المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: فيما يبيح التيمم - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٢

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول: في المياه الطاهرة

- ‌الباب الثاني في المياه النجسة

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌الفصل الثاني في الماء الراكد

- ‌الفصل الثالث في الماء الجاري

- ‌الفصل الرابع في إزالة النجاسة

- ‌الباب الثالث في الاجتهاد

- ‌الباب الرابع في الأواني

- ‌القسم الأول: المتخذ من الجلود

- ‌القسم الثانى: المتخذ من العظم

- ‌القسم الثالث: المتخذ من الذهب والفضة

- ‌الباب الخامس في صفة الوضوء

- ‌الفرض الأول: النية:

- ‌الفرض الثانى: غسل الوجه

- ‌الفرض الثالث: غسل اليدين

- ‌الفرض الرابع: مسح الرأس

- ‌الفرض الخامس: غسل الرجلين

- ‌الفرض السادس: الترتيب

- ‌الباب السادس في الاستنجاء

- ‌الفصل الأول: في آداب قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثاني: فيما يستنجي [منه]

- ‌الفصل الثالث: فيما يستنجى به

- ‌الفصل الرابع: في كيفية الاستنجاء

- ‌الباب السابع: فى الأحداث

- ‌الفصل الأول: في أسبابها

- ‌الفصل الثاني: في حكم الحدث

- ‌الباب الثامن في الغسل

- ‌كتاب التيمم

- ‌الباب الأول: فيما يبيح التيمم

- ‌الباب الثاني: في كيفية التيمم

- ‌الباب الثالث: في أحكام التيمم

- ‌النظر الأول في شروطه وكيفيته وحكمه:

- ‌النظر الثاني في كيفية المسح

- ‌النظر الثالث في حكم المسح

- ‌كتاب الحيض

- ‌الباب الأول في حكم الحيض والاستحاضة

- ‌الباب الثاني في المستحاضات

- ‌الباب الثالث في المتحيرة

- ‌الباب الرابع في التلفيق

- ‌الباب الخامس في النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ المواقيت

- ‌الفصل الأول: في وقت الرفاهية

- ‌الفصل الثاني: في وقت المعذورين

- ‌الفصل الثالث: في الأوقات المكروهة

- ‌ الأذان

- ‌الفصل الأول: في بيان الصلاة التي هي محل الأذان

- ‌الفصل الثاني: في صفة الأذان

- ‌الفصل الثالث: في صفة المؤذن

- ‌ استقبال القبلة

الفصل: ‌الباب الأول: فيما يبيح التيمم

‌كتاب التيمم

وفيه ثلاثة أبواب:

‌الباب الأول: فيما يبيح التيمم

وهو العجز عن استعمال الماء إما لتعذره بالكلية أو لتعسره لخوف ضرر ظاهر. انتهى.

وذكر مثله في "الروضة" وليس فيه بيان محل العجز أى هل يعم الطهارات كلها أم لا؟ وقد تعرض له في المحرر فقال يتيمم المحدث والجنب [لأسباب وتبعه عليه في "المنهاج" واحترز بالمحدث والجنب](1) عن المتنجس فإنه لا يتيمم عند العجز كما صرح به الرافعي في استدلاله على تقديم المتنجس عند الوصية بالماء للأولى وذلك لعدم وروده، وحكى في التحقيق قولًا قديمًا: أنه يتيمم، وحكى في "شرح المهذب" عن القديم: أنه يمسح موضع النجاسة بالتراب إلا أن الحصر في المحدث والجنب غير مستقيم، فإن الحائض والنفساء والتى ولدت ولدًا جافًا، والمأمور بغسل مسنون كغسل الجمعة والإحرام يتيممون أيضًا، وكذلك الميت يُيمم، والقياس أن المأمور بوضوء مسنون يتيمم أيضًا كما في نظيره من الغسل وقد يقال لا يستحب ذلك كما في تجديد التيمم.

قوله في "الروضة": الثانية: أن يجوز وجوده يعني الماء تجويزًا بعيدًا أو قريبًا فيجب تقديم الطلب قطعًا. انتهى كلامه.

وما ادعاه من عدم الخلاف لا يصح، فقد حكى الصبغى في "شرح المختصر" وجهًا أنه لا يجب الطلب أيضًا إذا غلب على ظنه العدم، وذكر

(1) سقط من أ.

