المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب العيدينأي صلاتهما وما يشرع فيهما - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٢

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب العيدينأي صلاتهما وما يشرع فيهما

- ‌باب الوتر

- ‌باب الاستسقاء

- ‌باب الكسوف

- ‌باب التهجد

- ‌باب الاستخارة

- ‌باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

- ‌كتاب الجنائز

- ‌باب الأمر باتباع الجنائز

- ‌باب الكفن في ثوبين وغسل الميت المحرم

- ‌باب إحداد المرأة

- ‌باب زيارة القبور

- ‌باب البكاء عن الميت وإظهار الحزن عليه

- ‌باب حمل الرجل الجنازة دون النساء

- ‌باب فضل اتباع الجنائز

- ‌باب الصلاة على الشهيد

- ‌باب موت الطفل من أبوين غير مسلمين

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب وجوب الزكاة

- ‌باب إثم مانع الزكاة

- ‌باب الصدقة من كسب طيب

- ‌باب أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها وكذلك الخادم

- ‌باب الاستعفاف عن المسألة

- ‌باب من تصدق في الشرك ثم أسلم

- ‌باب مثل المتصدق والبخيل

- ‌باب زكاة الإبل

- ‌باب لا يسألون الناس إلحافا

- ‌باب أخذ الصدقة عند صرام النخل والصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌كتاب الحج

- ‌باب فضل الحج المبرور

- ‌باب التمتع والقران والإفراد

- ‌باب ما ذكر في الحجر الأسود

- ‌باب سقاية الحاج

- ‌كتاب العمرة وفضلها

- ‌باب جزاء الصيد

- ‌باب الحج عن الميت

- ‌فضائل المدينة

- ‌كتاب الصوم

- ‌باب فضل ليلة القدر

- ‌كتاب البيوع

- ‌كتاب الوكالة

- ‌باب ما جاء في الحرث والمزارعة

- ‌باب الشرب

- ‌باب إثم من منع ابن السبيل الماء

- ‌باب فضل سقي الماء

- ‌باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار

- ‌كتاب الاستقراض والحجر والتفليس

- ‌كتاب الخصومات

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب المظالم

الفصل: ‌باب العيدينأي صلاتهما وما يشرع فيهما

‌كتاب الصلاة

‌باب العيدين

أي صلاتهما وما يشرع فيهما

1 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا

-[المعنى العام]-

شرع الله العيدين ليروح المسلم عن نفسه وعن أهله وعن عياله وأن يمتعهم بزينة الحياة الدنيا وبهجتها وأن يسمح لهم باللهو المباح إن لكل قوم عيدا أو أعيادا يتخلصون فيها من مشاق العمل ويتشاغلون فيها عن هموم الحياة ويطلقون فيها النفوس من عقال الجد والوقار

وقد شاء الله للأمة الإسلامية أن يكون العيدان المشروعان عقب عبادتين من أشق العبادات عيد الفطر يعقب صيام رمضان وعيد الأضحى يعقب الحج فترتبط العبادة بالطيبات من الرزق وتتعلق مطالب الروح بمطالب الجسد يبتغي المسلم الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا نعم أبيح وقبل في العيدين ما لا يقبل في غيرهما من اللهو وشغل الوقت باللعب والزينة ومع ذلك اختلفت درجة هذه المباحات باختلاف درجة المسلم

ص: 7

نفسه فما يباح أيام العيد للشاب والفتاة لا يباح للعالم والشيخ الصالح وما يباح للصبي والصبية لا يباح للرجل والمرأة ثم لا بد من التحكم في مقدار هذا اللهو المباح بحيث لا يطول ويطغى على هدف المسلم من الحياة فحين لعب الحبش بالحراب في الشوارع يوم العيد وأخذوا يرقصون والصبيان حولهم ومروا ببيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة أتحبين أن تنظري إليهم؟ قالت: نعم ففتح النافذة وأقامها وراءه يسترها بثوبه تنظر من بين أذنيه فلما طال بها اللهو قال لها: أما شبعت؟ قالت: لا فانتظر قليلا ثم قال: أما شبعت؟ قالت: لا. فقال لها بعد الثالثة: حسبك

لقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي دون البلوغ وكان يقول عنها إذا رأى ميلها إلى اللهو: "اقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو" وكان صلى الله عليه وسلم خير من يقدر لعائشة هذا الميل ويسمح لها بمزاولة هذا اللهو لقد رأى مرة في رف حجرتها خيلا من صلصال صنعته عائشة بيدها فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: خيل قال: خيل لها أجنحة؟ قالت: أما علمت أن خيل سليمان كانت لها أجنحة فتبسم صلى الله عليه وسلم وموضوع حديثنا من هذا القبيل في يوم من أيام العيد دعت عائشة جاريتين تجيدان الغناء والضرب بالدف إلى بيتها وجلست معهما تغني وتغنيان بأشعار من أشعار الجاهلية ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيت يضج بالغناء وصوت الطبل فلم يؤنب ولم يزجر ولم ينكر بل مر مرور الكرام حتى وصل إلى سريره فاضطجع محولا وجهه عن الساحة وتغشى بثوبه وجاء بعده أبو بكر فدخل فارتاع للمنظر ونهر عائشة والجاريتين وقال: مزمارة الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لا يليق فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال دعها يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا اليوم عيدنا فاستجاب أبو بكر للأمر وانشغل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأت عائشة انشغالهما غمزت الجاريتين وطلبت منهما الانصراف فانصرفتا

ص: 8

-[المباحث العربية]-

(دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في بيتي في يوم عيد كما جاء في بعض الروايات "في أيام منى"

(وعندي جاريتان) الجارية هي من دون البلوغ من النساء وتطلق على الحرائر والإماء وشاعت أكثر في الإماء وكانتا أمتين مملوكتين كانت إحداهما لحسان بن ثابت وكانت الأخرى لعبد الله بن سلام وقيل: كانتا لعبد الله بن سلام كما قيل إن اسم إحداهما حمامة واسم الثانية زينب وقيل غير ذلك والجملة حالية

(تغنيان بغناء بعاث) بضم الباء وفتح العين وأخطأ من جعلها غينا فنقطها وهو موضع من المدينة على بعد ليلتين أو اسم حصن هناك وكان موضع معارك بين الأوس والخزرج واشتهر يوم بعاث عند العرب لما حصل فيه من القتل الكثير وكان أوج الحرب التي استمرت بينهما مائة وعشرين سنة وكان هذا اليوم قبل الهجرة بثلاث سنين على أرجح الأقوال والغناء بكسر الغين ما طرب من الصوت وهو معروف من أهل اللهو والمقصود هنا بغناء بعاث الترنم بالأشعار التي تبادلتها الأنصار في ذلك اليوم وما قاله كل من الفريقين من فخر أو هجاء وكان غناء الجارتين وعائشة مصاحبا لآلة لهو هي الدف بالدال المشددة المضمومة وقد تفتح ويقال له أيضا الكربال بكسر الكاف وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر

(وحول وجهه) عن الجاريتين إلى الجهة الأخرى وفي رواية "تغشى بثوبه"

(ودخل أبو بكر) في رواية "وجاء أبو بكر" وكأنه جاء زائرا لعائشة

(فانتهرني) في رواية "فانتهرهما" والظاهر أنه انتهر الثلاث أما عائشة فلتقريرها وأما الجاريتان فلفعلهما

(مزمارة الشيطان) المزمارة والمزمار مشتق من الزمير وهو الصوت

ص: 9

الذي له الصفير ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء وسميت به الآلة المعروفة التي يزمر بها وإضافتها إلى الشيطان للذم من جهة أنها تلهي وتشغل القلب عن الذكر

(فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حول وجهه نحوه وفي رواية "فكشف رأسه"

