الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السادس في الاستنجاء
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: في آداب قضاء الحاجة
قوله في أصل "الروضة": ومنها ألا يستقبل الشمس ولا القمر بفرجه لا في الصحراء ولا في البنيان وهو نهى تنزيه قال جماعة ويتجنب الاستدبار أيضًا، والجمهور اقتصروا على النهي عن الاستقبال. انتهى كلامه.
وفيه أمران:
أحدهما: أن تعبيره يقتضي أن الصحيح عند الرافعي أنه لا يتجنب الاستدبار وليس كذلك بل حاصل ما في الرافعي الجزم بالنهي عنه أيضًا فإنه نقل عن الغزالي أن كلامه يقتضي أن الصحيح عند الرافعي لا يتجنب ذلك ثم قال ما نصه وأكثر الكتب ساكتة عن استدبارهما وإن كان المنع من استقبالهما مشهورًا لكنه صحيح حكاه في "البيان" عن الصيمري ورأيته في "الشافي" لأبي العباس الجرجاني وفي الخبر ما يدل عليه هذا لفظه.
فانظر كيف نقله واستدل عليه ولم ينقل خلافه، وزاد على ذلك فقال: إن القول به صحيح وجزم به أيضًا الرافعي في كتابه المسمى "بالتذنيب" وزاد على ذلك فصرح بكراهته وبكراهة الاستقبال أيضًا ذكر ذلك في أواخر الكتاب في أوائل الفصل السابع، ووافقه عليه النووي في "مختصره" أعني "مختصر التذنيب" ولم يخالفه كما خالفه في غيره، غير أن النووي قد صرح في أكثر كتبه بما يقتضيه كلام "الروضة" من عدم الكراهة فقال في "شرح المهذب": الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور أنه لا يكره، وقال
في نكت "التنبيه": إنه المذهب. وقول الجمهور: والصواب وكأنه في هذه الكتب اعتمد على ما في "الروضة" نقلًا عن الرافعي وقد علمت ما فيه.
الأمر الثاني: أن ما نقله في "الروضة" عن الجمهور من تنصيصهم على النهي عن الاستقبال قد نقل عنهم عكسه في كتبه المبسوطة فقال في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح": لم يذكر الشافعي والأكثرون أن قاضي الحاجة يترك استقبال الشمس والقمر فالمختار أنه مباح تركه وفعله سواء انتهى.
وذكر نحوه في "شرح المهذب" وقال في "التحقيق": إن الكراهة لا أصل لها وهذا كله يدل على أن ما نقله في الروضة عن الجمهور من التصريح به ليس كذلك ولم يصرح به الرافعي كما تقدم، وإنما هو من فهم النووي وحينئذ فيكون الصواب عدم اجتناب الأمرين على خلاف ما في "الروضة" وأكثر المختصرات فاعلمه.
قوله: [الثالث إن كان في بناء](1) أو بين يديه ساتر فالأدب ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وإن كان في الصحراء ولم يستتر بشئ حرم عليه استقبال القبلة واستدبارها ولا يحرم ذلك في البناء. انتهى كلامه بحروفه.
وهو صريح في أنه لا يحرم الاستقبال ولا الاستدبار، إذا كان في البنيان وإن لم يستتر بشيء وأما في الصحراء فيفصل فيها بين وجود السترة وعدمها وحينئذ فيكون الجواز متعلقًا بالمفهوم من اسم البنيان والتحريم متعلقا باسم الصحراء بشرطه.
إذا علمت ذلك ففيه أمور:
أحدها: أن النووي في "الروضة" قد تابع الرافعي على ذلك وهو المفهوم من كلامه في "المنهاج" وغيره، ثم صرح في أكثر كتبه بما يخالفه
(1) سقط من أ.
