الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحيض
وفيه خمسة أبواب:
الباب الأول في حكم الحيض والاستحاضة
قوله: لا فرق في سن الحيض بين البلاد وغيرها وعن الشيخ أبي محمد أن في الباردة وجهين. انتهى.
وهذا الوجه الذي ذكره عن الشيخ أبي محمد لم يبين المراد منه ومعناه أنه إذا وجد الدم لتسع سنين في البلاد الباردة التي لا يعهد ذلك في مثلها فليس بحيض كذا ذكره في "شرح المهذب" وأشار إليه في "الروضة".
قوله: نص الشافعي في موضع على أن أقل الحيض يوم وليلة، ونص في موضع على أن أقله يوم فاختلف فيه الأصحاب على ثلاثة طرق.
أحدها: أن فيه قولين:
أظهرهما: أن أقله يوم وليلة فإنه روى ذلك عن علي ولأن المتبع فيه الوجود، وقد قال الشافعي: رأيت امرأة لم تزل تحيض يومًا وليلة وروى عن عطاء وأبي عبد الله [الزبيري](1).
والثاني: أقله يوم لما روى عن الأوزاعي أنه قال: كانت عندنا امرأة تحيض بالغداه وتطهر بالعشى.
والطريق الثاني القطع بأنه أقله يوم.
والثالث: وهو الأظهر القطع بأنه يوم وليلة. انتهى.
واعلم أن استدلال الرافعي بقول الشافعي: رأيت كذا وكذا استدلال عجيب، فإن ذلك إنما يصح أن لو كان النزاع في اشتراط زيادة على يوم وليلة وليس هو كذلك بل المقصود إنما هو الرد على [من](2) جوز الأقل
(1) في أ، ب: الزهري.
(2)
سقط من جـ.
والرد لا يحصل به فإن من جوز الأقل والرد لا يحصل به فإنه من جوز اليوم فقط جوز ما عداه سواء كان يومًا وليلة أو أكثر أو أقل وقد تتبعت ذلك فرأيت الأصحاب إنما حكوا عن الشافعي هذه الحكاية وما بعدها من النقل عن عطاء وعن الزبيري في اليوم فقط، وممن ذكره الشيخ في "المهذب" فقال: قال الشافعي رضي الله عنه: رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يومًا لا تزيد عليه، هذه عبارته.
ثم استدل أيضًا بالنقل عن عطاء، عن [الزبير](1) فعلم بذلك أن هذا النقل الذي ذكره الرافعي حصل فيه خلل.
واعلم أن النووي في "الروضة" قد اختصر كلام الرافعي بقوله وأقل الحيض يوم وليلة على المذهب هذه عبارته ولا يؤخذ منها حكاية الطرق الثلاث ولا تعيين الصحيح منها.
قوله: وأكثره خمسة عشر يومًا وكذلك أقل الطهر روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي"(2) أشعر بأكثر الحيض وأقل الطهر. انتهى.
وما ذكره من أن الطهر لا ينقص عن خمسة عشر إنما هو في طهرٍ فاصلٍ بين الحيضتين كذا صرح به الرافعي في باب النفاس والنووي في أصل "الروضة" هنا تبعًا لصاحب "التنبيه" وغيره واحترزنا به عن أشياء.
أحدها: الطهر الفاصل بين الحيض والنفاس فإنه يجوز أن يكون ناقصًا عنه على الصحيح وذلك بأن رأت الحامل الدم وفرعنا على أنه حيض
(1) فى أ، ب: الزهرى.
(2)
قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يعرف.
وأقره النووى عليه.
وقال السخاوى: لا أصل له بهذا اللفظ.
فولدت بعده بعشرة أيام مثلًا كما أوضحوه في باب النفاس.
الثاني: أيام النقاء المتخللة بين أيام الحيض إذا قلنا بقول اللفظ كما ستعرفه.
الثالث والرابع: طهر المبتدأة والآيسة، ذكرهما في الكفاية والحديث الذي ذكره الرافعي قال في "شرح المهذب": إنه حديث باطل لا يعرف.
