الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حمل الرجل الجنازة دون النساء
18 -
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق"
-[المعنى العام]-
عند وفاة الإنسان وبلوغ الروح الحلقوم وقطع اتصاله بالأحياء يرى مقعده ومصيره إما إلى جنة وإما إلى نار فإن كان من أهل الجنة كان قبره روضة من رياضها وإن كان غير ذلك كان قبره حفرة من حفر النار لهذا إذا رفع على أعناق الرجال وساروا به نحو مثواه كان راغبا في سرعة
الوصول إلى قبره إن كان محسنا وكان نافرا من الوصول إلى قبره إن كان مسيئا فينادي الأول بصوت يسمعه جميع الخلائق إلا بني آدم يقول قدموني أسرعوا بي إني مشتاق وعجل للوصول إلى مقعدي وينادي الثاني بصوت يسمعه جميع الخلائق إلا بني آدم يقول أين تذهبون بي قفوا لا أحب الوصول يا للهول يا ويلتي يا هلاكي يستغيث ولا مغيث يتمنى ولات حين مناص
فليستحضر المؤمن هذا الموقف وهو في فسحة من أجله وليعمل في يومه لغده وليذكر ما كان يمكن أن يحصل له من الرعب والخوف إذا سمع صوت الميت لقد حجب الله هذا الصوت عن الإنسان رحمة به ورفقا وإبقاء عليه فقد يصعق من هول الموقف وقد يصاب بالذهول وقد يندفع نحو الطاعات إلجاء لا رغبة مما لا يتفق وهدف التكليف والتشريع فسبحان من خلق وعلم من خلق وما يصلحه وأرشده إلى طريق الهدى والرشاد
-[المباحث العربية]-
(إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال) الجنازة تطلق على الميت في سريره وقد تطلق على الميت وقد تطلق على السرير وهنا تحتمل نفس الميت باعتبار جثته ووضعها جعلها في السرير وتحتمل السرير والمراد وضعها على أعناق الرجال وعليه فجملة "واحتملها الرجال" تفسيرية والأول أولى لقوله بعد ذلك "فإن كانت صالحة قالت" فإن المراد به الميت ويؤيده رواية "إذا وضع المؤمن على سريره يقول قدموني" وعبر باحتملها بدل حملها لإفادة ما يصاحب الحمل من المشقة والتكلف
(على أعناقهم) الحمل يكون على الأكتاف لا على الأعناق ففي الكلام مضاف محذوف أي على أصول أعناقهم وهي أكتافهم
(قالت: قدموني) أي أسرعوا بي نحو قبري
(قالت: يا ويلها) مفروض العبارة: قالت: يا ويلي كما في "قالت
قدموني" فهل اللفظ الذي يصدر منها هو: يا ويلها بضمير الغائب؟ وأنها لنفورها من الويل لم تضفه إلى نفسها؟ أو اللفظ الذي يصدر منها هو يا ويلي بضمير المتكلم وكره النبي صلى الله عليه وسلم النطق به كذلك بعدا من توهم إضافته إلى نفسه أو هذا التغيير من الرواة آثروا الرواية بالمعنى تحاشيا لإضافة الويل للمتكلم الظاهر الثاني لرواية الصحيح "قال: يا ويلتاه؟ أين تذهبون بي"؟ والويل الهلاك والحزن ونداؤه على معنى يا حزن ويا هلاك احضر فهذا وقتك ويسمى في اللغة بالندبة
(أين تذهبون بها) هي تعرف أين يذهبون بها فالاستفهام للتهويل أي تذهبون بها إلى مقر هائل مخيف أو إنكاري بمعنى النفي بمعنى النهي أي لا تذهبوا بها
(يسمع صوتها كل شيء) من العقلاء ملائكة وجن؟ أو من العقلاء وغير العقلاء قولان
(ولو سمع الإنسان لصعق) بفتح الصاد وكسر العين أي لغشي عليه من شدة ما يسمعه
-[فقه الحديث]-
وضع البخاري هذا الحديث تحت باب حمل الرجال الجنازة دون النساء وتحت باب قول الميت وهو على الجنازة قدموني أما ما يتعلق بالباب الأول فقد قال ابن رشيد ليست الحجة من حديث الباب بظاهرة في منع النساء لأنه من الحكم المعلق على شرط وليس فيه أن لا يكون الواقع إلا ذلك ثم دافع ابن رشيد عن البخاري ورد عن استشكاله وأجاب بأن كلام الشارع كلما أمكن حمله على التشريع لا يحمل على مجرد الإخبار عن الواقع قال: ويؤيده العدول عن المشاكلة في الكلام حيث قال: إذا وضعت فاحتملها الرجال ولم يقل فاحتملت فلما قطع "احتملت" عن مشاكلة "وضعت" دل على قصد تخصيص الرجال بذلك اهـ
وإذا تجاوزنا قوة دلالة الحديث على منع النساء من حمل الجنازة أو
عدم قوته إلى الحكم نفسه وجدنا أحاديث أخرى ليست على شرط البخاري صريحة في المنع فقد أخرج أبو يعلى من حديث أنس قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة فقال: أتحملنه قلن: لا. قال: أتدفنه؟ قلن: لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات"
ونقل النووي في شرح المهذب أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء والسبب في ذلك أن الحمل على الأعناق والأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالبا وهو مباين للمطلوب منهن من التستر مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالبا فكيف بالحمل مع ما يتوقع من صراخهن عند الحمل والوضع على أن الحمل يحتاج قوة وضعف النساء من الأمور المحسوسة التي لا تحتاج إلى دليل ثم إن الجنازة لا بد أن يشيعها الرجال فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيفضي إلى الفتنة
وأما ما يتعلق بالباب الثاني وقول الميت الصالح قدموني فقد ذهب البعض إلى أن القول بلسان الحال لا بلسان المقال وهذا الرأي بعيد عن الصواب لا يستقيم مع قوله في آخر الحديث "يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق" مما يؤكد أن القول بصوت يسمع
أما الجمهور فعلى أن هذا القول بصوت لكنهم اختلفوا هل الناطق الجسد في تلك الحال ليكون ذلك في بشرى المؤمن وبؤس الكافر قال ابن بطال إنما يقول ذلك الروح لأن الجسد لا يتكلم بعد خروج الروح منه وقال ابن المنير لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال ليكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر وقال الحافظ ابن حجر: ظاهر الحديث أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الأعناق ومن الجائز أن يحدث الله النطق في الميت إذا شاء واستبعد دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن وقال: إنه يحتاج إلى دليل ومع ذلك رجح الرأي الأول فقال: وكلام ابن بطال فيما يظهر لي أصوب وعندي أن الرأي الثالث أصوب حيث إن الحديث بنى القول على الحمل وجعل المحمول هو
القائل والمحمول هو الجسد بلا نقاش واستبعاد نطق الجسد من غير روح استبعاد عادي دنيوي لا يصلح في الأمور الأخروية فإذا أخبر الصادق انتهى كل استبعاد
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 -
أن العبد يرى مصيره وما أعد له قبل أن يصل إلى قبره
2 -
أن للميت كلاما يسمعه غير الإنس رحمة بهم.
3 -
أن كلام الميت هذا مزعج للأحياء وأنهم يصعقون لو سمعوه.
4 -
فيه ترغيب في الطاعات وترهيب عن المعاصي
5 -
فيه حث على الإسراع بالجنازة تحقيقا لرغبة المطيع وإرغاما للعاصي وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم