الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطهارة
قوله: قال الغزالي رحمه الله: وفيه ثمانية أبواب.
الباب الأول: في المياه الطاهرة
أراد بالطاهرة التي ترجم لها بقوله: كتاب الطهارة، بعض أنواع الطهارة وهو الطهارة بالماء وإلّا فمن شرطه إدراج التيمم في أبوابه؛ لأنه أحد الطهارات ألا ترى إلى قول الشافعي الرافعي رحمه الله: طهارتان فكيف يفترقان؟ فلما أفرده بكتاب دل على أن المراد: الطهارة بالماء انتهى كلامه.
وما ذكره الرافعي هنا ذهول عجيب بل أراد الغزالي جميع أفراد الطهارة ولا تخصيص في كلامه، فإن التيمم عنده وعند إمامه] (1) ليس بطهارة حتى بالغ الإمام فقال مشيرًا للقول بالتطهير: وهذا من ركيك الكلام، وإن ذكره طوائف فإن التراب غير مطهر وإنما تعلقت به إباحة بسبب ضرورة. هذه عبارته.
قوله: المطهر للحدث والخبث هو الماء من بين سائر المائعات.
اعلم أنه قد عبر في "المحرر" بقوله: ولا يجوز رفع حدث ولا إزالة نجس إلا بالماء المطلق، وتعبيره ناقص فإنه يشترط الماء المطلق أيضًا في طهارة دائم الحدث كالمستحاضة، وفي الكرة الثانية والثالثة، والوضوء المجدد والأغسال المسنونة، وفي غسل الميت والذمية والمجنونة لتحلان لزوجهما، وذلك كله لا تتناوله العبارة المذكورة لأنه لا يرفع حدثًا ولا نجسًا.
وهذه الإيرادات قد لا ترد على عبارة "الشرح" و"الروضة"؛ لأن هذه الأمور وإن لم ترفع فهي طهارة، والطهارة إما عن حدث، أو: خبث، وحينئذ فتكون لام الجر الداخلة على قوله للحدث هي لام التعليل، لا اللام
(1) نهاية سقط كبير جدًا من جـ.
الزائدة الداخلة على مفعول العوامل الفرعية لتقوية التعدية كما في قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (1). فاعلمه.
والظاهر أن الرافعي لم يرد شيئًا من ذلك، وإنما أراد ما صرح به في "المحرر" ويدل عليه أن "المحرر" متأخر عن "الشرح" فلو كان ما في "الشرح" أولى عنده مما في "المحرر" لم يعدل عنه في "المحرر" قطعًا فدل على أنهما عنده سواء، ولو عبر بـ (في) فقال: المطهر في الحدث والخبث لكان أظهر في دفع الاعتراض.
قوله: الثاني:
لم قال من بين سائر المائعات، ولم يقتصر على قوله: والمطهر للحدث والخبث هو الماء؟
والجواب أنه لو اقتصر عليه لأشكل بالتراب فإنه مطهر، وليس بماء.
واعلم أنه لو أراد تخصيص الطهورية في الحدث والخبث جميعًا [بالماء](2) لم يلزم هذا الإشكال لكنه لم يرد التخصيص في الفصلين جميعًا، وإنما أراد التخصيص في كل واحد منهما فوجب الاحتراز انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: في تقرير هذا الكلام فإنه مشكل بعيد عن الفهم لاسيما على المتفقهة، وذلك لعلاقة المعنى الذي يحاوله وتعقيد اللفظ الذي عبر به عنه، وإذا أردت تحقيق ذلك فتأمل كلامه قبل نظرك في تقريرنا له.
والثاني: فيما يرد عليه.
فأما الأول: فلابد من تقديم مقدمة عليه وهي: أن الحكم على متعدد
(1) البروج: 16.
(2)
سقط من أ.
تارة يكون على الهيئة الاجتماعية كقولك: شرب الماء والمسكر حرام، فإن هذا الحكم وهو التحريم ثابت للمجموع لأن المسكر من جملته وهو على انفراده حرام، ولا يصح أن يكون ثابتًا لكل واحد وإلا لزم تحريم الماء، وتارة يكون على كل واحد كقولك: زيد وعمر وبكر يشبعهم رغيفان أي كل واحد على انفراده لا الهيئة الاجتماعية.
ومن الأول: كل رجل يحمل الصخرة العظيمة، ويسمى الكلى المجموعي.
[ومن الثاني كل رجل يشبعه رغيفان غالبًا ويسمى الكلي التفصيلى](1) إذا علمت ذلك فقول الغزالي: المطهر للحدث والخبث هو الماء إن أراد كل واحد واحد فلابد من تقييده بقوله: من بين سائر المائعات. إذا لو لم يقله لكان يرد عليه في الحدث؛ لأن التراب مطهر له في التيمم، ولا يرد في الخبث لأن التراب لا مدخل له فيه.
وإن أراد الهيئة الاجتماعية لم يحتج إلى التقييد بذلك لأن المجموع لا يطهره إلا الماء، إذ من جملته الخبث، والخبث لا مدخل للتراب فيه، وهذا تقدير كلامه فنزله عليه.
وقوله فيه لم يلزم هذا الإشكال، مراده بالإشكال هو السؤال الذي أجاب عنه فاعلمه.
وهذالسؤال لا يرد على "المحرر" لأنه نفي كل واحد منهما فقال: ولا يجوز رفع الحدث ولا إزالة النجس إلا بالماء وهي عبارة حسنة.
[وفي بعض نسخ الرافعي لما لزم هذا الإشكال أي بإثبات ما النافية
(1) سقط من ب.
وهذه النسخة واضحة] (1).
وأما ما يرد عليه فأمور:
منها: أن ما ذكره من عدم الإيراد على تقدير إرادة المجموع عجيب، فإن التراب مطهر للخبث أيضًا في النجاسة المغلظة، وحينئذ: فليست الطهارة في الخبث مختصة بالماء على الإطلاق بل من بين المائعات خاصة، وكذلك ما يدبغ به كالشب والقرظ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أليس في الماء والقرظ ما يطهر"(2).
ومنها: أن جعل قوله: من بين المائعات قيدًا لإخراج التيمم [لا يستقيم](3) لما سبق التنبيه عليه من أن التيمم عند الإمام والغزالي ليس طهارة وأيضًا فإنه لا يعلم معه انتفاء التطهير بالجامدات، وهذا موضع بيانه.
فيقول القائل: قد علمنا حكم المائعات فما حكم الجامدات وغيرها. هل تدخل شرعًا في التطهير أم لا؟
فإنه قد قيل بذلك في أشياء كالشمس والريح والنار ومرور الزمان [وإلقاء الكلب في المملحة](4) نحوها.
وقد اغتر في "الروضة" بكلام الرافعي فصرح بجعله قيدًا فقال: المطهر للحدث والخبث من المائعات الماء المطلق خاصة هذه عبارته.
وقد تفطن في "المحرر" لذلك فلم يذكره وتبعه عليه في "المنهاج" وهو الصواب.
وإنما أراد الغزالي بما ذكره التنصيص على نفي التطهير عن المائع بخصوصه لأن القول به فيه أقرب من غيره.