قوله: ولو اطردت عادة امرأة بأن تحيض أقل من يوم وليلة أو أكثر من خمسة عشر وتطهر دون الخمسة عشر ففيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: إنه لا عبرة به لأن بحث الأولين أوفي،
والثاني نعم لأن المرجع في هذه المقادير إلى الوجود وقد وجد
والثالث: إن وافق ذلك مذهب أحد من السلف أخذنا به وإلا فلا انتهى.
وهذه المسألة قد نص الشافعي فيها على اتباع الوجود، كذا حكاه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" عن حكاية صاحب "التقريب" في "التقريب" ثم صححه، وقال: وكأن الأصحاب لم يطلعوا على هذا النص وحكاه أيضًا الماوردي في كتاب العدد فقال: قال الشافعي: لو علمنا أن طهر امرأة أقل من خمسة عشر يومًا جعلنا القول فيه قولها وذلك بأحد وجهين: إما أن يتكرر طهر المرأة مرارًا متوالية أقلها ثلاث مرات من غير مرض، فإن تفرق ولم يتوال لم يصر عادة أو يوجد مرة واحدة من جماعة ناء أقلهن ثلاثة، وهل يراعي أن يكون ذلك في فصل واحد في عام واحد؟ فيه وجهان، ولا يقبل ذلك إلا ممن تجوز شهادتهن ولا يقبل خبر المعتدة معهن في حق نفسها وفي قبولها في حق غيرها وجهان هذا كلامه.
وفيه فوائد متعلقة بكلام الرافعي.
قوله: ومن به جراحة نضاخة بالدم يخشى من مروره تلويث المسجد
ليس له عبوره. انتهى.
النضاخة بالخاء المعجمة وهي هاهنا كثيرة الدم ومنه قوله تعالى {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (1) أى: فوارتان.
قوله: ويجب على الحائض قضاء الصوم وإن لم يجب قضاء الصلاة لما روى أن معاذة العدوية قالت لعائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت: أحرورية أنت؟ كنا ندع الصلاة والصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضي الصوم ولا نقضي الصلاة (2). انتهى.
لم يبين رحمه الله أن قضاء الصلاة هل هو حرام أو مكروه أو كيف الحال؟ وقد اختلفوا فيه فنقل ابن الصلاح والنووي في طبقاتهما عن البيضاوي في شرحه في كتابه المسمى "بالتبصرة" أنه يحرم عليها ذلك وقياسه البطلان والذي نقلاه عن البيضاوي قد رأيته في كتابه المسمى "بالأدلة لمسائل التبصرة" واستدل عليه بأن عائشة نهت السائلة عن ذلك وبأن القضاء محله في ما أمر بفعله وليس مذكور في تصنيفه المسمي بـ"التذكرة في شرح التبصرة" فاعلم ذلك.
ورأيت في "شرح الوسيط" للعجلي أنه ذكره وذكر مثله في "الشامل" و"البحر" قال: بخلاف والمغمي عليه فإنه يستحب لهما القضاء.
والحرورية بحاء مهملة مفتوحة وبرائين مهملتين بينهما واو قال الجوهرى: هم الخوارج نسبوا إلى قرية يقال لها: حرورا بالمد والقصر كان أول اجتماعهم بها حين طعنهم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في التحكيم وخروجهم عليه، وزاد غيره إنهم كانوا يبالغون في
(1) سورة الرحمن (66).
(2)
أخرجه البخاري (315)، ومسلم (335).
التشديد في دينهم بماله أصل وبما لا أصل له وإليه أشارت عائشة رضي الله عنها، والحديث أخرج أصله الشيخان.
قوله: وهل يقال إن الصوم واجب حال الحيض؟ فيه وجهان انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن الصحيح الذي قاله الجمهور وصححه النووي في "شرح المهذب" وزوائد "الروضة" وغيرها هو عدم الوجوب.
الثاني: أن فائدة الخلاف كما قاله في "شرح المهذب" في الإيمان والتعاليق.
قلت: وفائدته أيضًا فيما إذا ماتت قبل إمكان القضاء، فإن قلنا أنها لم تخاطب به فلا فديه عليها، وإن قلنا إنها مخاطبة فيصير نظير ما إذا أفطر المسافر والمريض ومات قبل إمكان القضاء لاستمرار السفر أو المرض، والصحيح إنه لا فدية عليه وحكى الإمام عن البلخي وغيره وجوبها وعلله بأنه شهد الشهر وهو مكلف فأشبه الشيخ الهرم وحينئذ فقياسي أنها أيضًا [تفدى](1).
