الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة
باب
المواقيت
وفيه [ثلاثة](1) فصول:
الفصل الأول: في وقت الرفاهية
قوله: والأصل فيه ما رُوى عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمني جبريل عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس"، ويروى "حين كان الفئ مثل الشراك"(2) إلى آخر الحديث المعروف.
والشراك: بكسر الشين المعجمة هو أحد سيور النعل التي يكون على وجهها.
إذا علمت ذلك فقد اختلف كلام النووي في "شرح المهذب" في أن الصبر إلى مصير الفئ مثل الشراك هل هو شرط لصحة الظهر أم لا؟ فقال هنا ما نصه: وليس الشراك هنا للتحديد والاشتراط بل؛ لأن الزوال لا يتبين بأقل منه انتهى.
ومقتضى [هذا](3) أنه لابد من الصبر إلى هذا المقدار، وإن كان الزوال حقيقة لا يتوقف عليه ثم أعاد المسألة في الشرح المذكور بعد ذلك بنحو
(1) زيادة من جـ.
(2)
أخرجه أبو داود (393)، والترمذي (149)، وأحمد (3081)، وابن خزيمة (325)، والحاكم (693)، والدارقطنى (1/ 258)، والطبرانى فى "الكبير"(10752)، وأبو يعلى (2750)، وعبد الرزاق (2028)، وابن أبي شيبة (3220)، والبيهقى في "الكبرى"(1583)، وعبد بن حميد (703) وابن الجارود فى "المنتقي"(149) من حديث ابن عباس.
قال الترمذى: حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح.
وقال الألبانى: حسن صحيح.
(3)
سقط من أ، ب.
ورقة وجزم بأنه لا يجب الصير إليه، والحديث المذكور رواه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم، ولكن بعض ألفاظهم مخالفة للمذكور هنا، وروى الترمذي معناه عن جابر أيضًا ثم نقل عن البخاري أنه أصح شئ في المواقيت.
قوله: فأما إذا لم يبق للشاخص عند الاستواء ظل فالزوال بظهور الظل، ولا معنى للزيادة لكنه نادر لا يكون إلا في يوم واحد وهو أطول أيام السنة في بعض البلاد كمكة وصنعاء. انتهى.
وذكر جماعة منهم ابن الصباغ وابن الصلاح نقلًا عن أبي جعفر الراسبي صاحب "كتاب المواقيت" أن ذلك يكون يومين قيل: أطول يوم لستة وعشرين وبعده كذلك، وتوهم النووي في "شرح المهذب" أن المراد بالستة والعشرين المتقدمة وكذلك بالمتأخرة إنما هو نفي الظل عن جميعها فاعلم ذلك واجتنب ما وقع له.
قوله: فإذا صار ظل الشاخص مثله وجاوز ذلك بأقل زيادة فقد دخل وقت العصر، ولا خلاف في دخول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر عندنا لكن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف إلا بتلك الزيادة. انتهى ملخصًا.
تابعه النووي في "الروضة" على دعوى نفي الخلاف وليس كذلك فإن في الزيادة المذكورة ثلاثة أوجه حكاها صاحب "الذخائر" والنووي فى "شرح المهذب" وابن الرفعة في "الكفاية".
أحدها: هذا.
والثاني: أنها من وقت الظهر.
والثالث: أنها فاصلة بينهما.
قوله: وللعصر أربعة أوقات: وقت فضيلة: وهو أوله، ووقت اختيار: وهو إلي مصير الظل مثليه، ووقت جواز بلا كراهة: وهو من مصير الظل مثليه إلى الأصفر، ووقت كراهة: أى يكره التأخير إليه وهو من الاصفرار
إلى الغروب. انتهى.
أهمل خامسًا وهو وقت تحريم، أى يحرم التأخير إليه وهو أن يبقى ما لا يسع الصلاة، فإن الصحيح تحريمه، وإن جعلنا الصلاة فيه أداء وهو يطرد في سائر الأوقات.
قوله: لا خلاف في أن وقت المغرب يدخل بغروب الشمس. انتهى.
وما ادعاه من عدم الخلاف قد تابعه عليه في "الروضة"، وليس كذلك فقد جزم الماوردي في "الحاوى" بأنه لابد من غيوب الضوء المستعلى فقال ما نصه: أول وقت المغرب غروب الشمس وهو أن يسقط القرص ويغيب حاجب الشمس وهو الضوء المستعلي عليها كالمتصل بها هذا لفظه،
ويشهد له وما رواه أبو داود عن سلمة بن الأكوع قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها (1). وفي الصحيحين (2) أيضًا نحوه.
قوله: وهو ظاهر في الصحاري وأما غيرها فالاعتبار بألا يري شئ من شعاع الشمس على أطراف الجدران وقلل الجبال انتهى.
قال الجوهري: القلة أعلى الجبل وقلة كل شئ أعلاه ورأس الإنسان قلته، وأنشد سيبويه عجائب تبدي الشيب في قلة الطفل.
قوله: وإلى متى يمتد وقت المغرب؟ فيه قولان: القديم أنه يمتد إلى غيبوبة الشفق لما روى عن بريدة أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال: صلى معنا هذين يعني اليومين إلى أن قال: وصلى المغرب في اليوم الثاني قبل أن يغيب الشفق (3).
(1) أخرجه أبو داود (417)، وأحمد (16580)، والدارمى (1209) وعبد بن حميد (386) من حديث سلمة بن الأكوع.
(2)
أخرجه البخارى (536)، ومسلم (636).
(3)
أخرجه مسلم (613).
وفي الصحيح: وقت صلاة المغرب ما لم يسقط الشفق (1).
وفي الجديد: إذا مضى قدر وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات فقد انقضى الوقت لأن جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في وقت واحد، ولو كان لها وقتان لبين كما في سائر الصلوات.
ثم معلوم: أن ما لابد منه من شرائط الصلاة لا يجب تقديمه على الوقت فيحتمل التأخير بعد الغروب قدر ما يشتغل بها. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنا كما اعتبرنا زمنًا يسع الطهارة الصغرى لعدم وجوبها قبل الوقت فكذلك الطهارة الكبرى لابد من اعتبار زمن يسعها سواء كان جنبًا أم لا، فينبغي أن نقول: إذا مضى قدر وضوء وغسل ولا يقتصر علي الوضوء ولا على الغسل أيضًا، وإن كان يتدرج فيه الوضوء لأنه يستحب له أن يأتي به مع الغسل مطلقًا وفي اعتبار زمن للطهارة عن النجس يجب، فإنه لا يجب إزالته قبل الوقت إذا لم يعص بإصابته بأن تلطخ به لكنه لا ينضبط مقداره، وقد عبر في النهاية بقوله: ويعتبر زمن الطهارة وكذلك في "شرح المهذب" أيضًا وهي شاملة لجميع ما ذكرته، وللتيمم أيضًا فإن الزمن المصروف له مع الطلب أكثر وبتقدير اعتبار الطهارة عنها أعني النجاسة فالقياس اعتبار الزمن المصروف للنجاسة المغلطة لأنها قد تصيبه، وتعليل الرافعي بدل للجميع.
الأمر الثاني: أن تعبيره بستر العورة قد ذكره في بقية كتبه وتابعه عليه أيضًا النووي وهو تعبير مردود مخالف لما ذكروه من استحباب التعميم والتقمص والارتداء ونحوها، وقد رأيت في "الإقناع" للماوردي و"المجرد" لسليم الرازي و"المقصود" لنصر المقدسي اعتبار مقدار لبس الثياب ولم يخصوه بستر العورة وهو حسن.
(1) أخرجه مسلم (612) من حديث عبد الله بن عمرو.
الأمر الثالث: أن مقتضى إطلاقه أنه لا فرق في اعتبار الأذان والإقامة بين الرجل والخنثى والمرأة وهو ظاهر فإنا إذا لم تستحب للمرأة والخنثى الأذان فإنا نستحب لها الإجابة.
الأمر الرابع: وهو مبني على مقدمة، وهي: أن الركعات الخمس المعتبرة في وقت المغرب منها ثلاث للفرض، قال الإمام في "النهاية" والغزالي في "عقود المختصر": تعتبر فيها الفاتحة وقصار المفصل، وعبارة القاضي حسين: وسور قصار، وأما الركعتان الباقيتان، فهل هما سنة المغرب التي بعدها أو الركعتان المستحبتان قبلها عند بعضهم؟ فيه خلاف.
جزم الإمام في "النهاية" بالثاني وتبعه صاحب "التعجيز" في شرحه له، وجزم النووي في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح""وشرح المهذب" بالأول ذكر ذلك في أثناء الاستدلال علي اتساع، وقتها جزم به أيضًا الرافعي في "الشرح الصغير" فقال بعد اعتبار الخمس ما نصه: وللأصحاب وجه أنه تستحب ركعتان خفيفتان قبل المغرب فقياسه اعتبار سبع هذا لفظه وهو صريح فيما قلناه.
وقد صرح به أيضًا البغوي في "التهذيب" فقال: وهو أن يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم ويصلي خمس ركعات، وقيل: وقدر ركعتين بين الأذان والإقامة هذه عبارته.
إذا علمت هذا فقد جزم النووي في كتبه كلها باعتبار الخمس ولم يتعرض للسبع ثم صحح في كتبه أيضًا استحباب الركعتين قبلها استحبابها مع تصحيح الخمس لا يجتمعان.
الأمر الخامس: أن الاستدلال بحديث جبريل على تضييق وقت المغرب
مذكور في أكثر كتب الشافعية وهو عمدتهم فيما ذهبوا إليه، والاستدلال به غريب، فإنه ليس فيه دلالة البتة، بل وليس على محل النزاع، فإن النزاع إنما هو في الوقت الجائز لا في الوقت المختار، وجبريل عليه السلام إنما بين الوقت المختار ولم يبين الوقت الجائز، ولذلك قالوا: إن الصبح يشتمل على وقت اختيار وهو ما بينه جبريل ووقت جواز وهو ما عدا ذلك إلى الإسفار.
وذكروا أيضًا مثله فى "العصر وكذلك في العشاء وقالوا: إن وقت الظهر جميعه وقت اختيار؛ لأنه ليس فيه وقت خارج عما بينه، وإذا تقرر أن جبريل إنما بين الوقت المختار وسكت عن الوقت الجائز فيكون الوقت المختار للمغرب لا يمتد إلى غروب الشفق بل مضيقًا وهو المسمى بوقت الفضيلة ونحن نسلم ذلك، وأما الوقت الجائز وهو محل النزاع فليس فيه تعرض له.
وما ذكرناه من أن وقت الفضيلة هو وقت الاختيار في المغرب هو الصواب وحكى في "شرح المهذب" وجهًا أن وقت الاختيار يمتد إلى نصف الوقت، وجزم به ابن الرفعة في "الكفاية" ونقله عن الأصحاب ويدفعه ما نقله الترمذي عن العلماء كافةً من الصحابة فمن بعدهم من كراهة تأخير المغرب.
الأمر السادس: أن حديث بريدة الدال على اتساع وقت المغرب قد رواه مسلم في صحيحه، والحديث الذي بعده قد صرح الرافعي بأنه في الصحيح، وهو كذلك، فإن مسلمًا رواه أيضًا بألفاظ مختلفة، وأما حديث بيان جبريل فقد سبق.
قوله: والاعتبار في جميع ذلك بالوسط المعتدل. انتهى.
قال القفال: ويعتبر في حق كل إنسان الوسط من فعل نفسه لأنهم يختلفون في ذلك، فبعضهم خفيف الحركات والجسم والقراءة، وبعضهم عكسه والذي ذكره القفال حسن يصلح أن يكون شرحًا لكلام الرافعي فليحمل عليه واعلم أن المتجه اعتبار زمن الاجتهاد في القبلة، لأنها شرط من شروط الصلاة كالطهارة والستر وهل يعتبر مع ذلك مدة المعنى إلى الجماعة؟ فيه نظر.
وحكي النووي في "شرح المهذب" وجهًا ادعى أنه قوى وهو تقدير وقت المعرف بالعرق فمتى أخر عن المتعارف في العادة خرج الوقت.
قوله: ويحتمل أيضًا أكل لقم يكسر بها سؤرة الجوع. انتهى كلامه.
وذكر النووي أيضًا مثله في "الروضة" و"التحقيق" وقال في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح": الصحيح الصواب أن من حضره الطعام يأكل إلى أن يشبع لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يعجل حتى يفرغ"(1) رواه الشيخان من رواية ابن عمر، وذكر في "شرح المهذب" مثله واستدل بما أخرجه الشيخان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم"(2).
قوله: واختار طائفة من الأصحاب القديم ورجحوه وعندهم أن المسألة مما يفتي فيها على القديم. انتهى.
واعلم أن الشافعي في "الإملاء" قد علق القول بالإتساع على صحة
(1) أخرجه البخارى (642)، ومسلم (559).
(2)
أخرجه البخارى (641)، ومسلم (557).
الحديث كذا نقله عنه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" قال: وقد ثبت الحديث بل أحاديث فيكون قول الإتساع جديدًا، وذكر مثله النووي وصححه في أكثر كتبه فقال في "الروضة": إنه الصواب، وقال في "المنهاج" إنه الأظهر وقال في موضعين من "شرح المهذب": إنه الصحيح وعبر في "التصحيح" و"التحقيق" بالمختار.
قوله: وعلى هذا القول يعني الجديد لو شرع في المغرب في الوقت المضبوط فهل يجوز أن يستديم صلاته إلى أن ينقضي هذا الوقت، إن قلنا إن الصلاة التي وقع بعضها في الوقت وبعضها بعده أداء، وإنه يجوز تأخيرها إلى أن يخرج عن الوقت بعضها فله ذلك لا محالة.
وإن قلنا: لا يجوز ذلك في سائر الصلوات ففي المغرب وجهان أحدهما: المنع، وأصحهما أنه يجوز مدها إلى غروب الشفق لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الأعراف في المغرب (1). انتهى كلامه.
وحاصله أنه إذا مد غير المغرب من الصلوات حتى خرج الوقت فينبغي على أن الصلاة إذا وقع بعضها في الوقت وبعضها بعده هل هي أداء أو قضاء؟
فإن قلنا: إنها قضاء أو بعضها فلا يجوز، وإن قلنا إنها أداء فينبني على أنه هل يجوز التأخير إلى ذلك الوقت أم لا؟ فإن جوزنا التأخير جوزنا المد وإلا فلا.
والصحيح عند الرافعي أن التأخير إلى إخراج بعضها لا يجوز.
وإن قلنا إنها أداء فيكون الصحيح المنع من مد الصلوات إلى خروج الوقت إلا المغرب فإنه يجوز مدها إلى مغيب الشفق.
إذا علمت حاصل ما ذكره هنا فقد ذكر بعد هذا في الباب أيضًا أنه إذا
(1) أخرجه البخارى (730) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.
شرع في الصلاة وقد بقى من الوقت ما يسعها فمدها بتطويل القراءة حتى خرج الوقت، فإنه لا يأثم ثم قال: وفي كراهته وجهان: أصحهما: أنه لا يكره أيضًا وسأذكر لفظه بعد هذا إن شاء الله تعالى مع أمور تتعلق، وأنه هل يشترط في جواز ذلك فعل ركعةٍ أم لا؟ والذي قاله هنا مع ذلك متباينان تباينًا فاحشًا فإنه قطع ثانيًا بجواز مد غير المغرب، وحاصل المذكور هنا منعه وقطع في المغرب بمنع مدها إلى ما بعد مغيب الشفق وتردد فيما قبل مغيبه مع أن مد المغرب إلى ما بعد الشفق هو نظير مد سائر الصلوات، فكيف يقطع بمنعه ويتردد فيما قبله؟ بل قد ذكر هنا أن المغرب أولى بالمد من سائر الصلوات، فإنه جوز مدها مع المنع في غيرها، وقد وقع الموضعان كذلك في "الروضة" و"شرح المهذب" و"التحقيق"، وذكر في الشرح الصغير الموضع الأول وهو المذكور في المغرب ولم يذكر الثاني وكذلك في المختصرات.
