الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في صفة الوضوء
وفرائضه ست:
الفرض الأول: النية:
اعلم أن بعضهم قد زاد سابعًا وهو الماء الطهور وغلطه النووي في "شرح المهذب" وقال: الصواب أنه شرط لصحته لا فرض آخر، فلهذا لم يعده هنا لكنه في "الروضة" قد جعل التراب في التيمم من جملة أركانه والماء الطهور هنا كالتراب هناك.
قوله: ولا تجب النية في إزالة النجاسة ويحكي عن ابن سريج اشتراط النية فيها، وبه قال أبو سهل الصعلوكي. انتهى.
وهذا النقل عن ابن سريج ليس بثابت كما نبه عليه الرافعي في إزالة النجاسة، وقد تقدم ذكر لفظه هناك.
وحكى ابن الصلاح فيما جمعه من "الفوائد في رحلته إلى بلاد الشرق" أن في المسألة ثلاثة أوجه: ثالثها: إن كانت النجاسة على الثوب لم تجب النية لأن الإزالة لا تجب لإمكان صلاته في غيره، وإن كانت على البدن وجبت لوجوب إزالتها وهو وجه فيقاس.
قوله: ولو اغتسلت الذمية أو المجنونة من الحيض أو النفاس لحق الزوج ثم أفاقت المجنونة أو أسلمت الكافرة وجبت عليهما الإعادة في أصح الوجهين؛ لأنهما ليستا من أهل العبادة وإنما صح في حق الزوج للضرورة انتهى.
هاتان المسألتان سبق الكلام عليهما في باب المياه، وهل يشترط أن تنوي
الذمية عند اغتسالها والزوج عند تغسيله لزوجته المجنونة؟ فيه وجهان في "شرح المهذب" من غير تصريح بتصحيح.
أصحهما في "التحقيق": أنه يشترط ولو امتنعت المسلمة من الغسل فغسلها الزوج قهرًا. فهل يشترط نيته أو لا؟ قال في "شرح المهذب": الظاهر أنه على الوجهين في المجنونة، وجزم في باب الحيض من "الكفاية" بأن الذي ينوي في غسل الذمية إنما هو الزوج.
قوله: وفي صحة طهارة الكافر الأصلي ثلاثة أوجه: ثالثها: يصح الغسل دون الوضوء. ثم قال: أما المرتد فلا تصح منه الطهارة بحال، ولم يجروا فيه الخلاف المذكور في الكافر الأصلي. انتهى.
تبعه أيضًا في "الروضة" على نفي الخلاف عن المرتد فقال: ولا تصح طهارة مرتد بلا خلاف.
وليس كما قالا فقد حكى [الماوردي في الحاوي وجهًا](1) أنه يصح [غسله، وحكى النووي في "التحقيق" وجهًا أنه يصح](2) وضوءه وغسله وعزاه في "شرح المهذب" إلى "النهاية".
قوله: ولو توضأ المسلم ثم ارتد لم يبطل وضوءه في أصح الوجهين ثم قال: وأما التيمم ففيه وجهان أيضًا لكن الأصح فيه البطلان؛ لأن التيمم لاستباحة الصلاة، فإذا ارتد خرج عن أهلية الاستباحة إلى آخره.
تابعه النووي على إطلاق عدم البطلان في الوضوء وينبغي استثناء وضوء دائم الحدث؛ وأن يكون كالتيمم في بطلانه بالردة، فإن المذهب أنه كالتيمم في كونه لا يرفع الحدث، ولكن يبيح الصلاة كما قاله في "الروضة" من زياداته قبيل باب المستحاضة.
وقد سبق أن علة بطلان التيمم كونه للاستباحة، وأيضًا فقد قال الإمام
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
في "النهاية": إن التيمم إذا كان معه غسل فإنه يرفع الحدث كالمسح على الخفين، وعلى هذا فينبغي استثناؤه أيضًا من التيمم.
قوله في "الروضة": أما وقت النية فلا يجوز أن يتأخر عن غسل أول جزء من الوجه. انتهى.