ونقل ابن الرفعة عن بعضهم أن فائدته في نية الأداء والقضاء، فإن قلنا بوجوبه عليها في الحال الحيض نوت القضاء وإلا نوت الأداء، فإنه وقت توجه الخطاب عليها. وهذه الفائدة رأيتها في "الذخائر" للقاضي مجلي وعبر بما ذكرته وفيه نظر فإنه لا يلزم من كونه وقت توجه الخطاب عليها أن يكون أداء بل هو قضاء على كل حال لخروج وقته الأصلي بدليل من استغرق الوقت بالنوم مثلًا فإن الصلاة التي يفعلها بعد ذلك قضاء بلا نزاع وإن كان التكليف لم يقع في الوقت لاستحالة تكليف النائم على أن صاحب "الذخائر" وغيره قد حكوا خلافًا في التكليف بها في الوقت وهو
(1) في جـ: تفتدى.
غريب.
ورأيت لبعض الفضلاء ممن قدم إلى ديار مصر بعد موت صاحب "الذخائر" بقليل ورأى إقبال الناس على كتابه تصنيفًا لطيفًا ادعى في أوله قلة بضاعة المذكور أعني صاحب "الذخائر" في العلم وعدم أهليته للتصنيف -وتقبيح ترتيب كتابه ثم شرع في [تعزيز](1) ما ادعاه بالاعتراض عليه في مواضع من الربع الأول ما بين غلط وتحريف وغير ذلك إلا أن فيه تحاملًا كثيرًا أفضى به إلى الاعتراض بما لا طائل فيه كما تقدم التنبيه عليه في ترجمته، وهذا الموضع من جمله المواضع التي تكلم فيها، فقال في أثناء كلامه عليه: وكيف تقول إذا نوت الأداء هل تقول أداء صوم شهر رمضان أو أداء صومٍ ما غير مضاف إلى صوم رمضان، وكل منهما لا يمكن صحته؟ ولقائل أن يجيب عن ما قاله مع ذكره في القسم الأول والتزام صحه النية كذلك.
قوله: وهذا التحريم أى تحريم الصوم يبقى ما دامت ترى الدم فإذا انقطع ارتفع وإن لم تغتسل بخلاف الإستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة فإن التحريم فيه ستر إلى أن تغتسل. انتهى.
واعلم أن الرافعي قد ذكر في باب الاستبراء كلامًا يوهم جواز الاستمتاع بما بين السرة والركبة بمجرد انقطاع الحيض فقال وإذا: طهرت من الحيض، وتم الاستبراء بقى تحريم الوطء حتى تغتسل، ويحل الاستمتاع قبل الغسل على الصحيح هذا كلامه، ومعناه أن الاستمتاع المحرم بسبب الاستبراء ينقطع تحريمه عما عدا ما بين السرة والركبة مطلقًا لأنه لا يخلفه معنى وأما فيما بين السرة والركبة فهل يبقى لأجل الحيض أم لا؟ لم يتعرض له؛ لأن هذا الباب ليس معقودًا له فاعلم ذلك فإنه قد يلتبس.
(1) في أ، ب: تقرير.
قوله: ثم إن جامعها والدم عبيط -أى: في أوله- تصدق بدينار وإن كان في إدباره فنصفه، لما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى امرأة حائضًا فليتصدق بدينار ومن أتاها وقد أدبر الدم فليتصدق بنصف دينار (1). انتهى.
العبيط بعين مهملة مفتوحة بعدها باء موحدة مكسورة ثم ياء بنقطتين من تحت وطاء مهملة هو الخالص الطري، قاله الجوهري.
والحديث المذكور رواه جماعات بألفاظ مختلفة منهم أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك وقال إنه حديث صحيح لكنه خالف الحفاظ فيما قاله، فقال الشافعي في "أحكام القرآن": هذا حديث لا يثبت مثله وجمع البيهقي طرقه وبين ضعفها بيانًا شافيًا، وقال في "شرح المهذب": اتفق الحفاظ علي ضعفه.
قوله: وغير الجماع ضربان.