وحديث قراءة الأعراف في المغرب رواه البخاري عن زيد بن ثابت ولفظه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بطولى الطوليين قال ابن أبي مليكة طولى الطوليين الأعراف والمائدة، ورواه عنه أيضًا الحاكم في "المستدرك" (1) ولفظه "كان يقرأ في المغرب سورة الأعراف في الركعتين كلتيهما" ثم قال: إنه صحيح على شرط الشيخين.
قوله: وإلى متى يمتد وقت الاختيار في العشاء؟ فيه قولان:
أصحهما: إلى ثلث الليل لبيان جبريل عليه السلام، والثاني: إلى ما نصفه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت العشاء إلى نصف الليل"(2) انتهى كلامه.
وما ذكره من تصحيح القول الذاهب إلى الثلث قد صححه أيضًا النووي
(1) حديث (866).
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ.
في "الروضة" و"التحقيق" و"تصحيح التنبيه" وغيرها، وخالف في "شرح مسلم" فقال: الأصح أنه يبقى إلى نصف الليل ذكر ذلك في آخر باب أوقات الصلاة وهو بعد كتاب الصلاة بكراريس كثيرة.
ونقل في "شرح المهذب" تصحيح كل قول عن طائفة وطائفة النصف أكثر، نقل ذلك عن الشيخ أبي حامد والمحاملي وسليم الرازي والجرحاني والشيخ نصر المقدسي والروياني والزبيري ثم قال: المختار الثلث ثم صرح بتصحيحه فيه بعد ذلك أيضًا، وحديث جبريل سبق بيانه.
وأما الثاني فقال في "شرح المهذب": إنه بهذا اللفظ حديث منكر لا يعرف.
نعم: في الحديث "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه"(1) رواه الترمذي من حديث أبي هريرة ثم قال: إنه حسن صحيح، ويغني عن هذا كله ما رواه مسلم (2) عن عبد الله بن عمرو بن العاص من جملة حديث:"ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط".
قوله: وفيه وجه ذهب إليه الإصطخري، وأبو بكر الفارسي أنه إذا ذهب وقت الاختيار فقد ذهب وقت الجواز لظاهر حديث جبريل ولقوله صلى الله عليه وسلم:"وقت العشاء ما بينك وبين نصف الليل". انتهى.
وهذا الذي حكاه وجهًا قد نقله سليم الرازي قولًا للشافعي وأغرب من ذلك أنه جعله القول الجديد، وجعل القديم امتداده إلى طلوع الفجر كذا
(1) أخرجه الترمذي (167) من حديث أبى هريرة، وقال: حسن صحيح.
(2)
تقدم حديث (612).
رأيته في كتابيه "التقريب" و"المجرد"، وذكر الماوردي في "الحاوى" أيضًا أن الشافعي أشار إليه في موضع من "الأم"، وأما الفارسي فلم يجزم بل له في المسألة احتمالان كذا رأيته في شرح التلخيص للقفال، والحديثان سبق الكلام عليهما قبل هذه المسألة.
واعلم أنه قد ثبت في "صحيح مسلم"(1) عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال قلنا: يا رسول الله، ما لبثه في الأرض؟ قال:"أربعون يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال: "لا اقدروا له قدره" انتهى. وحينئذ فيستثني هذا اليوم مما ذكر في المواقيت جميعها فإنه سيحتاج إليه.
قوله: ثم في الوقت الذي يجوز فيه تقديم أذان الصبح عليه وجوه أظهرها: أنه يقدم في الشتاء لسبع بقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع بقى من الليل، روى عن سعد القرظي قال: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشتاء لسبع بقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع (2).
والثاني: أنه يدخل بالنصف الثاني.
والثالث: بخروج وقت الاختيار.
والرابع: إذا بقى السبع صيفًا كان أو شتاء.
والخامس: أن جميع الليل وقت له كما أنه وقت لنية صوم الغد. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي قد ذكره في صلاة العيد ما يخالف المذكور هنا فذكر
(1) أخرجه مسلم (2937)، وأبو داود (4321)، وأحمد (17666).
(2)
قال النووى: وهذا الحديث مع ضعف إسناده محرف. "تلخيص الحبير"(1/ 179).
ما حاصله أنه يدخل بنصف الليل، وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى وصححه أيضًا النووي في كتبه كلها قال في "الروضة": واعتمد من رجح الأول حديثًا باطلًا محرفًا.
وذكر في أصل "المنهاج" ما يوافق هذا أيضًا فقال: وشرطه الوقت إلا الصبح فمن نصف الليل، وعبارة الرافعي في المحرر يجوز في آخر الليل وليس صريحًا في شيء إلا أن الصحيح في كتاب الطلاق من "المحرر" و"الروضة" وغيرها أن آخر الشهر واليوم عبارة عن الجزء الأخير منه على الصحيح، وقيل يدخل بأول النصف الثاني. وما رجحوه هناك يشعر بعدم مطابقة المنهاج والمحرر.