وهذا التعبير فاسد فإن أول الوجه من جهة أعلاه هو ابتداء الجبهة ومن جهة أسفله هو منتهى الذقن، ولا يجب اقتران النية بشئ منهما، وقد ذكره الرافعي على الصواب فقال عن أول غسل الوجه أى مغسول فتوهم النووي أنه لا فرق بين غسل الأول وأول الغسل فعبر بالعكس فلزم الخلل.
قوله: فإن قارنت النية ما قبل الوجه من السنن لم يصح وضوؤه على أصح الوجهين. انتهى.
استدرك عليه في "الروضة" فقال: هذا في المضمضة والاستنشاق محله إذا لم ينغسل معهما شئ من الوجه فإن انغسل أجزأه إن كان نيته الوجه وكذا إن لم يكن على الصحيح وقول الجمهور.
قال: لكنه يحتاج إلى إعادة غسل ذلك الجزء مع الوجه على الأصح انتهى كلامه.
والذي قاله النووي رحمه الله من تصحيح الاعتداد بالنية عند مقارنتها للجزء المذكور مع تصحيح كونه لا يقع على الفرض غلط عجيب وكلام متدافع، فإن تصحيح النية يقتضي الاعتداء بالمغسول وإلا فيؤدي إلى [الاكتفاء](1) بنية لم تقارن غسلًا مفروضًا والتفريع على عدم صحة ذلك يثبت أن صحة النية والاعتداد بذلك الجزء عن الوجه متلازمان وهو الموجود لأئمة المذهب كما ستعرفه. وقد راجعت كلام النووي في "شرح المهذب"
(1) فى جـ: الاعتداد.
لكون ما يزيده في "الروضة" يلخصه غالبًا منه فلما راجعته وجدته بعد أن صحح إجزاء النية عند اقترانها بالجزء المذكور، نقل عن البغوي وجوب إعادة غسل ذلك الجزء فراجعت "التهذيب" فوجدته قد عبر بقوله: وقيل: إن انغسل في المضمضة والاستنشاق شئ من بشرة وجهه صح وضوؤه وإلا فلا.
وهذا ضعيف لأنه وإن انغسل فلم يغسله عن الفرض بدليل أنه لا يجوز الاقتصار عليه بل يجب غسله ثانيًا في الفرض هذه عبارته فراجعت "تعليقة" القاضي الحسين لأن البغوي لخص "التهذيب" من كلام لشيخه المذكور في "تعليقته" المذكورة فرأيته قد حكى الخلاف في صحة النية عند اقترانها بسنة ثم قال ما نصه: وقال القفال: إن انغسل بالمضمضة ظاهر شفته يصح الوضوء؛ لأنه صار مؤديًا جزءًا من الفرض وإن لم ينغسل شئ من شفتيه لا يجوز لأنه محض سنة وهذا على الطريق الذي يقوله أنه لو ترك لمعة وغسلها المرة الثانية يحصل الوضوء وسنذكره هذا لفظ القاضي.
ووجه التخريج الذي ذكره أنه قد غسل ذلك الجزء مقترنًا بنية الوضوء إلا أن غسله إنما كان عن السنة لا عن الفرض. فأشبه غسل اللمعة في المرة الثانية أو الثالثة والصحيح فيها الإجزاء فيكون كذلك في مسألتنا، فاختصر البغوي كلام شيخه المذكور بما سبق وعلمنا من تضعيف البغوي لهذه المقالة أن الصحيح عنده في مسألة اللمعة عدم الإجزاء فإنه لم يصحح فيها شيئًا هناك بل ولا شيخه المذكور أيضًا فوقف النووي على كلام البغوي خاصة ولم يطلع أيضًا على مدركه ومستنده فإنه لم يراجع عليه من أصوله ما راجعت، ولا تتبعت، فلزم الوقوع في الخطأ الصريح، وقد صرح أيضًا رفيق البغوي في الأخذ عن القاضي الحسين وهو صاحب "التتمة" بصحة النية وبإجزاء المغسول عن الفرض وكذلك الروياني في "البحر" وصحح أبو علي
الطبري في "الإفصاح" والماوردي في "الحاوى" صحة الوضوء بهذه النية ولم يوجبا إعادة شيء وكذلك ابن الرفعة في "كفايته" مع تتبعه واتساع باعه، وبالغ ابن الصباغ في "الشامل" فجزم بالصحة عند انغسال شئ من الشفة ولم يوجب إعادةً. ولا شيئًا آخر وغلط ابن الرفعة في "المطلب" تبعًا لصاحب "الذخائر". في النقل عنه في هذه المسألة أي عن ابن الصباغ وسبب الغلط تحريف لفظة منه أي من الجارة للضمير بلفظ نبه أعنى بالنون والباء فتفطن لذلك وفي ما أشرت إليه تنبيه لمن أحب الوقوف عليه وقد طال الكلام في هذه المسألة وذلك لإيضاح وجه الغلط فلله الحمد على التوفيق لذلك.