ص: 272

الإمام في "النهاية": أن بعض المصنفين حكى في المسألة وجهين وعنى به الفورانى فإنه اصطلاحه في المراد بهذه العبارة.

وقد نقلها في "البيان" عنه أيضًا، أى عن الفورانى ولم يتعرض الرافعي لنفي الخلاف.

قوله: ويشترط أن يكون الطلب بعد دخول الوقت ويجوز أن يثبت فيه على أظهر الوجهين. انتهى.

تابعه في "الروضة" على عدم صحة الطلب قبل الوقت وزاد في أثناء الباب فقال: لو طلب مع الشك [في الوقت لم يصح أيضًا وإن صادف الوقت ويتجه أن يكون محل ذلك كله](1) فيما إذا لم يتيقن بالطلب الأول عدم الماء فإن تيقن كفي وبتقدير ألا يتيقن فلا يبعد كما قاله في "الكفاية" أن يتخرج على الخلاف في التيمم لصلاة أخرى وكلام الرافعي يشعر بأن الإذن في الطلب يجوز تقديمه على الوقت وهو متجه.

قوله: حتى لو بعث النازلون واحدًا فطلب لهم أجزأ عن جميعهم. انتهى.

وهذه المسألة قد حذفها النووي من هذا الموضع ثم ذكرها بعد ذلك من "زوائده".

قوله: ولا خلاف أنه لا يسقط بطلبه الطلب عن من لم يأمره ولم يأذن له انتهى كلامه.

وما ادعاه من عدم الخلاف تابعه عليه في "الروضة" وغيرها لكن كلام الماوردي والروياني دال على عدم اشتراط الإذن وهو الظاهر من جهة المعنى.

(1) سقط من أ.

ص: 273

قوله: والطلب أن يفتش رحله فإذا لم يجد نظر يمينًا وشمالًا وقدامًا وخلفًا إن استوى موضعه، وإن لم يستو نظر وإن كان يخاف على نفسه أو ماله لم يجب الطلب، وإن لم يخف تردد إلى حد لو استعان بالرفقة لأغاثوه مع ما هم عليه من التشاغل، وهذا الضابط ذكره الإمام وتابعه الأئمة من بعده عليه، وليس في الطرق ما يخالفه ثم قال: وهذا إذا كان وحده فإن كان في رفقة إلى أخره. انتهى ملخصًا.

تابعه عليه في "الروضة" وفيه أمور:

أحدها: أن تقييد الخوف بنفس الطالب وماله وغير مستقيم، فأن أهله ورفقته في ذلك كنفسه بلا شك، ولهذا عدل النووي في "المنهاج" عن عبارة "المحرر" وأتى بها منكرًا فقال: إن لم يخف ضرر نفس أو مال.

الأمر الثاني: أنه لو خاف على ما ليس بمال مما هو منتفع به كالكلاب والسرجين فالمتجه أنه لا يجب أيضًا الطلب وفيه كلام سيأتى عقبه.

الأمر الثالث: أن مقتضى إطلاقه أنه لا فرق في المال الذى يخاف عليه بين أن يكون مقدار ما يجب بذله في تحصيل الماء ثمنًا أو أجره أو يكون أكثر منه، وقد اختلف فيه كلامه في "شرح المهذب" فجزم في أواخر الكلام على قوله قال: فإن دل على ماءٍ بأن الخوف على هذا المقدار لا يمنع من وجوب الطلب وجزم قبله بنحو ورقتين بأنه لا فرق، وهذا هو مقتضى إطلاق الأكثرين وهو القياس أيضًا لأنه يأخذه من لا يستحقه.

نعم: ذكروا في باب الوصية أنه لو أوصى بكلاب ونحوها وخلف شيئًا من المال صحت وصيته على الصحيح؛ لأن المال وإن قل خير منه فيتجه أن يقال بمثله هنا، على القول بأن الخوف على مقدار ما يجب بذله لا يمنع

ص: 274

الطلب؛ لأن هذا المقدار خير من الكلاب ونحوها وإن كثرت، فلا يكون الخوف عليها مانعًا.

