الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في الماء الراكد
قوله: ذهب أبو عبد الله الزبيري إلى أن القلتين ثلاثة مائة مَنٍ.
ثم قال: والمذهب أن القلتين مائتان وخمسون منًا وهو خمسمائة رطل. انتهي كلامه.
واعلم أن هذا النقل عن الزبيري قد وقع للقفال، فتابعه عليه جماعة ممن جاء بعده، فرأيته في "تعليق القاضي الحسين"، وكذلك في "شرح التلخيص" له فقال: ومن أصحابنا من قال: وهو أبو عبد الله الزبيري ذكره في كتابه الملقب بـ"الكافي" أن القلتين ثلثمائة منًا. هذه عبارته.
ونقله عنه أيضًا الفوراني في "الإبانة"، وفي "العمد".
وكذلك أبو الحسين الطبري في ["العدة"](1)، والإمام، ثم الغزالي في "البسيط" و"الوسيط" و"عقود المختصر" فتابعهم الرافعي ثم المصنف في "الروضة".
وقد راجعت كلام الزبيري في كتابه "الكافي" فرأيت فيه الجزم بأن القلتين خمسمائة رطل على وفق المذهب، ذكر ذلك في موضعين من كتابه في أوله وبعد التيمم.
قوله: والأصح أن هذا التقدير تقريب، فلا يضر نقصان القدر الذي لا يظهر نقصانه تفاوت في التغير بالقدر المغير من الأشياء المُغيِّرة. انتهي.
فيه أمران:
أحدهما: أنه قد اعترض عليه في "الروضة" فقال من "زياداته":
(1) في جـ: عدته.
الأشهر تفريعًا على التقريب أنه يعفي عن نقص رطلين، وقيل: ثلاثة ونحوها، وقيل: مائة رطل. انتهي كلامه.
وما ذكره هاهنا تفريعًا على التقريب قد خالفه في "التحقيق" فصحح ما قاله الرافعي فقال: وهو تقريب في الأصح، فلا يضر نقصان ما لا يظهر تفاوت بنقصه.
وقيل: يعفي عن رطلين، وقيل: ثلاثة، ويقال: مائة. هذا لفظه.
وكلامه في "شرح المهذب" يقتضي أن الراجح ما ذكره في "الروضة".
الأمر الثاني: أن هذا الذي جزم به الرافعي هو بحث أبداه الإمام فقال: إذا قلنا بالتقريب فالأقرب أنه لا [يضر](1) نقصان قدر لو طرح على [باقيه](2) شيء من الزعفران مثلًا [لو](3) قدر طرحه على الكامل لم يظهر تفاوت في التغير.
فإن كان قدرًا يظهر التفاوت بسببه ضر. هذا كلامه.
فجزم به الرافعي، وعبر عنه بعبارة قلقة، وتبعه عليه في "الروضة"، وقد [تحرر](4) أن الصواب خلافه.
قوله من "زوائده": وإذا وقعت في الماء القليل نجاسة وشك هل هو قلتان أم لا؟
فالذي جزم به صاحب "الحاوي" وآخرون أنه نجس لتحقق النجاسة،
(1) في جـ: يطهر.
(2)
في جـ: ما فيه.
(3)
سقط من أ، ب.
(4)
في أ، ب: يجوز أن يكون.
ولإمام الحرمين فيه احتمالان.
والمختار، بل الصواب الجزم بطهارته لأن الأصل طهارته وشككنا في نجاسة منجسه، ولا يلزم من النجاسة التنجيس. انتهي كلامه.
ومراده "بالقليل" هو القليل عرفًا لا المصطلح عليه.
إذا علمت ذلك فما ذكره هو وغيره من إطلاق المسألة ليس بجيد، بل الصواب، أن يقال: إن جُمع شيئًا فشيئًا، وشك في وصوله قلتين، فالأصل القلة.
وإن كان كثيرًا وأخذ منه شيء، ثم شك فالأصل بقاء الكثرة.
وإن ورد شخص على ماء يحتمل القلة والكثرة فهذا موضع التردد.
قوله: أما القليل فيتنجس بملاقاة النجاسة تغير بها أم لا، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا"(1) ويروى "نجسًا"(2). انتهى.
استثنى النووي رحمه الله في أصل "الروضة" ما لا نفس له سائلة، وما لا يدركه الطرف والهرة إذا تنجس فيها ثم غابت على ما في الثلاثة من الخلاف المعروف.