ونبه في "الذخائر" على شيء متعين وهو أنه حيث وقع شئ عن الوجه في هذه الحالة فلا تجزئ المضمضة ولا الاستنشاق لتقدم بعض غسل الوجه عليهما وتقديمها عليه شرط.
قوله: فينوي أحد ثلاثة أمور: أحدها: رفع الحدث أو الطهارة عنه.
والثاني: استباحة الصلاة أو غيرها مما لا يباح إلا بطهارة.
الثالث: فرض الوضوء أو أداء الوضوء. انتهى ملخصا.
فيه أمور:
أحدهما: أن هذا الحصر قد تابعه عليه في "الروضة" ويرد عليه كيفيات:
إحداها: أن ينوي الطهارة للصلاة أو لغيرها مما يتوقف على الوضوء فإنه يصح كما ذكره الشيخ في "التنبيه" وكذلك في "المهذب" وغاير بينها وبين ما إذا نوى الطهارة عن الحدث ووافقه عليه النووي في شرحه له وحكى اتفاق الأصحاب عليه إلا أن في هذه الصورة نظر، فإنه لو نوى
الطهارة ولم يقل عن الحدث لا تجزئه على الصحيح كما صرح به في "زوائد الروضة" وأفهمه كلام الرافعي وعلله في "شرح المهذب" بأن الطهارة قد تكون من حدث وقد تكون عن خبث، وهذا نفسه يأتي في صورتنا والتعرض فيها للصلاة ونحوها لا يزاحم هذا المعنى ولا يأتي هذا الإشكال في الاستباحة لأن الاستباحة؛ تتوقف على الحدث والخبث معا فيندرجان في نيتها بخلاف الطهارة.
الكيفية الثانية: أداء فرض الطهارة ذكرها جماعة منهم سليم الرازي في "التقريب".
الثالثة: أن ينوي الوضوء فقط فيصح كما صححه في "التحقيق""وشرح المهذب" وفرق الماوردي بينه وبين ما إذا نوى الجنب الغسل بأن الوضوء لا يطلق على غير العادة بخلاف الغسل.
الأمر الثاني: أن نية الرفع والاستباحة ونحوهما لا إشكال فيها في غير الوضوء المجدد وأما المجدد فالقياس فيه الاقتصار على نية الطهارة والوضوء والتجديد ونحو ذلك على خلاف ما يقتضيه إطلاقه، إلا أن يقول قائل: تصح بالجميع كالصلاة المعادة غير أن ذلك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه.
الأمر الثالث: ذكر الرافعي في نية الصلاة أنه لابد من قصد فعل الصلاة ولا يكفي إحضار نفس الصلاة غافلا عن الفعل. والذي ذكره يتجه مثله هنا عند نية الوضوء والطهارة ونحوهما.
قوله: ولو نوى رفع بعض الأحداث صح وضوؤه على الأصح؛ لأن الحدث لا يتجزأ فإذا [ارتفع البعض ارتفع الكل، وقيل: لا لأنه لا يتجزأ فإذا](1) نفي البعض نفي الكل، وقيل: إن لم ينف ما عداه صح وإن نفاه فلا، وقيل: إن نوى الأول صح وإلا فلا، لأن الأول هو الذي أثر في المنع وبعض
(1) سقط من أ.