الرابع: أنه إذا فرض الكلام فيما إذا كان وحده فكيف تجئ الاستغاثة بالرفقة لأن الفرض ألا رفقة فإن قيل المراد أنه يتردد إلى حد لو كان هناك رفقة واستغاث بهم لأغاثوه، قلنا: لا يستقيم أيضًا، لأن الرفقة الذين تعذر وجودهم لا ضابط لعددهم وحصول الغوث والاستغاثة تختلف فيه المسافة بكثرة الرفقة وقلتهم، وبالجملة فهو غلط ويوضح غلطه أن الرافعي قد نقله عن الإمام كما تقدم، والإمام إنما ذكره في حالة وجود الرفقة وأيضًا فإن الرافعي في "المحرر" قد عدل عن هذا الضابط بالكلية فقال: نظر في الجوانب الأربع إن كان في مستوٍ [وإن احتاج إلى التردد بحسب ما كان ينظر إليه هذه عبارته فقوله وإن احتاج أي بأن كان غير مستو](1)، وقوله ما كان ينظر إلى بقدر ما كان بنظره في مستوى، وضبط بعضهم المنظور إليه عند الإستواء بغلوه سهم كذا نقله في "الشرح الصغير".

الأمر الخامس: أن ما ذكره الرافعي من أنه ليس في الطرق ما يخالف تفسير الإمام عند عدم استواء الأَرض ليس كذلك، فقد ضبطه صاحب "الشامل" بأن يصعد على مرتفع وينظر وكذلك صاحب "البيان"، وضبطه القاضي حسين في تعليقه بأن يمشى بقدر غلوة سهم، وذكر الماوردى أيضًا ما يخالفه فقال: كل موضع لو تيقن وجود الماء فيه منع من التيمم وحيث إذا جوز وجود الماء فيه ألا يجوز له التيمم قياسًا على رحله هذا كلامه ذكر في "التتمة" مثله.

وقد ذكر الرافعي أن حد الغوث الذى يجب فيه الطلب عند التوهم دون

(1) سقط من أ، ب.

ص: 275

المقدار الذى يجب فيه الطلب عند التحقق، وهو المسافة التى يسير إليها المسافرون للرعى والاحتطاب ونحوها من حاجاتهم فقول الماوردى: إنه يجب عند التوهم في المقدار الذى يجب فيه القصد عند التحقيق مقتضى لعدم ضبطه بما قاله الإمام وهو مسافة الغوث فإنه أوجب الطلب في ما فوقها أيضًا، ولهذا قال الماوردى أيضًا فيما إذا كان سائرًا وعلم أنه يصل الماء في آخر الوقت إن كان في منزله الذى هو فيه عند دخول الوقت كان تأخير الصلاة إلى استعمال الماء واجبًا، لأن المنزل كله محل للطلب، وإن كان تيقنه لوجود الماء في غير منزله كان تأخير الصلاة مستحبًا.

قوله: الحالة الثالثة: أن يتيقن وجود الماء حواليه وله ثلاث مراتب: الأولى: أن يكون على مسافة يسير إليها النازلون للاحتطاب والاحتشاش والرعى فيجب السعي إليه، وهذه المسافة فوق حد الغوث. قال محمد بن يحيى: لعله يقرب من نصف فرسخ. انتهى.

وهذا الضابط الذى ذكره وتبعه عليه في "الروضة" قد ذكر في المسألة التى بعدها ما يخالفه فقال ما حاصله: أن القدر الذى يسير إليه المسافرون لأغراضهم يختلف صيفًا وشتاءً وتؤثر فيه وعورة المكان وسهولته والمعتبر من ذلك هو الوسط المعتدل لا الحال الذى هو فيه وحذف النووي ذلك.

قوله: المرتبة الثانية: أى من مراتب تيقن الماء: أن يكون بعيدًا عنه بحيث لو سعى إليه لفاته فرض الوقت فيتيمم ثم الأشبه بكلام الأئمة أن الاعتبار في هذه المسافة من أول وقت الصلاة الحاضرة: لو كان نازلًا في ذلك الموضع ولا بأس باختلاف المواقيت في الطول والقصر ولا باختلاف المسافة في السهولة والصعوبة، فإن كان التيمم لفائتة أو نافلة اعتبر بوقت الفريضة الحاضرة وعلى هذا لو انتهى إلى المنزل في أخر الوقت والماء في حد القرب وجب قصده

ص: 276

والوضوء، وإن فات الوقت كما لو كان الماء في رحله فإنه يتوضأ وإن فات الوقت. انتهى كلامه.