فقال في "شرح المهذب" الصحيح أنه إن كان بين يديه ساتر فيرتفع ثلثي ذراع وقرب منه على ثلاثة أذرع جاز استقبال القبلة، سواء أكان في الصحراء أم في البنيان ومن أصحابنا من اعتبر الصحراء والبنيان فأباح في البنيان مطلقًا وحرم في الصحراء مطلقا. انتهى.
وذكر في "شرح مسلم" كما في "شرح المهذب" وقاله: إنه الصحيح المشهور عند أصحابنا، وذكر نحو ذلك أيضًا في "التحقيق" وفي "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح".
الثاني: أنه إذا جلس في بيت مهيأ لذلك فلا يشترط الساتر المذكور صرح به النووي في "شرحى الهذب" و"مسلم" وغيرها.
الثالث: لم يصرح الرافعي بكون الاستقبال والاستدبار في البنيان مكروها أم لا، فإنه عبر بقوله: فالأدب وكذلك النووي في "الروضة"، وقد صرح أعني الرافعي بحكمه في كتابه المسمى بـ "التذنيب" وجزم فيه بكراهة الأمرين ذكر ذلك في أواخر الكتاب في أوائل الفصل السابع، ونقله النووي في "شرح المهذب" عن المتولي فقط ثم قال: ولم يتعرض الجمهور للكراهة التي ذكرها المتولي والمختار عدمها انتهى.
والذي قاله النووي هو الظاهر نقلًا ودليلًا.
الرابع: أن محل ذلك كله فيما إذا لم يكن عليه مشقة في التحول فإن كان لم يكن ذلك مكروهًا ولا خلاف الأولى هذا حاصل ما ذكره النووي في "شرح التنبيه" المسمى بـ "التحفة" وفي "شرح مسلم" أيضًا.
الخامس: قد أقروا أنه إذا أراد أن يقضي حاجته في الصحراء فإنه يستتر عن العيون، والمراد بالصحراء هناك ما لا يمكن تسقيفه، فإذا
جلس فيه فيستتر بالستر المذكور في الاستقبال، وإذا جلس فيما يمكن تسقيفه فهو ساتر، هكذا جزم به الرافعي في الشرحين والنووي في "الروضة" قبيل هذه المسألة وحينئذ فإذا كان بينه وبين حائط الذي يمكن تسقيفه أكثر من ثلاثة أذرع كان كافيًا في السترة المأمور بها عن العيون دون السترة المأمور بها في تحريم الاستقبال، وكثيرًا ما تلتبس المسألتان، وذكر النووي في "شرح المهذب" "والتحقيق" ضابط السترة المذكورة في الصحراء والبنيان ولم يذكر ضابط السترة عن العيون بل ذكر أنه يستتر عن العيون ولم يزد عليه وهو عجيب موهم قوله: وسبب المنع في الصحراء فيما ذكر أن الصحراء لا يخلو من حصل من ملك أو جني أو إنسي فربما وقع بصره على عورته وأما في الأبنية في الحشوش فلا يحضرها إلا الشياطين، ومن يصلي فيكون خارجًا عنها فيحول البناء بينه وبين المصلي انتهى كلامه.
وما ذكره في الفرق بين الصحراء والبنيان ضعيف، وقد أوضح النووي ضعفه في "شرح التنبيه" المسمى بـ"التحفة" فقال: وهذا التعليل ضعيف فإنه لو قعد مستقبلًا للحائط: قريبًا منه ووراءه فضاء واسع جاز، وصرح به إمام الحرمين وصاحب "التهذيب" وغيرهما ولو صح هذا التعليل لحرم هذا، والتعليل الصحيح ما ذكره القاضي الحسين وصاحب "التهذيب""والبحر" وغيرهم أن جهة القبلة معظمة يوجب صيانتها في الصحراء ورخص فيها في البنيان للمشقة هذا كلامه وهو واضح.
والحشوش جمع حش بفتح الحاء المهملة وبالشين المعجمة المشدودة وهو المرحاض، وأصل الحش في اللغة البستان وإنما سمى المرحاض، به لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في البساتين لعدم الأخلية عندهم.