الطهارة، وقيل عكسه؛ لأن الآخر أقرب، وذكر بعضهم أن الخلاف فيما إذا نواه ونفي غيره فإن لم ينف صح بلا خلاف انتهى.
وهذه الطريقة أسقطها النووي من "الروضة".
واعلم أن هذه المسألة تشبه مسألة ذكرها الرافعي في الطلاق في آخر الباب الأول، وهي أنه إذا وطئ امرأتين واغتسل من الجنابة وحلف أنه لم يغتسل عن الثانية لم يحنث. ورأيت في "شرح التلخيص" للشيخ أبي علي السنجي قبل كتاب الزكاة أن المرأة إذا كانت جنبًا فحاضت ثم اغتسلت وكانت قد حلفت أنها لا تغتسل عن الجنابة فالعبرة عنده بالنية فإن نوت الاغتسال عنها تكون مغتسلة عنهما وتحنث، وإن نوت عن الحيض وحده لم تحنث لأنها لم تغتسل عن الجنابة، وإن كان غسلها مجزئًا عنهما معًا.
قال: ورجح القفال الحنث هذا كلامه.
وقد ظهر لك أن الرافعي صور مسألة اليمين بحالة اتحاد النوع، وقد يؤخذ منها التخصيص أيضًا في الوضوء حتى إذا نوى ما عدا الأول من إفراغ النوع متعمدًا لم يصح كما لا تحنث في اليمين وهو متجه.
قوله في أصل "الروضة": فإن لم يكن الحدث المنوي واقعًا منه بأن قال: ولم يتم فنوى حدث اليوم، فإن كان غالطًا صح وضوؤه قطعًا، وإن تعمد لم يصح في الأصح. انتهى.
وما ادعاه من عدم الخلاف ليس كذلك فقد خرجه الإمام والغزالي في "البسيط" على الخلاف في المسألة السابقة وهي ما لو نوى رفع بعض الأحداث، وستقف في التيمم على كلام آخر متعلق بالمسألة فراجعه.
قوله: فإن نوى ما يستحب له الوضوء كقراءة القرآن للمحدث وسماع الحديث وروايته والعقود في المسجد وغيرها فوجهان أظهرهما لا يصح
وضوؤه لأن هذه الأشياء مباحة مع الحدث فلا يتضمن قصدها قصد رفع الحدث، والوجهان جاريان فيما إذا كان الوضوء مستحبًا في ذلك الفعل لمكان الحدث كما ذكرناه من الأمثلة، وفيما إذا كان لا باعتبار الحدث كتجديد الوضوء، فإن القصد منه زيادة النظافة وقطع بعضهم في الثاني بنفي الصحة. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن تعبير الرافعي بالقعود يشعر بأن المار في المسجد لحاجة أو نحوها لا يستحب له ذلك، وكلام "الروضة" أيضًا يشعر به فإنه عبر بالجلوس وليس كذلك، فقد صرح في "شرح المهذب" باستحبابه في هذه الحالة، ولهذا عبر في "المحرر" بالدخول وسيأتي في الغسل ما يعضده أيضًا، والمسألة شبيهة بأن المأمور بتحية المسجد من أراد الجلوس أو كل من دخل؟ ولعلنا نذكره إن شاء الله تعالى في موضعه.
الأمر الثاني: في باقي الأمور التي استحبوا لها الوضوء وأرادها الرافعي بقوله وغير ذلك، وقد جمعها النووي في "شرح المهذب" "والتحقيق" فقال: يندب عند نوم وغضب وغيبة وأذان وإقامة وغسل جنابة ودرس علم ووقوف بعرفة وسعى وزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصد وحجامة وقئ وقهقهة مصلٍ وحمل ميت ومسه وأكل لحم جزور ولجنب أراد أكلًا وشربًا أو نومًا أو جماعًا أو خطبة لغير جمعة انتهى كلامه.