الأمر الثاني: أن الموجود في نسخ الرافعي تبعًا "للوسيط" سعد القرظي على نسبته إلى بني قريظة قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" وفي غيره: إنه خطأ فاحش بلا شك قال: وإنما هو سعد القرظي بإضافته إلى القرظ وهو الذي يدبغ به، وأضيف إليه لأنه كان ملازمًا للتجارة فيه وهو من موالي عمار بن ياسر كان مؤذنًا للنبي صلى الله عليه وسلم في قباء، فلما ولى أبو بكر رضي الله عنه الخلاقة وترك بلال الأذان نقله أبو بكر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤذن فيه، فلم يزل يؤذن حتى مات في أيام الحجاج وتوارثت بنوه الأذان.
وقيل: الذي نقله عمر بن الخطاب، وهذا الحديث المروي عنه رواه الشافعي في القديم بإسناد ضعيف كما قاله في "شرح المهذب"، وإنما ادعى في "الروضة" تحريفه، لأن فيه في الشتاء السبع ونصف يبقى وفي الصيف لسبع وليس مطابقًا لما قالوه.
ونقل صاحب "التعجيز" في شرحه عن الماوردي القول بمقتضاه في الشتاء وهو غلط فإن الذي فيه الجزم بما صححه النووي.
واعلم أن هذا الفرع قد نقله النووي في الروضة من هذا الباب إلى الأذان واعتذر عن نقله بكونه مناسبًا.
قوله من "زياداته": ويكره أن يقال للعشاء عتمة. انتهى.
وما جزم به من الكراهة هنا قد جزم به أيضًا في "المنهاج" من "زوائده" وكذلك في "التحقيق" و"مهمات الأحكام" ثم ذكر عكس ذلك في "شرح المهذب" فقال نص الشافعي في "الأم": على أنه يستحب ألا تسمى بذلك وذهب إليه المحققون من أصحابنا، وقالت طائفة قليلة يكره هذا كلامه وقد ظهر لك منه أن الفتوى على عدم الكراهة.
قوله أيضًا من "زياداته": ويكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها لغير عذرٍ إلا في خير. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن هذه الكراهة تعم سائر الأوقات ولا تخض العشاء كذا قاله ابن الصلاح وهو متجه.
الثاني: أن سيأتي كلامهم يشعر بتصوير المسألة بما بعد دخول الوقت ولكن يحتمل القول بالكراهة قبل دخول وقت العشاء، وإن كان بعد فعل المغرب لخوف فوات الوقت وإن كان غير مخاطب بها.
الأمر الثالث: اختلفوا في كراهة الحديث بعدها فعلله في "شرح المهذب" بأن نومه يتأخر فيخاف مع ذلك أن يفوته الصبح عن وقتها أو عن أوله أو يفوته صلاة الليل إن كان ممن يعتادها، وعلله غيره بوقوع الصلاة التي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله وربما في مات نومه، وعلله القرطبي في
"شرح مسلم" بأن الله تعالى قد جعل الليل سكنًا وهذا تخريجه عن ذلك.
الأمر الرابع: أن إطلاق الرافعي كراهة الحديث بعدها يدخل فيه ما إذا قدم المسافر العشاء وجمعها في وقت المغرب والمتجه خلافه، وقد يبني على المعاني السابقة، فإن قلنا بعدم الكراهة فهل يكره بدخول الوقت أو بمضى وقت الفراغ منها غالبًا؟ فيه نظر يأتي مثله في الأوقات المكروهة.
الأمر الخامس: أن إطلاقه أيضًا يقتضي الكراهة سواء صلى السنة أم لا وقد يبني أيضًا على المعاني المذكورة، فإن قيل: التعليل بخشية التفويت يقتضي كراهة الحديث قبل فعلها أيضًا فالجواب: أن إباحة الكلام قبل الصلاة تنتهي بالأمر بإيقاع الصلاة في وقت الاختيار وأما بعد الصلاة فلا ضابط له فيكون خشية التفويت فيه أكثر.
قوله في "الزيادات" أيضًا: واختلف العلماء في الصلاة الوسطى فنص الشافعي والأصحاب إنها الصبح، وقال الماوردي: صحت الأحاديث أنها العصر ومذهبه اتباع الحديث.
ذكر مثله في "التحقيق" و"شرح المهذب" أيضًا وقال في "شرح مسلم": الأصح: أنها العصر كما قاله الماوردي.
قوله: قاعدة الصلاة تجب بأول الوقت وجوبًا موسعًا فلو أخر من غير عذر ومات في أثناء الوقت قبل الفعل لم يعص في أصح الوجهين بخلاف الحج، لأن آخر وقته غير معلوم فأبيح له التأخير بشرط أن يبادر الموت وإذا مات قبل الفعل أشعر الحال بتقصيره، وفي الصلاة آخر الوقت معلوم. انتهى كلامه.
ذكر نحوه النووي في كتبه وهذا الفرق هو معنى قول الأصحاب يجوز التأخير بشرط سلامة العاقبة.
