الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن في الغسل
قوله: وهل يجب الغسل بخروج الحيض أو بانقطاعه؟ فيه أوجه:
أحدها: بخروجه كما يجب الوضوء بخروج البول والغسل بخروج المنى.
وثانيها: بالانقطاع لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي"(1).
وثالثها وهو الأظهر: أن الخروج يوجب عند الانقطاع، وكذلك نقول في البول والمني خروجهما يوجب الغسل والوضوء عند الانقطاع بل عند القيام إلى الصلاة. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: ما الفرق بين الوجه الأول والثالث، فإن الأول وهو القائل بالخروج يسلم أنه لا يصح إلا عند الانقطاع والتكليف به في تلك الحالة تكليف بما لا يطاق، فيكون القائل به يشترط فيه الانقطاع فيرجع إلى الثالث.
[الأمر الثاني](2) أن هذا الخلاف له فائدتان ذكرهما في "شرح المهذب" إحداهما: وقد نقلها عن صاحب "البحر" وهي في الحائض إذا استُشهدت فإن قلنا لا يجب بالخروج فلا تغسل وإلا فوجهان، وهذه الفائدة قد نقلها عنه في "الروضة" أيضًا في باب غسل الميت.
الفائدة الثانية: وقد نقلها عن صاحب "العدة" وهو أبو المكارم ابن اخت صاحب البحر وهي: إذا قلنا: إن الحائض لا تمنع القراءة، فإن قلنا إن غسل الحيض لا يجب بالخروج اغتسلت عن الجنابة وإلا فلا، لأن عليها
(1) أخرجه البخاري (226)، ومسلم (333) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
سقط من أ.
غسلين وغسل الحيض لا يمكن صحته مع جريان الدم فلا يصح الآخر؛ لأن من عليه حدثين لا يمكن ارتفاع أحدهما وبقاء الآخر كمن نام ثم شرع في البول وتوضأ في حال بوله عن النوم.
وله فائدة ثالثة لا تختص بهذا الخلاف وذلك فى التعليق بأن قال: إن وجب عليك غسل فأنت طالق.
الأمر الثالث: أن النووي في "الروضة" قد تابع الرافعي على ما صححه فقال ثم وجوبه بخروج الدم أم بانقطاعه أم الخروج موجب عند الانقطاع؟
فيه أوجه: أصحها الثالث هذا لفظه، ولم يذكر غير ذلك مما ذكره الرافعي ثم إنه خالفه في آخر باب صفة الوضوء من التحقيق فقال ما نصه: وفي موجب الوضوء أوجه.
أحدها: الحدث وجوبًا موسعًا.
والثاني: القيام إلى الصلاة.
وأصحها: أنه يجب بالأمرين والأوجه تجري فى موجب الغسل، وقيل: يجب في الحيض والنفاس بالانقطاع. انتهى.
وحاصل هذا أن الأصح أن الحيض والنفاس يجب الغسل لهما بالخروج والقيام إلى العبادة ثم خالف الكتابين جميعًا في "شرح المهذب" فقال فيه هنا ما نصه: وفي وقت وجوب الحيض والنفاس أربعة أوجه:
أحدها: بخروج الدم.
والثاني: بانقطاعه.
والثالث: بالقيام إلى الصلاة.
والرابع: بالخروج والانقطاع والقيام إلى الصلاة والأصح وجوبه بالانقطاع هذا لفظه بحروفه. وهو عكس كل من الموضعين [المتقدمين](1)
(1) سقط من أ، ب.
وفيه زيادة ونقص فتأمله.
ولم يذكرها في هذا الباب من "التحقيق" وقد سبق الخلاف في موجب الوضوء في بابه واضحًا في الكلام على النية فراجعه.
والحديث المذكور رواه البخاري ومسلم من رواية عائشة، والحيضة المذكورة فيه بكسر الحاء وفتحها فالكسر اسم لحالة الحيض والفتح للمرة من الحيض، وقال [الخطابي] الصواب الكسر وغلط من فتح، وجوز الأَكثرون الفتح بل هو أقوى كما قاله في "شرح المهذب".
وحُبيش بحاء مهملة مضمومة ثم باء موحدة مفتوحة بعدها ياء ساكنة ثم شين معجمة.
قوله: ولو أتت بولد أو ألقت علقةً أو مضغة ولم تر دمًا ولا بللًا ففي وجوب الغسل وجهان، أظهرهما: أنه يجب؛ لأنها لا تخلوا عن بلل وإن قل غالبًا، وأنه يجب الغسل بخروج الماء الذي يخلق الولد منه فبخروج الولد أولى. انتهى ملخصًا.
فيه أمور:
أحدها: أن ذكر البلل وقع في الرافعي فتبعه عليه في "الروضة" وهو غريب، وإنما عبر بعضهم بالدم وبعضهم بالنفاس، والنفاس: هو الدم حتى أن ابن الرفعة والنووي في "شرح المهذب" لم يتعرضا له بالكلية لا هنا ولا في باب الحيض، بل عبّرا تارةً بالنفاس وتارة أخرى بالدم وعلى هذا فلو ولدت ولدًا بلا دم ومعه بلل كان على الوجهين.
نعم: علل القاضي الحسين وجه الوجوب بعلتين.
إحداهما: أن ذلك لا يخلوا عن رطوبة وإن قلت، والتعبير بالرطوبة لا
ينافي ما صرح به غيره وصدر هو به كلامه.
الأمر الثاني: وقد نبه عليه في "شرح المهذب" أن شرط الدم المذكور أن يكون بعد الولادة لا قبلها ولا معها؛ لأن هذا هو شرط الدم المحكوم بكونه نفاسًا كما يأتيك في موضعه.
الأمر الثالث: أن هذا التعليل المذكور [ثانيًا](1) يقتضي جريان الخلاف في هذه الأمور مع وجود البلل والدم فعلى وجه يجب الغسل بالبلل أو الدم فقط وعلى آخر يجب بذلك وبخروج الولد أيضًا.
وفائدة الخلاف فيما إذا نوت الغسل من الولادة، فإن قلنا: إنها موجبة أيضًا صح كما إذا اجتمع على المرأة غسل جنابة وغسل حيض فاغتسلت لأحدهما فإنه يجزئ عنهما، وإن قلنا: إن الموجب إنما هو البلل أو الدم فتكون قد نوت ما ليس عليها، وحكمه أنه لا يصح على أصح الوجهين.