وتخصيص الغيبة ليس بجيد فقد قال في نواقض الوضوء من "شرح المهذب" الصحيح أو الصواب استحبابه من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف والفحش وقول الزور.
وأيضًا فقد رأيت في "شرح فروع ابن الحداد" للقاضي الحسين بخط
تلميذه المعلق عنه استحباب الوضوء لزيارة القبور مطلقًا.
الأمر الثالث: في بيان الحالة التي يستحب فيها تجديد الوضوء والأصح أنه يستحب لكل من صلى به صلاة ما فرضا كانت أو نفلًا، ولا يستحب لغيره، كذا ذكره في "الروضة" في باب النذر من زوائده.
وحكى في "شرح المهذب" هنا وجوهًا أخرى.
أحدها: لا يستحب إلا إذا أدى به فرضًا.
والثاني: يستحب إذا فعل بالوضوء ما قصده لأجله.
والثالث: يستحب مطلقًا إذا فرق بينهما تفريقًا كبيرًا، فلو وصله بالأول كان في حكم غسلة رابعة؛ كذا قاله الإمام وغيره وصرحوا بكراهة التجديد إذا لم يرد بالأول شيئا.
والرابع: إن صلى بالأول أو سجد لتلاوة أو شكر أو قرأ القرآن في مصحف استحب وإلا فلا، والمراد بالأخير ما يتوقف عليه الوضوء، وبالثاني ما يتوقف عليه أو يندب له مع مراعاة ما سبق من فعل ما قصد.
واعلم أن تجديد التيمم والغسل غير مستحب على الصحيح، وتجديد الوضوء لماسح الخف يأتيك في بابه، وأما تجديد الوضوء المكمل بالتيمم لجراحة فإنه يستحب كما جزم به في "الذخائر" نقلًا عن القفال. قال في "الكفاية": وفيه نظر لأنا إذا لم نستحب له الإتيان بالتيمم لم يكن المأتى به طهارة كاملة، والإتيان ببعض الطهارة غير مستحب اللهم إلا أن يقال: لما لم يكن استعمال الماء في الباقي والتيمم عنه غير مشروع صار ذلك البعض كالمفقود.
الأمر الرابع: في بيان محل الخلاف في صحته بنية التجديد وقد صوره
في "التتمة" بما إذا نوى ذلك مع علمه بأنه محدث، وكلام ابن الصباغ في أثناء فرع ابن الحداد خصهما بما إذا نوى ذلك وهو يعتقد أنه متطهر.
الأمر الخامس: أن النووي في "الروضة" قد وافق الرافعي على جريان الوجهين في الوضوء المجدد فقال: ولو نوى تجديد الوضوء فعلى الوجهين وقيل: لا يصح قطعًا، وناقض ذلك في "شرح المهذب" فقال: ولو نوى تجديد الوضوء أو الجنب غسلًا مسنونًا ففي ارتفاع حدثه طريقان:
أحدهما: أنه على الوجهين فيما يستحب له الطهارة.
والثاني: وهو المذهب القطع بأنه لا يرتفع حدثه ولا جنابته؛ لأن هذه الطهارة ليس استحبابها بسبب الحدث فلا يتضمن رفعه بخلاف الطهارة لقراءة القرآن.
قوله: ولو شك في الحدث بعد يقين الطهارة فتوضأ احتياطًا ثم تبين أنه كان محدثًا فهل يعتد بهذا الوضوء؟ فيه هذان الوجهان؛ لأن الوضوء والحالة هذه محبوب للاحتياط لا للحدث بخلاف العكس فإنه يصح. انتهى.
والأصح من الوجهين المحال عليها أنه لا يصح وحينئذ فيقال: إذا كان وضوء الاحتياط غير صحيح فما الفائدة في استحبابه لأنَّه إن كان محدثًا فحدثه لا يرتفع وإن كان متطهرًا فلا حاجة إليه ولاسيما إذا لم يكن قد أدى به قبل الشك شيئًا من الصلوات، فإنه لا يستحب التجديد والحالة هذه وليس عن هذا الإشكال جواب شاف.