قوله: ومنها ألا يبول في الماء الراكد لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم"(1)، ويروى في "الراكد" وهذا المنع يشمل القليل والكثير لما فيه من الاستقذار ثم إن كان قليلًا ففيه شئ آخر وهو أنه تنجيس للماء وتعطيل لفوائده فإن كان بالليل زاد شئ آخر وهو ما قيل: إن الماء بالليل للجن فلا ينبغي أن يبال فيه ولا يغسل خوفًا من أذى يصيبه من جهتهم. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" كما نقله في "شرح المهذب" عن جماعة أنه إن كان قليلًا كره وإن كان كثيرًا فلا ثم قال: وفيه نظر، وينبغي أن يحرم البول في القليل قطعًا لأن فيه إتلافًا عليه وعلى غيره وأما الكثير فالأولى اجتنابه انتهى، والذي يتجه في هذه المسألة وتتعين الفتوى به أنه إن كان في الوقف ولم يكن في هذه غيره ولم يكن متطهرًا فإنه حرام؛ لأنه بمنزلة الصب وإن لم يكن كذلك نظر إن لم يكن له بأن كان في غدير ونحوه فيحرم أيضًا؛ لأن فيه إتلافًا على غيره.
نعم: إن كان هناك ما يمكن تكميله به فيبلغ قلتين ففيه نظر والمتجه التحريم لما فيه من تكليف الغير ذلك، ولاحتمال تلف ما يكمل به، وإن كان الماء له نظر إن أمكن التكميل كره، وإن لم يمكن فيفصل فيه بين الوقت وخلافه كما سبق، وجزم ابن الرفعة في "الكفاية" بالكراهة وفي "الحاوي الكبير" إذا كان ليلًا لما قيل من أن الماء بالليل للجن، والحديث المتقدم رواه الشيخان من رواية أبي هريرة.
قوله: ومنها ألا يبول في الجحرة لما روى قتادة عن عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فقيل لقتادة: ما بال الجحرة؟ قال: يقال: إنها مساكن الجن (2). انتهى.
(1) أخرجه البخاري (236)، ومسلم (282) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود (29)، والنسائي (34)، واْ حمد (20794)، والحاكم (666)، =
الجحرة بالجيم مكسورة بعدها حاء مهملة مفتوحة جمع جحر، وسرجس بسين مهملة مفتوحة وراء ساكنة ثم جيم مكسورة ثم سين مهملة أيضًا، والحديث المذكور صحيح رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة، وقال الحاكم: إنه على شرط الشيخين.
قوله: ومنها ألا يجلس تحت الأشجار المثمرة صيانة لها عن التنجيس انتهى.
تابعه في "الروضة" على التعبير بالمثمرة ولم يبينا هل المراد بها حقيقتها وهي التي عليها الثمرة أو المراد التي من شأنها أن تثمر؟ وقد نبه في "شرح المهذب" على أن المراد الثاني فقال: لا فرق بين وقت الثمرة وغيرها.
قوله: ومنها ألا يبول في مهاب الريح استنزاهًا من البول وحذرًا من رشاشة. روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمخر الريح (1). أي ينظر أين مجراها فلا يستقبلها.
= والبيهقي في "الكبرى"(483)، وابن الجارود في "المنتقى"(34) من حديث عبد الله ابن سرجس بسند ضعيف، فإن قتادة كان مدلسًا وقد عنعن هذا الحديث ثم في سماح قتادة بن عبد الله بن سرجس خلاف مشهور.
(1)
قال الحافظ: لم أجده من فعله وهو من قوله عند ابن أبي حاتم في العلل من حديث سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبلوا القبلة واتقوا مجالس اللعن الظل والماء وقارعة الطريق واستمخروا الريح واستتبوا على سوقكم وأعدوا النبل". وحكى عن أبيه أن الأصح وقفه، وكذا هو عند عبد الرزاق في مصنفه.