ففيه أمور:
أحدها: أن التأخير في هذا وفي كل واجب موسع إنما يجوز بشرط العزم على الفعل كذا صححه النووي في التحقيق و"شرح المهذب" الثانى: أن هذا الخلاف لا يتصور [جريانه في المواضع التي يستحب فيها التأخير كالإبراد ونحوه [كالجمع](1) للمسافر في وقت الأولى سواء مات في وقتها أو وقت الثانية وسيأتي في الحج كلام آخر متعلق بمسألتنا.
الثالث: أن ما جزم به ههنا من كون الجواز مشروطا بسلامة العاقبة قد أنكره في آخر كتاب الوديعة إنكارًا شديدًا وسأذكر لفظه هناك إن شاء الله تعالى فراجعه.
قوله: وهل يجوز تأخير الصلاة إلى حين يخرج بعضها عن الوقت؟ إن قلنا: إنها أو بعضها قضاء فلا.
وإن قلنا: إنها مؤداة فقد حكى إمام الحرمين عن أبيه ترديد الجواب في ذلك، ومال إلى أنه لا يجوز وهذا هو الذي أورده في "التهذيب" من غير تردد وبناءٍ على خلاف. انتهى كلامه.
وهذه المسألة لم يمعن الرافعي النظر فيها فإنه لم ينقلها إلا عن الإمام البغوي، والمسألة مشهورة في المذهب قديمًا والجواز فيها أشهر فقد رأيت في "الغنية" لابن سريج أنه يجوز ورأيت في شرحها لبعض تلامذة القفال نقلًا عن شيخه ذلك من غير مخالفة له، ونقله الماوردي عن ابن سريج وابن خيران، ونقله في "شرح المهذب" عن البندنيجي ونقله ابن الرفعة عن الماوردي والعراقيين ورأيت في "الإفصاح" لأبي علي الطبري أنه ظاهر نص الشافعى، قال: وهو الأشبه، وصحح الرافعي في "الشرح الصغير"
(1) سقط من جـ.
والنووي في "أصل الروضة" المنع استنادًا لما في "الكبير" من النقل عن هذين، وقد ذكر الرافعي فرعين يشكلان على المنع ويوافقان الذاهب إلى الجواز:
أحدهما: في أخر صفة الصلاة،
والثاني: في صلاة المسافر في الكلام على جمع التأخير، وستعرفهما في موضعهما إن شاء الله تعالى.
قوله: ولو شرع فيها وبقى من الوقت ما يسع الجميع لكن مدها بطول القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم ولا يكره له أيضًا في أظهر الوجهين. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي قد ذكر في الكلام على المغرب ما يخالفه المذكور هنا، وقد سبق إيضاحه فراجعه.
الثاني: أن الرافعي وغيره قد أطلقوا هذه المسألة ولم يقيدوها بما إذا صلى ركعة في الوقت، فهل الإطلاق محمول على هذا التقييد لأنهم قد قرروا أن الصلاة لا تكون أداءًا إلا بفعل ركعة في الوقت أو الحكم كما أطلقوه؛ لأن الحمل الذي جعلوها فيه قضاء بفعل ما دون الركعة إنما هو عند ضيق الوقت، وأما مسألتنا فالوقت يسعها فقد يقال بجوازه كما جوزنا إخراج بعضها ههنا لأجل عدم التقصير وإن لم نجوز التأخير حتى يضيق الوقت والمتجه الأول وهو اشتراط الركعة.
الثالث: أنا وإن قلنا: إن التطويل إلى خروج الوقت لا يكره فهو خلاف الأولى كذا قاله في "شرح المهذب" وغيره.
الرابع: أن بعض الأصحاب قد ذهب إلى تحريم ذلك وقد ذكره النووي في "الروضة" مستدركًا به على الرافعي في زعمه بأنه لما اختصر كلام الرافعي لم يطلع على الخلاف فتوهم إن المسألة مقطوع بها فصرح بذلك فقال: لم يأثم قطعا هذا لفظه ثم ظفر بعد ذلك بالخلاف فالحقه مستدركًا به عليه من "زياداته" فتفطن لذلك واعلم بأنه من سوء تصرفه.
قال القاضي حسين: وهذا الخلاف مبني على أن هذه الأوقات وقت للدخول والخروج أو للدخول فقط، ورأيت في "المتعمد" شيئًا غريبًا وهو حكاية الخلاف في المد في استحبابه لا في جوازه ولا في كراهته.
ورأيت في "الإحياء" للغزالي طريقة غريبة عكس ذلك هي الجزم بأن مد الصلاة إلى ما بعد أول الوقت وهو وقت الفضيلة خلاف الأفضل.
قوله: والصلاة أول الوقت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها"(1) وبم تحصل فضيلة الأولوية؟ حكى الإمام فيه ثلاثة أوجه أقربها عنده أنها تحصل بأن يشتغل بأسباب الصلاة كالطهارة والأذان كما دخل الوقت فإنه لا يعد حينئذ متوانيًا ولا مقصرًا.
والثاني: يبقى وقت الفضيلة إلى نصف الوقت لأن معظم الوقت باق ما لم يحضر النصف وإلى هذا مال الشيخ أبو حامد واعتبر نصف وقت الاختيار.
والثالث: لا تحصل الفضيلة إلا إذا قدم ما يمكن تقديمه من الأسباب لتنطبق الصلاة على أول الوقت وعلى هذا قيل: لا ينال المتيمم فضيلة الأولية، وقال الشيخ أبو محمد: لابد من تقديم ستر العورة لأنه لا يختص بالصلاة. انتهى كلامه.