أحدهما: الاستمتاع بما بين السرة والركبة وفيه ثلاثة أوجه: أظهرها يحزم ويحكي عن نصه في "الأم"، وثالثها: قاله أبو الفياض أن أمن الواطئ لقوة ورع أو ضعف شهوة لم يحرم والإحرام ثم قال: وأما الاستمتاع بما فوق السرة، وما تحت الركبة فجائز، وقيل: لا يجوز الاستمتاع بالموضع المتطلخ بدم الحيض. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن تصوير المسألة بالاستمتاع ذكره أيضًا في "الشرح الصغير"
(1) أخرجه أبو داود (264) و (2168)، والنسائي (289)، وابن ماجة (640)، والدارمي (1111) والدارقطني (3/ 287) وأبو يعلى (2432) والطبراني في "الكبير"(12135) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الألباني: صحيح.
والمحرر وكذلك المصنف في "الروضة" وابن الرفعة في الكفاية وغيرهم وهو شامل للنظر بشهوة وللمباشرة وهي التقاء البشرتين بشهوة قبلة كانت أو غيرها، وعبر في "شرح المهذب" والتحقيق بالمباشرة وهو يقتضي أنه لا فرق بين أن يكون ذلك بشهوة أم لا، وإن النظر لا يحرم ولو كان بشهوة.
فبين كل من التعبيرين عموم وخصوص من وجه.
الثاني: أن النووي قد اختار في التحقيق وتصحيح التنبيه و"شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" أنه لا يحرم من الحائض إلا الجماع، ولم يختره في "الروضة" ولا في المنهاج وأومئ إلى اختياره في "شرح المهذب" فقال: إنه الأقوى دليلًا.
الثالث: أن الرافعي هنا وفي "الشرح الصغير" و"المحرر" قد تكلم على ما فوق السرة وما تحتها وكذلك في الركبة، ولم يتعرض لحكم السرة والركبة وما حاذاها وتبعه عليه النووي في "الروضة"، وقال في "شرحي المهذب" والوسيط:[لم أر](*) لأصحابنا فيها نقلًا والمختار الجزم بجوازه قال: ويحتمل تخريجه على الخلاف في كونه عورة والذي قال غريب فقد نص الشافعي نفسه على المسألة فقال في باب ما ينال من الحائض ما نصه: ولا يتلذذ بما تحت الإزار منها ولا يباشرها مفضيا إليها، والسرة ما فوق الإزار هذا لفظه بحروفه، ومن "الأم" نقلته.
الرابع: أن الأصحاب قد سكتوا عن مباشرة المرأة للزوج والقياس أن مسها للذكر ونحو من الاستماعات المتعلقة بما بين السرة والركبة حكمه حكم استماعه بها ذلك المحل الأمر.
الأمر الخامس: قال النووي في "شرح المهذب" ما عدا ما ذكرناه مما
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ليست بالمطبوع، والمعنى واللفظ يقتضيها، وفي المجموع ما نصه:«وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِنَفْسِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمَا حَاذَاهُمَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا، وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: {اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِمَا عَوْرَةً، إنْ قُلْنَا عَوْرَةٌ كَانَتَا كَمَا بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا - بِالْمَذْهَبِ: إنَّهُمَا لَيْسَتَا عَوْرَةً أُبِيحَا قَطْعًا كَمَا وَرَاءَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ» .
تحت الإزار ومن المتلطخ بالدم فمباشرة فيه حلال بإجماع المسلمين، وأما ما نقله الماوردي عن عبيدة السلماني التابعي وهو بفتح العين وبفتح السين من تحريم الاستماع بجميع بدنها فلا أظنه صحيحًا. انتهى.
والذي ذكره غريب فقد حكى هو في كتاب النكاح من "الروضة" تبعًا للرافعي عن أبي عبيدة بن حربويه من كبار أصحابنا المتقدمين أنه لا يجوز على وفق هذا المذهب.
قوله: وعن عائشة قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة فحضت فانسللت فقال: "أنفست" قلت: نعم، فقال:"خذي ثياب حيضتك وعودي إلى مضجعك" ونال مني ما ينال الرجل من امرأته إلا ما تحت الإزار (1) ويروي مثله عن أم سلمه (2). انتهى.