-[فقه الحديث]-

ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب العيدين للاستدلال به على أنه يغتفر في العيد من المرح والانبساط ما لا يغتفر في غيره والقضية فيه قضية الأغاني وإباحة أو حرمة سماعها وإباحة أو حرمة فعلها وأدائها

قال الحافظ ابن حجر استدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في رواية أخرى للبخاري قالت "وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين .. " الحديث فقولها: "وليستا بمغنيتين" نفت به عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب وعلى الحداء ولا يسمى فاعله مغنيا وإنما يسمى بالمغني من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح

وقال القرطبي قولها "ليستا بمغنيتين" أي ليستا ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن وهذا إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه قال: أما ما ابتدعه الصوفية في ذلك فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة وانتهى التواقح بقوم منهم إلى

ص: 10

أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرفة والله المستعان اهـ

قال الحافظ ابن حجر: عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم اهـ

وهذا الذي قاله الحافظ جيد، ولو طبقناه وجدناه من جاريتين لا من بالغتين وعلى طريقة الترنم لا على طريقة المغنيات من التثني والتكسر وفي أيام العيد لا في كل الأيام وبالدف لا بفرقة موسيقية بشتى أنواع الآلات وبالمفاخر لا بأوصاف النساء والله أعلم

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

من تحويل وجهه صلى الله عليه وسلم يؤخذ ترفع ذوي المروءات وأصحاب المقامات عن مجالسة مثل ذلك

2 -

مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من متاعب الحياة ومشاق العبادة

3 -

مشروعية إظهار السرور في الأعياد وأن ذلك من شعار الدين

4 -

جواز دخول الرجل على ابنته وهي عند زوجها إذا كان له بذلك عادة ورضي به الزوج

5 -

إنكار ما استقر عنده أنه منكر فقد أنكر أبو بكر مزمارة الشيطان ظنا منه أنهن فعلن ذلك بغير علمه صلى الله عليه وسلم لكونه دخل فوجده مغطى بثوبه فظنه نائماً فتوجه بالإنكار على ابنته مستصحبا ما تقرر عنده من منع الغناء واللهو فلا يقال: كيف أنكر الصديق شيئا أقره النبي صلى الله عليه وسلم

6 -

وفي الحديث الرفق بالزوجة واستجلاب مودتها

7 -

ومراعة الخواطر والأحاسيس ذلك أن عائشة رضي الله عنها

ص: 11

راعت خاطر أبيها وخشيت غضبه فغمزت الجاريتين وأخرجتهما على الرغم من ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لها واكتفت رضي الله عنها-بالإشارة والغمز حياء من الكلام بحضرة من هو أكبر منها والله أعلم.

2 -

عن البراء رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصاب سنتنا"

-[المعنى العام]-

يوم العيد يوم فرح وسرور وتمتع بالمباح في حدود مشروعة بزينة الحياة الدنيا فهو يوم ترويح عن الأبدان لكن الإسلام يحرص دائما على أن

ص: 12

يصاحب المتعة والشهوة شيء من العبادة لئلا تتحول النفس البشرية بكليتها إلى الدنيا فهو يدعو إلى التسمية وذكر الله عند الأكل ويدعو في يوم العيد أن يبدأ بصلاة العيد وبأداء شعيرة عيد الفطر بزكاة الفطر وبأداء شعيرة عيد الأضحى بذبح الأضحية وأداء حق الفقير وحق الأهل والرحم منها

هكذا شرعت صلاة العيد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعد لها مكانا خارجا متسعا يكفي المسلمين المصلين وكان يخرج النساء والفتيات حتى الحيض منهن مع الرجال والصبيان إلى مصلى العيد وكان يخطب المسلمين والمسلمات يعلمهم شعائر هذا اليوم وكان مما قال في بعض خطبه في عيد الأضحى أن أول ما نبدأ به في مثل هذا اليوم من الأعياد أن نصلي صلاة العيد ثم نرجع إلى منازلنا ورحالنا فننحر أضحيتنا فمن فعل ذلك ورتب هذا الترتيب فقد أصاب السنة ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله

-[المباحث العربية]-

(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب) جملة "يخطب" في محل النصب على الحال وكانت الخطبة خطبة عيد الأضحى ففي رواية للبخاري عن البراء "خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة

" الحديث

(فقال) الفاء تفسيرية إذ الخطبة هي مقول القول نفسه

(إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي) صلاة العيد والإشارة إلى يوم عيد الأضحى والأولية نسبية إذ المراد أول الأعمال الهامة الدينية السامية خارج البيت وإلا فيسبق ذلك شرعا الاغتسال والتجمل وغيرهما

(ثم نرجع) إلى بيوتنا والتعبير بثم لما بين الصلاة والرجوع من التراخي بسماع الخطبة

(فننحر) معطوف على "نرجع" وهو معطوف على "نصلي" فهما منصوبان لعطفهما على المنصوب ويجوز فيهما الرفع على الاستئناف

ص: 13

والفعل حينئذ خبر لمبتدأ محذوف أي ثم نحن نرجع

(فمن فعل) ذلك بترتيبه

(فقد أصاب سنتنا) أي أدى السنة والمقابل محذوف هنا صرح به في رواية أخرى للبخاري بلفظ "ومن نسك قبل الصلاة فشاته شاة لحم" وفي رواية "ومن نسك قبل الصلاة فإنه لا نسك له"

-[فقه الحديث]-

الأعمال المشروعة في يوم العيد كثيرة ولم يقصد هذا الحديث عدها ولا ترتيبها وإنما قصد الترتيب بين أمرين منها: الصلاة ثم نحر الأضحية في عيد الأضحى أما غير هذين فلم يقصد إليها من الاغتسال والتجمل والمصافحة والدعاء وصلة الأرحام

أما صلاة العيد فهي مطلوبة بإجماع المسلمين وأول صلاة عيد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت صلاة عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة واختلفوا في حكمها فقال أبو حنيفة وأصحابه هي واجبة وجوبا عينيا لا كفائيا لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها وقال الشافعية والمالكية هي سنة مؤكدة لحديث الأعرابي "هل على غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع" ولحديث "خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة

" الحديث. ومواظبته صلى الله عليه وسلم تفيد تأكد الاستحباب دون الوجوب نعم أثر عن الشافعي أنه قال من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين

فحمل هذا القول على التأكيد لا على الوجوب الشرعي وقال أحمد وجماعة: هي فرض كفاية واستدلوا بقوله تعالى {فصل لربك وانحر} وحملوا الأمر على الوجوب وحملوا الصلاة على صلاة العيد. قالوا: وحديث الأعرابي يدل على أنه لا يجب عليه شخصيا غيرها فتعين أن تكون فرضا على الكفاية وحديث "خمس صلوات" إنما هو في الصلاة اليومية لا في الصلاة ذاتا لسبب الآخر ويرد على هؤلاء بأنه لو أردنا من الصلاة في {فصل لربك وانحر} صلاة العيد فالأمر ليس للوجوب وإلا لاقتضى

ص: 14

وجوب النحر أيضا وهم لا يقولون به فالأمر محمول على الندب جمعا بين الأدلة

وقد رتب الحديث النحر بعد الصلاة وقد جاء صريحا في رواية البخاري عن البراء قال "خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال: من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة لا نسك له فقال أبو بردة -خال البراء -يا رسول الله. فإني نسكت شاتي قبل الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي فذبحت شاتي وتغذيت قبل أن آتي إلى الصلاة قال: شاتك شاة لحم قال: يا رسول الله. فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين أفتجزي عني؟ قال: نعم"

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

تقديم العبادة على اللعب والمرح يوم العيد

2 -

أن الصلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر وغير ذلك من أعمال البر يوم النحر مطلوب بالدرجة الثانية

