الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب اللقطة
اللقطة بضم اللام وفتح القاف على المشهور، وجاز في القاف الإسكان ويقال لها أيضا لقاطة بضم اللام، وهي لغة اسم للمال الملتقط، وشرعا: ما وجد من حق ضائع محترم غير محرز، ولا ممتنع بقوته، ولا يعرف الواحد مستحقه. وفي الالتقاط معنى الأمانة والولاة، من حيث أن ** الملتقط أمين فيما التقطه، والشرع ولاه حفظه، وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف.
74 -
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أصبت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عرفها حولا فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها ثم أتيته فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد ثم أتيته ثلاثا فقال احفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فاستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا".
-[المعنى العام]-
لما كان مال المسلم لا يحل إلا عن طيب نفس منه، وعن طريق حلال، ولما كانت اللقطة تحتمل أن تكون من أموال المسلمين خصوصا إذا كانت ببلاد الإسلام حافظ الشارع عليها، وبالغ في وسائل إيصالها لصاحبها فأمر بالتعريف عنها في الأماكن المطروقة مدة تصل فيها الأخبار عادة، وفي هذا يحدث أبي بن كعب أنه وجد صرة فيها مائة دينار فأخذها وجاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن حكم الإسلام فيها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعرفها سنة بأن يعلن عن بعض أوصافها، ولا يذكر كل الأوصاف، يكرر هذا الإعلان في أوقات مختلفة من سنة كاملة، فمرة في الصباح، ومرة في المساء، ومرة في الظهيرة، ومرة في أول الأسبوع والشهر، ومرة في الوسط ومرة في الآخر وأعلن أبي بن كعب عنها سنة، فلم يأته صاحبها فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بالخبر فأمره أن يعرفها سنة أخرى زيادة في الاستيثاق وتورعا عن أموال الغير، فعرفها سنة فلم يأته صاحبها، فعاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر فأمره أن يعرف وعاءها ورباطها وعددها ثم يستمتع بها، فإن جاء صاحبها ردها إليه، وإلا فشأنه بها شأن ما يصنع بأمواله.
-[المباحث العربية]-
(أصبت) وفي رواية "وجدت".
(صرة فيها مائة دينار) في نسخة "صرة مائة دينار" بنصب "مائة" بدل من "صرة" ورفعها على تقدير: فيها مائة دينار.
(فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عرفها) في الكلام حذف للعلم به، والأصل فأتيت النبي فأخبرته بخبرها، فقال عرفها، بالتشديد أمر من التعريف.
(ثلاثا) أي ثلاث مرات والمعنى: أن مجموع إتيانه ثلاث مرات، وليس معناه: أنه أتى بعد المرتين الأولين ثلاث مرات. وإن كان ظاهر الحديث يقتضي ذلك، لأن "ثم" تخلفت عن معنى التشريك في الحكم والترتيب والمهلة فتكون زائدة لا عاطفة، قاله الكوفيون.
(احفظ وعاءها) بكسر الواو، وقد تضم، وهو ما جعل فيه الشيء سواء كان من جلد أو خرق أو خشب أو غير ذلك، وفي رواية "عفاصها" والعفاص الوعاء.
(فاستمتعت، فلقيته بعد بمكة، فقال: لا أدري. ثلاثة أحوال أو حولا واحدا) أصل السند: حدثنا شعبة عن سلمة سمعت سويد بن غفلة قال: لقيت
أبي بن كعب فقال
…
قال الحافظ ابن حجر: لقي شعبة شيخه سلمة، فعند الطيالسي "قال شعبة: فلقيت سلمة بعد ذلك فقال: لا أدري. ثلاثة أحوال أو حولا واحدا".
(ووكاءها) بكسر الواو هو الذي يشد به رأس الكيس أو الصرة أو غيرهما.
(فإن جاء صاحبها) جواب الشرط محذوف للعلم به أي فارددها إليه.
(وإلا فاستمتع بها) فعل الشرط محذوف تقديره: وإن لم يجئ صاحبها.
-[فقه الحديث]-
الكلام عن هذا الحديث ينحصر في نقاط:
الأولى: حكم رفع اللقطة أو تركها.