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من جـ.
(3)
سقط من أ.
(4)
سقط من أ، ب.
قوله: ثم منهم من يفسر المطلق بالباقي على أوصاف الخلقة ومنهم من يفسره بالعاري عن القيود والإضافات انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن الذي يخرج الماء عن الإطلاق تقييده بأحد ثلاثة أشياء: إما بالإضافة كماء الورد والأشنان.
وإما بالصفة: كقوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} وقوله {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (1) يعني المنى.
وإما بلام العهد: كقوله في الحديث: "نعم إذا رأت الماء"(2) يعني المنى أيضًا.
وإلى هذه الثلاثة أشار الرافعي بقوله: العاري عن القيود والإضافات، إلا أنه لو أفرد لكان أحسن.
واختصره في "الروضة" بعبارة أخرجت الصفة ولام العهد فقال: والمطلق هو العاري عن الإضافة اللازمة وقيل: الباقي على وصف خلقته هذه عبارته.
والغريب أن الرافعي قد عبر أيضًا في "المحرر" بالإضافة فعدل في "المنهاج" إلى التعبير بالقيد، فليته لو فعل ذلك أيضًا هنا.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يصحح شيئًا من التفسيرين في "الشرح الصغير" أيضًا، والصحيح هو التفسير الثاني فقد جزم به الرافعي في "المحرر" ونص عليه الشافعي رحمه الله في "البويطي".
وصححه أيضًا النووي في كتبه ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته بل أدخله في كلام الرافعي.
وفي "شرح التهذيب" المسمى "بالوافي"، "ونكت المهذب" لابن الصلاح: أنه إنما سمى مطلقًا لأن الماء إذا أطلق انصرف إليه.
(1) سورة المرسلات (20).
(2)
أخرجه البخارى (130) ومسلم (313) من حديث أم سلمة -رضى الله عنها-.
الأمر الثالث: أن التفسيرين معًا يرد عليهما المتغير بطول المكث وبالمجاور، وبما يعسر صون الماء عنه فإنه طهور، وإن كان التغيير كثيرًا يمنع إطلاق الاسم كما ستعرفه. وكذلك ما حوالي النجاسة العينية فإن الحدين صادقان عليه، ومع ذلك لا يجوز استعماله على القول الجديد الموجب للتباعد كما هو مقرر في موضعه.
قوله: المستعمل طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه"(1) وهل هو طهور أم لا؟ .
(1) قال الحافظ:
حديث: روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير طعمه أو ريحه لم أجده. هكذا وقد تقدم فى حديث أبى سعيد بلفظ: إن الماء طهور لا ينجسه شئ، وليس فيه: خلق الله، ولا الاستثناء.
وفى الباب كذلك عن جابر بلفظ: إن الماء لا ينجسه شئ، وفيه قصة رواه ابن ماجه وفى إسناده أبو سفيان طريف بن شهاب وهو ضعيف متروك وقد اختلف فيه على شريك الراوى عنه وعن ابن عباس بلفظ: الماء لا ينجسه شئ. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان ورواه أصحاب السنن بلفظ: إن الماء لا يجنب وفيه قصة.
وقال الحازمى: لا يعرف مجودا إلا من حديث سماك بن حرب عن عكرمة وسماك مختلف فيه وقد احتج به مسلم وعن سهل بن سعد رواه الدارقطنى وعن عائشة بلفظ: إن الماء لا ينجسه شيء. رواه الطبرانى فى الأوسط وأبو يعلى والبزار وأبو على بن السكن فى صحاحه من حديث شريك، ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة لكنه موقوف.
وفى المصنف والدارقطنى من طريق داود بن أبى هند عن سعيد بن المسيب قال: أنزل الله الماء طهورا لا ينجسه شيء.
وأما الاستثناء فرواه الدارقطنى من حديث ثوبان بلفظ: الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه أو طعمه. وفيه رشدين بن سعد وهو متروك وقال بن يونس: كان رجلا صالحا لا شك فى فضله أدركته غفلة الصالحين فخلط فى الحديث.
وعن أبى أمامة مثله رواه ابن ماجه والطبرانى وفيه رشدين أيضًا ورواه اليهقى بلفظ: إن الماء طاهر إلا أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه. أورده من طريق عطية بن بقية عن أبيه عن ثور عن راشد بن سعد عن أبى أمامة وفيه تعقب على من زعم أن رشدين بن سعد تفرد بوصله، ورواه الطحاوى والدارقطنى من طريق راشد بن سعد مرسلا بلفظ: الماء لا ينجسه شيء إلا ما =
قال في الجديد: لا.
وحكى عن القديم: إنه طهور لأنه ماء باق على إطلاقه، ومنهم: من لم يثبت هذا القول انتهى ملخصًا.
وحاصل كلامه: أن في المسألة طريقتين.
إحداهما: إثبات قولين.
والثانية: القطع بأنه ليس بطهور.
وسبب التردد على ما قاله الأصحاب ونقله النووي في "شرح المهذب": أن عيسى بن أبان -من الحنفية- نقل عن القديم أنه طهور؛ فمنهم من قبل روايته وأثبت قولين؛ لأنه رجل ثقة وقد نقل، ومنهم من لم يقبلها قال: لأن هذا النقل ليس موجودًا في شيء من كتب الشافعي فنقول: أخذه ابن أبان منها ولم يعاصره أيضًا حتى نقول: سمعه منه، ولعله تأول كلام الشافعي في نصرة طهارته ردًا على أبي يوسف حيث ذهب إلى نجاسته فحمله على جواز الطهارة به.
إذا علمت ما قلناه ففيما تقدم أمور:
أحدهما: أن الأصح من الطريقين هو: طريقة القولين؛ فقد صححها الرافعي في "الشرح الصغير" فقال: وفي طهوريته قولان: الجديد: المنع،
= غلب على ريحه أو طعمه. زاد الطحاوى: أو لونه. وصحح أبو حاتم إرساله قال الدارقطنى فى العلل: هذا الحديث يرويه رشدين بن سعد مرسلا، وقال أبو أسامة عن الأحوص عن راشد قوله: قال الدارقطنى: ولا يثبت هذا الحديث، وقال الشافعي: ما قلت من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجسا يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله وهو قول العامة لا أعلم بينهم خلافًا.
وقال النووى: اتفق المحدثون على تضعيفه.
وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس.
والقديم: أنه طهور، ومن الأصحاب من قطع بالمنع، هذا لفظه.
وصححها أيضًا النووي فقال في "شرح المهذب": الصواب طريقة القولين، وقال في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" هنا: إنها أصح الطريقين وأشهرهما، وقال فيه أيضًا قبل باب الاجتهاد: إنها أشهر الطريقين.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" لما اختصر كلام الرافعي صحح طريقة القطع فقال: وليس بطهور على المذهب، وقيل: طهور على القديم هذا لفظه.
فانظر كيف عبر بقوله، وقيل: طهور على القديم ولم يقل: وطهور على القديم.