وقال أبو عبيد في غريبه: عن عباد عن واصل مولى أبي عيينة قال: كان يقال: إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح.
قال أبو عبيد: يعني أن ينظر من أين مجراها فلا يستقبلها ولكن يستدبرها لكيلا يرد عليه الريح البول وروى الدارقطني عن عائشة شاهده.
وعن الحضرمي رفعه: "إذا بال أحدكم فلا يستقبل الريح ببوله فترده عليه". رواه ابن قانع وإسناده ضعيف جدا. وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره البول في الهواء. رواه ابن عدي وفي إسناده يوسف بن السفر وهو ضعيف.
وفي الباب حديث هشام بن عروة عن اْبيه عن عائشة قالت: مر سراقة بن مالك المدلجي على =
انتهى.
والتمخر بالخاء المعجمة والراء المهملة قاله الجوهري، وذكر الحديث وفسره بما ذكره الرافعي، وحكى من كلامهم استمخرت الريح إذا استقبلتها بأنفك، وذكر الخطابي في "غريب الحديث" في أواخر الكتاب أن سراقة ابن مالك رضي الله عنه قال لقومه: إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله ولا يستدبرها وليتق مجالس اللعن الطريق والظل واستمخروا الريح واستشبوا على سوقكم وأعدو النبل ثم قال: قوله: استمخروا الريح أى استقبلوها فقال: امتخر الفرس الريح إذا استقبلها يستروح، ومنه مخور السفينة وهو قطعها الماء بالريح. قال الله تعالى:{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} قال أبو عمر ابن العلاء تقول العرب في الرجل الأَحمق: إنه والله لا يتوجه تريد أنه لا يستقبل الريح إذا قعد لحاجته، وذلك لأنه إذا استدبرها وجد ريح ما يبرز منه فهو لحمقه لا يتوجه هذا لفظه ثم قال: استشبوا أى اتكئوا على سوقكم ومنه شبوب الفرس وهو أن يرفع يديه ويعتمد على رجليه، وما ذكره في تفسير الاستمخار ناقلًا له عن أهل اللغة عكس ما قاله الرافعي إلا أن الذي قاله قد قاله الجوهري بعينه كما سبق وكأنه أخذه منه، وكلام الجوهري ظاهره التدافع فإنه كيف يصح ما ذكره في الحديث مع تعقيبه بأنه يقال: استمخرت الريح إذا استقبلتها بأنفك فإن هذا عكس الاستدبار، وهذا الحديث روى معناه ابن أبي حاتم في علله وقال أسنده عبد الرزاق ولفظه عن سراقة بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم
= رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن التغوط فأمره أن يتنكب القبلة ولا يستقبلها ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح. الحديث رواه الدارقطني وروى الدولاني في الكنى والإسماعيلي في حديث يحيى بن أبي كثير عن خلاد عن أبيه مثله وإسناده ضعيف.
الغائط فلا تستقبلوا القبلة واستمخروا الريح" (1) واعلم أن ما ذكره الرافعي استدلالًا وتعليلًا يؤخذ منه أنه لا يمتنع البول في مهاب الريح مستدبرًا وهو وارد على "الروضة" فإنه لم يزد على قوله ولا يبول في مهب ريح.
قوله: وأن يعتمد إذا جلس على اليسرى لما روى عن سراقة بن مالك قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى (2). انتهى.