والصواب في هذه المسألة ما قاله الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في "القواعد الكبرى" أن طريق الشاك في ذلك والحالة هذه أن يحدث ثم يتطهر قال: فإن لم يفعل لم [يحصل](1) الورع على المختار لعجزه عن جزم
(1) سقط من أ.
النية قال: وكذلك [إذا](1) التبس عليه المني بالمذي فطريقه أن يجامع ثم يغتسل، وفي "شرح التعجيز" لمصنفه حكاية وجه ثالث في أصل المسألة أنه إن احتاط لشكه في أنه أحدث لم يصح أو في أنه تطهر صح؛ لأن نية رفع الحدث قويت بأن الأصل بقاء الحدث.
قوله: ولهذا ذكروا وجهين في اشتراط الإضافة إلى الله تعالى كما في الصوم والصلاة وسائر العبادات. انتهى.
واعلم أن جريان الخلاف في الوضوء إنما أشار إليه الإمام بحثًا ثم رده فإنه. قال: الوضوء من القربات، فلذلك أوجب الشافعي فيه النية، وإذا كان كذلك انقدح ذكر خلاف في أنه هل يشترط أن يضيفه إلى الله تعالى كما في الصلاة؟ لكن قد قطع أئمة المذهب بأنه لو نوى أداء الوضوء لفريضة الوضوء صحت نيته وارتفع حدثه، فالوجه أن يكتفي بما ذكره الأئمة هذا لفظه.
فأثبت الغزالي الوجهين فتابعه الرافعي عليه، وقد نبه ابن الرفعة أيضًا على هذا الذي نبهت عليه فثبت أن الوجهين لا أصل لهما.
قوله: والأولى ألا نجعل اعتبار النية في الوضوء على سبيل القربات بل نعتبرها للتمييز، ولو كان الاعتبار على وجه القربة لما جاز الاقتصار على أداء الوضوء وحذف الفريضة؛ لأن الصحيح أنه يشترط التعرض للفرضية في الصلاة وسائر العبادات. انتهى كلامه.
وهو يقتضي وجوب التعرض للفرضية في الحج والعمرة، وليس كذلك فقد صرح الماوردي والبندنيجي وغيرهما كما قاله ابن الرفعة في صفة الصلاة
(1) سقط من أ.
بأنه لا يجزئ فيهما؛ لأن من عليه فرضهما لو أحرم بالنفل لم يقع له بل للفرض، وأما الصوم فقد اختلف فيه كلام النووي كما تعرفه واضحًا في موضعه.
قوله: قال الشيخ أبو على: الموجب للطهارة هو الحدث وقيل: دخول الوقت، وقيل: أحدهما يشترط الآخر. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن هذه المسألة قد أسقطها النووي فلم يذكرها في الروضة.
الثاني: أن الأصح فيها وجوبه بالحدث والقيام إلى الصلاة معًا كذا صححه النووي في "التحقيق" وفي "شرح مسلم" في باب جواز أكل المحدث للطعام ولم يذكره الرافعي البتة.
الثالث: ذكر الرافعي كلامًا حاصله أنه إذا توضأ قبل الوقت ناويًا للفرض إن أراد بالفرض ما يأثم الشخص بتركه، فإنه يتخرج على هذا الخلاف، وأما إذا أراد ما لابد منه في إيقاع الصلاة، فإنه يصح جزمًا وأن الصبي إذا نوى الفرض صح وضوؤه بالمعني الثاني دون الأول، ولم يذكر في الروضة شيئًا من ذلك، بل اختصر كلام الرافعي فقال: الأمر الثالث: فرض الوضوء أو أداء الوضوء وذلك كان قطعًا وإن كان الناوي صبيًا. هذا لفظه.
ومما يتخرج أيضًا على هذا الخلاف ما إذا نوى أداء الوضوء] (1) اقبل الوقت وأراد بالآداء معناه المصطلح عليه، وقد يقال من فوائده أيضًا ما لو شرع في الوضوء ثم أراد قطعه باللمس مثلًا وقلنا بالصحيح وهو أنه لا يجوز قطع الواجب الموسع بعد الدخول فيه. أما قطعه بما له فيه غرض صحيح فلا إشكال في جوازه وسيأتي نظير مسألة الكتاب في أول باب الغسل فراجعها.