وقد أوضح ذلك في كتاب "الإشارات" الذي هو على "الروضة""كالدقائق" على "المنهاج" فقال: وأما قولى: وقيل: طهور على القديم فمعناه أن فيه طريقين؛ المذهب: القطع بأنه ليس بطهور، والثانية: على قولين هذا كلامه.
إذا علمت ذلك ففي كلام الروضة مناقشتان.
إحداهما: أن الرافعي لم يصحح شيئا أصلًا، بل صحح في كتاب آخر عكس ما أدخله النووي في كلامه.
الثانية: أن هذا التصحيح مناقض لما ذكره في "شرح المهذب""وشرح الوسيط" كما تقدم.
والصواب خلاف ما في "الروضة" لأن الجمهور على خلافه كما سبق، ورأيت في كتاب "التقاسيم" للمرعشي أن أبا ثور روى هذا القول أيضًا.
فعلى هذا يثبت القول بلا محالة لاندفاع ما استندوا إليه في رده وهو عدم المعاصرة، فإن أبا ثور أحد رواة القديم، لكن في هذا النقل وقفة فقد قال سليم الرازي في "التقريب": وقال أبو ثور: سألت أبا عبد الله عن الماء المستعمل فتوقف فيه، وهذا لا يفيد شيئًا، هذه عبارة سليم، وذكر غيره نحوه.
وهذه الحكاية لا تفيد إثبات القول لأمرين.
أحدهما: التوقف.
والثاني: أنه يجوز أن يريد بأبي عبد الله أحمد بن حنبل لا الشافعي.
واعلم أن النووي يدعى أنه لم يزد في كلام الرافعي شيئًا، وأنه لم يذكر تصحيحًا في مسألة إلا إذا ذكره الرافعي فقال في باب الأذان من كتاب "الإشارات" السابق ذكره، ولم أذكر [أن الأظهر](1) في الفائتة أنه لا يؤذن لها اعتمادًا على [أن الأظهر](2) قول الرافعي الجديد من حيث إن الغالب تصحيح الجديد؛ بل لأن الرافعي صرح به بعد ذلك، فإن هذا شيء لم أفعله ولا أفعله إن شاء الله تعالى، ولا أصرح بالتصحيح أو الترجيح عن الرافعي إلا إذا صرح به، فإن لم يصرح هو به صرحت به ونبهت على أنه من كلامي؛ هذا لفظه رحمه الله بحروفه وهو في غاية العجب، فإنه فعل ذلك في أول مسألة في "الروضة" ثم في المسألة التي تليها إلى غير ذلك مما لا ينحصر مما ستراه إن شاء الله.
الأمر الثالث: أن تعليله للقديم يؤخذ منه أن المستعمل مطلق. والمسألة فيها وجهان:
أحدهما: نعم؛ ولكن منع من استعماله تعبدًا وهذا هو المذكور أيضًا في
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من جـ.
"الشرح الصغير""والمحرر"، وجزم به أيضًا الرافعي في كتاب التيمم وأشعر كلامه أنه لا خلاف فيه وأنه لا وجه له أيضًا.
وصححه النووي في "شرح التنبيه" المسمى "بتحفة التنبيه" فقال: ومن خطه نقلت: إنه الصحيح عند الأكثرين.
والثاني: هو الذي صححه في "التحقيق""والفتاوى""وشرح المهذب" أنه ليس بمطلق ولم يتعرض في "الروضة" لهذه المسألة بالكلية.
الأمر الرابع: أن الشافعي في القديم يقول: إن من قدر على بعض الماء لا يلزمه استعماله بل يتيمم، وهو مشكل على ما قدمناه من كونه يقول في القديم: إن المستعمل طهور، بل كان مقتضاه أنه يلزمه استعمال الناقص ثم يجمعه ويتوضأ به ثانيًا لأنه طهور.
ويؤيد هذا: أن المحرم إذا كان محدثًا وعليه طيب ووجد ما يكفي أحدهما فإنه يجب عليه أن يتوضأ به ثم يجمعه ويغسل به الطيب، فإن تعذر ذلك غسل الطيب، هكذا جزم به النووي في باب التيمم من "التحقيق""وشرح المهذب"، ونقله في الشرح المذكور عن الأصحاب ولم يذكر في "الروضة" هذا الفرع.
ولقائل أن يقول: ينبغي أن يتعين إزالة الطيب مطلقًا سواء أمكن جمعه أم لا؛ لأن إزالة الطيب على الفور بخلاف الوضوء فالزمن الذي يتوضأ فيه هو تارك فيه لإزالة الطيب.
نعم: إن فرضنا أن الوقت قد ضاق بحيث يتعين الوضوء والصلاة، فلا كلام إلا أن يقال: في التأخير جمع بين المصلحتين كما قالوا: يجوز تأخير الزكاة لانتظار القريب والجار، وإن كان الإخراج على الفور لأجل هذه
المصلحة.
والحديث الذي ذكره الرافعي في أول كلامه صحيح رواه أحمد وصححه، وحسنه الترمذي إلا الاستثناء فإن ابن ماجه قد رواه بإسنادٍ ضعيف وضم إليه اللون.
قوله: في أصل "الروضة": وأما ما اغتسلت به كتابية من حيض لتحل لمسلم فإن قلنا: لا يجب إعادة الغسل إذا أسلمت فليس بطهور، وإن أوجبناها وهو الأصح فوجهان الأصح أنه ليس بطهور. انتهى.
واعلم أن حكم المجنونة إذا حاضت فغسلها زوجها كحكم الكافرة المذكورة في جميع ما ذكر هنا، كذا ذكره الرافعي في أوائل صفة الوضوء ولم يتعرض لها في "الروضة" هناك ظنًا منه أنها مذكورة هنا مع الذمية فأسقطها معها هناك. فاعلمه.
وفي المسألة أمور أخرى مهمة يأتي ذكرها في الباب السادس من أبواب النكاح وهو المعقود للموانع في الجنس الرابع منه وهو الكفر فراجعها.
قوله: وسقطت طهورية المستعمل في الكرة الأولى لانتقال المنع، وقيل لتأدي العبادة، ثم قال: وينبغي أن يعلم أن انتقال المنع هو الذي عبر عنه الأصحاب: بتأدي الفرض لأن رفع الحدث فرض، ولا نعني بالفرض في مثل ذلك ما يلحق الإثم بتركه، بل: ما لابد منه، ولذلك نحكم باستعمال ما توضأ به الصبي إلا على وجه لا يعبأ به وباستعمال ما توضأ به البالغ لصلاة النفل. انتهى كلامه.
والذي ذكره في وضوء البالغ لصلاة النفل غريب جدًا؛ لأن فيه إثمًا بتركه إذ لو صلاها بلا وضوء أثم إجماعًا، فإذا تقرر أن المراد بالفرض هو
النسبة إلى رفع الحدث عند إرادة الصلاة لزم أن يكون هذا الفرض بالنسبة إلى البالغ بمعنى: أنه لابد منه وأن الإثم يلحقه أيضًا بخلاف الصبي، وليس كلام الرافعي في عدم الإثم راجعًا إلى صلاة النفل من حيث هي بل إليها عند إرادة فعلها بلا وضوء؛ لأن صلاة النفل له منها بد، فإن تركها جائز، فتعين أن يكون المراد ما ذكرناه.