وهذا الذي ذكره لا يعلم منه الكيفية المطلوبة، وقد بينها جماعة منهم الشيخ في "التنبيه" فقال: إنه ينصب قدم الرجل اليمنى أى يضع أصابعها على الأرض ويرفع الباقي ويعتمد على اليسرى، وسببه إن استعمال الرجل إنما هو بالاعتماد، فإذا اعتمد على اليسرى دون اليمنى كان مستعملًا في هذا المحل لما يليق به، وهذا التعليل يشمل أيضًا البول قائمًا وقاعدًا إلا أنه إذا بال قائمًا فإنه يفرج رجليه ففي صحيح ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وعلل في "المهذب" الاعتماد على اليسرى بكونه أسهل لخروج الخارج، وقال الماوردي: إنه أنجح له. قال غيره: لأن المعدة في الجانب الأيسر والصواب في التعليل ما ذكرناه، والحديث المذكور رواه البيهقي ولفظه علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أردنا الخلاء أن نعتمد اليسرى وننصب اليمنى. لكنه توقف في تصحيحه.
قوله: ومنها أن يعد النبل إن كان يستنجي بالأحجار لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا الملاعن الثلاث واعدوا النبل"(3) والنبل أحجار الاستنجاء جمع نبلة وأصلها الحصاة الصغيرة. انتهى.
قال الجوهري: النبل بضم النون وفتح الباء من باب الأضداد تطلق على
(1) انظر كلام الحافظ السابق.
(2)
قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه رجل لم يسم.
(3)
قال الحافظ: عبد الرزاق عن ابن جريج عن الشعبي مرسلًا، ورواه أبو عبيد من وجه آخر عن الشعبي عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده ضعيف.
الكبار والصغار وهو جمع نبيلة، ثم قال: والنبل بضم النون وفتح الباء حجارة الاستنجاء، وفي الحديث:"اتقوا الملاعن وأعدوا النبل" والمحدثون يقولون: النبل أى بفتحها، يقال: سميت بذلك لصغرها هذا كلامه. وقال ابن الأثير في "غريب الحديث": النُبل بضم النون جمع نبلة والمحدثون يفتحون النون والباء كأنه جمع نبيل في التقدير، والنبل بالفتح يطلق على الكبار من الإبل والصغار وهو من الأضداد، وقال صاحب "التعجيز" هنا في شرحه له: النبل بضم الباء جمع نبيل كسرير وسُرر فتخلص أنه يقال على ثلاثة أوجه قال في "شرح المهذب": والحديث المذكور [ليس بثابت بل المعتمد ما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ](1)"إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار"(2) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وقال: أعني الدارقطنى: إسناده حسن صحيح.
قوله: ومنها ألا يستنجي بالماء في موضع قضاء الحاجة تحرزًا من عود الرشاش إليه. انتهى كلامه.
ويعلم من هذا التعليل الذي ذكره الرافعي إخراج الأخلية المعتادة من هذا الحكم لانتفاء المعنى، وقد حذف النووي من الروضة تعليل الرافعي ثم أورد عليه دخول الأخلية وهو صنيع عجيب.
قوله: وألا يستصحب شيئًا عليه اسم الله تعالى كالخاتم والدراهم، وكذلك ما كان عليه قرآن وألحق باسم الله تعالى اسم رسوله تعظيمًا.
(1) أخرجه أبو داود (40)، والنسائي (44)، وأحمد (24815) و (25056)، والدارمي (670)، وأبو يعلى (4376)، والبيهقي في "الكبرى"(503)، والطحاوي في "شرح المعاني"(688) من حديث عائشة رضي الله عنها.
قال الألباني: حسن.