الثانية: الغرض من حفظ الوعاء والعدد والوكاء، وهل يسبق التعريف أو يتأخر عنه؟
الثالثة: ما ينبغي للاقط: التعريف أو الدفع إلى السلطان؟
الرابعة: حكم لقطة الحقير من الأشياء.
الخامسة: حكم التعريف وكيفيته ومكانه، ومدته ومتى تبتدئ؟
السادسة: حكم دفع اللقطة لمن ذكر أوصافها ولم يأت بشهود.
السابعة: ضمان اللقطة لو تلفت قبل الحول أو بعده.
الثامنة: اللقطة بعد انقضاء مدة التعريف.
مع ذكر الأدلة وتوجيه الأحاديث المعارضة فيما ذكر.
أما عن النقطة الأولى: فقد روي عن مالك وأحمد كراهة أخذها استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم "ضالة المسلم حرق النار" أي كحرق النار، فمن أخذها
ليمتلكها أدت به إلى النار. وروي عن الشافعي مرة وجوب رفعها، ومرة تفضيل أخذها. وروي عن أبي حنيفة أن كلا الأمرين مباح، والتحقيق التفصيل، فمن خشي عليها الضياع أو التلف إذا تركها، وهو يعتزم تعريفها وجب أو استحب له رفعها. ومن لم يخش عليها شيئا من ذلك وهو يرجح عودة صاحبها أو أخذ أمين آخر لها فالورع تركها، وأخذها لأكلها بدون تعريف حرام، وعليه يحمل الحديث "ضالة المسلم حرق النار".
وأما عن النقطة الثانية: فالغرض من حفظ الوعاء والعدد والوكاء وجوه من المصالح: منها أن العادة جارية بإلقاء الوعاء والوكاء إذا فرغ من النفقة، فإذا أمر بحفظ هذين فحفظ ما فيهما أولى، ومنها تمييز اللقطة عن ماله فلا تختلط به، ومنها أن صاحبها إذا جاء بعته فربما غلب على ظنه صدقه فيجوز له الدفع إليه، ومنها أنه إذا حفظ ذلك ساعده على التعريف لها، والأمر بالمعرفة للندب على الراجح، وقيل للوجوب، هذا عقب أخذها أما معرفتها عند التملك فواجبة اتفاقا.
وأما النقطة الثالثة: فالجمهور على أن الملتقط لا يجب عليه أن يدفع اللقطة إلى السلطان، سواء كانت قليلة أو كثيرة، لأن السنة وردت بأن واجد اللقطة هو الذي يعرفها دون غيره، لقوله "عرفها" ويجوز للسلطان أن يأخذها من غير الأمين، ويدفعها إلى أمين ليعرفها، وقيل: يفرق بين القليل والكثير، فإن كان قليلا عرفه وإن كان كثيرا دفعه إلى بيت المال، وفرق بعض المالكية وبعض الشافعية بين المؤتمن وغيره، فألزموا المؤتمن بالتعريف وأمروا غير المؤتمن بدفعها إلى السلطان ليعطيها لمؤتمن ليعرفها.
وأما عن النقطة الرابعة: فقد رخص في أخذ اللقطة اليسيرة والانتفاع بها وترك تعريفها. وخص بما دون الدرهم، ولكنه يبقى على ملك مالكه، لأن التمليك من المجهول لا يصح، واستدل بما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال "لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها" فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمتنع من أكلها إلا تورعا، خشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه، لا لكونها ملقاة في الطريق، وروي عن مالك أن تركها أفضل.