قوله: في أصل الروضة: كما لو انغمس جنب في قلتين فإنه طهور بلا خلاف انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذه المسألة لم يذكرها الرافعي وإنما زادها النووي وأدخلها في الأصل فاعلمه.
الثاني: أن ما ادعاه من نفي الخلاف ليس كذلك، بل المسألة ذات وجهين رأيتهما في "التبصرة" للشيخ أبي محمد الجويني فقال: مسألة الماء إذا كان قلتين ولا نجاسة فيه وأردت الاغتسال من الجنابة ولا نجاسة على بدنك فليس الاحتياط أن تنغمس فيه بل الاحتياط أن تغترف وتتنحى وتفرغ (1) على بدنك ليحصل لك الغسل بالإجماع، فإن انغمست فيه ففي صحة الغسل خلاف بين مشايخنا هذا كلامه بحروفه، وحكاها أيضًا صاحب "البيان" عن "الشامل"، ونقله عنه في "شرح المهذب" ثم نازعه في اقتضاء كلام "الشامل" لذلك، وقد ثبت نقلهما من كلام غيره، فلا شك أنهما مخصوصان بالقلتين وإلا لتناول النهر والبحر ولا قائل به.
ووجه الخلاف نقصانهما بما يتشربه البدن قبل تمام الانغماس عند من
(1) بداية سقط كبير من ب.
يقول بالتجديد.
قوله: ولو انغمس جنب في ماء قليل ثم نوى ارتفعت جنابته بلا خلاف، ومقتضى كلام الأصحاب: أن الماء يصير مستعملًا بالنسبة إلى المنغمس حتى يخرج منه وهو مشكل، وينبغي ألا يصير لارتفاع الحدث انتهى ملخصًا.
أما ما نقله عن مقتضى كلامهم واقتضى كلامه عدم الوقوف على التصريح به فقد صرح به الخوارزمي في "الكافي" فقال: إنه لو أحدث حدثًا آخر في حال انغماسه جاز ارتفاعه به.
وأما الإشكال الذي ذكره فقد أجاب الأصحاب عنه كما قاله النووي في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" بأن صورة الاستعمال باقية والماء في حال استعماله باق على طهوريته.
وقد ذكر صاحب "الحاوي الصغير" أنه يصير مستعملًا بالنسبة إلى المنغمس تبعًا لإشكال الرافعي.
واعلم أن الشيخ أبا محمد الجويني قد ذكر في كتابه المسمى بـ "التبصرة" أنه إذا نوى مع إدخال يده بعد غسل وجهه رفع الحدث ثم أخذ غرفة فغسل بها ساعده لم يصح لأنه قد صار مستعملًا.
وهذا الذي قاله قد استفدنا منه أن انفصال العضو مع الماء يقتضي الحكم على الماء بالاستعمال وإن كان الماء متصلًا بالعضو. فتفطن هذه الصورة فإنها مقيدة لإطلاقهم وسيأتي عقب هذا ما يقويه أيضًا.
قوله: ولو نزل الجنب في ماء قليل ونوى قبل تمام انغماسه ارتفعت جنابته عن الجزء الملاقى للماء بلا خلاف، ولا يصير الماء مستعملًا، بل له أن يتمم الانغماس ويرتفع عن الباقي على الأصح.
وقال الخضري: يصير مستعملًا، ولا يرتفع إلا عن المغموس حال النية انتهى ملخصًا.
وفيه أمران:
أحدهما: أن ما نقله عن الخضري قد تابعه عليه في "الروضة" إلا أن الخضري قد رجع عنه كذا [رأيته](1) في "العمد" و"الإبانة" للفوراني، وفي "العدة" لأبي الحسين الطبري وغيرهما، وقد تعرض أيضًا لذلك النووي في "شرح المهذب" وابن الرفعة.
فإن قيل: فإذا تقرر رجوع الخضري فحينئذ فهل يبقى في المسألة خلاف؟ .
قلت: بلى، فقد رأيت في "الفروق" للشيخ أبي محمد الجزم بأنه يصير مستعملًا، ذكر ذلك في باب ما يفسد الماء من الاستعمال.
واعلم أن النووي في أصل الروضة نقل عن النص موافقة الأصح ولم يتعرض له الرافعي وإنما هو من زياداته فاعلمه.
الأمر الثاني: أنه احترز بالانغماس عما إذا تمم الغسل بغير ذلك فإنه لا يرتفع كما أوضحه في "شرح المهذب" فقال: أما لو اغترف الماء بإناء أو يده وصبّه على رأسه أو غيره فلا ترتفع جنابة ذلك القدر الذي اغترف له بلا خلاف، صرح به المتولي والروياني وغيرهما وهو واضح؛ لأنه انفصل. هذا كلامه. وقد سبق عن الشيخ أبي محمد ما هو أبلغ منه.
قوله: من زياداته: ولو انغمس جنبان ونوى أحدهما قبل صاحبه ارتفعت جنابة الناوي وصار الماء مستعملًا بالنسبة إلى الآخر على الصحيح، وإن نويا معًا بعد غمس جزء منهما ارتفع عن جزئهما وصار مستعملًا بالنسبة إلى باقيهما على الصحيح انتهى.
وهذا كله قد سبق قريبًا في كلام الرافعي فتأمله.
(1) سقط من أ.
قوله: أيضًا من زوائده: ولو انفصل] (1) الماء من بعض أعضاء الجنب إلى بعضها فوجهان: الأصح عند صاحبي "الحاوي" و"البحر": لا يصير مستعملًا، والراجح عند الخراسانيين: أنه يصير [مستعملًا](2) وقال الإمام: إن نقله قصدًا صار وإلا فلا انتهى.
وصورة المسألة: فيما إذا انفصل عن البدن بالكلية.
إذا علمت ذلك ففيه أمور:
أحدها: أنه لم يصرح بتصحيح في "شرح المهذب" أيضًا، والأصح في "الكفاية": أنه لا يصير مستعملًا، وصحح في "التحقيق" عكسه فقال: وبدن جنب كعضو محدث.
وقيل: لا يضر انفصاله إلى باقي بدنه وقيل: إن نقله ضر هذا كلامه.
الثاني: إن ما نقله عن الإمام ليس مطابقًا لما في "النهاية" فإن الإمام بعد حكاية القول بأنه يصير مستعملًا قال ما نصه: وفيه نظر، لأن الماء إذا كان يتردد على البدن ففي الأعضاء تفاوت في الخلقة، وليس البدن سطحًا بسيطًا، وإذا كان كذلك فيقع في جريان الماء بعض التقاذف [لا محالة، فما كان من هذا الجنس فهو محطوط لا اعتبار به قطعًا.
فأما التقاذف] (3) الذي لا يقع إلا على ندور، فإن كان عن قصد فمستعمل وإلا فلا يبعد أن يعذر صاحب الوقعة، فإن الغالب وقوع ذلك في الزمن الماضي ولم يقع عنه بحث من سائل.