فيه أمور:
(1) أخرجه البخاري (2630)، ومسلم (85) بلفظ:"الصلاة لوقتها" من حديث ابن مسعود.
أحدهما: أن ما ذكره رحمه الله في المتيمم تفريعًا على الثالث غير منتظم؛ لأن الشرط في هذا الوجه على ما ذكره إنما هو تقديم ما يمكن تقديمه والتيمم لا يمكن تقديمه على الوقت فكيف يصح نفي الفضيلة معه تفريعًا على الوجه المذكور.
واعلم أن هذا الخلل إنما وقع من تعبير الرافعي فتابعه عليه في "الروضة" لا من الإمام، فإن الإمام إنما فرعه على اشتراط انطباق الصلاة بأول الوقت ولم يشترط فيه عدم إمكان التقديم فقال: واعلم أن قول هذا القائل لتنطبق الصلاة يظهر أن يكون المراد به الصلاة المأمور بها في ذلك الوقت فرضًا كانت أو سنة حتى لا يصير الاشتغال بالسنة الراتبة المتقدمة.
الثاني: أن المتيمم قد ينال الفضيلة وذلك إذا جوزنا صلاة الوقت بالتيمم للفائتة.
الثالث: أن ما ذكره الشيخ أبو محمد في تعليل ستر العورة لا يأتي في الحرة إلا فيما بين السرة والركبة خاصة؛ لأنه الذي يجب سترة منها في الخلوة كما سنوضحه في موضعه.
الرابع: أن هذا الوجه الذي رجحه الإمام قد رجحه الرافعي في الشرح الصغير وعبر بالأقرب كما عبر الإمام، وصححه النووي في "شرح المهذب" والتحقيق وفي أصل الروضة أيضًا.
الخامس: أن ما ذكره الرافعي من جواز تأخير الصلاة عن أول الوقت ليس على إطلاقه بل الأصح على ما قاله في "شرح المهذب": أنه يشترط فيه وفي كل واجب موسع أن يعزم على الفعل في أثناء الوقت.
السادس: أن الكاف في قول الرافعي: كما دخل الوقت بمعنى عند وهي عجمية، والحديث المذكور رواه [الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان
في صحيحهما وقال الحاكم] (1) والبيهقي في "الخلافيات": إنه على شرط الشيخين، ولفظ الصحيحين: الصلاة لوقتها.
قوله: أما الظهر فظاهر المذهب أنه يستحب فيها الإبراد، فإن شدة الحر من فيح جهنم، ومن الأصحاب من قال الإبراد رخصة فلو تحمل المشقة وصلى في أول الوقت فهو أفضل. انتهى.
تابعه في "الروضة" على حكاية الذهاب إلى الرخصة وجهًا وزاد عليه فقال: إنه شاذ، وليس كذلك فقد نص عليه الشافعي في "البويطي"، ونقل ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" أن الشيخ أبا علي السنجي قال: إنه الصحيح، والحديث المذكور رواه الشيخان من رواية أبي هريرة.
وفيح بفاء مفتوحة وياء ساكنة بنقطتين من تحت وبالحاء المهملة والمراد به هنا غليان جهنم وانتشار لهبها ووهجها نعوذ بالله تعالى منها.
ويفهم من كلام الرافعي أنه لا يستحب الإبراد بالأذان وقد نقله في المطلب عن بعضهم وأنه حمل حديث أبي ذر في تأخير الأذان على الإقامة، وسيأتي [ذكره](2).
قوله: والإبراد المحبوب أن يؤخر إقامة الجماعة عن أول الوقت في المسجد الذي يأتيه الناس من بعد ما يقع للحيطان ظل يمشي فيه الساعون إلى الجماعة فلو قربت منازلهم أو حضر جمع في مسجد لا يأتيهم غيرهم فلا إبراد أيضًا وفيه قول، ولو كان يمشي في ظل أو يصلي منفردًا في بيته فلا إبراد أيضًا وفيه وجه. انتهى.
ذكر في "الروضة" أيضًا وفيه أمور:
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من أ، ب.
أحدها: أن تعبيره بالمسجد جرى فيه على الغالب وإلا فالأوجه إلحاق المدارس والربط وسائر أمكنة الجماعة بذلك، ويدل عليه ما رواه البخارى عن أبي ذر أن مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤذن وكان في سفر فقال له: أبرد قال: حتى ساوى الظل التلول (1).
وفي "صحيح أبي عوانة": أن بلالًا أراد أن يؤذن. وفي آخر الحديث: ثم أمره وأقام، ونقل البيهقي عن رواية غندر أنه أمره بذلك بعد التأذين.
الأمر الثاني: إنه وقع في "المنهاج" حكاية الخلاف فيمن قربت منازلهم وفي جمع لا يأتيهم غيرهم وجهين والمعروف أنه قولان كما وقع هنا.
الثالث: إن تقييده بقوله لا يأتيهم غيرهم. يقتضي أن المقيمين في المسجد كالمقيمين الآن في المسجد الحرام بمكة والحاضرين فيه في أول الوقت اتفاقًا يستحب لهم الإبراد تبعًا لغيرهم وهو واضح لا شك فيه، وكلام الشافعي أيضًا يدل عليه، ويؤيده أن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد وكان يبرد بالناس وفيهم أهل الصفة المقيمون في المسجد.