اعترض عليه النووي في "شرح المهذب" و"الروضة" وغيرهما فقال: هذا الذى ذكره الإمام الرافعي ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب من اعتبار أول الوقت ليس كما قاله، بل الظاهر من عباراتهم أن الاعتبار بوقت الطلب هذا هو المفهوم من عباراتهم في كتبهم المشهورة والمهجورة، وهو ظاهو نص الشافعي رضي الله عنه في "الأم" وغيره، فإن عبارته وعبارتهم وإن دل على ماء ولم يخف فوت الوقت ولا ضرر ألزمه طلبه هذا نصه ونصهم وهو صريح أو كالصريح فيما قلته وقد ثبت ذلك وأتقنته والله أعلم. هذا كلامه في "الروضة"، وذكر مثله في "شرح المهذب" لكن قد نقل الفورانى في "الإبانة" عن نص الشافعي أنه يلزمه قصده وإن خرج الوقت.

قوله في "أصل الروضة": المرتبة الثالثة أن يكون بين المرتبتين فيزيد على ما يسير إليه النازلون ويقصر عن خروج الوقت فهل يجب قصده أم [يجوز](1) التيمم، نص الشافعي أنه إن كان عن يمين المنزل أو يساره وجب قصده وإن كان صوب مقصده لم يجب فقيل بظاهر النصين، وقيل فيهما قولان والمذهب جواز التيمم. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن الرافعي قد رجح طريقة القولين فقال: وهذه الطريقة أظهر من الأولى هذا لفظه، والعجب

من حذف النووي له.

(1) في جـ: يجب.

ص: 277

الأمر الثاني: أن الرافعي قد حكى طريقة ثالثة عن "التهذيب" وهي أنه لا يجب يمنه ويسرة وفي صوب مقصده قولان وهذه الطريقة قد أسقطها أيضًا من "الروضة" وهى عكس المنقول في "الروضة" عن النص.

قوله: وظاهر المذهب جواز التيمم، وإن علم الوصول إلى الماء في أخر الوقت، روى أن ابن عمر -رضى الله عنهما- أقبل من الجرف حتى إذا كان بالمربد تيمم. انتهى.

عبر النووي في "الروضة" هنا بالمذهب عوضًا عن قول الرافعي ظاهر المذهب فاقتضى ذلك أن الرافعي قد حكى طريقين وليس كذلك والجرف بضم الجيم وإسكان الراء وضمها أيضًا ما أكلته السيول من الأَرض والمربد بكسر الميم وسكون الراء مع الباء الموحدة وبالدال المهملة هو الموضع الذى تحبس فيه الإبل وغيرها، وأهل المدينة يطلقونه على الموضع الذي يجفف فيه التمر قاله الجوهري.

والأثر المذكور رواه الشافعي بإسناد صحيح كما قاله في "شرح المهذب" قال: والجرف بينه وبين المدينة ثلاثة أميال والمربد موضع بقرب المدينة.

قوله: وإن لم يتيقن وجود الماء في آخر الوقت ولكن رجاه فقولان أصحهما: أن التقديم أفضل.

والثاني: عكسه ثم قال: ولا يخفى أن موضع القولين ما إذا اقتصر على صلاة واحدة أما إذا صلى بالتيمم في أول الوقت وبالوضوء في أثنائه فهو النهاية في إحراز الفضيلة. انتهى كلامه.

وما ذكره من اختصاص القولين بحالة الاقتصار على الصلاة الواحدة

ص: 278

وأن ذاك هو النهاية، أخذه الرافعي من النهاية للإمام وتبعه عليه في "الروضة" و"شرح المهذب" وغيرهما، وهو مردود لأن الفرض في الصلاة المعادة هى الأولى على الصحيح، ولم يحصل لها فضيلة الطهارة بالماء وهذا أعني أداء الفرض بالماء هو مدرك القائل باستحباب التأخير فكيف يكون هذا الفعل هو النهاية مع فوات هذا المعنى؟ ، وقد جزم القاضي الحسين في تعليقه على الكلام في رؤية [المتيمم](1) الماء في أثناء الصلاة بأن من صلى بالتيمم ثم وجد الماء لا يستحب له إعادتها به قال بخلاف من صلى منفردًا ثم أدرك جماعة.

وما ذكره القاضي قد رأيته مجزومًا به أيضًا في فتاوى القفال وعلله بقوله إذ لا فضل للصلاة بالوضوء على الصلاة بالتيمم عند عدم الماء قال بخلاف الانفراد بالصلاة للخبر.