وإذا تأملت ما قاله علمت أنه ليس وجهًا ثالثًا كما يوهمه كلام "الروضة" فإن النقل قصدًا لم يرخص فيه أحد، بل حاصله القول بأنه لا يصير.
الأمر الثالث: أن الرافعي قد صرح بالمسألة في أواخر الباب الثاني من
(1) نهاية سقط من ب بقدر ورقة مخطوطة.
(2)
زبادة من ب.
(3)
سقط من جـ.
أبواب التيمم فإنه قال تعليلًا لمسألة ما نصه: كما يعذر في التقاذف الذي يغلب في الماء ولا يحكم باستعمال المتقاذف هذا لفظه.
وأسقطها النووي هناك.
وإذا علمت ما ذكره الرافعي علمت أن المسألة [ليست](1) خاصة بالجنب كما أوهمه كلام "الروضة" وصرح به في "التحقيق" وعلمت أيضًا أن ما يقع على سبيل الغلبة لا يضر عنده، وأما ما يقع نادرًا فلم يتعرض له والقياس فيه ما صححه النووي.
قوله: أيضًا من "زوائده": وأما الماء الذي يتوضأ به الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية الوضوء؛ فالأصح: أنه يصير مستعملًا، والثاني: لا، والثالث: إن نوى صار وإلا فلا. انتهى.
وما ذكره من تصحيح مصيره مستعملًا مع انتفاء النية مشكل مخالف للقواعد فإن الأصح في المختلف فيه أنا نراعى اعتقادنا لا اعتقاد الفاعل، ولهذا صححوا صحة الاقتداء بحنفي اقتصد دون ما إذا ترك البسملة، ثم إن المصحح لكونه يصير مستعملًا إن منع الاقتداء ناقض كلامه، وإن لم يمنعه لزم الاقتداء لمن يعتقد بطلان صلاته وهو مخالف لما ذكروه هناك.
ولما ذكر هذه المسألة في "شرح المهذب" عزاها إلى "البيان" خاصة، ثم راجعت البيان فوجدته بناها على جواز الائتمام به ولم يذكر تصحيحًا بالكلية فعلمنا أن الصحيح هو التفصيل، وأن تصحيح الاستعمال مطلقًا ذكره النووي من عنده ذهولا. فاعلمه.
قوله: في "الزيادات" ولو غسل رأسه بدل مسحه فالأصح أنه مستعمل كما لو استعمل في طهارته أكثر من حاجته انتهى كلامه.
وتصحيح الاستعمال نقله في "شرح المهذب" عن الشاشي صاحب "الحلية" خاصة فأطلق تصحيحه هنا وهناك اعتمادًا عليه لأنَّه لو وجد تصحيحًا لغيره لذكره معه بلا شك.
(1) سقط من جـ.
قال: القسم الثاني: ما تغير عن وصف خلقته.
قوله: ولو تغير بمجاور لم يضر في أصح القولين لأن هذا النوع من المتغير تروح لا يسلب اسم الماء المطلق كتغير الماء بجيفة ملقاة على شط النهر. انتهى.
والتروح بتاء مثناة مفتوحة هو: تغير الرائحة.
ودعواه أنه لا يسلب الاسم يوهم بأن صورة المسألة في التغير اليسير وليس كذلك بل صورتها في التغير الفاحش، أما اليسير فإنه لا يضر وإن كان بخليط، وضابط الكثير هو المزيل للإسم.
قوله: والأصح أن المشمس مكروه لحديث عائشة (1) وابن عمر، وروى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من اغتسل بماء مشمس فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه"(2). انتهى.
(1) وهو أنه رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت ماء في الشمس، فقال: لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص.
أخرجه الدارقطني (1/ 38) والبيهقي في "الكبرى"(15) وابن الجوزي في "التحقيق"(41) وابن عدي في "الكامل"(3/ 42).
قال الدارقطني: غريب جدًا، خالد بن إسماعيل متروك.
وقال البيهقي: لا يصح.
وقال الألباني: موضوع.
(2)
قال الحافظ: رويناه في الجزء الخامس من مشيخة قاضي المرستان من طريق عمر بن صبح عن مقاتل عن الضحاك عنه بهذا وزاد "ومن احتجم يوم الأربعاء أو السبت فأصابه داء فلا يلومن إلا نفسه، ومن بات في مستنقع موضع وضوئه فأصابه وسواس فلا يلومن إلا نفسه، ومن تعري في غير كن فخسف به فلا يلومن إلا نفسه ومن نام وفي يده غمر الطعام فأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه، ومن نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه ومن شك فى صلاته فأصابه زحير فلا يلومن إلا نفسه" وعمر بن صبح كذاب، والضحاك لم يلق ابن عباس.
وفي الباب عن أنس رواه العقيلي بلفظ: "لا تغتسلوا بالماء الذي يسخن فى الشمس فإنه يعدي من البرص" وفيه سوادة الكوفي وهو مجهول.
ورواه الدارقطني في "الأفراد" من حديث زكريا بن حكيم عن الشعبي عن أنس، وزكريا ضعيف والراوي عنه أيوب بن سليمان وهو مجهول وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات".
وقال البيهقي في "المعرفة": لا يثبت البتة.
وقال العقيلي: لا يصح فيه حديث مسند وإنما هو شيء روي من قول عمر.
الوضح بالضاء المعجمة البياض، ويكنى به عن البرص قاله الجوهري.
وحديث ابن عباس معروف والباقيان ستعرف الكلام عليهما.
وتعبيره بالمشمس، لا يتناول ما شمس بنفسه لأن فعله شمس، فلو عبر بالشمس لكان صوابًا.
وهل يكره ذلك في الأبرص والميت وغير الآدمي من الحيوانات؟ فيه نظر.
قوله في أصل "الروضة": والمشمس في الأواني مكروه على الأصح: بشرط أن تكون في البلاد الحارة، والأواني المنطبعة، إلا الذهب والفضة على الأصح.
وعلى الثاني يكره مطلقًا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي لم يكتف بكون البلاد حارة، بل شرط فيها أن تكون مفرطة الحرارة.
الأمر الثاني: وهو تنبيه حسن نبه عليه "النووي" في كتاب "الإشارات"، الذي هو على "الروضة""كالدقائق" على "المنهاج".
فقال: وقولي على الأصح راجع إلى البلاد الحارة، والأواني المنطبعة، لا إلى الذهب والفضة.
والذي قاله صحيح معنى ولفظًا، فكأنه قال: الأصح أنه يشترط أن تكون في البلاد الحارة الأواني المنطبعة، إلا الذهب والفضة والمتبادر إلى الفهم أنه عائد إلى استثناء الذهب والفضة ولا يستقيم لأمرين:
أحدهما: أن الرافعي حكى وجهين في اختصاصه بالبلاد الحارة والأواني المنطبعة، ولو كان الخلاف في "الروضة" عائدًا إلى الذهب والفضة، لم يكن كلامه مطابقًا لكلام الرافعي فإنه يكون قد أسقط الخلاف في مسألتين.
