الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما ذكر في الحجر الأسود
41 -
عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
-[المعنى العام]-
مقاصد سامية يرمي إليها عمر بن الخطاب بتقبيله الحجر الأسود، وقوله: والله إني لأعلم وأعتقد أنك حجر، ومن شأن الأحجار أنها لا تضر ممتنعا عنها، ولا تنفع مقبلا لها، وما أقدمني على تقبيلك إلا الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في فعله، يعود المسلمين على التسليم الحسن للشارع في أمور الدين، وأن العلم بها حجة على من بلغته وإن لم يقف على عللها، وينفي ضرره ونفعه ليحمي العقيدة الإسلامية من أن شوبها زيغ أو إشراك بسبب التقبيل، وينفي الشبهة عن المسلمين بإثبات علمهم بحقائق الأمور، حتى لا يرميهم المشركون بسوء الفهم وقلة الإدراك، فجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.
-[المباحث العربية]-
(لا تضر ولا تنفع) الجملة في محل رفع صفة لحجر.
(يقبلك) الجملة في محل النصب على الحال.
-[فقه الحديث]-
يقال إن إبراهيم عليه السلام لما بنى القواعد وبلغ مكان الركن قال: يا إسماعيل اطلب لي حجرا حسنا أضعه هنا فجاءه بهذا الحجر، الذي يختلف في لونه عن بقية الأحجار، فهو أسود مائل إلى الحمرة، ويختلف كذلك في خاصيته من الصلابة والنعومة، فقد قاوم الأجيال الطويلة عوامل الطبيعة، وقاوم احتكاك ملايين الأيدي وتمسحها، وقاوم الحريق، وقاوم المنجنيق، وقاوم تعدد الهدم والبناء، ولو كان حديدا لفنى مع هذه العوامل، وقد حافظ عليه بناة الكعبة جميعا، بل حافظوا على وضعه في المكان الذي وضعه فيه إبراهيم عليه السلام، وفي زاوية الكعبة من جهة الشرق على ارتفاع ذراعين وثلثي ذراع من الأرض، وعظموه تعظيما خاصا، حتى كادوا يقتتلون على وضعه لولا حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم وبسطه لردائه وحمل كل قبيلة له من طرف، وسواء كان هذا التعظيم لما ورد فيه من الأحاديث التي قالها عنها المحدثون: إنها لا تخلو من ضعف، أو كان للتعبد فهو تعظيم شرعي بلا خلاف.
ولما كان الناس حديثا عهدهم بعبادة الأصنام خشي عمر رضي الله عنه أن يظن الجهال أن استلامه وتقبيله من باب تعظيم الأحجار، كالذي كانت تفعله العرب، فأراد أن يعلمهم أن استلامه وتقبيله لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل والوقوف عند أمر نبيه، وأن ذلك من شعائر الحج التي أمر الله بتعظيمها، وأن استلامه وتقبيله مخالف لفعل الجاهلية في عبادتهم للأصنام، لأنهم كانوا يعتقدون فيها الضر والنفع، أراد عمر ذلك فجاءه في موسم الحج ليبلغ قوله أكبر عدد ممكن من المسلمين، فقبله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع والظاهر أنه خاطب الحجر بهذا وهو جماد لا
يخاطب ليسمع الحاضرين، فيشيع هذا في الموسم، فيشتهر في البلدان، ويحفظه من تأخر في الأقطار، ومراده بهذه العبارة أنه لا يضر ولا ينفع بذاته، فلا يمنع من أن المقبل والمستلم ينتفع بالثواب من حيث كونه ممتثلا لأوامر الشرع. قال الحافظ ابن حجر. وإنما شرع تقبيله اختبارا وابتلاء، ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم. يقول عمر:(لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) ومعناه لولا الاقتداء لم يحصل مني تقبيل لك، فكأنه خرج من بين الأحجار باعتبار تقبيله صلى الله عليه وسلم فصار جنسا آخر، لأنهم قد ينزلون نوعا من أنواع الجنس بمنزلة جنس آخر، باعتبار اتصافه بصفة خاصة به، لأن تغاير الصفات بمنزلة تغاير الذوات، والسنة أن يستلمه الزائر فيمسحه ويقبله بفمه من غير صوت، فقد كان الرسول يضع شفتيه عليه طويلا ولا يسمع له صوت.
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
أن تقبيل الحجر الأسود سنة.
2 -
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم تعلم الحكمة فيه.
3 -
دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصية ترجع إلى ذاته.
4 -
بيان السنن بالقول والفعل.
5 -
أن الإمام إذا خشي من فعله فساد اعتقاد بادر ببيان الأمر وتوضيح الحكم.
6 -
منع تقبيل ما لم يرد الشارع بتقبيله من الأحجار وغيرها، فلا يجوز تقبيل الأعتاب والأبواب وما يوضع على القبور من الأستار.