الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنائز
باب الأمر باتباع الجنائز
13 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض وإجابة الداعي ونصر المظلوم وإبرار القسم ورد السلام وتشميت العاطس ونهانا عن آنية الفضة وخاتم الذهب والحرير والديباج والقسي والإستبرق"
-[المعنى العام]-
حرص الإسلام أول الدعوة بمكة أن يحارب العقائد الفاسدة ويغرس العقائد الصحيحة وأن يكتفى من التشريع بالأهم، وتدرج في مدارج الكمال ومكارم الأخلاق بعد الهجرة فدعا إلى كل ما يؤكد أو يزيد الروابط الإنسانية قوة وتماسكا وعنى بالنهي عن كل ما يصدع أو يهز العلاقة المتينة بين أفراده ولم يضيع الرسول صلى الله عليه وسلم فرصة أو مناسبة إلا بلغ ما أوحى إليه بشأنها وبشأن غيرها مما يماثلها ففي مناسبة الجنائز يأمر صلى الله عليه وسلم بسبع وينهى عن سبع بعضها يتعلق بالجنائز تعلقا مباشرا كاتباع الجنائز بالصلاة على الميت وتشييعه إلى قبره ودفنه وبعضها يتعلق بالجنائز من حيث السبب كعيادة المريض ونصر المظلوم وبعضها لا علاقة له بالجنائز لكنه من الآداب العامة بين المسلمين تزيد من وحدتهم وتقوي من محبتهم وتكثر من مجاملتهم لبعضهم كإجابة الدعوة إلى الوليمة والأفراح والمصالح
العامة وإبرار قسم المقسم والاستجابة لحلف الحالف وبدء السلام ورده وتشميت العاطس وبعضها علاج للكبر والفخر والخيلاء وإحباط لمظاهر تعالي البعض على بعض كاستعمال أواني الذهب والفضة في الطعام والشراب ولبس الذهب والحرير بأنواعه للرجال
وهكذا تبدو التعاليم الإسلامية شديدة الحرص على ترابط الإنسانية استجابة لقوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانا}
-[المباحث العربية]-
(أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع) أي بسبع خصال أو سبع فضائل والأمر بسبع في مجلس لا ينافي الأمر بغيرها في مجلس آخر فالعدد هنا لا يفيد تحديد المأمورات
(ونهانا عن سبع) المعدود في المنهيات ست لا سبع قال الحافظ ابن حجر وسقط من المنهيات في هذا الباب واحدة سهوا إما من المصنف -أي البخاري -وإما من شيخه اهـ وقد ذكرها البخاري في موضع آخر وهي "ركوب المياثر" والمياثر الغطاء الذي يكون على السرج والمقصود مياثر الحرير التي توضع على ظهر الفرس ليجلس عليها الراكب
(أمرنا باتباع الجنائز) بفتح الجيم جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها والجنازة اسم للميت في النعش وهي مأخوذة من جنزه يجنزه إذا ستره ويطلق على الخشبة التي يحمل عليها الميت ويطلق عليها لفظ سرير أو نعش واتباع الجنائز الاتصال بها أعم من الصلاة عليها أو تشييعها أو دفنها
(وعيادة المريض) سميت زيارة المريض عيادة لأن شأنها العود والتكرار
(وإجابة الداعي) أل في الداعي للعهد الذهني والمراد الداعي إلى وليمة ونحوها
(ونصر المظلوم) أي العمل على رفع الظلم عنه وإعادة الحق له
(وإبرار القسم) بر القسم صدقة وعدم الحنث فيه وإبراره جعله بارا فالمراد تصديق الحالف في حلفه أو إجابة ما يحلف عليه
(وتشميت العاطس) ينشأ العطاس غالبا من عدم التوسع في الأكل فتنفتح المسام وصمائم الأجهزة المخرجة للسموم والرطوبات من الدماغ وأنابيب التنفس فيخف البدن وينشط الفكر فهو محمود يستحق من صاحبه شكر الله تعالى عليه وتشميت العاطس الدعاء له بما أثر من قول "يرحمك الله" والأصل فيه كما قال بعض أهل اللغة الدعاء بالخير واشتقاقه من الشوامت أي من يشمت في الشخص ويفرح فيه بسبب ما يحصل له من ضر فمعناه أبعد الله الشماتة عنك وجنبك ما يشمت به عليك فالتشميت دعاء بعدم الشماتة
(ونهانا عن آنية الفضة) في الكلام مضاف محذوف أي عن استعمال آنية الفضة أو الأكل أو الشرب فيها
(وخاتم الذهب) أي ولبس وخاتم الذهب للرجال
(والحرير والديباج والقسي والإستبرق) أي عن لبس هذه الأشياء "والديباج" نوع من الحرير كان مستعملا ومعروفا بهذا الاسم وكذا "القسي" بفتح القاف وكسر السين المشددة وكذا "الإستبرق" غليظ الحرير أو غليظ الديباج وقيل رقيقه
-[فقه الحديث]-
إذا أمر بأوامر أو نهى عن منهيات في مجلس واحد كان من الحكمة وجود جامع أو مناسبة بين المأمورات وجامع أو مناسبة بين المنهيات ويجمع المأمورات السبع والمنهيات السبع في حديثنا أنها عوامل تأليف القلوب وغرس المودة وإزالة عوامل البغضاء بين الناس
1 -
فاتباع الجنائز مشاركة من المسلمين لآل المتوفي وتطييب
لخاطرهم ثم هي وفاء للمتوفي وشفاعة له والصلاة على الميت وتشييعه إلى قبره ودفنه ثلاثتها اتباع للجنازة نعم روى البخاري عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "نهينا عن اتباع الجنائز" فخصص حديثها حديث الباب وجعل الأمر فيه للرجال والجمهور على أن نهي النساء عن اتباع الجنائز للتنزيه إذا أمنت الفتنة