الأمر الثاني: أن الرافعي لما ذكر الأواني المنطبعة، قال: واستثنى بعضهم آنية الذهب والفضة وهذا الإستثناء يحتمل أن يكون استدراكًا لما قاله الأصحاب فيكون إطلاقهم محمولًا عليه.
وهو الذي فهمه النووي، ويحتمل أن يكون وجهًا مخالفًا لما عليه الأكثرون وأما جعله وجهًا مع تصحيحه، فغلط محض إذ هو خارج عن كل من هذين ولا إشعار لكلام الرافعي بتصحيحه.
لا جرم: كان الصواب في كلام "الروضة" عود التصحيح إلى المستثنى منه دون المستثنى كما نبه هو عليه بخلاف ما يفهمه كثير من الناس.
نعم: آخر كلام الرافعي يبين أنه أراد حكاية وجه على خلاف ما فهمه النووي من كونه استدراكًا، فإنه قال: ولك أن تعلم قول الغزالي: والإناء المنطبع. بالواو إشارة لهذا الوجه.
قوله: ولا فرق بين أن يقع ذلك قصدًا أو اتفاقًا، فإن المحذور لا يختلف.
ويؤيده أن المشمس في الحياض والبرك غير مكروه بالإتفاق، لأنه لا يخاف منه مكروه. انتهى.
وما ذكره: من عدم التفرقة بين القصد والاتفاق قد حذفه من "الروضة"، ولم يذكر ما يدل عليه، بل ما يدل على عكسه فإنه عبر بالمشمس وفعله شمس بالتشديد.
قوله: والطريقة الأولى أقرب إلى كلام الشافعي، فإنه قال: ولا أكره المشمس إلا من جهة الطب، أى: إنما أكرهه شرعًا، حيث يقتضي الطب محذورًا فيه. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله: شرعًا ذكره يستفاد منه مسألة حسنة، وهى أن كراهة المشمس إذا قلنا بها تكون شرعية لا إرشادية، والمسألة فيها وجهان حكاهما ابن الصلاح في تعليقه على "الوسيط" فقال: فيه وجهان، والفرق
بينهما أن الكراهة الشرعية يتعلق فيها الثواب بالترك بخلاف كراهة الإرشاد فإن فائدتها دنيوية وهي مثل كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لصهيب أكل التمر وهو أرمد (1).
أحدهما: أنه كراهة إرشادية من جهة الطب، وهذا هو طريقة صاحب الكتاب، وأفصح عنه في التدريس وهو ظاهر كلام الشافعي والأظهر.
والوجه الثاني: أنها كراهة شرعية، وهي طريقة صاحب "الحاوي" و"المهذب" وغيرهما هذا كلامه رحمه الله.
ونقل عنه النووي في "شرح المهذب" أنه قال: الأظهر الثاني، وهو غلط سببه إسقاط حرف من كلام ابن الصلاح، وهو الواو.
واعلم أن النووي قد صحح في الشرح المذكور الثاني فقال: إنه المشهور، وخالف في "شرح التنبيه" المسمى بالتحفة فقال: ومن خطه نقلته: إن اعتبرنا القصد فشرعية وإلا فإرشادية هذه عبارته وحذف النووي من "الروضة" قول الرافعي شرعًا وكأنه ظن أنه لا فائدة له.
قوله من "زوائده": الراجح من حيث الدليل أن المشمس لا يكره مطلقًا، وهو مذهب أكثر العلماء.
وليس للكراهة دليل يعتمد. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن هذا الذي رجحه هنا قد صححه في "شرح الوسيط" المسمى بـ"التنقيح" فقال: إنه الصحيح المختار.
(1) أخرجه ابن ماجة (3443) والحاكم (8263) والطبراني في "الكبير"(7304) والمزني في "تهذيب الكمال"(16/ 442) قال في "الزوائد": إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: صحيح.
وقال الألباني: حسن.
وقال في "شرح المهذب": إنه الصواب. لكنه جزم في "المنهاج" بكراهته.
الأمر الثاني: أن ما أشار إليه من عدم ثبوت دليل للكراهة قد أوضحه في "شرح المهذب" فقال: حديث عائشة الذي استدلوا به ضعيف باتفاق المحدثين، ومنهم من يجعله موضوعًا، وأما ما رواه الشافعي في "الأم" بإسناده عن عمر أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس وقال: إنه يورث البرص (1)، فضعيف أيضًا باتفاق المحدثين، فإنه من رواية إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى، وقد اتفقوا على تضعيفه وجرحوه إلا الشافعي، فإنه وثقه ولم يثبت عن الأطباء فيه شيء، هذه عبارته.
وذكر نحوه في "الفتاوى" وغيره فقال: إن الحديث والأثر ضعيفان جدًا.
وما ذكره في الحديث صحيح، وأما الأثر فلا، وما ذكره من الاتفاق على تضعيف إبراهيم المذكور ليس كذلك. فقد وثقه غير الشافعي جماعة منهم: ابن جريج وابن عدي صاحب "الكامل"، بل لو لم يوثقه إلا الشافعي لكان حجة علينا، ولا يضر الشافعي ومن تبعه تضعيف غيره إياه، وبالجملة فقد رواه الدارقطني بإسناد آخر صحيح، كما قاله المحب الطبري في "شرح التنبيه"، وحينئذ فتندفع هذه المقالات وتثبت الكراهة، كما قال بها إمامنا وبطل ما ادعاه في "الروضة" وغيرها، من عدم ثبوت دليل.
الأمر الثالث: قال في "شرح المهذب": ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود
(1) أخرجه الشافعي في "الأم" والبيهقي في "الكبري"(13) والدارقطني (1/ 39). قال الألباني: لا يصح.
فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريقوا ما استقوا، ويعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التى كانت تردها الناقة (1).
وفي رواية "البخاري"(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم: لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من مائها، ولا يستقوا منها، فقالوا: قد عجنا منها واستقينا.
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء، فيكون استعمال هذه الآبار المذكورة في طهارة وغيرها مكروهًا أو حرامًا، إلا لضرورة، لأن هذه سنة صحيحة لا معارض لها، ولا يحكم بنجاستها، لأن الحديث لم يتعرض للنجاسة، انتهى كلامه.
وعبر في "التحقيق" بقوله: يمنع من استعماله، وفي "الفتاوى" بقوله: منهي عنه.
وحينئذ فكان ذكره في "الروضة" لهذه المسألة أولى من المشمس.
وقد ذكر من زياداته كراهة شديد السخونة والبرودة.
وأهمل الرافعي في "الشرح الكبير" هذه الثلاث وذكر في "الشرح الصغير" المسألتين الأخيرتين.
قوله من زياداته: وتزول كراهة المشمس بتبريده على أصح الأوجه، وفي الثالث يراجع الأطباء. انتهى.
هذه المسألة ذكرها الرافعي في "الشرح الصغير" وقال: أظهر الوجهين بقاء الكراهة، على خلاف ما صححه النووي، ووجهه أن العلة هي انفصال شيء من أجزاء الإناء إلى الماء وتلك الأجزاء هي التي تورث
(1) أخرجه البخاري (3199) ومسلم (2981).