(1) سقط من جـ.
قوله: كما لو كبر الإمام وقصد مع التحريم إعلام القوم لا يضر، انتهى كلامه، لم يتعرض في "الروضة" هنا لذكر هذه المسألة لكنها تؤخذ من كلامهم هناك.
قوله: ولو اقتصر على نية رفع الجنابة حصلت الجمعة في أصح القولين انتهى.
ذكره نحوه في "الشرح الصغير" أيضًا وخالفهما في "المحرر" فجزم فيه بعدم الحصول، فقال؛ ولو اغتسل لجمعة وجنابة حصلا أو لأحدهما حصل فقط، وهذا هو الذي صححه النووي في كتبه ونقله في "الروضة" وغيرها عن الأكثرين وحينئذ تكون الفتوى عليه.
واعلم أن في صحة الغسل بالنسبة إلى الجمعة عند الاقتصار على نيتها كلامًا ستعرفه في باب غسل الجنابة.
قوله: ولو نوى رفع الجنابة وغسل الجمعة فإن قلنا: لو اقتصر على غسل الجنابة لم تحصل الجمعة، فقضيته ألا يصح الغسل أصلًا كما نوى بصلاته الفرض والنفل جميعًا، وإن قلنا: تحصل. فوجهان كالوجهين في ضم نية التبرد إلى رفع الحدث أصحهما أنه لا يضر. انتهى كلامه ملخصًا.
وكله مدخول، فأما ما قاله في التفريع على القول الأول من عدم الصحة فقد جزم في "المحرر" بعكسه، وقد تقدم ذكر لفظه. وأما تعليله بالتشريك بين الفرض والنقل فيشكل عليه ما إذا نوى بصلاته الفرض والتحية فإنه يصح.
وأما ما قاله في التفريع على القول الثاني فضعيف وقياسه على التبرد ممنوع؛ لأن ذاك تشريك بين عبادة وغيرها وما نحن فيه عبادتان.
لا جرم أن الشافعي رحمه الله قد نص على أنهما يحصلان له إذا
نواهما. كذا رأيته في "شرح التلخيص" للقفال في باب النية وهو أوائل الكتاب ثم رأيته منصوصًا عليه في "مختصر البويطي" فقال ما نصه: ومن اغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة ينويه للجمعة والجنابة والحيض والعيد أجزأه ذلك إن شاء الله تعالى، هذا لفظ الشافعي بحروفه ومنه نقلت ولم يتعرض في "الروضة" لهذا البناء لكنه يتجه وهو إثبات الخلاف.
واعلم أن النووي في "الروضة" عبر بقوله حصلا على الصحيح ولم يصرح بمقابله وقد ظهر لك أن مقابله عدم الحصول في كل منهما للتشريك.
واعلم أن لمسألة التشريك نظائر منها إذا كبر للإحرام ونوى إعلام القوم فإنه لا يضر كما سبق قريبًا.
ومنها: إذا خطب يوم الجمعة على قصد الكسوف والجمعة فإنه لا يصح كما جزم به الرافعي والنووي وغيرهما ولا أعلم فيه خلافًا، ولهذا عبر الشافعي بقوله: خطب للجمعة وتعرض للكسوف، وتبعه الأصحاب على هذا التعبير.
ومنها: إذا صام في يوم عاشوراء مثلًا عن قضاء أو نذرٍ أو كفارة وأطلق أو نوى معه الصيام عن عاشوراء، أفتى قاضي القضاة شرف الدين البارزي بالصحة ووقوعه عنهما وهو مردود فإن القياس ألا يصح لواحد منهما.
ومنها: إذا كبر المسبوق تكبيرةً واحدةً وقصد التحرم والهوى فإنه لا يصح.