وهذا الخلاف الذي نبهت عليه، وكذلك فائدته قد ذكرها صاحب "التعجيز" في شرحه له.
قوله في "الروضة": ولو أولج الخنثى في بهيمة أو امرأة أو دبر رجل فلا غسل على أحد، وعلى المرأة الوضوء بالنزع منها، وكذا الوضوء على الخنثى والرجل المولج فيه. انتهى كلامه.
وتعبيره بقوله: وكذا الوضوء على الخنثى والرجل المولج فيه سهو فإنه يدخل في إيجاب الوضوء على الخنثى الصور الثلاث المتقدم ذكرها وهي إيلاجه في البهيمة وفي المرأة وفي دبر الرجل مع أنه لا يجب إلا في الصورة الأخيرة خاصة كما ذكره الرافعي لأنهما بتقدير ذكورة الخنثى جنبان وإلا فمحدثان فالمتيقن هو الأصغر، وأما الأوليان فلا يجب عليه الوضوء
(1) فى أ: هنا.
فيهما بلا نزاع، فلو قال: وكذا الوضوء على الخنثى المولج في الرجل، وعلى الرجل المولج فيه لاستقام على أنه هل يجب الوضوء بخصوصه أو الغسل؟ فيه كلام سبق في صفة الوضوء في الكلام على الترتيب فراجعه.
قوله من "زياداته": ولو كان له ذكران يبول بأحدهما وجب الغسل بإيلاجه ولا يتعلق بالآخر حكم في نقض الطهارة. انتهى.
وهذا الكلام يدخل فيه عدم النقض بمسه ويؤخذ منه أن الذكر الأصلي يعرف بالبول منه، وقد سبق إيضاح ذلك في باب الأحداث فراجعه.
قوله ولا فرق في وجوب الغسل بخروج المني بين أن يخرج منه من الطريق المعتاد أو من غيره مثل أن يخرج من ثقبة في الصلب أو في الخصية كذلك ذكره في "التهذيب" وغيره وهو ظاهر ما ذكره في الكتاب، وقال في "التتمة" حكمه في [الجنابة حكم](1) النجاسة المعتادة إذا خرجت من منفذ غير السبيلين، ويجوز أن يكون الصلب هنا بمثابة المعدة. انتهى كلامه.
وهو يقتضي تصحيح الأول، وقد صرح بتصحيحه في "الشرح الصغير" وكذلك النووي في "الروضة"، وجزم بأن الصلب كالمعدة وجزم في "التحقيق" بما قاله في "التتمة" وهو أنه لا يجب إلا حيث نقضنا الوضوء به ولم يحك فيه خلافًا، وقال في "شرح المهذب" "وشرح التنبيه" المسمى "بالتحفة": إنه الصواب.
وهو تباين فاحش إلا أن المذكور في هذين هو الماشي على القواعد فليعمل به.
وما ذكره في "الروضة" من أن الصلب كالمعدة مخالف أيضًا "للتحقيق" و"شرح المهذب" فتأمله.
(1) سقط من جـ.
ثم إنه إنما يأتي في الرجل أما المرأة فما بين ترائبها وهو عظام الصدر قال تعالى: {مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (1) أي صلب الرجل وتراب المرأة.
قوله: ولو تنبه فرأى شيئًا يحتمل أن يكون منيًا وأن يكون مذيًا لم يلزمه الغسل، ثم قال: وقد حكينا أى في صفة الوضوء وجهًا أنه يلزمه الغسل. هذا لفظه.
والوجه الذي ذكره لم يتقدم له ذكر لا في صفة الوضوء ولا في غيره فيحتمل أنه أراد الغسل مع الوضوء مرتبًا، وغسل الثوب.
نعم: هذا الوجه وهو لزوم الغسل فقط قد صرح به الشيخ تاج الدين ابن الفركاح في "الإقليد".
قوله: ثم للمني خواص ثلاثة.
إحداها: الرائحة الشبيهة لرائحة العجين والطلع ما دام رطبًا فإذا جف أشبهت رائحته بياض البيض.
والثانية: التدفق بدفعات قال الله تعالى {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} .
والثالثة: التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة ثم قال بعد ذلك: هذا في مني الرجل وأما مني المرأة فقد ذكر الإمام والغزالي إنه لا يعرف إلا بالشهوة لكن مما ذكره الأكثرون تصريحًا وتعريضًا التسوية بينهما في طرد الخواص الثلاث. انتهى كلامه.
وما ذكره من طرد الخواص الثلاثة في مني المرأة تابعه عليه في "الروضة" وخالفه في "شرح مسلم" فجعل له خاصيتين فقط في باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها ما نصه: وأما مني المرأة فهو رقيق أصفر وقد يبيض لفضل قوتها وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما.
إحداهما: أن رائحته كرائحة مني الرجل.
(1) سورة الطارق (7).
والثانية: التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه هذا كلامه فأهمل [التدفق](1)، والظاهر أنه قلد فيه ابن الصلاح فإنه ذكر في "مشكل الوسيط" أنه لا يعرف بغيرهما ثم اعترض على الرافعي غير مصرح باسمه فقال: وما ذكره بعض شارحي "الوجيز" من أن الذي ذكره الأكثرون تصريحًا وتعريضًا التسوية بينهما في طرد الخواص الثلاث فليس كما قال، وهذه تصانيفهم. هذا كلامه.
لكن قد عبر الشافعي في حقها بالتدفق فقال في أثناء كلام نقله عنه الماوردي: أو رأت المرأة الدافق وجب الغسل.
قوله في "أصل الروضة": ولو اغتسلت من جماع ثم خرج منها مني الرجل لزمها الغسل على المذهب بشرطين.
أحدهما: أن تكون ذات شهوة دون الصغيرة.
والثاني: أن تقضي شهوتها بذلك الجماع لا كنائمة ومكرهة. فإن اختل شرط لم يجب الغسل قطعًا. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أن تعبيره بالمذهب يقتضي أن الرافعي حكى طريقين وليس كذلك، بل ذكر أولًا أنه يجب بشرطين، ثم قال: وحكى وجه آخر أنه لا يشترط إعادة الغسل هذه عبارته، ولم يصرح [هو](2) أعني النووي بحكاية الطريقين في شئ من كتبه.
الأمر الثاني: أن الرافعي قد علل الوجوب في الحالة المذكورة بقوله وإنما وجب؛ لأنه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بمنيه، فإذا خرج منها ذلك المختلط فقد خرج منها منيها انتهى كلامه.
