الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العمرة وفضلها
43 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
-[المعنى العام]-
يرغب الرسول صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الاعتمار بأن كل عمرة تكفر الذنوب الواقعة بينها وبين سابقتها كما يرغب في الحج المبرور الذي يخلص لوجه الله فيخبر بأن جزاءه الجنة، وأعظم به من جزاء لعمل ميسور خصوصا في هذه الأزمان التي كثر فيها المال، وتوفرت فيها وسائل الانتقال.
-[المباحث العربية]-
(العمرة) في اللغة: الزيارة. يقال: اعتمر فهو معتمر، أي زار وقصد، وقيل: إنها مشتقة من عمرة المسجد الحرام بالناس، وفي الشرع: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة.
(إلى العمرة) إلى بمعنى "مع" قاله ابن التين، كما في قوله تعالى:{ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} وقوله {من أنصاري إلى الله).}
(ليس له جزاء إلا الجنة) بنصب الجنة على الاستثناء، وبرفعه على البدلية من جزاء، لأن الكلام تام منفي.
-[فقه الحديث]-
قال الشافعي العمرة سنة، لا نعلم أحدا رخص في تركها: وعن أحمد أنها واجبة استدلالا بقوله تعالى {وأتموا الحج والعمرة لله} أي أقيموها، والأمر للوجوب، وبما روي "الحج والعمرة فريضتان". وبما جاء في حديث سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام، إذ وقع فيه "وأن تحج وتعتمر" وكان ابن عباس يقول: والله إنها لقرينتها في كتاب الله، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية، احتجاجا بما رواه الترمذي من حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: لا وأن تعتمروا أفضل" وبما رواه ابن ماجه" الحج جهاد، والعمرة تطوع" ويقولون في الآية: إنها تعرضت لإكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما، على أن شعبة قرأ "والعمرة لله" برفع العمرة -قال ابن عبد البر: والمراد من الحديث تكفير الصغائر دون الكبائر، وذهب بعض العلماء إلى التعميم "راجع الحديث 38" وعلى القول بتكفير الصغائر فقط فهناك إشكال بأنها مكفرة باجتناب الكبائر بنص القرآن، ورفع بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد، فتغايرا من هذه الحيثية، وظاهر الحديث أن العمرة الأولى هي المكفرة لأنها هي التي وقع الخبر عنها أنها تكفر، ولكن الظاهر من حيث المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفر ما قبلها إلى العمرة السابقة فإن التكفير قبل وقوع الذنب خلاف الظاهر. والتحقيق أن التكفير بهما معا، فقد سبق أن قلنا: إن "إلى" بمعنى مع، والحج المبرور هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم، وقيل هو المتقبل، وقيل هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق وقيل: هو الذي لا تعقبه معصية، وروي "ما بر الحج يا رسول الله؟ قال: إفشاء السلام، وإطعام الطعام" وفي رواية "وطيب الكلام".
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
أن الأعمال الصالحة تكفر الذنوب.
2 -
الحث على الإكثار من العمرة.
3 -
الحث على تصفية الحج من شوائب الذنوب.
4 -
أن الحج لا يقتصر ثوابه على تكفير الذنوب بل يدخل الجنة.
44 -
عن أنس رضي الله عنه أنه سئل: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربع عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة -أراه - حنين قلت: كم حج؟ قال: واحدة؟
-[المعنى العام]-
سئل أنس بن مالك الصحابي الجليل الكثير الملازمة للرسول صلى الله عليه وسلم عن عدد عمر الرسول صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها بعد الهجرة، فقال: أربعا: عمرة الحديبية التي أحرموا بها ولم يتموها لصدهم عنها من قريش، وعمرة السنة التالية التي قاموا بها بناء على نصوص صلح الحديبية. وعمرة الجعرانة عقب قسمة غنائم حنين بعد فتح مكة، وعمرة مع حجته، قال السائل: وكم مرة حج الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وأجابه أنس: حجة واحدة هي حجة الوداع. وفي هذا دليل واضح على حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على إحراز أكبر عدد ممكن من العمر، فما تركها عاما منذ قدر عليها ومكن منها مع مشقة السفر وعسر الطريق، فما أعظم الفارق بين حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وبين تقصير المسلمين القادرين الذين
يقضون الصيف في بلد شمالي والشتاء في بلد استوائي ثم لا يفكرون في الاعتمار.
-[المباحث العربية]-
(أنه سئل) السند في الأصل: حدث همام عن قتادة قال: سألت أنسا رضي الله عنه فالمسئول أنس، والسائل قتادة بن دعامة.
(كم اعتمر)"كم" اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول مطلق والتقدير: كم عمرة اعتمر.
(قال أربعا) أي اعتمر أربعا. وفي رواية "أربع" بالرفع، أي الذي اعتمره أربع، وتمييز العدد محذوف أي أربع عمر.