3 -

مشروعية خطبة العيد وأنها بعد الصلاة

4 -

وأن على الإمام أن يتناول في خطبته حض الناس وتوجيههم لما يشرع يوم العيد

5 -

وأن النحر بعد الصلاة

6 -

واستحباب التبكير إلى صلاة العيد

ص: 15

3 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما العمل في أيام أفضل منها في هذا العشر قالوا ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء"

-[المعنى العام]-

جعل الله في أيام دهره نفحات وجعل في الأزمان مواسم للخير والفضل كما جعل في بعض الأماكنمزيد فضل وأجر كرما منه تعالى وإحسانا ليتدارك المقصر في زمن قصير ما فاته في ماضي عمره الطويل وليتسابق المتنافسون إلى مواسم مضاعفة الثواب كما تنافسوا في الصالحات في عموم الزمان

كما فضل جل جلاله المسجد الحرام على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وعلى المسجد الأقصى فجعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في المساجد العادية والصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة كما جاء في بعض الأحاديث وفضل جل جلاله بعض الأوقات على بعض فجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر وفضل شهر رمضان ويوم الجمعة وفضل الأيام العشر الأولى من ذي الحجة كما هو واضح من هذا الحديث فالعمل الصالح فيها له من الأجر أكثر من مثله في غيرها على الإطلاق قال السامعون من الصحابة ولو كان هذا العمل جهادا في سبيل الله مفوتا الحج يكون في هذه العشر أفضل من الجهاد في غيرها حيث لا يفوت الحج؟ قال: نعم الجهاد

ص: 16

فيها خير من الجهاد في غيرها وإن فوت الحج لكن رجلا خرج في غيرها يجاهد في سبيل الله فاستشهد ولم يرجع بنفسه أو بغنيمة فلا يدخل في المقارنة لأن مثل ذلك الرجل قد وقع أجره على الله لا يقدر ثوابه إلا هو وهو أكرم الأكرمين

-[المباحث العربية]-

(ما العمل) المراد بالعمل ما يشمل أنواع العبادات كالصلاة والصوم والذكر والتفكر وغيرها

(في أيام) الجار متعلق بلفظ العمل لأنه مصدر أصلا والمراد في أي أيام من أيام السنة كلها

(منها) بتأنيث الضمير العائد إلى العمل لتأويله بالجمع أي الأعمال وذلك لأن العمل مصدر يصدق على المفرد وعلى الجمع والمراد به هنا الجمع أو أنه باعتبار تأويل العمل بالقربة أي ما القربة في أيام أفضل منها

(في هذا العشر) المراد العشر الأول من ذي الحجة

(إلا رجل) المراد إلا جهاد رجل ليصلح الاستثناء فهو مرفوع على البدل والاستثناء متصل وقيل: منقطع أي لكن رجل خرج يخاطر بنفسه وحينئذ يكون إعرابه بدلا على لغة تميم لأن المنقطع عند غيرهم واجب النصب

(يخاطر بنفسه) أي يكافح ويضحي بنفسه والجملة حال من فاعل خرج

(فلم يرجع بشيء) يحتمل أن يكون المراد أنه لم يرجع بشيء من ماله وإن رجع بنفسه أو المراد أنه لم يرجع هو ولا ماله واستشهد في سبيل الله وهذا الأخير أرجح لأن شيئا نكرة في سياق النفي فتفيد العموم ولأنه الموافق لما صرح به في الروايات الأخرى بلفظ "إلا من عقر جواده

ص: 17

وأريق دمه" وبلفظ "إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله" وبلفظ "إلا من عفر وجهه في التراب"

-[فقه الحديث]-

السبب في امتياز عشر ذي الحجة بكون الطاعات فيه أفضل منها في غيره هو اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ويوم عرفة ولا يتأتى ذلك في غيره وهذه الأفضلية ثابتة لأيام العشر ولياليها وإنما اقتصر في الحديث على ذكر الأيام لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعا وقد أقسم الله تعالى بها فقال {والفجر وليال عشر}