(1) فى أ، ب: النزو.
(2)
سقط من أ، ب.
والإيجاب لأجل الظن المذكور مشكل لأن تيقن الطهارة لا يرفع بظن الحدث كما ذكره هو وغيره في الباب السابق وأيضًا فلأنه إذا خرج منه شئ لم يدر هل هو مني أو مذي، وغلب على ظنه أنه مني لكون المذي لا يليق به ففيه احتمالان للإمام حكاهما عنه الرافعي، قال أعني الرافعي إن الأوفق لكلام المعظم أنه لا يأخذ بهذا الظن وهذا الذي ذكره مخالف له أيضًا.
الأمر الثالث: أن ما ادعاه من نفي الخلاف عند فوات الشرطين ليس كذلك، فإن الإمام نقل عن بعضهم أنه يجب ثم خالفه فقال: وعندي في هذا تفصيل وذكر ما تقدم ولم يصرح الرافعي بعدم الخلاف.
قوله أيضًا في "أصل الروضة": فرع إذا استدخلت منيًا في قبلها أو دبرها لم يلزمها الغسل على المذهب. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الرافعي لم يذكر في هذه المسألة طريقين ولا هو أيضًا في "شرح المهذب".
نعم عبر الرافعي بالمذهب فتابعه عليه في "الروضة" ذهولًا.
الأمر الثاني: أن مقتضى إطلاق "الروضة": أن القائل بوجوب الغسل يوجبه بمجرد الاستدخال ولا يتوقف على الخروج، وكلامه في "شرح المهذب" مضطرب، فإنه قال بعد نقله الوجوب عن أبي زيد المروزى، قال البغوي والرافعي: وعلى هذا لا فرق بين إدخالها قبلها أو دبرها كتغييب الحشفة وهذا وإن كان له أدنى خيال إذا استدخلت في قبلها لاحتمال أنها تلذذت فأنزلت منيها فاختلط به، فإذا خرج المني الأجنبي صحبه منيها لكن إيجابه بخروجه من الدبر لا وجه له ولا خيال، ودليله النصوص في أن الغسل إنما يلزمه بمنيه واتفق الأصحاب على أنها لو أدخلت في فرجها دم
الحيض، أو أدخل الرجل في دبره أو قبله المني وخرجا فلا غسل هذا كلامه فإلحاقه أولًا بالحشفة يقتضي الوجوب قبل الخروج وكلامه الأخير يقتضي عكسه.
الأمر الثالث: أنا قد استفدنا من مجموع هذا الكلام أنه لا فرق بين منيها ومني الرجل، وحينئذ فيكون ذلك مخصصًا لعموم إطلاقهم أولًا أن خروج مني الشخص موجب للغسل، لكن في أثناء ما نقلناه عن "شرح المهذب" ما يقتضي خلافه أيضًا.
قوله: وقيل يجب الغسل من الجنون وقيل: منه ومن الإغماء. انتهى. والقائل بوجوبه من الجنون خاصة قد أسقطه من "الروضة".
قوله: فيحرم على الجنب أن يقرأ شيئًا من القرآن قاصدًا به القرآن سواء كان آية أو بعضها لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن"(1).
وروى لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن شئ سوى الجنابة" (2)
(1) أخرجه الترمذي (131) والبيهقي في "الكبرى"(1375) ومريم الحنبلية في "مسندها"(10) وابن عرفة في "جزء ابن عرفة"(3) والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 90) وابن الجوزي في "التحقيق"(161) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر.
قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عباس يروى عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير، كأنه ضعف روايته عنهم.
وقال البيهقي: ليس هذا بالقوى.
وقال الألباني: منكر.
(2)
أخرجه أبو داود (229) والترمذي (146)، والنسائي (265) وابن ماجه (594) وأحمد (639) وابن خزيمة (208) وابن حبان (800) والحاكم (7083) والدارقطني (1/ 119) والطيالسي (101) وأبو يعلى (348) و (406) وابن الجعد في "مسنده"(59) من حديث علىّ رضي الله عنه.
قال الترمذي: حسن صحيح. =
وروى يحجز انتهى.
ومقتضى هذا الكلام أن الحرف يحرم، وبه صرح الماوردى، ويحتمل أن يريد بالحرف الكلمة.
وقال الشيخ عز الدين في "القواعد": الذي أراه أن القارئ إذا فرق النية فلا يثاب إلا إذا فرقها على الجمل المفيدة، قال: لأنه لا قربة في الإتيان بأحد جزئي الجملة والذي ذكره متجه وقياسه من هنا ألا يحرم.
والحديث الأول رواه الترمذي من رواية ابن عمر بإسناد ضعيف وقد ضعفه البخاري والبيهقي، والحديث الثاني رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم، وقال الترمذي: إنه حسن صحيح، وقال غيره من الحفاظ ومنهم البيهقي: إنه ضعيف؛ لأن مداره على عبد الله بن سلمة بكسر اللام، وقد كبر وخلط وإنما روى هذا الحديث بعد اختلاطه. وقال الشافعي: وأحب للجنب ألا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته أهل الحديث. [كذا](1) نقله عنه البيهقي في كتاب "المعرفة"[وسكت عليه](2).
قوله: ولا يستثني من التحريم شئ من الصور إلا إذا لم يجد الجنب ماءً ولا ترابًا وصلى على حسب الحال ففي جواز قراءة الفاتحة وجهان، أحدهما: نعم لأنها ركن في الصلاة.
وأظهرهما: أنه لا يجوز كغيرها وينتقل إلى الذكر انتهى.
تبعه عليه في "الروضة" ولكنه صحيح الأول وفيه أمران:
= وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: صحيح.
وقال الألباني: ضعيف.
قلت: وهو كما قال الشيخ الألباني فإن مداره على عبد الله بن سلمة وقد قال البخاري: لا يتابع على حديثه.
(1)
سقط من أ.
(2)
سقط من أ، ب.
أحدهما: أن كلامه يقتضي أن المتيمم في الحضر لا يلتحق بفاقد الطهورين في جريان وهو خلاف المنقول. ففي "تعليق" القاضي الحسين و"الكافي" للخوارزمي أنه يلتحق به.