(عمرة الحديبية)"عمرة" بالنصب والرفع، لأنها بدل من "أربع" المنصوبة أو المرفوعة، والحديبية قريبة من مكة بينهما عشرون ميلا تقريبا من جهة جدة.
(وعمرة الجعرانة) عمرة بالنصب والرفع كسابقتها، والجعرانة بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء، وأهل المدينة يكسرون العين ويشددون الراء، وهي أقرب إلى مكة منها إلى الطائف، إذ تبعد عن مكة نحو ثلاثين ميلا.
(قسم غنيمة -أراه -حنين) كذا وقع بنصب "غنيمة" بغير تنوين، وكأن الراوي طرأ عليه شك، فأدخل بين المضاف والمضاف إليه لفظ "أراه" بضم الهمزة، أي أظنه، وقد رواه مسلم بغير شك، فقال "حيث قسم غنائم حنين" و"حنين" واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال.
(قلت كم حج؟ ) ضمير "قلت" للراوي عن أنس، وهو قتادة والمقول له أنس.
-[فقه الحديث]-
كانت عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف. وإنما عدت عمرة مع أنهم صدوا عن البيت باعتبار حصول ثوابها، حيث شرعوا فيها ولم يكن التقصير من جانبهم، ووقعت العمرة الثانية بمقتضى شروط صلح الحديبية في ذي القعدة من العام السابع الهجري فقوله "حيث صالحهم" معناه، حيث كانت على وفق الصلح الذي حصل في العام قبله، وتسمى عمرة القضاء، إما لأنها وقعت قضاء عن العمرة التي صدوا عنها بناءا على وجوب القضاء على المحصر، كما هو مذهب الحنفية، وإما لأنها بمعنى القضية، لما وقع بين المسلمين والمشركين من المقاضاة في الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية الأولى، فالمراد بالقضاء الفصل، وتعليل التسمية بذلك مبني على عدم وجوب القضاء على المحصر، كما هو مذهب الشافعية والمالكية، ويؤيده تسميتها بعمرة القضية، وهذا هو الوجه، إذ لو كانت بدلا عن عمرة الحديبية كما يقول الحنفية لكانتا عمرة واحدة، ووقعت العمرة الثالثة في ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة عام فتح مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم بهذه العمرة إلى مكة ليلا، وخرج منها ليلا إلى الجعرانة، فبات بها، ومن هنا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس، أما العمرة الرابعة فقد سقطت من الراوي، ولهذا استظهرها البخاري بالرواية الأخرى التي ألحقها بها، وهي المذكورة في قوله "وعمرة مع حجته" أي حجة الوداع -وقد استشكل في الرواية إذ قال "ومن القابل عمرة الحديبية" مع أن عمرة الحديبية كما ذكر من قبل هي التي صد عنها، وقد جعله ابن التين وهما من الراوي، ووجهه الحافظ ابن حجر، بأنه لا وهم في ذلك، لأن كلا منهما كان في الحديبية، فإذا أطلقت عمرة الحديبية انصرفت إلى الأولى، وإذا قيدت بالعام القابل كانت الثانية.
وقد جمع بين قول أنس "وعمرة مع حجته" وبين ما ثبت عن عائشة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفردا جمع بينهما بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفردا، ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق، فما ثبت عن عائشة وصف لحالة الرسول الأولى وقول أنس ذكر لحالته الأخيرة، وقد تضاربت أقوال
المحدثين في زمن العمر الأربع فقال بعضهم إنها كلها كانت في ذي القعدة، ومنع بعضهم كون الرابعة فيه والتحقيق أن الرسول في حجة الوداع دخل مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة لكنه أحرم بالعمرة في ذي القعدة على الصحيح، لأنهم خرجوا لخمس بقين من ذي القعدة، فمن جعلها فيه اعتبرها بالإحرام، ومن منع كونها فيه اعتبر أداء أفعالها الذي كان في ذي الحجة بلا خلاف، كذلك اختلف أقوال الصحابة في عدد عمره صلى الله عليه وسلم وقد علمنا وجه من جعلها أربعا، أما من جعلها ثلاثا فقد أسقط الأخيرة، مرجحا إحرام الرسول صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا، أو أسقط الأولى لأنها لم تتم، ومن قال: اعتمر عمرتين أسقط الأخيرة والأولى معا لما ذكر، وأثبت عمرة القضية وعمرة الجعرانة.
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
حرص الصحابة على تعرف أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتدوا به.
2 -
اعتبارهم العمل الذي لم يتم في حكم التام حيث لا تقصير.
3 -
حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على كثرة الاعتمار.
4 -
الرد العملي على اعتقاد الجاهلية الفاسد من تحريمهم العمرة في أشهر الحج.