وقد ورد في رواية كريمة عن الكشميهني بلفظ "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه الأيام" بتأنيث اسم الإشارة مع إبهام الأيام ففهم بعضهم نظرا إلى أن البخاري وضع الحديث المذكور تحت "باب فضل العمل في أيام التشريق" أن البخاري فسر الأيام المبهمة في هذا الحديث بأنها أيام التشريق وفسر العمل بالتكبير وهذا يقتضي تفضيل العمل في أيام التشريق على العمل في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة حتى إن بعضهم وجه ذلك بأن أيام التشريق أيام غفلة والعبادات في أوقات الغفلة أفضل من غيرها كالقيام في جوف الليل والناس نيام وبأنه وقع فيها محنة الخليل بولده عليهما السلام ثم من عليه بالفداء

ولكن الصحيح غير هذا فإن تلك الرواية شاذة انفرد بها كريمة وحده مخالفا لسائر رواة صحيح البخاري وغيره من الحفاظ والمعنى الذي أخذ منها يعارضه المنقول من أن العمل في الأيام العشر أفضل من العمل في غيرها من أيام السنة بدون استثناء شيء وإذا كان العمل فيها أفضل لزم أن تكون أيامه أفضل من بقية الأيام حتى يوم الجمعة فيه أفضل منه في غيره لجمعه بين الفضيلتين وقد أخرج البزار وغيره عن جابر مرفوعا "أفضل أيام

ص: 18

الدنيا أيام العشر" وفي حديث ابن عمر "ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة ليس العشر"

وزعم بعضهم أن ليالي عشر رمضان الأخيرة أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لاشتمالها على ليلة القدر قال الحافظ ابن رجب وهذا بعيد جدا وقال آخرون أن عشر ذي الحجة أفضل لأنه لو صح حديث أبي هريرة المروي في الترمذي بلفظ "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" لكان صريحا في تفضيل لياليه على عشر رمضان فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة وهذا جميع لياليه متساوية والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء أن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها ولا ريب أن صيام رمضان أفضل من صوم العشر لأن الفرض أفضل من النفل من غير تردد وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره وكذا النفل ولا يكون النفل في عشر ذي الحجة أفضل من فرض في غيره وهذا موجز ما قالوا

وإنما قال الصحابة المستمعون إلى رسول الله "ولا الجهاد؟ " لأنهم استبعدوا أن يكون الجهاد فيها أفضل منه في غيرها لأن الجهاد في غيرها لا يخل بالحج بخلاف الجهاد فيها فإنه قد يخل بالحج فكان الذي يخطر بالبال أن الجهاد في غيره أفضل فبين لهم النبي أن الجهاد فيها أفضل أيضا إلا في الحالة التي استثناها وهي جهاد من خرج يكافح بنفسه وماله فلم يرجع بشيء أصلا ويبقى الاستفسار عمن خرج بهذه الصفة وعاد بهذه الصفة في الأيام العشر أليس عمله هذا فيها أفضل منه في غيرها والجواب نعم ويصير هدف الحديث: بيان أفضل الأعمال وأفضل الأوقات والأولى حمل سؤالهم "ولا الجهاد؟ " على أنهم يفهمون أن الجهاد نفلا أفضل من أي نفل وفرضا أفضل من أي فرض فيكون مراد السائل ولا الجهاد في غيرها أفضل من غيره فيها؟ ويكون جواب الرسول: ولا الجهاد في غيرها أفضل من غيره فيها إلا رجل خرج في غيرها يخاطر بنفسه إلخ فهو أفضل

ص: 19

من عمل أي قربة غير ذلك فيها

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلحق بالعمل الفاضل في غيره ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره

2 -

تفضيل بعض الأزمنة على بعض كما فضلت بعض الأمكنة على بعض

3 -

فضل أيام عشر ذي الحجة

4 -

تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله تعالى

5 -

استدل به بعضهم على فضل صيام عشر ذي الحجة لا ندراج الصوم في العمل واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد وأجيب بأنه محمول على الغالب

6 -

أن فضل الجهاد على غيره من الأعمال معلوم ومقرر لدى الصحابة

ص: 20