الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكفن في ثوبين وغسل الميت المحرم
14 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته قال النبي صلى الله عليه وسلم "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا"
-[المعنى العام]-
في حجة الوداع بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة عند الصخرات كان رجل محرم بالحج يركب ناقته ويقف بجواره صلى الله عليه وسلم فوقع الرجل عن
راحلته فاندقت عنقه ومات
وكانت الحادثة الأولى لميت محرم يقف بعرفة أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وكان لا بد أن يعلم أصحابه ما ينبغي في مثل هذه الحالة كيف يغسلونه؟ وكيف يحنطونه وكيف يكفنونه وما مصير محرمات الإحرام وعلمهم الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى قال لهم اغسلوه بماء وسدر كما تغسلون موتاكم وكفنوه في ثيابه التي كان يلبسها وقت إحرامه وقبل موته وأبقوا مظاهر الإحرام ومحرماته لا تحنطوه امتنعوا عن تطييبه وأبقوا رأسه مكشوفة لا تغطوها بكفنه فإنه يبعث يوم القيامة محرما يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك
-[المباحث العربية]-
(بينما رجل واقف)"بين" ظرف زمان زيدت عليها "ما" وتضاف للجمل وهي منصوبة بمعنى المفاجأة في "إذ وقع" والتقدير فاجأ الوقوع رجلا وقت وقوفه والمراد من الوقوف الكينونة والوجود وليس ضد الجلوس لأنه كان على ناقته ويمكن أن يراد من الوقوف السكون عن الحركة بسكون ناقته عن المشي ولم يعرف اسم هذا الرجل قيل وكان وقوفه عند الصخرات في عرفة
(إذ وقع عن راحلته فوقصته- أو قال فأوقصته) الشك من الراوي عن ابن عباس في أي اللفظين صدر عن ابن عباس والوقص كسر العنق وهو المعروف عند أهل اللغة أما "أوقصته" من الإيقاص فهو شاذ ومعناه صرعته فكسرت عنقه وفي رواية "فأقصعته -أو فأفصعته" بالقاف أو بالفاء والمعنى قتلته في الحال وضمير الفاعل يحتمل أن يكون للوقعة المفهومة من "وقع" والأولى أن يكون للراحلة لرواية للبخاري "أن رجلا وقصه بعيره" على معنى أنه كان سببا في وقوعه وكسر عنقه أو على معنى أنه أصابه بعد وقوعه
(اغسلوه بماء وسدر) السدر ورق شجر النبق وكان يوضع في ماء
الغسل لإعطاء الماء رائحة طيبة ومادته الزيتية تقوم مقام الصابون وإذا خضخض السدر في الماء خرجت له رغوة كالصابون
(وكفنوه في ثوبين) في بعض الروايات "في ثوبيه"
(ولا تحنطوه) أي لا تطيبوا كفنه ولا جسمه بالحنوط وهو كل شيء يخلط من الطيب للميت خاصة
(ولا تخمروا رأسه) أي لا تغطوا رأسه
(فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) أي محرما كحالته التي مات عليها والفاء للتعليل أي السبب في عدم تحنيطه وعدم تخمير رأسه بقاء حالة الإحرام و"ملبيا" حال
-[فقه الحديث]-
يتناول الحديث غسل الميت وحنوطه وكفنه
أما غسله فهو فرض كفاية عند الجمهور وعند بعض المالكية سنة وقد توارد به القول والعمل وهل هذا الغسل للتنظيف أو للتطهير قولان والمشهور عند الجمهور أنه غسل تعبدي شرع للنظيف وغير النظيف للبالغ ولمن هو دون البلوغ
ويشترط فيه ما يشترط في بقية الأغسال الواجبة والمندوبة وكيفيته الكاملة إعداد ماء يكفي لثلاث غسلات أو أكثر ويخلط هذا الماء بالسدر أو نحوه كورق الكافور ويكفي الصابون ويغسل أولا السبيلان كالاستنجاء ويوضأ ثم يصب الماء ليصل إلى جميع الشعر والبشرة ثلاثا ويوضع في ماء الغسلة الأخيرة شيء من الكافور أو الطيب ففي البخاري عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته -المشهور أنها زينب توفيت أول سنة ثمان من الهجرة -فقال: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور" قال بعض العلماء يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء بعد