(2)
سقط من أ، ب.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (1). لأنه كان عليه: محمد رسول الله انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن كل معظم يلحق بما تقدم في الأمر بالنزع صرح به الإمام ونبه عليه في "الكفاية" وحينئذ فتدخل أسماء جميع الأنبياء والرسل وأسماء الملائكة.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يفرق في اسم الله تعالى بين أن يكون مختصًا به كالله والرحمن، أو غالبًا فيه كالخالق، أو يطلق عليه وعلى (2) غيره على السواء كالحي والسميع والبصير، فإن الجميع من أسماء الله تعالى ويحتمل أن يقال: إذا أتى بغير المختص مريدًا به غير الله تعالى فلا يكره حمله، وهذا الكلام يأتي أيضًا في اسم رسوله حتى يعم جميع أسمائه كأحمد والمدثر والمزمل والحاشر والطيب والطاهر وحتى يأتي التردد فيما إذا كان اسمه مثلًا محمدًا فنقشه على الخاتم ونحوه مريدًا به نفسه فهل يؤمر أيضًا بإزالته لكون الاسم في نفسه معظمًا أو لا نظرًا إلى المقصود به الآن، وقد نص الشافعي على كتابة اسم الله تعالى في وشم نعم [الزكاة مع أنها تتمرغ في النجاسات. وعلله الرافضي بأن المقصود] من ذلك إنما هو التمييز، وهذا التعليل يقتضي عدم الكراهة هنا بطريق الأولى، لأن المدلول وهو الذات المقدسة مراده هناك بخلاف ما نحن فيه، لكن ذكر النووي في
(1) أخرجه أبو داود (19)، وابن ماجه (303) وابن حبان (1413)، والبيهقي في "الكبرى"(454) من حديث أنس رضي الله عنه.
قال أبو داود والألباني: منكر.
(2)
سقط من أ.
التنقيح ما يخالفه فقال: لعل المراد المختص بذلك لا لفظة أحمد ومحمد بمجردها بل لابد من شئ يشعر بأن المراد رسول الله، وكذلك أسماء الله تعالى هذا كلامه.
الثالث: أن الحديث الذي ذكره الرافعي رواه الترمذي بهذا اللفظ وقال: إنه حسن صحيح غريب. وأخرجه ابن حبان أيضًا في "صحيحه" وقال الحاكم: إنه علي شرط الشيخين، وكذا قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في آخر "الاقتراح"، وأما استدلاله بأنه كان مكتوبًا عليه محمد رسول الله فرواه الشيخان (1) وصرح الحاكم (2) في روايته أن هذا هو سبب النزع. وروى ابن حبان في صحيحه عن أنس قال: كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر (3). وفي حفظي أنها كانت تقرأ من أسفل فصاعدًا ليكون اسم الله تعالى فوق الجميع.
قوله: وخير الصيمري بين نزع الخاتم وضم كفه عليه. ثم قال: نعم، قيل: إنه لو غفل عن النزع حتى اشتغل بقضاء الحاجة ضم كفه عليه. انتهى ملخصًا.
وقد أسقط في "الروضة" الوجه الصائر إلى التخيير وجزم بالضم عند الغفلة والذي نقله الرافعي عن الصيمري قد رأيته في كتابه المسمى بالكفاية وفي شرحها له أيضًا.
قوله من "زوائده": والسنة أن يقول عند دخول الخلاء: بسم الله اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث، ويقول إذا خرج؛ غفرانك الحمد لله الذي
(1) أخرجه البخاري (2939) من حديث أنس رضي الله عنه.
(2)
المستدرك (1/ 298) حديث (671).
(3)
أخرجه البخاري (2939) من حديث أنس رضي الله عنه.
أذهب عني الأذى وعافاني (1)، وسواء هذا في البنيان والصحراء انتهى.
اعلم أن الشيخ أبا حامد في "التعليق" قد صرح بأن الذكر الأول خاص بالبنيان ونقله في "التبيان" عنه وأقره وهو ظاهر بخلاف الذكر الثاني وهو ذكر الخروج وكلام "الروضة" لا ينافيه فليحمل عليه. لكن صرح في "شرح المهذب" بأنه لا فرق.
واعلم بأنه قد ذكر في "الشرح الصغير" الذكرين بدون قوله: وعافاني وذكر الجميع في "المحرر" إلا أنه عبر بقوله: أخرج عني الأذى فعدل عنه في "المنهاج" إلى أذهب ليوافق الحديث، فإن ابن ماجه قد أخرجه كذلك من رواية أنس لكن بإسناد فيه ضعف غير أنه لائق بالحال، والحديث من فضائل الأعمال.
