الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صدقة الفطر
37 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة".
-[المعنى العام]-
للمسلمين عيدان، عيد الفطر، وعيد الأضحى، والعيد من شرائعه الفرح والسرور، والتمتع بالمباح من زينة الحياة الدنيا، لبس الجديد، والتوسع في الطعام والشراب، وإدخال البهجة والانشراح على الأطفال والصبية، فإذا ما أضيف إلى ذلك أن الناس لا يعملون ولا يتكسبون أيام العيد غالبا كانت الحكمة تقتضي مواساة الفقراء والمساكين في العيدين مواساة فوق مواساة بقية العام.
من هنا شرعت الأضحية في عيد الأضحى، وجعل للفقير حق فيها وشرعت زكاة الفطر في عيد الفطر، وجعلت حقا للفقير، وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدرها، كما حدد وقدر نصاب الزكاة في الأموال وما يخرج منها. {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.}
قدرها صاعا من القوت، من تمر أو شعير أو غيرهما من الأقوات، وهو ما يعادل "اثنين كيلو ونصف كيلو" تقريبا بالميزان المتعارف عليه في أيامنا، وما يعادل قدحين بالكيل المصري عن المسلم، وعن كل فرد يعوله المسلم، وتجب عليه نفقته صغيرا أو كبيرا، غنيا كان أو يملك قوت يومه.
وبهذه المواساة اليسيرة يتم التكافل الاجتماعي، وتتم الصلة بين أفراد الأمة ويستغني الفقراء عن أجر العمل أيام العيد، ويستغني الفقير عن ذل السؤال ويشارك الأغنياء هو وأولاده بهجتهم، يستطيع أن يبيع الأقوات ويشتري ما يحتاجه ويستطيع أن يشتري آجلا على أساس أنها مضمونة، ويلتقي المسلمون غنيهم وفقيرهم على مائدة البهجة والسرور.
-[المباحث العربية]-
(فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرض القطع، فإن استعمل في قطع الطلب، أو جعل الطلب مقطوعا مؤكدا أريد به الوجوب الشرعي، وإن استعمل بمعنى التقدير كفرائض المواريث كان معناه التحديد، والمعنى على الأول أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبليغا عن ربه زكاة الفطر، والمعنى على الثاني حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقادير زكاة الفطر مبلغا عن ربه.
(زكاة الفطر) زاد مسلم "من رمضان" فالمقصود الفطر من صيام رمضان وأضيفت للفطر لكونها تجب بالفطر، وقال ابن قتيبة: المراد صدقة النفوس، مأخوذة من الفطرة التي هي أصل الخلقة. والأول أظهر. ومن أسمائها زكاة رمضان، وزكاة الصوم، وصدقة الرؤوس، وزكاة الأبدان.
(صاعا) مفعول ثان لفرض على تضمينه معنى جعل، أو حالا، أو بدلا من "زكاة الفطر".
(من تمر) تمييز كيل، مجرور بمن.
(على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير) جاءت مزدوجة على التقابل للاستيعاب، لا للتخصيص.
(من المسلمين) متعلق بمحذوف حال من (العبد) وما عطف عليه، أي فرض على جميع الناس من المسلمين.
(قبل خروج الناس للصلاة)"أل" في الصلاة للعهد، أي لصلاة العيد.
-[فقه الحديث]-
يتعرض الحديث لحكم زكاة الفطر، وعلى من تجب؟ ومن أي الأنواع تخرج؟ ومتى تجب؟ وما أفضل أوقات إخراجها؟ وجمهور علماء المسلمين على أن زكاة الفطر فرض، حتى نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك.
لكن الحنفية يقولون بوجوبها بناء على قاعدتهم من التفرقة بين الواجب والفرض، وأن الواجب أقل من الفرض. ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية، وأولوا قوله "فرض" في الحديث، وقالوا: معناها قدر.