الأمر الثاني: أنه يقتضي أيضًا تحريم تمكين الكافر الجنب من ذلك إذا قرأ بنفسه أو أقرأناه حيث جاز لنا تعليمه، وهو ما إذا رجى إسلامه لكنهم قد صححوا جواز تمكينه من المكث في المسجد وقياسه جواز تمكينه من القراءة إلا أن يفرق بينهما بأن حرمة القرآن أشد من حرمة المسجد، ولهذا ذكر النووي في نواقض الوضوء في "شرح المهذب" و"التحقيق" أنه يمنع من مس المصحف.
قوله: لما فرغ -يعني: الغزالي- من ذكر موجب الجنابة ذكر حكمها، وأما حكم الحيض والنفاس فيأتي في بابهما ولا يفرض في الموت [مثل هذه الأحكام. انتهى.
وما ذكره في الموت] (1) غير مستقيم لأنه يحرم به قبل وجود الغسل أمور: منها الصلاة عليه ودفنه وفي تحميله المصحف نظر.
قوله: ويحرم على الجنب مع حرم على المحدث شيئان.
أحدهما: قراءة القرآن.
ثم قال: الثاني: المكث في المسجد. انتهى كلامه.
واحترز بالمسجد عن المدرسة والرباط ومصلى العيد ونحوها فإنها لا تدخل في التحريم، وذكر في "الروضة" قبل الكلام على سجود السهو أن الدارمي حكى وجهين في مصلى العيد وأنه طردهما في دخول الكافر إياه بغير إذن.
قلت: والقياس طردهما في الربط والمدرس إذا وقفت على الصلاة أيضًا.
(1) سقط من أ، ب.
قال في "الكفاية": وقضية ذلك أن يجريا في تحية المسجد أيضًا.
نعم: كلام الرافعي يقتضي أيضًا الجواز فيما بعضه مسجد، فإن وقف حصة شائعة من أرض فإنه يصح كما دل عليه كلام "الشامل" في الشفعة، وصرح به ابن الصلاح في فتاويه، وقال قسمتها واجبة مع أنه يحرم على الجنب المكث فيها قبل القسمة تعليقًا للتحريم كما قاله في الفتاوي المذكورة والمتجه إلحاقها أيضًا بالمسجد في أمر الداخل بالتحية ونحوه بخلاف صحة الاعتكاف وصحة الصلاة فيها للمأموم إذا تباعد عن إمامه أكثر من ثلاثمائة ذراع.
نعم لو كانت الأَرض مما لا يجب قسمتها ففي بطلان الوقوف نظر.
قوله: ثم قد يعذر في المكث عند الضرورة كما لو نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج للخوف من العسس أو نحوه، وليتيمم في هذه الحالة تطهيرًا أو تخفيفًا للحدث بقدر الإمكان، ولا يتيمم بتراب المسجد انتهى ملخصًا.
فيه أمران:
أحدهما: أنه لم يبيّن [هل التيمم](1) في هذه الحالة واجب أو مستحب؟ فإنه عبر بلام الطلب التي هي محتملة [لمما](2)، وقد بين الرافعي في "الشرح الصغير" مراده، وصرح بكونه مستحبًا فقال ويحسن أن يتيمم إن وجد غير تراب المسجد انتهى.
ويؤيد كونه مستحبًا لا واجبًا، ما قاله القاضي أبو الطيب [في تعليقه أنه إذا احتاج إلى حمل المصحف ولم يتمكن من الوضوء] (3): لم يجب عليه التيمم.
وقد توهم النووي أن مراد الرافعي هو الوجوب فصرح به في "الروضة"
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ، ب.
(3)
سقط من أ، ب.
وأدخله في كلام الرافعي فاعلمه.
[قلت](1): لكن الذي قاله النووي متجه في المعنى وقد رأيته مصرحًا به في "فتاوى القفال" وهو ظاهر كلام "التتمة" فإنه قال: إلا أنه إن قدر أن يتيمم بتراب المسجد فعليه أن يتيمم لأنه قائم مقامه عند عدمه قاله في الباب السادس في الطهارات المعتبرة في الصلاة في الفصل الثالث منه.
وأما ما تقدم نقله عن القاضي فقد تقدم الكلام فيه في أواخر نواقض الوضوء، وقد أحسن ابن الرفعة في هذه المسألة، فإنه لما لم يقف فيها على نقل صريح عبر بعبارة الرافعي بعينها فقال: وليتيمم. ولو أجنب وهو خارج المسجد والماء في المسجد لم يجز أن يدخل ويغتسل في المسجد؛ لأنه مكث لحظة مع الجنابة.
قال البغوي: فإن كان معه إناء تيمم ثم دخل وأخرج فيه الماء للغسل، وإن لم يكن إناء صلى بالتيمم ثم يعيد، وقال في "شرح المهذب" إن ما قاله البغوي فيه نظر وينبغي أن يجوز الغسل فيه إذا لم يجد غيره ولم يجد إناء ولا يكفي التيمم حينئذ؛ لأنه مكث لطيف لضرورة، والذي قاله ظاهر.
الأمر الثاني: أنه لم يصرح بحكم التيمم بتراب المسجد هل هو على التحريم أو الكراهة لكن فيه إشعار بالتحريم، [وقد صرح النووي في "شرح المهذب" بذلك أعني بالتحريم](2)، كذا ذكره في الفصل المعقود لأحكام المساجد وهو في هذا الباب، وفي تعليق القاضي الحسين وجه أنه لا يحرم، وستقف إن شاء الله تعالى على المسألة مبسوطة في الحج في الكلام على مبيت مزدلفة.
والعسس: جمع عاس كخادم وخدم، وحارس وحرس وهو الذي يطوف بالليل.
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من جـ.
قوله: والعبور وإن لم يكن حرامًا فهو مكروه إلا لغرض. انتهى كلامه.
وما ذكره من كراهة الدخول عند انتفاء الغرض قد تبعه عليه أيضًا في "الروضة" ثم خالف في "شرح المهذب" فقال في أوائل الفصل المعقود لأحكام المساجد السابق ذكره قريبًا ما نصه: ولا كراهة في العبور سواء أكان لحاجة أم لغيرها، لكن الأولى ألا يعبر إلا لحاجة ليخرج من خلاف أبي حنيفة، وهذا مقتضى كلام الأصحاب تصريحًا وإشارة، وقال المتولي والرافعي: إن عبر لغير غرض كره، وإن كان لغرض فلا هذا كلامه، والأمر كما قاله في "شرح المهذب".
قوله: ثم إن نوى الجنب رفع الجنابه أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل. انتهى.