أما اتباع الرجال لجنازة ففرض كفاية وكل ما كان فرض كفاية كان مستحبا للجميع وهذا مراد الحديث "اتباع الجنازة أفضل النوافل" رواه سعيد بن منصور عن طريق مجاهد
واختلف الفقهاء في وضع المشيعين هل الأفضل مشيهم خلف الجنازة للاعتبار بها والاتعاظ؟ وهو حقيقة معنى الاتباع حسا؟ أو المشي أمامها لأنهم شفعاء ومقام الشفيع مقدم؟ والمراد من الاتباع الاتباع المعنوي بمعنى المصاحبة؟ أو الأمر على التوسعة كما قال أنس بن مالك حين سئل عن المشي في الجنازة فقال: أمامها وخلفها وعن يمينها وشمالها إنما أنتم مشيعون؟ أميل إلى هذا الأخير وإلى عدم الالتزام بمكان معين للتيسير وعدم المشقة بشرط القرب من الجنازة ما أمكن وستأتي بقية لهذه المسألة عند شرح الحديث رقم 19
2 -
وعيادة المريض واجبة وجوبا كفائيا قال النووي في المجموع وسواء الرحم وغيره وسواء الصديق والعدو وسواء من يعرفه ومن لا يعرفه لعموم الأخبار قال والظاهر أن المعاهد والمستأمن كالذمي قال: وفي استحباب عيادة أهل البدع المنكرة وأهل الفجور إذا لم تكن قرابة ولم يكن رجاء توبة نظر فإنا مأمورون بمهاجرتهم اهـ وشرعت عيادة النساء للنساء وللمحارم كما شرعت عيادة الرجال للمحارم من النساء مع الأمن والحيطة الشرعية
وفي صحيح مسلم في فضل عيادة المريض أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع "أي في
بستان الجنة، أي يستحق بعمله هذا أن يقضي وقته في بساتين الجنة
ولعيادة المريض آداب منها أن تكون غبا متقطعة فلا يواصلها كل يوم أو مرات في اليوم وذلك في غير القريب والصديق ونحوهما ممن يستأنس به المريض أو يشق عليه عدم رؤيته أو ممن يتعهده ومنها أن لا يطيل المقام عنده لما في ذلك من إحراجه والتضييق عليه، وأن تختار الأوقات المناسبة للعيادة وأن تدعو له بالشفاء ومن الآثار أن يقول في دعائه "أسأل الله الكريم، رب العرش العظيم، أن يشفيك بشفائه" سبع مرات "أذهب البأس رب الناس اشف أنت الشافي. لا شافي إلا أنت. شفاء لا يغادر سقما"
"حصنتك بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا ودفعت عنك السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"
3 -
وإجابة الداعي إلى عرس أو وليمة واجبة وقيل مندوبة على أن تكون خالية من المحرمات
4 -
ونصرة المظلوم فرض كفاية على من قدر عليها وتكون بالقول وبالجوارح وبأية وسيلة مقدور عليها
5 -
وإبرار القسم فيما حل من مكارم الأخلاق
6 -
ورد السلام فرض كفاية إذا تعدد المسلم عليهم فإذا انفرد كان واجبا عينيا وأقل ما يجزئ في الرد "وعليكم السلام" وأكمله "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" وللمسألة باب خاص واسع يأتي في محله
7 -
وتشميت العاطس واجب وجوبا عينيا على المنفرد وكفائيا على الجماعة بشرط أن يحمد العاطس ربه وأن لا يزيد عطاسه على ثلاث مرات متتالية فإذا زاد فهو مرض يدعى له بالشفاء فيقال عافاك الله وشفاك وكيفية التشميت أن يقول: يرحمك الله ويرد العاطس: يرحمنا ويرحمكم الله ويهديكم الله ويصلح بالكم
أما عن آنية الفضة -وآنية الذهب من باب أولى -فيحرم استعمالها في أكل أو شرب على الرجال والنساء لما في ذلك من السرف والخيلاء وكسر
قلوب الفقراء
وأما خاتم الذهب فيحرم على الرجال لبسه دون النساء خصص العموم في حديث الباب حديث آخر صحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك الذهب في يد والحرير في اليد الأخرى وقال "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" وأما خاتم الفضة فجائز لبسه للرجال
وأما الحرير وأنواعه فيحرم على الرجال لبسه
ومن الواضح أن الحديث اشتمل على أمور واجبة وأمور مندوبة والكل داخل تحت "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم" وكذلك اشتمل على أمور محرمة وأمور مكروهة والكل داخل تحت "ونهانا" وفي هذا استعمال لصيغة واحدة في معنيين مما يجعلها مرة محمولة على الحقيقة ومرة على المجاز واستعمال اللفظ الواحد في معنييه الحقيقي والمجازي ممنوع عند كثير من الأئمة ولهم أن يقولوا: إن الأمر لمطلق الطلب وإن النهي لمطلق الكف فاللفظان في معناهما الحقيقي وحدد المراد من الطلب أدلة أخرى والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
مشروعية الأوامر السبعة الواردة وجوبا أو ندبا
2 -
النهي عن السبع الواردة حرمة أو كراهة
3 -
حرص الشريعة الإسلامية على ما يوجب الألفة والمودة وعما يدفع البغضاء والشحناء