الخميلة بخاء معجمة مفتوحة، قال الجوهرى: الخمل: الهدب والطنفسة أيضًا، والحديث المذكور رواه الشيخان وفي لفظهما مخالفة للمذكور هنا.
قوله: ومن أحكام الحيض أنه يوجب البلوغ وتتعلق به العدة والاستبراء ويكون الطلاق فيه بدعيًا وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ وما بعده. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره صريح في أن الطلاق في النفاس لا يكون بدعيًا، وليس كذلك بل هو بدعي لوجود المعنى وهو التطويل، وقد صرح [هو](3) به في كتاب الطلاق واستدركه عليه النووي هنا، وزاد على ما قاله الرافعي
(1) اْخرجه البخاري (290)، ومسلم (1211).
(2)
أخرجه البخاري (294)، ومسلم (296)، واللفظ المذكور هنا من حديث أم سلمة.
(3)
زيادة من جـ.
من أحكام الحيض منع وجوب طواف الوداع ومنع قطع التتابع في صوم الكفارة.
الأمر الثاني: أن المرأة إذا حاضت ثم انقطع حيضها [بغير](1) عارض [معروف](2) ثم طلقت، فإنها لا تعتد بالأشهر فلو لم تحض أصلا ولكنها حملت وولدت فهل يكون الحمل مانعًا من الاعتداد بالأشهر؟ فيه اختلاف واضطراب في التصحيح تعرفه في كتاب العدد، فإذا قلنا: لا يمنع وهو ما صححه النووي فلا فرق فيه بين أن ترى نفاسًا بعد الحمل أم لا، كذا صرح به النووي في "فتاويه"، ونقله الرافعي في آخر العدد عن "فتاوي البغوي" ولم يخالفه.
وإذا علمت ذلك علمت أن وجود الحيض يمنع الاعتداد بالأشهر قبل سن الإياس بخلاف النفاس فقد خالف حكم النفاس حكم الحيض في هذه المسألة أيضًا.
قوله: ويلزم المستحاضة أن تحتاط فتغسل أولًا فرجها ثم تحشوه [فإن كان الدم كبيرًا لا يندفع بالحشو تلحمت مع ذلك وتترك الحشو](3) إن كانت صائمة والتلحم إن كان اجتماع الدم يحرقها ويؤذيها ثم تتوضأ بعد الاحتياط الذي ذكرناه. انتهى.
وتعبيره بـ (ثم) في الوضوء قد تابعه عليه في "الروضة"[أيضًا](4) وهو يقتضي أنه لا تجب المبادرة إليه عقب الاحتياط وليس كذلك فقد جزم في "التحقيق" بوجوبه، وقال في "شرح المهذب": إنه على الوجهين فيمن
(1) فى أ، ب: لغير.
(2)
فى اْ، ب: معزور.
(3)
سقط من أ، ب.
(4)
زيادة من جـ.
تيمم وعليه نجاسة إلا أنا إذا صححنا الوضوء، والحالة هذه فلابد من غسل الفرج كما قاله الماوردي ووجه "التنبيه" بالتيمم أن طهارة المستحاضة لا ترفع الحدث، ولقائل أن يقول: حافظوا في مسألتنا على صحة الصوم وحافظوا فيمن ابتلع خيطًا بالليل وأصبح صائمًا على صحه الصلاة كما هو معروف في موضعه والفرق لائح.
قوله: ويلزمها أن تتوضأ لكل فريضة لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "توضئي لكل صلاة"(1) ولابد وأن تكون طهارتها للصلاة بعد دخول وقتها كما ذكرناه في التيمم، وحكى الشيخ أبو محمد وجهًا أنه يجوز أن تقع طهارة المستحاضة قبل الوقت بحيث ينطق آخرها على أول الوقت. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أن شرط صحة التيمم للنافلة المؤقتة دخول وقتها على الصحيح، وتعبير الرافعي هنا بالصلاة وتنظيره بالتيمم يشعران بأن الحكم في المستحاضة كذلك أيضًا.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" قد حكى الوجه المذكور كما حكاه الرافعي، وقد ذكر الإمام في موضعين أن هذا الوجه مفرع على وجوب المبادرة إلى الصلاة وهذا الذي نبه عليه يستفاد منه أمران.