تبعه عليه في "الروضة" ومقتضاه أنه لا يصح أحدهما بنية الأخر وهو كذلك في أصح الوجهين إن تعمد، فأما إذا غلط فيصح جزمًا، كذا ذكره في أخر باب نية الوضوء من "شرح المهذب" وهو نظير ما ذكروه في الحدث الأصغر.
وهل يصح اغتسال [النفساء](1) بنية الحيض؟ سكت عنه الرافعي ومقتضى كلام "الكفاية" أنه لا يصح.
ولقائل أن يقول قد عللوا إيجاب الغسل بكونه دم حيض مجتمع ومقتضي ذلك أنه يصح.
قوله: وإن غلط الجنب وظن أن حدثه هو الأصغر فنواه لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء، وفي أعضاء الوضوء وجهان أظهرهما: أنها ترتفع عنها إلا الرأس فلا في أصح الوجهين؛ لأن فرض الرأس في الوضوء وهو
(1) فى أ: القضاء.
الذي نواه إنما هو المسح والمسح لا يجزئ عن الغسل. انتهى ملخصًا.
ورأيت في "شرح الفروع" للشيخ أبي علي السنجي استدراكًا حسنًا فقال: قلت: وإن كان الرجل كثيف اللحية؛ بحيث لا يلزمه إيصال الماء إلى ما تحتها في الوضوء ينبغي ألا يجوز غسل ذلك الموضع عن الجنابة؛ لأنه ليس في ضمن نية وجوب غسل ذلك الموضع إلا أن يقول قائل: إنه يخرج على وجهين لأن إيصال الماء إليه في الوضوء مستحب، فيكون كمن توضأ بنية التجديد، ويحتمل مواضع تطويل الغرة في الوضوء أيضًا هذين الوجهين انتهى.
والاستدراك الذي قاله صحيح والأصح في التجديد أنه لا يكفي.
واعلم أنه قد سبق لنا خلافه فيما إذا مسح زيادة على الواجب هل يقع الزائد نفلًا أو واجبًا، فإن قلنا: يقع نفلًا لم يرتفع حدث الرأس؛ لأنه لا يتصور معها التبعيض الذي لم يتعين موضعه الأمر بغسل الباقى، وحينئذ يكون لعدم الارتفاع مدركان.
أحدهما: هذا.
والثاني: ما ذكره الرافعي والقائل بارتفاعه عن الرأس لا يتصور إلا برفعه عن الجميع فيكون ذلك بناء على أن الجميع، يقع فرضًا فاعلمه.
قوله في "الروضة": ولو نوت الحائض استباحة الوطء صح على الأصح. انتهى.
هذه المسألة قد سبق الكلام عليها في باب صفة الوضوء في الكلام على غسل الوجه.
قوله: وإن لم يتوقف الفعل المنوي على الغسل كالعبور في المسجد والأذان وغسل الجمعة والعيد فالحكم ما ذكرناه في الوضوء. انتهى كلامه.
وحاصل هذا الكلام أنه لا يصح غسله على الصحيح؛ لأنه الذي صححه
هناك فقال: وإن نوى ما يستحب له الوضوء كقراءة القرآن للمحدث فوجهان:
أظهرهما: لا يصح وضوءه؛ لأن هذه الأفعال مباحة مع الحدث فلا يتضمن قصدها رفع الحدث.
والثاني: يصح؛ لأنه قصد أن يكون ذلك الفعل على أكمل أحواله ولا يكون كذلك إلا إذا ارتفع الحدث هذا كلامه حينئذ، فكلامه هناك لا إشكال في دلالته على عدم صحة الغسل عن الجنابة، وأما بالنسبة إلى الجمعة فقد يؤخذ منه عدم صحتها أيضًا، كما في نظيره من الوضوء فإن الحكم فيه كذلك، وقد لا يستلزم ذلك أن يكون اللفظ ساكتا عنه لأنا نعقل حصول غسل الجمعه بدون [غسل](1) الجنابة كما في عكسه على ما سبق إيضاحه في الكلام على نية الوضوء ولا نعقل ذلك في نظيرة من الوضوء.
وبالجملة فليس في الرافعي "والروضة" تصريح بهذه المسألة، وقد صرح بها في "المحرر" وجزم بالحصول، وقد ذكرت لفظه في الكلام على نية الوضوء، فإن الرافعي قد ذكر هذه المسائل هناك وحكى الماوردي وغيره وجهًا أنها لا تحصل؛ لأن القصد أن يكون على أكمل أحواله فإذا لم يرتفع الحدث لم يكن على الأكمل.
[قوله](2) الثاني: استيعاب جميع البدن بالغسل قال صلى الله عليه وسلم: "تحت كل شعره جنابة فبلوا الشعور وأنقوا البشرة"(3) انتهى.
(1) سقط من جـ.
(2)
سقط من جـ.
(3)
أخرجه أبو داود (248) والترمذي (106) وابن ماجه (597) والبيهقي في "الكبرى"(797) وأبو نعيم في "الحلية"(2/ 387) وتمام في "الفوائد"(867) وابن الغطريف في "جزء ابن الغطريف"(76) وحمزة بن يوسف السهمي في "تاريخ جرجان"(ص/ 102) وابن عدي في "الكامل"(2/ 192) والعقيلي في "الضعفاء"(1/ 216) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه. =
وهذا الحديث الذي استدل به وجزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف بالاتفاق ضعفه الشافعي ويحيى بن معين والبخاري وأبو داود والمتأخرين كابن الصلاح والنووي وغيرهم.
نعم: روى علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسله فعل به كذا وكذا من النار" قال على فمن ثم عاديت رأسي وكان يجز شعره رواه أبو داود ولم يضعفه، فيكون صحيحًا أو حسنًا عنده على قاعدته، وقال القرطبي في "شرح مسلم" إنه صحيح، والنووي في باب صفة الوضوء من "شرح المهذب" في الكلام على المضمضة: إنه حسن إلا أنه ناقضه أعني النووي في الشرح المذكور أيضًا فقال هنا: إنه ضعيف.
قوله في "أصل الروضة" وكذا ما يبدو من الثيب إذا قعدت لقضاء الحاجة على أصح الأوجه، وعلى الثاني لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين، وعلى الثالث يجب في غسل الحيض والنفاس خاصة لإزالة دمها، ولا يجب ما وراء ذلك ما ذكرناه قطعًا. انتهى كلامه.