(2)
حديث (3198).
البرص، وهي باقية.
ووجه ما صححه النووي أن تأثيرها لذلك قد يكون شرطه حرارة الماء، لكونها تفتح المسام.
ولم يصحح شيئًا في "شرح المهذب"، وهو يورث ضعفًا في ما صححه في "الروضة" فإن النووي قد تبع فيه ما لم يتبع في غيره، فلو ظفر فيه لغيره لنقله.
قوله في المتغير بالطاهرات: ويكفي في سلب الطهورية تغير واحد من الأوصاف الثلاث، وفي قول لابد من اجتماعها.
ثم قال: وحكي الموفق ابن طاهر أن صاحب "جمع الجوامع"، حكي قولًا عن رواية الربيع أن التغير في اللون وحده، وفي الطعم والرائحة معًا يمنع الطهورية وفي أحدهما لا يمنع. انتهى كلامه بحروفه.
وهذا القول الثالث، قد تابعه على حكايته هكذا في "الروضة" وهو مشكل حصل في حكايته تحريف، فإن التغير بالطعم عند الأصحاب أفحش من التغير باللون أو التغير بالرائحة قطعًا.
ولهذا قالوا إذا بقي بعد غسل النجاسة طعمها ضر بخلاف اللون أو الرائحة.
والصواب في حكايته: ما حكاه الرافعي في "الشرح الصغير"، فإنه لما حكى هذه الأقوال الثلاث، عبر عن الثالث بقوله: وقيل الرائحة وحدها لا تؤثر وتغير غيرها يؤثر؛ هذا لفظه، وهو صحيح مناسب وهو يدل على ما قلناه من التحريف.
قوله: والتغير بالتراب المطروح فيه قصدًا فيه وجهان، وقيل قولان:
أحدهما: أنه ليس بطهور لأنه تغير بمخالطة مستغني عنه.
والثاني: وهو الأظهر أنه على طهوريته، لأن التراب يوافق الماء في الطهورية، ونص الأصحاب على أن هذا الخلاف لا يجري فى الجص والنورة، وغيرهما واستبعدوا خلاف من خالف فيه. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي قد صحح أيضًا في "الشرح الصغير" أن الخلاف في التراب وجهان، وجزم في "المحرر" بأن الخلاف قولان، ووقع هذا الإختلاف أيضًا بين "الروضة" و"المنهاج" مع اختلاف آخر بينهما، وذلك أن النووي عبر في "المنهاج" بالأظهر، وقال في "الروضة": وأما المتغير بالتراب المطروح قصدًا فطهور على الصحيح، وقيل على المشهور.
وقد اصطلح في "المنهاج" و"الروضة" على أن الأظهر والأصح من الخلاف القوي، والصحيح والمشهور: من الخلاف الضعيف، فيكون الخلاف ضعيفًا على ما قال في "الروضة" وقويًا على ما قال في "المنهاج".
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" قد ذكر في غير التراب نحو ما ذكره الرافعي فقال: وفي الجَصّ والنورة وغيرهما من أجزاء الأرض وجه شاذ أنها لا تضر. هذا لفظه.
مع أن الشافعي قد نص على ما جعله وجهًا ضعيفًا.
كذا نقله البغوي في "التهذيب" عن رواية "حرملة".
الأمر الثالث: أن محل هذا الخلاف في النورة ونحوها إذا لم تطبخ فإن طبخت ففي "الكفاية" وغيرها أنه يسلب الطهورية بلا خلاف.
الأمر الرابع: أن ذكر القصد بعد التعبير بالمطروح لم يتحرر المراد بما احترز به عنه، إلا أن يقال: احترز به، عما إذا قصد طرح التراب إلى جانب الماء فسقط فيه وعما يطرحه الصبي والمجنون، وفيهما نظر والمتجه
أن ذلك يضر وبه جزم في "الإقليد" فالصواب حذف هذا القيد، وقد حذفه في "المحرر" و"المنهاج".
قوله: والمتغير بالملح المطروح فيه أوجه:
أصحها: يسلب الجبلي منه دون المائي.
والثاني: يسلبان.
والثالث: لا يسلبان. انتهى.
وتقييد هذه الأوجه في الملح بكونه مطروحًا ذكره الغزالي فتبعه الرافعي هنا وفي "الشرح الصغير" أيضًا، وهو يقتضي أنه إذا وقع من غير طرح، لا يضر مطلقًا كما في نظيره من التراب، وحذف النووي هذا القيد من "الروضة" ولم يذكره أيضًا في "شرح المهذب" ولا في "التحقيق"، وحذفه أيضًا صاحب "الحاوي الصغير" واعترض الشارحون عليه، والمتجه: عدم اعتباره، بخلاف التراب لأن حمل التراب بإثارة الريح كثير فيعفى عنه بخلاف الملح.
قوله: الثاني الأوراق إذا تناثرت في الماء وتروح بها، فإن لم يعرض لها عفونة، واختلاط فهذا ماء متغير بشيء مجاور فيبقى على طهوريته في أظهر القولين كما سبق. انتهى.
وهذا التخريج الذي ذكره، قد تبعه عليه في "الروضة"، وهو خطأ حصل من غفلة؛ فإن المتغير بمجاورة ما لا يستغنى عنه الماء باق على طهوريته، كما جزم به الرافعي، وقد تعجب أيضًا منه ابن الرفعة في "المطلب".
قوله: قال: وإن تعفنت واختلطت به ففيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنها لا تسلب الطهورية لعسر الإحتراز.
والثاني: تسلب كسائر الغيرات.
والثالث: لا يسلب الخريفي لغلبة التناثر فيه، ولأنها قد امتصت الأشجار رطوبتها ثم قال: فلو طرحت قصدًا فطريقان:
أحدهما: القطع بسلب الطهورية للاستغناء عنه.
والثاني: طرد الخلاف. انتهى كلامه.
والصحيح طريقة القطع، فقد صححها الرافعي في "الشرح الصغير"، وبه أجاب في "الحاوي الصغير"، وصححه أيضًا النووي في كتبه ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زوائده بل أدخله في كلام الرافعي، فتفطن له.
وقال في "الكفاية": إنه المشهور قال: سواء طرحه صحيحًا أو مدقوقًا وفي "الشرح الصغير" في أصل المسألة وجه رابع مفصل، بين أن يكون الشجر على شاطيء الماء أو بعيدًا.
قوله: الثالث: إذا اختلط بالماء مائع يوافق الماء في الصفات، كماء الورد المنقطع الرائحة، وماء الشجر، والماء المستعمل ففيه وجهان:
أحدهما: إن كان الخليط أقل من الماء فهو طهور وإن كان أكثر أو مثله قولان، وأظهرهما: إن كان الخليط قدرًا لو خالف الماء في طعم أو لون أو رائحة لتغير الماء، فهو مسلوب الطهورية وإن كان لا يؤثر مع المخالفة فلا.
