الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاستخارة
11 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني قال: ويسمي حاجته"
-[المعنى العام]-
{فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} نعم سبحانه مقلب القلوب موجه النفوس محرك الإنسان على وفق مشيئته وحكمته ومن هنا كان الواجب على المسلم حين يهم بأمر من أمور الدنيا أن يطلب العون من ربه وأن يجهد نفسه في الاختيار ثم يترك الأمر للذي يخلق ما يشاء ويختار وحتى لا يغتر المسلم بتوقد فكره وصدق رؤيته وعمق خبرته دعاه الإسلام إلى أن يطلب من ربه أن يختار له وأن يتقرب إلى الله بالصلاة والدعاء ثم يناجي في صلاته ربه بدعاء علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:
[اللهم إني أستخيرك بعلمك] أي أطلب أن تختار لي الخير بعلمك الأزلي بما فيه خيري [وأستقدرك بقدرتك] أي وأطلب منك العون وأن تمنحني القدرة على تنفيذ ما توجهني إليه
[وأسألك من فضلك العظيم] أي وأسألك بعض فضلك الكبير، أسألك فضلا منك وخيرا
[فإنك تقدر] على كل شيء
[ولا أقدر] على شيء إلا بقدرتك
[وتعلم] خيري وشري وما يأتي به غدي
[ولا أعلم] ما ينفعني وما يضرني
[وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر] ويصرح الداعي المستخير بالأمر الذي يعتزمه
[خير لي في ديني] أي في صلاح ديني وطاعتي
[ومعاشي] أي وفي دنياي وعيشتي
[وعاقبة أمري] أي وعاقبته وآثاره
[أو عاجل أمري وآجله] أي في دنياي وأخراي وفي أحوالي الدنيوية القريبة والبعيدة
[فاقدره لي] أي هيئه لي
[ويسره لي] وسهل لي وسيلة الحصول عليه وتنفيذه
[ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان بهذا الأمر أو بغيره
[ثم أرضني به] واغمرني بالرضى والقبول والارتياح لما تهيئني له
وبعد هذه الصلاة وهذا الدعاء يتوجه إلى تنفيذ ما كان يعتزم أو يعرض عنه حسبما يشرح الله له صدره والمرجو من الرب الكريم أن يستجيب ويهدي إلى الصراط المستقيم والخير العميم
-[المباحث العربية]-
(يعلمنا الاستخارة) أي الطلب من الله أن يختار الله للعبد أو الطلب من الله أن يوفق العبد للاختيار فالسين والتاء للطلب والمقصود تعليمهم صلاة الاستخارة ودعاءها وتحفيظهم ذلك
(في الأمور كلها) متعلق بالاستخارة وليس بفعل "يعلمنا" أي أن نطلب من الله التوفيق في كل أمر نعتزمه والمقصود الأمور الهامة كلها فأل في الأمور للكمال والتفخيم فلا تصلى الاستخارة للأمور التافهة كاختيار نوع من المأكل أو ثوب من الملبس مثلا
(كما يعلمنا السورة من القرآن) بيان لاهتمامه صلى الله عليه وسلم بالاستخارة والكاف صفة لمصدر محذوف أي يعلمنا الاستخارة تعليما مشبها تعليمه إيانا السورة من القرآن ووجه الشبه الاهتمام والدقة والحفظ
(يقول
…
) الجملة للتعليم
(إذا هم أحدكم بالأمر) الهم القصد الذي لم يصل إلى العزم والتصميم والباء للتعدية وليست زائدة مثلها في قام بالعمل
(فليركع ركعتين) أي يصلي ركعتين وإطلاق الركوع على الصلاة المشتملة عليه وعلى غيره من إطلاق الجزء وإرادة الكل
(أستخيرك بعلمك) أي أطلب منك الخيرة بناء على علمك الأزلي بالخير والشر
(وأستقدرك) أي أطلب أن تجعلني قادرا
(بقدرتك) الباء للسببية أو للاستعانة
(وأسألك من فضلك العظيم)"من" للتبعيض أي أسألك بعض فضلك أو للابتداء والمفعول الثاني محذوف أي أسألك الخير الذي مصدره فضلك وتفضلك
(فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم) المفعول محذوف أي تقدر على كل شيء ولا أقدر على شيء إلا ما تشاؤه وتعلم كل شيء وعاقبة كل شيء ولا أعلم عاقبة أمر من الأمور
(أن هذا الأمر) أل هنا للعهد الذهني والمقصود الأمر المستخار بشأنه ويستحضره المصلي في ذهنه أو يذكره بلسانه ويسميه
(ومعاشي) المعاش والعيشة حياة الدنيا وما به يعيش الإنسان فهو مصدر واسم
(أو قال عاجل أمري وآجله) بدلا من قوله (ديني ومعاشي) وعاجل الأمر الدنيا وآجله الآخرة والشك من الراوي في أي اللفظين صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم
(فاقدره لي) القاف ساكنة والدال مضمومة من قدره بتخفيف الدال بمعنى قدره بتشديدها والمراد هنا فيسره لي
(فاصرفه عني واصرفني عنه) أي باعد بيني وبينه تنفيذا ورغبة أي فضع حائلا دون تنفيذه واقطع تعلق نفسي به
(واقدر لي الخير حيث كان) في تنفيذ هذا الأمر أو في تركه أو في غيره من الأمور
(ثم أرضني به) أي اجعلني راضيا بما تقدره لي من الأمور حيث كانت
(ويسمي حاجته) وينطق بالأمر الذي يستخير بشأنه بعد الدعاء أو في أثنائه
-[فقه الحديث]-
صلاة الاستخارة مشروعة على سبيل الندب المؤكد وعلى هذا حمل الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم "فليركع ركعتين" وصرفه عن الوجوب قوله "من غير الفريضة" أما كيفيتها فكركعتي الصبح والأفضل ركعتان وإن جاز أن يصلي أربعا بتسليمة واحدة بل أكثر من أربع فإن فعل الأفضل أن يصليها مثنى سواء كانت في نهار أم في ليل وقد وضعها البخاري تحت باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى أي في صلاة الليل والنهار وتصلى في أي وقت فلا تشملها أوقات الكراهة أو الحرمة عند الجمهور ومنعها بعضهم في أوقات الكراهة أما مكان الدعاء الوارد فظاهر الحديث أنه خارجها عقب السلام لقوله "فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل
…
إلخ" والتعبير بثم يفيد أنه لا يضر تأخير الدعاء عن الصلاة نعم إن طال الفصل كان دعاء مستقلا غير مرتبط بالصلاة والتحقيق أنه يجوز إيقاع الدعاء في الصلاة نفسها في آخر التشهد أو في السجود أو بعد الرفع من الركوع سواء أكان الأمر دنيويا صرفا أو للدين فيه نصيب وينوى عند التنفل الاستخارة. وهل صلاة الاستخارة ودعاؤها مرتبطان فلا ينفصل أحدهما عن الآخر؟ الظاهر أن الارتباط هو الصفة الأكمل لكن تجوز الصلاة وحدها بنية الاستخارة وإن لم يوجد الدعاء كما يجوز إيقاع الدعاء في أي وقت بدون
صلاة فكل من الأمرين مشروع
وجمهور العلماء على أن صلاة الاستخارة ودعاءها إنما يشرع في الأمور الهامة والمشاريع الكبرى دون الأمور التفاهة فتشرع في نحو سفر وزواج ومشروع هدم أو بناء ونحو ذلك من الأمور ذات العواقب الكبرى والتأثير الكبير في مجريات الحياة
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
أن يتوجه المسلم في أموره إلى طلب العون من الله تعالى
2 -
وأن يكون في دعائه خاشعا وخاضعا ومستسلما
3 -
وأن ينفي عن نفسه في دعائه الحول والطول والقوة
4 -
وأن يثني على الله ثناء جميلا تقربا وتوطئة لقبول الدعاء
5 -
وأن يلجأ إلى الصلاة تطوعا كلما حزبه أمر أو شغلته الشواغل الدنيوية
6 -
وأن يحرص المسلم على فطم النفس وقطع تعلقها بالأمور التي لم تقدر لها وأن يطلب العون من الله على ذلك فقد ينصرف الشر عن الإنسان ولا ينصرف قلبه عن الرغبة فيه فلا يطيب خاطره ويبقى منكد العيش آسفا على ما فات
7 -
أن يختم الداعي طلبه لشيء بطلب الخير حيث كان فإنه لا يدري ما فيه خيره على الحقيقة وما فيه شره في المال {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}