وحاصله أن هذه الأوجه محلها فيما يبدو عند القعود وأن ما وراءه وهو باطن الفرج لا يجب بلا خلاف.
إذا علمت ذلك ففيه أمران:
أحدهما: أن الرافعي لم يحك الثالث فيما يبدو بل حكاه في الباطن فإنه قال: وكذلك ما ظهر من الثيب بالافتضاض وهو ما يبدو عند القعود لقضاء الحاجة دون ما وراء ذلك في أظهر الوجوه؛ لأنه صار في حكم الظاهر كالشقوق.
= ضعفه الترمذي والدارقطني والحافظ ابن حجر والألباني وغيرهم.
وهذا الحديث مداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف.
والثاني: لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين، كما لا يجب غسل باطن الفم.
والثالث: يجب عليها غسل باطن الفرج في غسل الحيض والنفاس خاصة لإزالة دمها هذا كلام الرافعي وحاصله أنه حكى في الظاهر وجهين مطلقين، وفي الباطن أيضًا وجهين:
أحدهما: قائل بعدم الوجوب مطلقًا.
والثاني: مفصل، وهذا القائل يوجب غسل المنفذ خاصة لإزالة الدم والتعليل المذكور يدل عليه بخلاف القائل بوجوبه في الظاهر، وهو الذي يبدو عند القيام، فإنه يوجب غسل ما يبدو من أعلى الفرج إلى أسفله.
وقد ذكر في "شرح المهذب" نحو ما ذكره الرافعي بإيضاحٍ وزيادة فقال: وإن كانت ثيبًا وجب إيصاله إلى ما يظهر في حال قعودها لقضاء الحاجة؛ لأنه صار في حكم الظاهر هكذا نص عليه الشافعي وجمهور الأصحاب.
[وحكى](1) القاضي الحسين والبغوي وجهًا ضعيفًا أنه يجب على الثيب إيصاله إلى داخل فرجها بناء على نجاسته.
ووجها أنه يجب في غسل الحيض والنفاس لإزالة النجاسة ولا يجب في الجنابة وقطع إمام الحرمين بأنه لا يجب على الثيب إيصاله إلى ما وراء ملتقى الشفرين هذا كلامه، واستفدنا منه أربعة أوجه.
الأمر الثاني: أن دعواه عدم الخلاف فيما وراء المذكور ليس كذلك فقد استفدنا من كلام الرافعي أن فيها وجهين ومن كلامه في "شرح المهذب" ثلاثة أوجه، وقد سبق في باب الاستنجاء في الكلام على استنجاء المرأة كلام يتعلق بما نحن فيه أيضًا فراجعه، وكلام "الكفاية" أيضًا في هذه المسألة موهم.
(1) فى جـ: وذكر.
واعلم أن ما نقله في "شرح المهذب" عن البغوي والقاضي من كون الوجوب مفرعًا على النجاسة قد نقل في "الكفاية" عن "التتمة" عكسه.
قوله: ويسامح بباطن العقد التي على الشعرات وحكى الروياني وجهًا [أخر](1) أنه يلزمه قطعها. انتهى.
ووقع في بعض نسخ "الروضة" كذلك وفي بعضها زيادة على المذكور هنا فصحح فيها خلاف ذلك.
قوله: وذهب أبو حنيفة إلى وجوب المضمضة والاستنشاق ثم قال: وذكر إمام الحرمين أن في بعض تعاليق شيخه حكاية وجه موافق لمذهب أبي حنيفة. انتهى.
وهذا الوجه مذكور في "الشرح الصغير" أيضًا، وقد أسقطه النووي من "الروضة" على أنه ساقط أيضًا من بعض نسخ الرافعي ولعله السبب في السقوط من "الروضة".
قوله في "الروضة": ولو كان على بدنه نجاسة فغسل غسلة واحدة بنية الحدث والنجس طهر عن النجس ولا يطهر عن الحدث على المذهب [فإن](2) الأصح أنه يطهر عن الحدث أيضًا والله أعلم. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن تعبيره بالمذهب يشعر بأن الرافعي حكى في المسألة طريقين أو طرق وليس كذلك، فإنما حكى وجهين ثم قال إن ظاهر المذهب أنه لا يطهر.
الأمر الثاني: أن ما صححه هنا من زوائده قد ذكره كذلك أيضًا في أكثر كتبه وجزم في هذا الباب في "شرح مسلم" بأنها لا تكفي وهو الذي جزم به في كتاب الجنائز من "الروضة" و"المنهاج"، فإن الرافعي قد قال هناك
(1) سقط من أ.
(2)
في جـ: قلت.
في "الشرحين" و"المحرر": إن أقل الغسل استيعاب بدنه بالماء بعد إزالة ما عليه من النجاسة وأقره في "الروضة" و"المنهاج" عليه مع أن الاكتفاء بالغسلة في الميت أولى لأن النية لا تجب في غسله لا جرم أن النووي في "شرح المهذب" هناك أحال الأمر فيه على المذكور في الجنابة.
الأمر الثالث: قد تقدر أن التثليث مستحب في طهارة الحدث والخبث فهل يقول الرافعي بعدم الإندراج أيضًا في المستحب كما قال به الواجب حتى يغسل العضو. ستّا أم لا؟ فيه نظر:
قوله: فنقول إن تجردت الجنابة عن الحدث الأصغر أو اجتمعا وقلنا بالصحيح وهو الاكتفاء بالغسل فالوضوء محبوب ولا يحتاج إلى إفراده بنية، فإن أوجبنا الوضوء امتنع عنده من محبوبات الغسل ولابد من إفراده بالنية انتهى ملخصًا.
واعلم أنا إذا جعلناه من المندوبات وقلنا: لا يحتاج إلى الإفراد بالنية فمقتضاه أن نية الغسل كافية في حصوله كما تكفي نية الوضوء في حصول المضمضة والاستنشاق، وبه صرح النووي في بعض كتبه وابن الرفعه [في "الكفاية"](1) ورأيته في "شرح مفتاح ابن القاص" لأبي خلف الطبري وهو باطل لأن نية الغسل على هذا التقدير لابد أن تقارن ابتداء هذا الوضوء كما في غيره إذ لو تأخرت النية إلى فراغه لم يكن المأتي به وضوءًا بالكلية فلابد أن تكون نية الغسل في أوله، ولا شك أن نية الغسل فقط غير كافيه بل لابد أن ينوي غسل الجنابة أو رفع الحدث أو استباحة [الصلاة ونحوها](2) من الأمور المعروفة في موضعها، فإذا أتى بذلك ارتفعت الجنابة عن المغسول من أعضاء الوضوء بلا نزاع لوجود النية والغسل معها إذ لا ترتيب في الغسل فلا يتصور شمول نية الغسل له أعني للوضوء وليس ذلك كالمضمضة
(1) سقط من أ، ب.
