر من الكتابات الثمودية أن قوم ثمود كانوا زُرّاعا وأصحاب ماشية، وأنهم كانوا أقرب إلى الحضر، منهم إلى أهل الوبر، فقد كانت لهم مستوطنات ثابتة استقروا فيها، وكانت لهم معابد ثابتة أيضًا، أي مبنية، وبينهم قوم اشتغلوا بالتجارة. ولعلّ الأيام ستجود علينا بكتابات ثمودية تتحدث عن أمور عامة، وعندئذ نستطيع أن نستنبط منها شيئًا عن أحوالهم من مختلف الوجوه.
1 Hubert Grimme، Die Loesung des Sinaischriftproblems، Die Altthamudische schrlft، S.، 24.
2 Grimme، Die Loesung، S.، 25.
ومن أصنام ثمود التي ورد ذكرها في كتاباتهم، الصنم "ود"، وهو من الآلهة القديمة عند العرب1. والصنم "جد- هد" أو "جد- هدد"، وله عندهم معابد وسدنة يخدمونه، ويعرف سادن الأصنام عندهم بـ "قسو" أي "قس". عرفنا أسماء بعضهم، ومنهم السادن "إيليا""إيلية"2. ويظهر أنه كان من الآلهة العربية العتيقة؛ غير أن سعده أخذ في الأفول، فأخذت مكانه آلهة أخرى، ثم عفي أثره من الذاكرة، فلم يرد اسمه بين الأصنام التي كان يعبدها الجاهليون قبيل الإسلام. وقد بقيت مع ذلك أسماء مثل ""عبد جد" تشير إلى اسم الإله العربي القديم3.
و"شمس"و "مناف" و "مناة" و"كاهل" و "بعلة""بعلت" و "بعل" و "يهو" و "رضو" أو "رضى"، هي أيضا من أصنام ثمود، سأتحدث عنها كلها في أثناء بحثي في الديانة العربية قبل الإسلام. ومن بقية آلهة ثمود "عثيرت""عثيرة"، و "وتن""وت"، و "يثع""سمع" و "سميع" و "هبل" و "سحر"، و "سين" و "عم" و "قين" و "يغوث" و "إله" و "ألى" و "إلهي" و "الت" و "اللآت" و "حول""حويل" و "ذو شري" و "سمين" و "هلال" و "صلم" و "نهى" و "عثتر سمين" و "كاهل""كهل"، و "ملك" و "مالك"، و "هادي""هدى"، و "بحل"، و "رتل"، و "هيّج"، و "شوع"، و "ستار"، و "طنفت"، و "سعى"، و "غم"، و "عس"، و "عسحرد"، و "عثير"، و "عطير"، و "تجر"، و "دبر"4.
وبعض هذه الأسماء ليست في الواقع أسماء آلهة، وإنما هي من قبيل ما يقال له "الأسماء الحسنى" عندنا أو صفات الله، فلفظة "سمع" مثلًا، وهي بمعنى "سميع" أو "السميع" في عربيتنا ليست اسم إله معين، إنما هي صفة للإلَه، بمعنى أن الإله هو سميع يسمع دعوات الداعين. ولذلك يخاطبه المؤمنون ويقولون له "سمع""يا سميع"، ليسمع دعاءهم وليجيب طلباتهم، وهناك ألفاظ
1 J. Wellhauaen، Reste، S.، 14.
2 Grimme، S.f 39، Note 9.
3 Wellhausen، S.، 146.
4 Van den Brandeen، Les Inscriptions، PP.، 10.
أخرى هي من هذا القبيل.
ووصلت إلينا أسماء ثمودية كثيرة، مثل:"أوس" و "سعد" و "عفير" و "وائل" و "بارح" و "كربال""كرب إبل" و "عش""عائش" و "مالك""ملك" و "عذرال""عذرايل"، و "عوذ"، و "أسعد"، و "عياش"، و "إياس"، و "قيس بن وائل""قس بن وال" وغيرها؛ مما يخرجنا ذكرها عما نحن فيه. وهي أسماء لا يزال بعضها مستعملًا1.
ويلاحظ أن بعض هذه الأسماء مثل "كرب ال" و "عذرال"، وما شاكله، قل استعمالها عند العرب قبيل الإسلام، بينما كانت من الأسماء الشائعة في الجاهلية البعيدة عن الإسلام، ولا سيما بين الجاهليين في العربية الجنوبية، حيث ترد بكثرة في كتابات المسند.