قال ابن دقيق العيد: هو أصله في اللغة، لكن نقل في عرف الشرع إلى الوجوب، فالحمل عليه أولى. أهـ. قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده تسميتها زكاة. وقوله في الحديث "على كل حر وعبد" من ألفاظ الإيجاب، والتصريح بالأمر بها في حديث "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر" ولدخولها في عموم قوله تعالى {وآتوا الزكاة} وقوله تعالى {قد أفلح من تزكى} وثبت أنها نزلت في زكاة الفطر. والصحيح أن زكاة الفطر فرضت في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان قبل العيد بيومين.
أما على من تجب؟ فقد بدأ الحديث بالعبد، لأنه لا يجب عليه في الشرع ماليات، فنص عليه أولا لتأكيد هذا المعنى، ففي صحيح مسلم "ليس في العيد صدقة إلا صدقة الفطر" وفي رواية له "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق" ومقتضاه أنها على السيد، لكن هل تجب على السيد ابتداء، أو تجب على العبد ثم يتحملها السيد؟ وجهان.
وتجب على المرأة بنص الحديث، سواء كان لها زوج أم لا. بهذا قال أبو حنيفة، وقال مالك والشافعي وأحمد: تجب على زوجها إلحاقا بالنفقة، واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة.
وتجب على الصغير والكبير، لكن المخاطب بزكاة الصغير وليه، فوجوبها على هذا الصغير، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته.
هذا قول الجمهور، وفي رأي ضعيف أنها على الأب مطلقا، فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه، وفي رأي أضعف لا تجب إلا على من صام.
ولا تجب على الجنين وإن كان أحمد يستحب أن يخرج عنه ولا يجب.
وتجب على من يملك مقدار الزكاة فاضلا عن قوت يومه وقوت من تلزمه نفقته في ذلك اليوم، فهي على هذا تجب على الفقير للفقير، وعن الحنفية لا تجب إلا على من ملك نصابا، واعتمدوا على حديث "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" وقالوا: الغني هو من ملك نصابا ورد عليهم بأن زكاة الفطر بدنية وليست مالية فلا يعتبر فيها النصاب.
أما ما يخرج زكاة فالحديث ينص على التمر والشعير، وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر قال "لم تكن الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر والزبيب والشعير، ولم تكن الحنطة" وعند مسلم عن أبي سعيد "كنا نخرج من ثلاثة أصناف. صاعا من تمر، أو صاعا من أقط -هو الجبن أو اللبن الجاف المتجمد -أو صاعا من شعير" وعند البخاري عن أبي سعيد قال "كنا نعطيها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب، فلما جاء معاوية، وجاءت السمراء -أي الحنطة -قال: أرى مدا من هذا عدل مدين" أي جعل القمح نصف صاع. قيل أراد أبو سعيد بالطعام الذرة فإنه المعروف عند أهل الحجاز. وقد اختلف الفقهاء في مقدار القمح، فالحنفية على أنه يكفي فيه نصف صاع، والشافعية على أنه كغيره صاع، وفي المسألة نقاش طويل نمسك عنه، ونفضل الأخذ بالأحوط دفع الصاع، فإن كان الواجب نصفه كان النصف الآخر تطوعا.
وظاهر الحديث أن وقتها قبل خروج الناس إلى صلاة العيد. قالوا: وبعد صلاة الفجر، وحمله الشافعي على الاستحباب، وقال بجواز إخراجها طول يوم العيد، لصدق اليوم على جميع النهار، ووقع في صحيح ابن خزيمة عن أيوب "قلت متى كان ابن عمر يعطي؟ قال: إذا قعد العامل.
قلت: متى يقعد العامل؟ قال: قبل الفطر بيوم أو يومين" وفي رواية الموطأ" قبل الفطر بيومين أو ثلاثة" وأخرجه الشافعي، وقال: هذا حسن، وأنا أستحبه، وعند جمهور الشافعية: يجوز إخراجها من أول شهر رمضان وعند الحنفية: يجوز تقديمها وإخراجها قبل حلول رمضان. والله أعلم.