قلت: والفرق هو [بالبدل](2) الإتيان في التيمم بخلاف المنفرد، ونقله أيضًا الرويانى في "البحر" عن الأصحاب ونقله عنه في "شرح المهذب" ولم يخالفه فيه، وقد ذكر ابن الرفعة أيضًا في "الكفاية" نحو ما ذكرناه وأيده ببعض ما أيدناه.

ولك أن تقول ما الفرق بين تصحيح استحباب التقديم في مسألتنا وبين من رجى زوال عذره المسقط للجمعة قبل فوات الجمعة، فإن الأصح هناك استحباب التأخير لاحتمال زواله، وقد يفرق بأن الجمعة تفعل في أوائل الوقت غالبًا فتأخير الظهر إلى فواتها ليس بفاحش بخلاف التيمم فإنه لا ضابط في التأخير له فيلزم منه التأخير إلى أخر الوقت ويخاف مع ذلك

(1) سقط من أ، ب.

(2)

سقط من أ، ب.

ص: 279

فوات الصلاة.

قوله: في المسألة فإن استوى الطرفان عنده أى الوجود في أخر الوقت وعدمه فلا جريان للقولين في هاتين الحالتين بل التعجيل أولى لا محالة وربما وقع في كلامهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا العدم [ولا وثوق به وكأن ذلك القائل أراد بالظن اليقين. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما قاله من نفي الخلاف في حالة التساوى تبع فيه الإمام، والإمام قلد القاضي الحسين وهو باطل فقد صرح جماعات كثيرة بجريان القولين في هذه الحالة، فقال الشيخ أبو حامد والماوردى والمحاملى في "التجريد": لو كان لا يعلم وجود الماء في آخر الوقت ولا عدمه ولم يكن أحد الاحتمالين في وجوده وعدمه أقوى من الآخر ففيه القولان وقال القاضي أبو الطيب: فإن كان يرجوا وجود الماء ويرجو عدمه ففيه قولان وعبارة البندنيجي وإن وقف بين الأمرين فقولان، وعبارة "المهذب" وإن كان يشك ففيه قولان، وهذا الذي ذكرناه قد نقله في الكفاية عن العراقيين قاطبة، وذكر في "الروضة" بعضه وقد علم بطلان ما قاله الرافعي نقلًا وتأويلًا.

الأمر الثاني: أن قول الرافعي: "ولا العدم" قد أسقطه من "الروضة" فأفسد المعنى.

قوله أيضًا في المسألة: وذهب الإمام والغزالي إلى أن تقديم الصلاة منفردًا أفضل من التأخير لحيازة الجماعة، واحتجاجه للقول الأول فيما إذا رجا الماء وعكسه صاحب "الإفصاح" واحتج به للقول الثاني وقال آخرون وفيه خلاف مبني على الخلاف في تأخير التيمم. انتهى ملخصًا.

ص: 280

فيه أمور:

أحدها: أن هذا الكلام في الرافعي يقتضي أن مسألة الجماعة فيها ثلاث طرق مفروضة أيضًا في حالة الظن لا في حالة اليقين وإلا لم يحسن الاستدلال، وبه صرح البندنيجي وابن الصباغ وغيرهما من العراقيين وكلامه في "الروضة" لا يدل على ذلك، فإن جعلها مسألة مستقلة ولم يتعرض إلى الاستدلال بما على تلك فقال: أما تعجيل المتوضئ وغيره الصلاة في أول الوقت منفردًا وتأخيرها لانتظار الجماعة ففيه ثلاث طرق قيل: التقديم أفضل، وقيل: التأخير، وقيل: قولان.

قلت: قطع معظم العراقيين بأن التأخير للجماعة أفضل، ومعظم الخراسانين بأن التقديم منفردًا أفضل، وقال جماعة: هو كالتيمم فإن تيقن الجماعة في آخر الوقت فالتأخير أفضل، وإن ظن عدمها فالتقديم أفضل، وإن رجاها فقولان فينبغي أن يتوسط فيقال: إن فحش التأخير فالتقديم أفضل وإن خف فالتأخير أفضل، وموضع الخلاف إذا اقتصر على صلاة واحدة فأما إذا صلى أول الوقت منفردًا وآخره في جماعة فهو النهاية في إحراز الفضيلة وقد جاء به الحديث في صحيح مسلم.