ويرى "برو" brau أن ثمودا أُصيبوا بكارثة عظيمة، من ثوران براكين أو هزّات أرضية، بدليل ورود كلمة "رجفة"2 وكلمة "صيحة" في القرآن الكريم، وذلك محتمل جدًّا، لأن البقاع التي كانوا يقطنونها هي من مناطق الحِرَار3.
ويشبه مصير "عاد" و "ثمود" مصير "سدوم""sodom" وعمورة "جمورة""كمورة""gomorrah" وبقية مدن الدائرة في عمق السديم4 التي تقع -على رأي كثير من علماء التوراة- في جنوب البحر الميت، فقد لاقت هذه المدن، وهي خمس على سهل "دائرة الأردن" المصير الذي لقيه قوم عاد وثمود، حيث أرسل الله عليهم عذابا "فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارًا من عند الرب من السماء، وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض"5. وأصحاب هذه المدن هم: قوم "lot" "لوت".
1 E. LIttmann، Thamud und Safa، (Abhand. f. d. Kunde d. Morgenlandes 25، I) ، 1940، Die Araber in der Alten Welt، I، S.، 163. ff.، M. Hofner، Die Beduinen In L'Antica Societa Beduina (Studi Semitici) ، 1959، 53. f.
2 Ency.، Vol.، 4، P.، 736.
3 James A. Montgomery، Arabia and the Bible، P.، 91، Hasting.?، P.، 734.
4 قاموس الكتاب المقدس "1/ 551"، "2/ 119، 300"، Hastings، P.، 734، Ency. BibL، P.، 3790.
5 التكوين، الإصحاح التاسع عشر، الآية 23 وما بعدها.
و "لوت "هو "لوط" المذكور في القرآن الكريم. وقد رأيت أن القرآن الكريم قد أشار إلى مصير "قوم لوط"، وأطلق على ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة "الأحزاب". و {وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} 1.
وقد تعرّض المفسرون لقوم "لوط" وما حلّ بهم من العذاب، وبحث عنهم أهل الأخبار والتأريخ، باعتبار أن أخبارهم هي صفحة من صفحات التأريخ القديم العام قبل الإسلام. وفي الرواية التي ذكرها "الطبري" في تأريخه عنهم، وسندها مرفوع إلى "محمد بن كعب القَرَظَمي" ذكر للقرى الخمس الواقعة حول "سهل دائرة الأردن"، وقد دعاها بـ "المؤتفكات" المأخوذة من القرآة الكريم من {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} 2، وهي: صبعة، وصعرة، وعمرة، ودوما، وسدوم، بحسب رواية الطبري هذه 3. وفي هذه الأسماء تحريف وتغيير في الترتيب الذي وردت به في التوراة، إذ هي فيها على هذا الشكل: سدوم "SODOM"" و "عمورة" "gomorrah"و "أدمة" "admah"" و "صبوبيم" "zeboim"و "بالع" "bela" وتُسمّى أيضًا بـ "صوغر" "zoar"4.
وقد نبّه القرآن قريشًا إلى مصير يشبه مصير "ثمود"، إذ كفروا بنبوة نبيهم "صالح"، وعقروا "الناقة" التي أرسلت لهم آية تحذرهم من عاقبة كفرهم ومن استمرارهم في تكذيبهم نبوة نبيهم. فلما استمروا في غيّهم وضلالهم، أرسل الله عليهم "الصيحة"، فأهلكتهم، ورجفت الأرض بهم، فلم يبقَ من كفّارهم على الأرض إلا رجل واحد، هو "أبو رغال" كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله5.
ويذكر أهل الأخبار أن رسول الله لما غزا غزاة تبوك، نزل "الحجر"، ونهى الناس من دخول القرية، ومن شرب مائها، وأراهم مرتقى الفصيل.
1 سورة ص رقم 38، الآية 13، وتجد قصة لوط وقومه مفصلة في تأريخ الطبري "1/ 150" وما بعدها، نهاية الأرب "13/ 123، 248".
2 سورة النجم، الآية 53.
3 الطبري "1/ 307".
4 قاموس الكتاب المقدس "2/ 300"، HASTINGS، P، 734.
5 الطبري ":1/ 231 فما بعدها""طبعة دار المعارف".