إذا علمت ذلك ففيه أمران:
أحدهما: أن استثناء الهرة يدل على أن الضم باقٍ على الحكم بتنجيسه، وإلا لم يصح استثناؤه.
(1) أخرجه أبو داود (63) والترمذي (67) والنسائي (52) والدارمي (732) وابن خزيمة (92) والحاكم (459) والشافعي (2) والدارقطني (1/ 14) وابن أبي شيبة (1/ 133) والبيهقي في "الكبرى"(1162) من حديث ابن عمر.
وهذا حديث صحيح.
(2)
أخرجه أبو داود (65) وابن ماجه (517) وأحمد (4803) والدارمى (731) وابن حبان (1249) والحاكم (460).
وهي رواية صحيحة أيضًا، والله أعلم.
وحينئذ فيكون الأصحاب قد أخذوا بالأصل في الموضعين، أي: في بقاء طهارة الماء، وبقاء نجاسة الفم، وليس في "الشرح" و"الروضة" ما يخالف هذا فاعتمده فإنه أمر مهم مُنقاس قد غفل عنه من غفل.
الأمر الثاني: أنه يستثنى مع ذكره أمور:
منها: غسالة النجاسة بالشروط المعروفة.
ومنها: اليسير من الشعر الذي حكمنا بتنجيسه فلا ينجس الماء القليل كما صرح به النووي من "زياداته" في باب الأواني ونقله عن الأصحاب.
قال: ولا يختص الاستثناء بشعر الآدمي في الأصح.
ثم قال: إن اليسير يعرف بالعرف.
وقال الإمام: لعله الذي يغلب إنباته.
وقال في "المهذب": يعفي عن الشعرة والشعرتين [وفي "تحرير الجرجاني": يعفي عن الشعرتين](1) والثلاث.
ومنها: القليل من دخان النجاسة إذا حكمنا بتنجيسه فإنه يعفي عنه كما جزم به الرافعي في آخر صلاة الخوف، لكنه لم ينص على الماء بخصوصه وإنما أطلق العفو، ومقتضاه أنه لا فرق وهو ظاهر أيضًا، ووراء ذلك وجهان آخران مشهوران حكاهما في "الكفاية":
أحدهما: العفو قليلًا كان أو كثيرًا.
والشافي: التنجيس مطلقًا.
وفيه كلام آخر يأتي في صلاة الخوف.
ومنها: الحيوان إذا كان على منفذه نجاسة ثم وقع في الماء لا ينجسه
(1) سقط من جـ.
على أصح الوجهين كما ذكره الرافعي أيضًا في باب شروط الصلاة للمشقة في صونه، ولهذا لو كان مستجمرًا نجسه كما جزم به الرافعي: وادعي في "شرح المهذب" أنه لا خلاف فيه، لكنه حكي في "التحقيق" وجهًا بخلافه.
ومنها: الصبي إذا أكل شيئًا نجسًا ثم غاب واحتمل طهارة فمه، فإنه كالهرة في عدم التنجيس كذا ذكره ابن الصلاح في "فتاويه" وهي مهمة نفيسة ولهذا قال الغزالي: إن هذا الخلاف لا يجري في حيوان لا يعم اختلاطه بالناس، وخالفه المتولي فحكاه فيما إذا أكل السبع جيفة ثم غاب.
واعلم أن الحديث السابق وهو حديث القلتين رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الطحاوي وابن منده وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وزاد أنه على شرط الشيخين.
وأما رواية: نفي التنجيس. فرواها أبو داود وابن حبان ولفظها: "فإنه لا ينجس"، وإسنادها صحيح كما قاله البيهقي، وجيد كما قاله يحيى بن معين.
وفي رواية: "إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء". رواه الشافعي في "الأم" والمختصر والبيهقي في "السنن الكبير".
قوله: وإذا تغير بعض الماء فظاهر المذهب نجاسة جميعه، وخرج وجه أنه لا ينجس إلا القدر المتغير وهو ظاهر لفظ الكتاب. انتهى.
اعلم أن الرافعي قد جزم بعد هذا في الكلام على الجارى بموافقة الوجه الثاني، وسأذكر لفظه هناك، وصححه هنا في "الروضة" من "زوائده"، وإن كان لفظه يوهم أنه وجه آخر، فتفطن له.
وقال في "الشرح الصغير": إنه الأقوى.
فعلى هذا يكون المتغير كنجاسة جامدة، فإن كان الباقي دون القلتين فنجس، وإلا فطاهر.
قوله: ثم لو طال مكث الماء وزال تغيره بنفسه عاد طهورًا. . . إلى آخره.
ينبغي أن يعلم أنه لابد في هذه الحالة أيضًا من تقدير الواقع مخالفًا للماء.
وحينئذ فإن غيره ضر، وإلا فلا لأنه لا يزيد على ما إذا لم يغيره حالة الوقوع.
قوله في أصل "الروضة": فإن لم توجد رائحة النجاسة لطرح المسك فيه، أو طعمها لطرح الخل، أو لونها للزعفران؛ لم يطهر بالاتفاق. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ادعاه في المسك من الاتفاق لم يذكره الرافعي وليس كذلك أيضًا فقد حكاه فيه الخوارزمي في "الكافي" وجهين وقياس الباقي كذلك.
الأمر الثاني: أنه أشار بالمسك ونحوه إلى كون ذلك ممازجًا للماء فإن لم يكن ممازجًا كما لو ألقى فيه عودًا فزالت الرائحة فإنه يطهر كذا رأيت هذا الضابط بتمثيله في "فتاوي القفال" فتفطن له.
قوله: وإن طرح فيه التراب فلم يكف التغير فهل يعود طهورًا؟ فيه قولان] (1).
(1) نهاية سقط كبير من أ.
أحدهما: نعم لأن التراب لا يغلب عليه شيء من الأوصاف الثلاثة حتى يفرض سترها، فإذا لم يصادف تغيرًا أشعر ذلك بالزوال.
وأصحهما: لا يعود طهورًا؛ لأنه وإن لم تغلب هذه الأوصاف إلا إنه يكدر الماء، والكدورة من أسباب الستر فلا يدري معها أن التغير زائل أو مغلوب انتهى.
فيه أمران: أحدهما: أن النووي قد وافق في "الروضة" وفي أكثر كتبه على أنه لا يطهر، ثم خالف في "النكت" التي على "التنبيه" فصحح أنه يطهر وهذا التصحيح لا يلتفت إليه فاعلمه.
الثاني: أن التعليل الذي ذكره الرافعي في أخر كلامه يشعر بأن محل الخلاف إنما هو في حال كدورة الماء حتى إذا صفا ولم يبق فيه تغير فإنه يعود طهورًا بلا خلاف، والأمر كذلك فقد صرح به القفال في "فتاويه" والمتولي في "التتمة" والنووي في "شرح المهذب"، وحذف أعني النووي التعليل المذكور من "الروضة"، وأرسل الخلاف.
قوله: وذكر بعضهم أن هذا الخلاف مفروض في تغير الرائحة وأما لو تغير اللون لم يؤثر طرح التراب فيه بحال، والأصول المتعمدة ساكنة عن هذا التفصيل انتهى كلامه.
فأما البعض الذي أشار إليه ولم يصرح باسمه فهو العجلي شارح "الوسيط"، وسبب عدم التصريح به: معاصرته له؛ على أنه قد صرح أيضًا بالنقل عنه في الطلاق في المسألة السريجية وعظمه في أثناء النقل عنه.
وأما دعواه أن الأصول ساكتة عنه فعجيب، فقد صرح المحاملي
في "المجموع" بجريان الخلاف في الأوصاف الثلاثة، وصرح الروياني في "البحر" بالخلاف في اللون وسكت عما عداه إلا أن مقتضاه التعميم.
وصرح القاضي الحسين والفوراني والمتولي بالخلاف فيه وفي الطعم، واقتضى كلامهم: عدم القول به في الرائحة على عكس ما قاله العجلي.
وقد استدرك في "الروضة" هنا على الرافعي فقال: بل صرح المحاملي والفوراني بجريان الخلاف في التغير بالأوصاف الثلاثة وأضاف إليهما في "شرح المهذب" المتولي أيضًا، وقد ظهر لك أن ما نقله عن الفوراني والمتولي ليس الأمر فيه كذلك، وقد نقله في "المطلب" عنهما على الصواب.
قوله: وأما ما لا يدركه الطرف كنقطة الخمر والبول التي لا تبصر والذبابة التي تقع على النجاسة تم تطير عنه، لفظه في المختصر يشعر بأنه لا يؤثر، ونقل عن "الأم" عكسه واختلف الأصحاب فيها على سبعة طرق إحداها: قولان في الماء والثوب.
والثانية: تؤثر فيهما قطعًا.
والثالثة: لا قطعًا.
والرابعة: تؤثر في الماء، وفي الثوب قولان.
والخامسة: تؤثر في الثوب وفي الماء قولان.
والسادسة: يؤثر في الماء دون الثوب.
والسابعة: عكسه.
وظاهر المذهب عند المعظم هو التنجس.
ويتحصل من هذه الطرق أربعة أقوال.
أحدها: أنها تنجسهما كغيرها من النجاسات.
والثاني: لا لتعذر الاحتراز.
والثالث: تنجس الثوب دون الماء؛ لأن الماء له قوة تدفع النجاسة.
والرابع: عكسه لأن صون الماء بالتغطية ممكن بخلاف الثوب؛ ولأن وقوع ذلك غالبًا إنما هو بطيران الذباب، وفي طيرانها ما يجففها فيؤثر في الماء بخلاف الثوب حتى لو كان الثوب رطبًا كان كالماء عند صاحب هذه المقالة. انتهى كلام الرافعي ملخصًا.
فيه أمران.
أحدهما: أنه لم يصح هو ولا النووي في "الروضة" شيئًا من الطرق، وإنما صححا أصل الحكم، والصحيح طريقة القولين فقد صححها الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "التحقيق""وشرح المهذب".
الأمر الثاني: لم يصرح الرافعي ولا النووي في "الروضة" بغير الماء المطلق كاللبن ونحوه، والماء المتغير بالطاهرات، ولا شك أنه يستفاد من كلام الرافعي السابق اختلاف في أن العلة في عدم تنجيسه للماء المطلق هل هي المشقة أو ما فيه من القوة الدافعة للنجاسة؟ فعلى الأول يتناول الماء وغيره، وعلى الثاني يختص بالماء.
وقد صرح في "المنهاج" بأن ذلك كله لا ينجس فقال: ويستثني ميتة لا دم لها سائل فلا تنجس مائعًا على المشهور، وكذا في قول نجس لا يدركه طرف.
قلت: ذا القول أظهر والله أعلم.
وتقرير ما ذكرناه أن الرافعي في "المحرر" لم يعبر فيما لا دم له يسيل بالمائع بل بالماء فعبر به النووي ثم نبه عليه في "الدقائق" فقال: وقوله مائعًا أحسن من قول "المحرر" ماء؛ لأن المائع أعم والحكم سواء هذه عبارته.
ثم حكم على ما لا يدركه الطرف بما حكم به على ما لا نفس له سائلة حيث عبر بقوله: وكذا -أي: هذا الحكم- وهو: عدم تنجيس المائع ثابت فيما لا يدركه الطرف، ونقل في "الكفاية" عن بعض شراح "التنبيه" أنه ينجس به بلا خلاف.
ثم قال: ولست أعتقد صحته ثم استدل عليه بشيء فيه ضعف، وقد تحرر أمره واتضح بما ذكرناه.
قوله: بل لو كمل الماء الناقص عن القلتين بماء ورد وصار مستهلكًا فيه ثم وقعت فيه نجاسة تنجس وإن لم يتغير، وإنما لا تقبل النجاسة قلتان من محض الماء. انتهى.
تابعه عليه في "الروضة" وهو مشكل، فإنهم قد جعلوا المائع المستهلك في الماء بمثابة الماء في جواز الطهارة به، وبالغوا فيه فأوجبوه كما تقدم فلم لا جعلوه بمثابته في عدم تنجيس الماء عند بلوغه به قلتين؟ .
قوله: ولو كوثر الماء النجس عاد طهورًا ثم قال: والعبرة بضم الماءين لا بخلطهما حتى لا يضر تمييز الصافي منهما عن الكدر. انتهى كلامه.
ذكر مثله في "الروضة" لكن ذكر بعد هذا في الكلام على ما إذا غمس كوزًا فيه ماء نجس في ماء كثير ما يعرفك أن الماءين إذا كانا على الأرض واتصلا بفتح حاجز فلابد من اتساعه ولا يكفي الضيق.
قوله: لو أضيف إليه ما يغمره ويغلب عليه ولكن لم يبلغ به قلتين لم يطهر
في أظهر الوجهين، فإن قلنا: يطهر لم تعد طهوريته. انتهى.
والأكثرون على أنه يطهر وقد نبه عليه ابن الرفعة في "الكفاية".
قوله: إذا وقع في الماء الراكد الكثير نجاسة جامدة فهل يجوز الاغتراف مما حوالي النجاسة [أم يجب](1) التباعد عنها بقدر قلتين؟ فيه قولان: القديم وهو ظاهر المذهب على خلاف الغالب أنه يجوز الاغتراف من أي موضع شاء ولا يجب التباعد لأنه طاهر كله بدليل حديث القلتين.
والجديد: أنه يجب لأن ما دون القلتين مما يجاور النجاسة لو كان وحده لكان نجسًا فكذلك إذا كان معه غيره وأثر الكثرة رفع النجاسة عما وراء ذلك القدر. انتهى.
وما ذكره [من](2) كون الفتوى على القديم تبعه عليه في "الروضة" أيضًا، لكن رأيت في "شرح الفروع" "وشرح التلخيص" كلاهما للشيخ أبي علي السنجي أن الشافعي نص في "اختلاف الحديث" على أنه لا يجب التباعد وهو من الجديد قال: وحينئذ فالفتوى إنما هي على الجديد، وقد نقله عنه أيضًا النووي في "شرح المهذب" وقال: إن القلتين يشترطان من كل جانب على الصحيح، وقيل: توزعان على الجوانب الأربعة.
قوله: وينبغي أن يبحث عن القولين في مسألة التباعد أهما في جواز الاستعمال بعد الاتفاق على الطهارة أم في الطهارة والنجاسة والتباعد يترتب عليهما؟ ثم قال: هذا فيه نظر وتأمل [وقد صرح بعض المعلقين عن الشيخ أبي محمد بالأول](3). انتهى.
(1) سقط من أ.
(2)
زيادة من ب.
(3)
سقط من جـ.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي نفسه قد صرح في تعليل القولين بالثاني، كما تقدم نقله عنه، فكيف يستقيم معه أن يبدي ما أبداه من التردد.
ثم إن المسألة مشهورة مصرح بها في كتب العراقيين والخراسانيين وقد نبه عليه النووي في "شرح المهذب"، وفي "الروضة" أيضًا فقال: هذا التوقف عجيب فقد صرح بالأول أي بالطهارة جماعات منهم الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وصاحب "الحاوي" والمحاملي وصاحب "الشامل""والبيان" وآخرون وهو الصواب.
قال: وقطع بالثاني جماعة منهم القاضي الحسين وإمام الحرمين والبغوي وغيرهم حتى قال هؤلاء الثلاثة: لو كان قلتين فقط كان نجسًا على قول التباعد.
قلت: وجزم أيضًا الدارمي في "الاستذكار" وأبو الحسين الطبري في "العدة" بأنه طاهر.
والفوراني في "الإبانة" والخوارزمي في "الكافي" بأنه نجس.
الأمر الثاني: أن الشيخ أبا محمد قد نص على أنه نجس وقطع به على خلاف المنقول عنه هاهنا كذا رأيته في موضعين من كتاب "التبصرة" له ونقله عنه ابن الصلاح أيضًا فيما جمعه من الفوائد في رحلته إلى بلاد الشرق.
الثالث: أن الشافعي قد نص على المسألة وجعل الذي يجب التباعد عنه نجسًا، كذا رأيته في "شرح التلخيص" للقفال فقال ما نصه: قال الشافعى: وما حوالي الجيفة نجس حتى يتباعد عنه بقدر قلتين ويستعمل ما
وراء ذلك هذا لفظه.
ورأيت في "فتاويه" أيضا نحوه، وقد انقطع النزاع بذلك.
قوله في الزيادة المتقدم ذكرها: إن صاحب "الحاوي" والقاضي أبا الطيب ممن صرحا بالطهارة.
وليس كما قال في النقل عنهما.
فأما القاضي أبو الطيب فلم يصرح بشيء فإنه قال في تعليقه: فقد اختلف أصحبنا في كيفية استعماله على وجهين:
أحدهما: قاله أبو العباس ابن القاص وأبو إسحاق المروزي: أنه يجب أن يستعمل من موضع يكون بينه وبين النجاسة قدر قلتين ووجهه: أنه لا حاجة إلى أن يستعمل الماء وفيه نجاسة.
والوجه الثاني: قاله أبو العباس ابن سريج والاصطخري وهو الصحيح وعليه عامة أصحابنا: أنه يستعمل منه كيف شاء هذا كلامه.
وأما الماوردي فقال:
أحدهما: لا يجوز أن يستعمل من هذا الماء إلا من مكان يكون بينه وبين النجاسة قلتان اعتبارًا بأن ما قارب النجاسة كان أخص بحكمها.
والثاني: يجوز لأن الماء الواحد لا يتبعض حكمه وإنما يجري عليه حكم واحد في النجاسة أو الطهارة.
هذا موضع الحاجة من كلامه وهو وإن لم يكن صريحًا في كونهما في النجاسة فلا إشعار له بالطهارة أصلًا.