أما عن النقطة الخامسة: فإن التعريف واجب لظاهر الأمر، وإن أخذها لحفظها، نعم إن غلب على ظنه أن سلطانا غير أمين يأخذها منه إن عرف امتنع عليه التعريف، وكانت أمانة تحت يده، وكيفية التعريف ترجع إلى العرف كأن ينادي أو يكتب: من ضاع له شيء فليطلبه عندي، ويكون ذلك في بلد اللقطة، في الأسواق ومجامع الناس، وأبواب المساجد، وعند خروج الناس من الجماعات ونحوها، ويكره التعريف في المساجد وطلب اللقطة فيها إذا وقع ذلك برفع الصوت، ومدة التعريف سنة لقوله صلى الله عليه وسلم "عرفها حولا" والمعنى في ذلك أنها أطول مدة في العادة تستغرقها القوافل، وفيها تمضي الفصول الأربعة ولو التقط اثنان لقطة عرفها كل واحد منهما نصف سنة على الراجح، ثم اقتسماها عند التملك، ولا يشترط في التعريف الفور، ولا الموالاة، ولا استيعاب السنة، بل يرجع ذلك إلى العرف والعادة، نعم ظاهر الحديث أن أبي بن كعب أمر بالتعريف عامين، ولم يقل بهذا الظاهر أحد من أئمة الفتوى، لهذا قال ابن حزم: إن عامين ولم يقل بهذا الظاهر أحد من أئمة الفتوى، لهذا قال ابن حزم: إن الرواية إما أن تكون غلطا من الرواة وإما لكون المعرف عرفها تعريفا غير جيد كما قال للمسيء صلاته "ارجع فصل فإنك لم تصل" ويجوز أن يكون التكرار في الأمر بالتعريف محمولا على مزيد التورع عن التصرف في اللقطة، والمبالغة في التعفف عنها. وابتداء الحول من يوم التعريف، لا من يوم الأخذ، وقد ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى تقدير الحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، وقال بعضهم، إن كانت أقل من عشرة دراهم يعرفها أربعة أشهر، وإن كانت عشرة فصاعدا عرفها حولا. وقال بعضهم: إن الكثير في العرف يعرف سنة، والقليل يعرف مدة يغلب على الظن قلة أسف صاحبه عليه.
وأما النقطة السادسة: فقد جاء في بعض الروايات "فإن جاء أحد يخبرك بعدها ووعائها ووكائها فأعطه إياها" وهي ظاهرة في أن الوصف كاف في الرد، ولا يحتاج إلى شهود، ويجب الدفع حينئذ، وهو ما هب إليه مالك وأحمد وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما: لا يجب الدفع إلا بالبينة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي" وتأولوا الرواية السابقة بما إذا
علم صدقة، أو يحمل الأمر فيها على الإباحة أو على الندب، لا على الوجوب، نعم يجوز له بل يستحب أن يدفعها إليه إن ظن صدقه عملا بظنه.
وأما عن النقطة السابعة: فاللقطة كالوديعة، ويد الملتقط عليها يد أمانة، فإذا تلفت قبل الحول من غير تقصير فلا ضمان، وبالتقصير يضمن بدلها، فإن تلفت بتقصير بعد الحول فالضمان وعدمه تابع للخلاف الآتي في التملك.
أما عن النقطة الثامنة: فقد ذهب قلة من العلماء إلى أن اللقطة تملك بعد التعريف حولا استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم "فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها" وبقوله "وإلا فتصنع بها ما تصنع بمالك" وذهب الجمهور إلى وجوب رد اللقطة إن كانت العين موجودة، وإن استهلكت أو تلفت بتقصير منه يجب البدل لصاحبها إذا جاء، وقال ابن بطال: وعلى هذا إجماع أئمة الفتوى، والحديث الذي معنا يؤيد رأي الجمهور، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب بعد أن عرفها "فإن جاء صاحبها" أي فارددها ففيه الأمر بالرد بعد انتهاء مدة التعريف، وأصرح من هذا قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحل اللقطة، من التقط شيئا فليعرفه، فإن جاء صاحبها فليردها إليه، فإن لم يأت فليتصدق بها، فإن جاء فليخيره بين الأجر وبين الذي له".
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
الأمر بحفظ ثلاثة أشياء من اللقطة الوعاء والعدد والوكاء.
2 -
وجوب التعريف عن اللقطة.
3 -
الاستمتاع بها إذا لم يجئ صاحبها، ومنع أبو حنيفة أن ينتفع بها الغني دون الفقير، وحمل الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم عرف فقر أبي بن كعب فهو حكاية حال لا تعم.
4 -
وفيه شدة حرمة أموال المسلمين.
5 -
وفيه احتياط الصحابة في أمور دينهم.