نعم: سبق في التيمم أن المنفرد الراجي للجماعة في أثناء الوقت يستحب أن يصلي أيضًا منفردًا ثم يأتي بها مع الجماعة، وقياسه هنا كذلك إلا أن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأمر الرابع: لم يستثن المصنف من استحباب تعجيل الصلاة إلا ما تقدم مع أنه يستثني أيضًا المسافر فإنه يستحب له إذا كان سائرًا في وقت الأولى أن يؤخرها إلى وقت الثانية، وكذلك الواقف بعرفة فإنه يستحب له تأخير المغرب ليجمعها مع العشاء بمزدلفة وإن كان وقت وجوبها نازلًا، وكذلك المقيم بمنى للرمي يستحب له تأخير الظهر عنه كما تعرفه في الحج ومن يدافعه الحدث أو يحضره طعام يتوقف إليه وغيره مما يأتي في
(1) أخرجه البخاري (603).
الجماعة أو غيرها والمنفرد إذا تحقق الجماعة أو رجاها على ما سبق في التيمم.
[قوله: في "الروضة" ويختص استحباب الإبراد بالبلاد الحارة على الأصح المنصوص. انتهى.
واعلم أن مقابل الأصح أنه يتعدى إلى المعتدلة خاصة لا إليها وإلى الباردة هذا هو الذي اقتضاه كلام الرافعي فاعلمه] (1).
قوله: وأما الصبح فيستحب فيها التعجيل أيضًا لما روى عن عائشة قالت: كان النساء ينصرفن من صلاة الصبح مع رسول صلى الله عليه وسلم وهن متعلقات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (2). انتهى.
يقال: لفع رأسه تلفيعًا أى غطاه وتلفعت المرأة بمرطها أى تلفحت به، واللفاع: ما يتلفع به، قاله الجوهري.
قال: والمرط بكسر الميم واحد المروط وهي أكسية من صوف أو خز والحديث المذكور رواه الشيخان.
قوله: ولو أخبر عدل عن دخول الوقت بالمشاهدة اعتمد البصير والأعمى، فإن أخبر عن اجتهاد لم يقلده البصير والقادر على الاجتهاد، ويجوز للأعمى تقليده في أصح الوجهين وحينئذ فيخير بينه وبين الاجتهاد.
والمؤذن العالم بالمواقيت في الصحو كالمخبر عن مشاهدة وفي القيم كالمجتهد فلا يقلده البصير وفي الأعمى الوجهان، وحكى في "التهذيب" وجهين في تقليد المؤذن من غير فرق بين الأعمى والبصير وقال: الأصح الجواز واحتج عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤذنون أمناء الناس على صلواتهم"؛ ويحكى أن ابن سريج ذهب إليه، والتفضيل المتقدم أقرب وهو اختيار
(1) سقط من جـ.
(2)
أخرجه البخاري (553)، ومسلم (645).
الروياني وغيره. انتهى ملخصًا.
واعلم أن الشافعي رحمه الله قد نص على المسألة وأجاب بالجواز مطلقًا والغريب أن صاحب "التهذيب" قد ذكره من جملة ما ذكر ونقله عنه النووي في "الروضة" وغيره فقال: قلت: الأصح ما صححه صاحب التهذيب، وقد نقله عن نص الشافعي رضي الله عنه وبه قال الشيخ أبو حامد وصححه البندنيجي وصاحب "العدة" وغيرهم والله أعلم.
والحديث المذكور رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف.
قوله: وإذا لزم الاجتهاد وصلى من غير اجتهاد لزمه الإعادة وإن وقعت صلاته في الوقت. انتهى كلامه.
ومقتضاه أنه لا فرق في وجوب الإعادة بين أن يظن دخول الوقت أم لا وهو كذلك كما نقله النووي في "شرح المهذب" عن "التتمة" وأقره وما جزم به الرافعي من وجوب الإعادة قد ادعى في "شرح المهذب" أنه لا خلاف فيه وليس كذلك فقد حكي العبادي في "الطبقات" عن أبي سهل الصعلوكي أنه لا تجب.
قوله من "زياداته": ولو علم المنجم دخول الوقت بالحساب، حكى صاحب "البيان" أن المذهب: أنه يعمل به بنفسه ولا يعمل به غيره. انتهى.
ذكر مثله أيضًا في "شرح المهذب" وفيه أمران:
أحدهما: أن الصحيح ما قاله صاحب "البيان" كذا صححه في التحقيق أعني النووي وعبر بالمذهب أيضًا.
الأمر الثاني: إذا علم المنجم أو الحاسب دخول رمضان فالصحيح أنه يجوز له العمل به دون غيره ولكن لا يجب عليه أيضًا، كذا صححه
النووي في "شرح المهذب" ولم يصحح الرافعي شيئًا، وحينئذ فالقياس أن يكون هذا التفضيل المذكور هنا إنما هو أيضًا في الجواز فقط لا في الوجوب حتى لو فرضنا ذلك في المغرب مثلا لم يلزمه المبادرة، ولو فرضناه في الصبح جاز له أن يصليها ولا يمتنع عليه الطعام لو كان صائما؛ لأنه لا يلزمه الأخذ فاعلم ذلك على ما فيه من الإشكال وستكون لنا عودة في الصوم إلى المسألة. إن شاء الله تعالى.