فخمسا فإن خرج منه شيء غسل سبعا وقال آخرون: يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء غسل موضعه ولا يعاد غسله ولا يزيد على الثلاث
والمحرم بالحج أو العمرة يغسل كغسل غير المحرم أما الشهيد في معارك المسلمين فلا يغسل عند الجمهور لما روى البخاري عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ادفنوهم في دمائهم -يعني يوم أحد -ولم يغسلهم". وفي رواية "لا تغسلوهم فإن كل جرح -أو كل دم -يفوح مسكا يوم القيامة"
وأما حنوطه فسنة ما لم يكن محرما عند الجمهور فإن النهي عن التحنيط في الحديث إنما وقع لأجل الإحرام استبقاء لشعار الإحرام كاستبقاء دم الشهيد وكأن الحنوط للميت كان مقررا عندهم وقال بعض المالكية إن هذا الحديث واقعة حال فلا يستدل لمفهومها ولا يستدل به على تحنيط غير المحرم ومن السنة التحنيط بالكافور يجعل في الماء في آخر غسلة كما يقول الجمهور أو يجعل بعد انتهاء الغسل والتجفيف كما يقول بعض الحنفية قيل: والحكمة في الكافور مع كونه يطيب رائحة الموضع أن فيه تجفيفا وتبريدا وقوة نفوذ وخاصية في تصليب بدن الميت وطرد الهوام عنه وردع ما يتحلل من الفضلات ومنع إسراع الفساد إليه وهو أقوى الأرايح الطيبة في ذلك قالوا وهل يقوم المسك مقامه وأجابوا إن نظر إلى مجرد التطييب فنعم وإلا فلا وقد يقال إذا عدم الكافور قام غيره مقامه ولو بخاصية واحدة مثلا
وأما كفنه فالمستحب أن يكفن في ثلاث والواحد الساتر لجميع البدن جائز بالاتفاق فالثلاث ليست شرطا للصحة واختلف فيما إذا شحت الورثة بالثاني والثالث والذي أميل إليه أخذ الثلاث من التركة ولا يلتفت إلى شحهم وحديث -الباب يفيد التكفين في ثوبين فالإيتار ليس ضروريا لكن هل يغير للمحرم ثياب الإحرام أو يكفن في ثياب إحرامه؟ استدل بعضهم بحديث الباب على إبدال ثياب المحرم قال الحافظ ابن حجر وليس بشيء لأنه سيأتي في الحج بلفظ: "في ثوبيه" وللنسائي "في ثوبيه اللذين
أحرم فيهما" قال المحب الطبري إنما لم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له كما في الشهيد
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
احتج به الشافعي وأحمد على أن المحرم إذا مات يبقى في حقه حكم الإحرام ولذا يحرم ستر رأسه وتطييبه وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة فقالوا: يصنع به ما يصنع بالحلال واعتمدوا القياس وانقطاع العبادة بزوال محل التكليف وهو الحياة لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله
…
" واعتبر بعضهم حديث الباب واقعة حال لا تتعدى صاحبها ولا يعمم حكمها وأورد بعضهم أنه لو كان إحرامه باقيا لوجب أن يكمل به المناسك ولا قائل به
ورجح القول الأول بأن القياس إنما يصار إليه حيث لا نص أما وقد ثبت النص فلا موضع للقياس وقد ثبتت العلة في النص وأنها الإحرام فتعم كل محرم وتكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه أصلهما من عمله وشأنه في ذلك شأن الشهداء حين يزملون بثيابهم ودمائهم
2 -
استدل بالحديث على أن المحرم إذا مات لا يكمل عمله غيره
3 -
قال ابن بطال وفيه أن من شرع في عمل طاعة ثم حال بينه وبين إتمامه الموت رجي له أن يكتبه الله في الآخرة من أهل ذلك العمل
4 -
واستدل به على أن الكفن من رأس المال لأمره صلى الله عليه وسلم بتكفينه في ثوبه ولم يسأل هل عليه دين يستغرق؟ أم لا؟
5 -
وفيه التكفين في الثياب الملبوسة
6 -
واستحباب دوام التلبية
7 -
وأن الإحرام يتعلق بالرأس لا بالوجه بالنسبة للرجال
8 -
وفيه -بدليل المفهوم -استحباب تخمير رأس الميت غير المحرم والله أعلم