(2)
سقط من أ، ب.
والاستنشاق فإن محلهما غير محل الواجب إذا لا يجب إيصال الماء إلى باطن الفم والأنف بخلاف ما نحن فيه، والصواب في هذه المسألة أن نقول: إن تجردت الجنابة عن الحدث الأصغر نوى بوضوئه نية الغسل، وإن اجتمعا كما هو الغالب نوى به رفع الحدث الأصغر ليخرج من الخلاف، وقد ذكره في "الروضة" من زوائده وسبقه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" إلى بعضه ولكنه لم يهذبه فذكره في "الروضة" مهذبًا.
والذي قالاه مخالف في الحقيقة لقول الرافعي أنه لا يحتاج إلى إفراده بنية، ونقل النووي في "شرح المهذب" عن الأصحاب أنه لا فرق في حصول نية الغسل بين أن يقدم الوضوء كله أو بعضه أو يؤخره أو يفعله في أثناء الغسل، ولكن الأفضل تقديمه، فإن سلم للرافعي هذا فأخره المغتسل صح أن يقال: إنه لا يحتاج إلى إفراده بالنية؛ لأنه من سننه ونية الغسل قد تقدمت، ولكن ظاهر كلام الرافعي يشعر بالتقديم لا غير ولم يرد في الأَحاديث الصحيحه غيره وهو قياس ما ذكره في سنن الوضوء من اشتراط تقديم غسل الكفين على المضمضة ثم هي على الاستنشاق، وعللوه بأنه الوارد في الأحاديث.
ثم إنه إذا أخره وقد اجتمع عليه الحدثان فلا يتجه القول بأنه ينوي به رفع الحدث الأصغر كما أطلقه النووي لأنه يعتقد أنه قد ارتفع بغسل الجنابة فيكون متلاغيًا.
وقد ذكر الشافعي في "المختصر" كلامًا حاصله أنه لا يأتي بالوضوء بعد ذلك، وسأذكر لفظه بعد ذلك بنحو ورقه وقد ذكر الداوودي شارح المختصر كلامًا غريبًا فقال في أول الباب قوله: أي قول الشافعي: ثم يتوضأ وضوءه للصلاة أي يقدم غسل أعضاء وضوئه على غيرها من الأَعضاء على
ترتيب الوضوء لكان بنية غسل الجنابة؛ لأن ذلك وضوء هذا لفظه بحروفه والذي نقلناه عن الرافعي واستشكلناه منطبق عليه وينحل به إن كان موافقًا عليه.
قوله: الرابع: يفيض الماء على رأسه ثم على الشق الأيمن ثم على الشق الأيسر، الخامس: تكرار البدن ثلاثًا فإن كان بتغميس في الماء انغمس ثلاث مرات. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن هذا الكلام يوهم أن غسل الرأس والجسد يفعل مرة ثم مرة ثانية ثم ثالثة كذلك، والأخبار الصحيحة دالة على أنه يغسل رأسه ثلاثًا أولا ثم باقي جسده كذلك.
قال في "الكفاية" وهو ما نص عليه الشافعي والأصحاب كافة.
الأمر الثاني: أنهم لما نصوا على التيامن في غسل الميت اختلفوا في كيفيته على قولين: أصحهما: أنه يبدأ بمقدم شقه الأيمن وهو الذي يلي [الظهر ثم بمؤخر](1) شقه الأيسر.
والثاني: أنه يبدأ بمقدم شقه الأيمن ثم بمؤخره ثم يفعل بشقه الأيسر كذلك، وسكتوا هنا عن ذلك والمتجه طرده فيه أيضًا.
الأمر الثالث: ذكر الرافعي رحمه الله في "الشرح الصغير" أن ما ولغ فيه الكلب إذا وضعه في ماء جارٍ فجرى عليه سبع مرات كفي بخلاف الراكد [إذا تقرر ذلك فقول الرافعي هنا ينغمس ثلاثًا كلام غير محرر بل تحرير](2). المسألة أن يقال: إن كان جاريًا كفي بعد تمام انغماسه أن يمكث زمنًا يمر عليه من الماء غير ما انغمس فيه ثم مثله وهو زمن لطيف، وإن كان راكدًا فلابد من انغماسه ثلاثًا إلا أنه لا يكفي انغماسه وهو في موضعه في
(1) في جـ: الوجه ثم يقدم.
(2)
سقط من أ، ب.
حصول التثليث في الأعضاء والحاصلة في الماء، بل لابد من انفصاله بجملته ثم انغماسه ويتجه أن يلحق انتقاله بانفصاله، وقد اختصر في "الروضة" كلام الرافعي بقوله: فإن اغتسل في نهر إلى آخره فزاد الكلام خللًا؛ لأن النهر لا يكون إلا جاريًا.
قوله: السابع إذا اغتسلت الحائض أتبعت أثر الدم المساه أو طيب آخر لحديث عائشه المشهور (1)، والأولى المسك. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن ما ذكره محله في غير المعتدة التي وجب عليها الإحداد أما المذكوره فإنها تطيب المحل بقليل من قسط أو أظفار كما سيأتيك واضحًا في العدة فراجعه.
الأمر الثاني: أن الأصح في "شرح المهذب" وغيره أن استعمال الطيب يكون بعد الغسل، والحديث المذكور في الصحيحين.
قوله: في المسألة فإن لم تجد الطيب فالطين؛ لأنه يقطع الرائحة، فإن لم تجد كفي الماء انتهى.
عبر في "الروضة" في آخر الكلام بقوله: فإن لم تفعل -أي عوضًا عن تجد- ليس تعبيرًا صحيحًا.
قوله: والأَحب ألا ينقص ماء الوضوء عن مد وماء الغسل عن صاع لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع (2). انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: أن صورة المسألة أن يكون الشخص معتدل الخلقة كما كان عليه الصلاة والسلام فلو كان ضئيلًا أو متفاحش الطول أو العرض فيستحب له أن يستعمل في الوضوء ما يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد إلى جسد
(1) أخرجه البخاري (308)، ومسلم (332).