ثم قال في آخر المسألة في الكلام على ألفاظ "الوجيز": وقوله في أول هذا الفرع: إذا صب مائع على ماء قليل ينبغي أن يعرف أن الصب لا أثر له.
ثم قال: وكذلك التعرض للقليل ليس للتقييد، بل القليل والكثير في هذا الحكم سواء، ولو حذف لفظ القليل لم يضر. هذا لفظه.
وما ذكره من كونه لا فرق بين القليل والكثير غلط، بل الصواب اختصاصه بالقليل، كما صور الغزالي، وذلك لأن المستعمل من جملة ما ذكره وقد صحح الرافعي في أوائل هذا الباب أن المستعمل إذا جمع قلتين يعود طهورًا.
وصحح أيضًا في الباب الذي بعد هذا أنه إذا صب على الماء النجس ماء مستعملًا حتى بلغ قلتين يعود طهورًا أيضًا.
وإذا عرفت ما قاله في هذين الفرعين ظهر لك فساد ما ادعاه من عدم التقييد، فإنه يلزم من كونه يقدر مخالفًا عند اتصاله بالماء الكثير، أن يكون كالخل وغيره من المائعات، وحينئذ فلا فائدة في بلوغه قلتين، وكيف يتخيل متخيل أن المستعمل إذا خلط بماء كثير طهور يسلبه الطهورية، وإذا خلط بمثله، أو بماء نجس حتى بلغ قلتين يجعله طهورًا؟ ووقع هذا الكلام العجيب أيضًا في "الروضة" و"شرح المهذب" و"التحقيق"، ولو فرعوا حكم هذه المسألة وهو جعله كالمائع على القول بأنه إذا خلط بماء مستعمل أو نجس لا يعود طهورًا لكان يستقيم، ووراء ما ذكره الرافعي وجوه غريبه:
أحدهما: ما اختاره القفال في "فتاويه" أن المضر من ذلك هو الكثير، وتعرف الكثرة بالعادة.
الثاني: إن كان هو الثلث فصاعدًا فهو كثير مضر، وإن كان دونه فلا، وهذا الذي نقله في "الفتاوي" المذكورة عن أبي يعقوب الأبيوردي.
والثالث: إن بلغ الخليط ثلاثة أضعاف الماء منع؛ وإلا فلا؛ حكاه المصعني بالصاد والعين المهملتين في "نهاية المستفيد في احترازات المهذب".
والرابع: إن بلغ سبعة أضعافه فيمنع، وإلا فلا، حكاه هو وما قبله المحب الطبري شيخ الحجاز في شرحه "للتنبيه"، وفي "التهذيب"
وغيره طريقة قاطعة باختصاص الخلاف بالماء المستعمل أما غيره فيعتبر فيه تقدير المخالفة جزمًا لأن المتوضئ لا يمكنه الاحتراز عن أن يقع في الإناء شيء مما ينفصل عن أعضائه.
قوله: في المسألة: وحيث قلنا ببقاء الطهورية فله استعمال الجميع لاستهلاكه، وقيل: لابد أن يبقى قدر الخليط كما لو حلف لا يأكل ثمرة فاختطلت بثمر.
وأطبقوا على ضعف هذا الوجه، وقيل إن كان الماء وحده يكفي لواجب الطهارة فله استعمال الجميع وإلا فلا. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكر من الإطباق على التغليط لقائل هذا الوجه، ليس كذلك فقد صححه الشيخ أبو محمد الجويني والقاضي أبو الطيب الطبري، وقد نقله عنهما في "شرح المهذب"، ونقل الماوردي أن طائفة وافقته.
الأمر الثاني: أن محل الخلاف في التقنية إنما هو نقصان الوضوء الواحد، فلو كان معه ماء كاف لوضوءين إلا عضوًا، فكمله بمائع صحت صلاته بالوضوءين، والفرق بينه وبين ما إذا نقص عن الوضوء الواحد أنه تيقن استعمال مائع في طهارة معينة، وهنا تيقنه في إحدي طهارتين لا بعينها.
كذا ذكره الشيخ أبو محمد في كتابه "الفروق" ونقله عنه في "شرح المهذب" وارتضاه.
قوله: في أصل "الروضة": فإن جوزنا استعمال الجميع ومعه من الماء ما لا يكفيه وحده ولو كمله بمائع يستهلك فيه لكفاه لزمه ذلك، إلا أن تزيد قيمة المائع على ثمن ماء الطهارة. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن تقييد لزوم التكميل بما إذا كان يكفيه ليس بصحيح فإن الناقص عن الكفاية يجب استعماله.
الثاني: أن هذا الشرط المذكور وهو [أن لا تزيد القيمة ليس من كلام الرافعي فاعلمه.
الثالث: أن زيادة المائع] (1) إنما ينبغي اعتبارها بالنسبة إلى المعجوز عنه من ماء الطهارة، لا بالنسبة إلى ماء الطهارة جميعه، فإن ما عدا المعجوز عنه قد سقط الأمر بطلبه لتحصيله إياه.
وكلامه هنا يقتضي الثاني، وذكر مثله في "شرح المهذب" بعبارة هي أصرح من هذه وفي المسألة إشكال نذكره إن شاء الله تعالى في باب الإجتهاد، في الكلام على اشتباه الماء بماء الورد.
قوله من "زوائده" ولو تطهر بالماء الذي ينعقد منه الملح قبل أن يجمد، جاز على المذهب. انتهى.
محل هذا الخلاف كما نبه عليه جماعة منهم ابن الرفعة في "الكفاية"، ما إذا كان ينعقد بنفسه، فإن كان إنعقاده بسبب سبوخة في الأرض بعيد ما يصل إليها من الأمطار والأنهار، جاز قطعًا.
ويقال: جَمَد الماء -بالفتح- يجمُد -بالضم- وجمودًا إذا تَيبس.
قوله أيضا من "زياداته"، ولو أغلى الماء فارتفع من غليانه بخار تولد منه رشح فوجهان:
المختار منهما عند صاحب "البحر" أنه طهور. انتهى كلامه.
والأصح: أنه ليس بطهور على خلاف ما قاله صاحب "البحر"،
(1) سقط من جـ.
فإنه قد نقل فيه، أعني في "البحر" أن ظاهر لفظ الشافعي يقتضيه، وأيضًا فإن الرافعي في "شرحه الصغير" قد نقل عن الروياني ما تقدم، من كونه طهورًا ثم قال بعد نقله إياه: ونازعه عامة الأصحاب فقالوا: يسمى بخارًا ورشحًا ولا يسمي ماء على الإطلاق هذه عبارته.
وقد صحح النووي في "التحقيق" و"الفتاوى" و"شرح المهذب" ما قاله الروياني ذهولًا عما نقله الرافعي في "الشرح الصغير" من كونه شاذًا مخالفًا للمعروف في المذهب، وسبب ذلك أن النووي لم يأخذ من "الشرح الصغير" شيئًا، إما لعدم وقوعه له، أو لتوهمه أن كل ما فيه فهو في "الكبير"، ولم يقف على ترجيح لغيره فوقع فيما وقع، فاعلم ذلك واجتنبه.