ومنها: إذا صلى الفائتة في ليالي رمضان ونوى معها صلاة التراويح، وقد ذكرها ابن الصلاح في "فتاويه" وقال: إن التراويح لا تحصل بل تحصل الفائتة، قال: والأفضل أن يصليها بعد التراويح وما ذكره من
حصول الفائتة ممنوع؛ لأن التشريك مقتضى للإبطال كما سبق.
وأما ما ذكره من استحباب تأخير الفائتة إلى ما بعد التراويح فممنوع أيضًا؛ لأن القضاء على الفور إما وجوبًا أو استحبابًا فكيف يؤخرها عن التراويح؟
قوله: فيما لو نوت المستحاضة ونحوها فريضة أو نافلة ثم النظر في كون المستباح فرضًا أو نفلًا أو مطلق الصلاة وفيما يباح لها إذا نوت النفل كما سيأتي في التيمم. انتهى كلامه.
هذه المسائل أسقطها من "الروضة".
قوله: من "زياداته" ولو نسى اللمعة في وضوئه أو غسله ثم نسى أنه توضأ أو اغتسل فأعاد الوضوء والغسل بنية الحدث أجزأه بلا خلاف. انتهى كلامه.
وليس كما قال من نفي الخلاف فقد رأيت في "شرح الفروع" للشيخ أبي على السنجي أن بعض أصحابنا ذهب إلى تخريجه على تفريق النية وفي ظني أنه ذكره في الكلام على الغسل.
واللمعة بضم اللام كذا قاله النووي في "الإشارات" التي على "الروضة"، قال الجوهري: واللمعة بالضم قطعة من البيت فكأن ما ذكره النووي مأخوذ من هذا.
قوله: الثانية: إذا فرق النية على أعضاء الوضوء فنوى عند غسل الوجه رفع الحدث عنه وعند غسل اليدين رفع الحدث عنهما وهكذا فوجهان:
أصحهما عند المعظم أنه يصح؛ لأنه يجوز تفريق أفعاله فجاز تفريق النية عليها.
وقيل: إن نوى رفع الحدث عن المغسول ونفي غسل سائر الأعضاء لم يصح وإلا فيصح، والمشهور أنه لا فرق. انتهى ملخصًا.
لم يصرح هنا بما إذا نوى عند كل عضو رفع الحدث وأطلق ولم يخصه بذلك العضو، وقد صرح بها ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" وقال: إنها تتخرج أيضًا على هذا الخلاف وحينئذ فيكون للتفريق ثلاث صور.
قوله: من زوائده؛ ولو نوى الطهارة ولم يقل عن الحدث لم يجزئه على الصحيح المنصوص.
اعلم أن الشافعي قد نص في "البويطي" على الصحة فقال ما نصه: وإن نوى به الطهارة ولم ينو به صلاة مكتوبة ولا نافلة ولا جنازة ولا قراءة مصحف أجزأه أن يصلي به. انتهى.
وقد نقل الأصحاب هذا النص ونقله هو أعني النووي في "شرح المهذب" وفي غيره من كتبه ولم ينقل نصًا يقتضي عدم الصحة ولم ينقله غيره أيضًا من المطلعين على النصوص كصاحب "البحر" وغيره؛ فكأنه في "الروضة" قد انعكس عليه ذلك، وبتقديره فكان يلزم أن يجعل الخلاف قولين.
واعلم أن الإجزاء في هذه المسألة قوي لأنه محلى بالألف واللام وهى للعموم عند الشافعي وأصحابنا كما أوضحته في "شرح منهاج الأصول"، وأيضًا فلأنه إذا لم يكن عليه نجاسة تعين الحدث بحسب الواقع وأيضًا فإن رفع الحدث شامل للأصغر والأكبر فتكون الطهارة أيضًا شاملة للحدث والنجس.
قوله. فيها: لو نوت مغتسلة عن حيض تمكين زوج من وطء فأوجه الأصح يستبيح [الوطء والصلاة وكل شئ يقف على الغسل.
والثاني: لا يستبيح شيئًا.
والثالث: يستبيح الوطء] (1) وحده. انتهى.
(1) سقط من جـ.