قوله: ويستحب ألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. انتهى.
ذكر مثله في "شرح المهذب" فقال: وقولنا لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ليس بواجب اتفاقا بل هو مستحب، وجزم في "نكت التنبيه" بأنه مخرج على الوجهين في كشف العورة في الخلوة حتى يكون الصحيح فيه المنع وهو تباين فاحش، والأول هو مقتضى كلامه في بقية كتبه، ومقتضى كلام غيره أيضًا.
وأما الثاني: فجزم به المحب الطبري في "شرح التنبيه"، وذكره ابن الرفعة في "الكفاية" بحثًا ولم ينقله عن أحد، ورأيت في كلام بعض الفضلاء من المتأخرين نقلًا عن بعض الأئمة أنه إذا كشف زائدًا عن الحاجة
(1) أخرجه ابن ماجة (301). قال في الزوائد: متفق على تضعيفه.
وقال الألباني: ضعيف.
هل يأثم على الكل أو على الزائد فقط؟ فيه خلاف وهو يشعر بالتحريم ونبه النووي في النكت المذكوره على فائدة حسنة وهي "التنبيه على شرح التنبيه" للجيلي فقال فيه ما نصه: ولا يغتر بما في "شرح التنبيه" للجيلي في شئ من المواضع ولا يؤخذ منه شئ حتى ينظر في مصنفات أصحابنا قال وأخبرني شيخنا عز الدين عن شيخه الشيخ تقي الدين بن الصلاح أنه قال: لا يجوز لأحد أن يطالع فيه معتمدًا لنقله انتهى كلامه.
وقد اشتهر في مصر أن الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد هو أول منبه على ذلك وقد ثبت تقدمه وتقويته. والسبب في وقوع النقول المنكرة في التصنيف المذكور أن مؤلفه لما أبرزه أقبلت الناس عليه لحسنه وحسن تقريره وكثرة فوائده فحسده عليه بعض من لعنه الله وغضب عليه فألحق فيه أشياء منكرة في الأحاديث وغيرها فأفسده.
قوله من "زياداته": والسنة أن يبول في مكان لين لا يرتد عليه فيه بوله ويكره في قارعة طريق. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أنه لم يصرح هنا بحكم الغائط في الطريق وهو حرام على ما دل عليه كلامه في الشهادات فإن الرافعي قد نقل هناك عن صاحب العدة أشياء كثيرة من المحرمات وعد منها التغوط في الطريق، واعترض هو والنووي عليه في بعضها وارتضيا بعضها وهذه المسألة من المسائل التي ارتضياها، لكن قال في "شرح المهذب""وشرح مسلم" ظاهر كلام الأصحاب أن النهي عنه للتنزيه وينبغي أن يكون محرمًا لهذه الأحاديث ولما فيه من إيذاء المسلمين، قال: وفي كلام الخطابي وغيره إشارة إلى تحريمه ثم جزم في "شرح المهذب" أيضًا بعد ذلك بالكراهة صرح بذلك في أثناء الاستدلال على المسألة وهو المفهوم من باقي كتبه وكتب الرافعي أيضًا، بل
ذكر النووي في "نكت التنبيه" ما يقوى التحريم فقال: والنهي عن التخلي في الظل الذي يجمع فيه الناس نهي تحريم، صرح به الخطابي والبغوي في "شرح السنة" لأنه إيذاء لهم.
واعلم أن المعنى ولفظ الحديث يدلان على اختصاص النهي في الطريق ونحوه بالغائط دون البول على خلاف ما قاله في "الروضة" وهو المذكور في "الإقناع" لابن المنذر.
الأمر الثاني: أن الغزالي في "الوجيز" قد ذكر النهي عن البول في الطريق وعبر عنها بالشوارع ونسى الرافعي شرح ذلك أو تعرض له ولكن سقط من النسخ ولهذا ذكره في "المحرر".