أحدهما: بسبب اشتراط انطباق آخر الوضوء على أول الوقت فإنهم لم يتعرضوا له.
الثاني: أن هذا الوجه ليس على إطلاقه بل مقد بفضل الصلاة عقبه.
والحديث المذكور رواه الترمذي ولفظه "وتوضئ لكل صلاة حتى يجيئ [ذلك] (2) الوقت". ثم قال: إنه حسن صحيح.
(1) تقدم.
(2)
سقط من جـ.
قوله: وينبغي أن تبادر إلى الصلاة عقب طهارتها فإن أخرت نظر إن كان التأخير لا السبب من أسباب الصلاة فأوجه.
الصحيح: المنع.
والثاني: يجوز مطلقًا.
والثالث: ما لم يخرج الوقت.
فإن أخزت لسبب من أسبابها كستر العورة والاجتهاد في القبلة والأذان والإقامة وانتظار الجماعة، [والجمعة](1) ونحوها فتجوز.
ثم قال وظاهر كلام الغزالي يقتضي طرد الخلاف فيه ونفاه معظم النقلة. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: سيأتيك في باب الأذان أن المرأة لا تؤذن على المشهور، وحينئذ فيكون ذكره للأذان هنا إما تفريعًا على القول الضعيف وإما أن يكون قد أراد إجابة المؤذن وفيه بعد؛ لأن كلمة في التأخير لأسباب الصلاة، والإجابة ليست منها وبتقدير صحة الحمل عليها على ضرب من التأويل ففي جواز التأخير لها إذا منعنا التأخير لغير أسباب الصلاة نظر.
الأمر الثاني: أن كلامه يقتضي عدم الخلاف في التأخير للأسباب ويدل عليه أنه صرح بنفيه في "الشرح الصغير" وليس كذلك [فقد ذهب بعض الأصحاب كما حكاه الماوردي (2) في "الحاوي" إلى أنه لا يجوز بها التأخير لذلك] ولم يتعرض النووي لهذا الكلام الذي يشعر بنفي الخلاف.
قوله: وهل يلزمها تجديد غسل الفرج وحشوه وشده لكل فريضة؟ تنظر
(1) فى أ، ب: الجماعة.
(2)
سقط من أ، ب.
إن زالت العصابة، عن موضعها زوالا له وقع أو ظهر الدم على جوانب العصابة؛ فلابد من التجديد؛ لأن النجاسة قد كثرت وأمكن تقليلها، ولا يلتحق به الزوال اليسير كما يعفي عن الانتشار اليسير في الاستنجاء وإن لم تزل العصابة عن موضعها ولا ظهر الدم فوجهان:
أصحهما: وجوب التجديد كما تجب الوضوء وهذا الخلاف يجري فيما إذا انتقض وضوءها بلمس أذرع أو نحوها. انتهى.
وما ذكره في الزوال اليسير حكمًا وتعليلًا يوهم أن الحكم فيه والعفو عنه بالكلية حتى لا يجب التجديد وليس كذلك فإنه لو لم يحصل زوال بالكلية لكان بالتجديد واجبًا على الأصح كما ذكره بعده، فبطريق الأولى الزوال اليسير لكن مراده أنه لا يلتحق بالقسم المتفق عليه بل بالمختلف فيه حتى يدخله العفو على رأى، فاعلم ذلك واجتنب الغلط في فهمه، وقد اختصره في "الروضة" على وجه جيد.
قوله: ولو سبقت في الصلاة فثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تبطل وهو ظاهر المذهب.
والثاني: لا أثر لذلك وهو مخرج من رؤية الماء في التيمم.
والثالث: رواه الربيع أنها تخرج وتزيل الحدث والنجس وتبني ويمكن أن يكون بناء على القديم في سبق الحدث. انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أن القاضي حسين في كتاب التيمم من "تعليقه" قد نقله ما بحثه الرافعي فقال: إن أبا بكر الفارسي حكى في "عيون المسائل" في المستحاضة قولين ثم قال، وإذا قلنا لا تمض على الصلاة، فإذا اغتسلت وعادت هل تبني أو تسابق حكمها حكم من سبقه الحدث نعم فيما ذكره الرافعي نظر فإن البناء قديم والربيع من رواة الجديد.
الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" قد اختصره بقوله تطلب على المذهب، ولم يزد على هذا، وعليه انتقادان:
أحدهما: أنه لم [يستوف](1) الخلاف.
والثاني: أن الرافعي لم يحك طريقين ولا طرقا والتعبير بالمذهب على اصطلاحه يقتضي ذلك وكأنه أراد أن يعبر بقول الرافعي ظاهر المذهب فنسى لفظه ظاهر.
قوله: ولو انقطع دمها وهي لا تعتاد الانقطاع والعود [فيجب](2) إعادة الصلاة على الأصح لترددها عند الشروع فيها ثم قال: وعلى هذا لو توضأت بعد انقطاع الدم وشرعت في الصلاة ثم عاد الدم فهو حدث جديد يجب عليها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن هذه المسألة قد أسقطها من "الروضة" وذكرها في "شرح المهذب" نقلًا عن الرافعي ثم أعادها في الشرح المذكور أيضًا بعد ذلك بأسطر، فقال: فرع: لو توضأت ثم انقطع دمها انقطاعًا يوجب بطلان الطهارة فتوضأت بعد ذلك فدخلت في الصلاة فعاد ذلك بطل وضوؤها ولزمها استئنافه وهل يجب استئناف الصلاة أم يجوز البناء؟ فيه القولان فيمن سبقه الحدث انتهى.
وقد أسقط معها ثانية ذكرها -أعني الرافعي- بعد ذلك في أثناء كلامه على عبارة الغزالي، فقال: ثم عروض الانقطاع في أثناء الصلاة المفروضة قبل الصلاة بناءً على ظاهر المذهب في أن الشفاء في الصلاة كهو قبلها،
(1) فى أ، ب: يسوق.
(2)
فى جـ: وجبت.
وأسقط أيضًا ثالثة نفيسة ذكرها أيضًا في كلامه على لفظ الغزالي وهي فيما إذا انقطع وكان يعود قبل إمكان الطهارة والصلاة ولكن على ندور فنقل أن مقتضى كلام الأصحاب جواز الشروع في الصلاة اعتمادًا على هذه العادة النادرة ثم قال: ولا يبعد أن تلحق هذه العادة النادرة [بالمعدومة](1) وهو مقتضى كلام الغزالى.
الأمر الثاني: لم يبين هو ولا النووي هنا مقدار الطهارة والصلاة والمتجه الماشي على القواعد اعتبار أقل ما يمكن كركعتين في ظهر المسافر.
قوله من "زياداته": والصواب المعروف أنها تستبيح النوافل مستقلة، وتبعا للفريضة ما دام الوقت باقيًا وبعده أيضًا على الأصح. انتهى كلامه.
والذي صححه من الاستباحة بعد الوقت قد خالفه في أكثر كتبه فصحح في "التحقيق" و"شرح مسلم" و"شرح المهذب" أنها لا تستبيح وعبر في الكل بالأصح كما عبر في الروضة، ومحل هذه المسألة في "شرح المهذب" في آخر الباب قبل الكلام على سلس البول وفرق بينهما وبين التيمم بتجدد الحدث.
قوله أيضًا من "زياداته": والمذهب أن طهارة المستحاضة تبيح الصلاة ولا ترفع الحدث.
والثاني: ترفعه.
الثاني: ترفع الماضي دون المقارن. انتهى كلامه.
وهذا الثالث الذي جعله خلاف المذهب قد ذهب الأكثرون إليه كما قاله في باب الوضوء من "شرح المهذب" في الكلام على النية، فقال: الأشهر التفضيل بين الماضي وغيره، وقال في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" هناك
(1) في أ: بالمعلومة.
أيضًا إن الأكثرين قطعوا به لكنه قال: الأصح في الدليل عدم الارتفاع مطلقًا. وذكر في هذا الباب من شرح المهذب مثله فقال في المسألة ثلاث طرق.
أشهرها: يرتفع حدثها الماضي دون المقارن والمستقبل، ثم قال: والثالث وهو الأصح دليلًا لا يرتفع شئ من حدثها، وإذا علمت ما ذكره في هذه المواضع ظهر لك خطأ تعبيره بالمذهب.