(2)
أخرجه البخاري (198)، ومسلم (325) من حديث أنس رضي الله عنه.
النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قياس الغسل قاله الشيخ عز الدين في القواعد، والحديث المذكور رواه البخاري ومسلم من حديث أنس.
الأمر الثاني: أن الرافعي لم يصرح بحكم الزيادة إلا أن كلامه وكلام غيره يشعر بأنها إذا لم يكن فيها سرف لا تكون مكروه بل مستحبة لأن المستحبات المطلوبة في الوضوء والغسل لا تتأتي إلا بالزيادة قطعًا، وقال في "الكفاية": إن كلام الأصحاب يدل على أن المستحب الاقتصار على الصاع والمد لأن الرفق محبوب وعليه يدل ما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "سيأتى أقوام يستقلون هذا فمن رغب في سنتى وتمسك بها بعث معى في حضرة القدس"(1) هذا كلامه وهو مردود رددناه عليه في "الهداية"، نعم الإسراف مكروه [وفي "شرح المهذب" وجه أنه حرام.
قوله: ويستحب أن يقول في آخره: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. انتهى.
واقتصاره على هذا عجيب، بل المقتضى لاستحباب الذكر هو القياس على الوضوء مقتضى لاستحباب جميع ما سبق هناك وهو المذكور في "التحقيق"، وقد زاد في "أصل الروضة" على ما ذكره الرافعي وحده لا شريك له وأشهد إلى أخره.
قوله من "زوائده": ولو ترك المغتسل المضمضة أو الاستنشاق أو الوضوء قال الشافعي رضي الله عنه والأصحاب: فقد أساء ويستحب أن يتدارك ذلك
(1) قال الحافظ: رواه الحافظ أبو المظفر السمعاني في أثناء الجزء الثاني من كتابه الانتصار لأصحاب الحديث من حديث أم سعد بلفظ الوضوء مد والغسل صاع وسيأتي أقوام يستقلون ذلك أولئك خلاف أهل سنتى والآخذ بسنتى معي فى حضرة القدس، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك.
انتهى كلامه.
وما نقله عن الشافعي من استحباب إعادة الوضوء سهو بل حاصل كلامه أنه يأتى بالمضمضة والاستنشاق دون الوضوء، فقد قال في "المختصر": فإن ترك الوضوء للجنابة أو المضمضة والاستنشاق فقد أساء ويجزئه ويستأنف المضمضة والاستنشاق. هذا نصه بحروفه، والغريب أن النووي قد ذكر هذا النص بعينه في "شرح المهذب" وأوضحه فقال: قال القاضي الحسين والمتولي والروياني وآخرون: وآمره باستئناف المضمضة والاستنشاق دون الوضوء لمعنيين.
أحدهما: الخلاف في المضمضة والاستنشاق وكان موجودًا في زمانه فإن أبا حنيفة وغيره ممن تقدم يوجبونهما فأحب الخروج من الخلاف والوضوء لم يكن أوجبه أحد وإنما حدث خلاف أبي ثور وداود بعده.
الثاني: أن الماء قد وصل إلى موضع دون موضعهما فأمره بإيصاله إليهما هذا كلامه.
ثم ذكر بعد ذلك عن الأصحاب: أنه يستحب استئناف الوضوء لكن استحباب المضمضة والاستنشاق آكد.
قوله: من زياداته أيضًا ولا يجب الترتيب في أعضاء الغسل لكن يستحب أن يبدأ بأعضاء الوضوء ثم بالرأس وأعالى البدن. انتهى.
وهذه الكيفية إما مخالفة للكيفية التى ذكره هو وغيره قبل ذلك استحبابها.
ولا حاجة إليها؛ لأن الرافعي قد ذكرها قبل ذلك.
قوله في "الزيادات" أيضًا: ولو أحدث في أثناء غسله جاز أن يتمه ولا
يمنع الحدث صحته لكن لا يصلي حتى يتوضأ. انتهى كلامه.
وما ذكره من إيجاب الوضوء قد ذكر مثله في "شرح المهذب" هنا وإيجابه لا يستقيم إلا في صورة خاصة أو على وجه ضعيف سبق في صفة الوضوء في الكلام على غسل الرجل إنه قال في الكتابين هناك: ومن اجتمع عليه حدث أكبر وأصغر فالصحيح أنه يكفيه غسل جميع البدن بنية الغسل وحده ولا ترتيب عليه.
والثاني: يجب نية الحدثين إن اقتصر على الغسل.
والثالث: يجب وضوء مرتب وغسل جميع البدن.
والرابع: وضوء مرتب وغسل الباقى.
ولو غسل جميع بدنه إلا رجليه ثم أحدث، فإن قلنا بالوجه الثالث وجب وضوء كامل للحدث وغسل الرجلين للجنابة يقدم أيهما شاء فتكون الرجل مغسولة مرتين، وإن قلنا بالرابع وجب غسل الرجلين بعد أعضاء الوضوء ويكون غسلهما واقعًا عن الحدث والجنابة جميعًا، وإن قلنا بالصحيح الأول فعليه غسل الرجلين عن الجنابة، وغسل سائر أعضاء الوضوء عن الحدث، ثم يتخير في تقديم غسل الرجلين وتأخيرهما وتوسيطهما. انتهى كلامه ملخصًا.
وإذا علمت ما قاله هناك اتضح لك ما قدمناه، وهو أن المذكور هنا لا يستقيم إلا على غير الصحيح أو في صورة خاصة، وهى ما إذا أحدث بعد فراغ أعضاء الوضوء.
قوله فيها أيضًا: ولو غسل يديه إلا شعرة أو شعرات ثم نتفها، قال الماوردي: إن كان الماء وصل إلى أصلها أجزأ وإلا لزمه إيصاله إليه، وفي
فتاوى ابن الصباغ يجب غسل ما ظهر وهو الأصح، وفي "البيان" وجهان:
أحدهما: عند التحقق يجب.
والثاني: لا لفوات ما وجب غسله كمن توضأ وترك رجله فقطعت انتهى كلامه.
وهذا النقل عن "البيان" ليس مطابقا لما فيه، فإنه إنما فرض المسألة فيما إذا بقى أطراف عسرة فقطع ما لم يغسله والتردد فيه واضح، وأما النتف فالذى قاله الماوردى فيه متجه وقد يوافقه عليه صاحب "البيان".