هذا كلامه في "الروضة" ولا يؤخذ منه ما يؤخذ من كلام الرافعي من كون هذه الطرق مفروضة في حال الظن بل يؤخذ منه أن الطريقين الأولين عامان وإلا لم يحسن الطريق الثالث المنفضل وهو فاسد بلا شك فكيف يقطع بأن التأخير أفضل عند [ظن](1) الحصول، ولو عبر في الطريق الثالث بقوله: وقيل على القولين في التيمم لكان كلامه مستقيمًا مطابقًا لكلام الرافعي وحينئذ يكون التفصيل بين الفحش وعدمه راجعًا إلى حالة ظن

(1) في جـ: عدم.

ص: 281

الجماعة وهو مراد النووي بلا شك وكأنه لما اختصر كلام الرافعي تصرف في حكاية الثالث فلزم الوهم.

الأمر الثاني: أنه إذا ظهر لك جميع ما قلناه ظهر لك أن كلام الرافعي ساكت عن حالة يقين الجماعة، وقد تعرض في "شرح المهذب" لهذه الحالة أعني لحالة اليقين فقال بعد حكاية الخلاف ما نصه: فإن أراد الاقتصار على صلاة واحدة فإن تيقن حصول الجماعة آخر الوقت فالتأخير أفضل لتحصيل شعارها الظاهر، ولأنها فرض كفاية على الصحيح في مذهبنا وفرض عين على وجه لنا وهو قول ابن خزيمة من أصحابنا وهو مذهب أحمد بن حنبل وطائفة ففي تحصيلها خروج من الخلاف ولم يقل أحد أنه يأثم بتأخيرها، ويحتمل أن يقال: إن فحش التأخير فالتقديم أفضل وإن خف فالانتظار أفضل هذا كلامه.

[وما ذكره ثانيًا من أن محله إذا اقتصر على صلاة واحد فيه نظر تقدم ذكره قبل هذا بقليل في الكلام](1) على أنه إذا رجا الماء هل يستحب له التأخير أم لا؟ لكن الحديث الذي أشار إليه يعضده وهو ما ثبت في "صحيح مسلم"(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيجيء أئمة يؤخرون الصلاة عن أول وقتها قال: فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة.

الأمر الثالث: أن هذا الخلاف المذكور في أن الأفضل التقديم أو التأخير ينبغي تقييده بما إذا أوقع الصلاة كلها في الوقت، فإن خرج بعضها فلا شك في مرجوحيته وإن جعلناها أداء للخلاف المشهور في جوازه.

(1) سقط من جـ.

(2)

رقم (534) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 282

الأمر الرابع: أن النووي قد أسقط من "الروضة" قول الرافعي إلا لعدم فأفسد المعنى.

واعلم أنه قد يصور لك في أصل المسألة أن الشخص قد يتعلق به وجوب فعل ومع ذلك فالأفضل له ألا يفعله في ذلك الوقت بل يؤخر وله نظائر فمنها تأخير الصلاة ليصلي بالماء إذا تيقنه وتأخيرها في شدة الحر بالشروط المعروفة بخلاف زكاة الفطر فإنها تجب بالغروب ويستحب تأخيرها إلى يوم العيد قبل الصلاة كما قاله ابن الرفعة وغيره، ولكن رأيت في الأم في كتاب اختلاف مالك والشافعي أن ابن عمر يخرجها قبل الفطر بيومين أو ثلاث ثم قال ما نصه قال الشافعي: هذا حسن واستحسنه لمن فعله هذا لفظه بحروفه من "الأم" نقلته.

وبخلاف دم التمتع فإنه يجب بالإحرام بالحج ويستحب له تأخيره إلى يوم النحر كما قاله الرافعي وغيره ومسألة دم القران ففيه أفعال يوم النحر كالحلق وطواف الإفاضة، ورمى جمرة العقبة فإن وقتها يدخل بنصف الليل، ولكن يستحب تأخيرها إلى يوم النحر.

[فإذا](1): تقررت هذه الصورة وما أشبهها فلو مات من أمرناه بتأخير الصلاة ونحوها قبل الفعل فيظهر ألا يعصي جزمًا لأن الفرض أنه ما فوت بالتأخير وقد أحسن باتباع الأمر فكيف يعصي وعلى هذا فيستثني من إصرار الخلاف في الصلاة وما أشبهما.

قوله: من "زياداته" قال صاحب الفروع: لو خاف فوات الجماعة لو أكمل الوضوء فلحاق الجماعة أولى وفيه نظر. انتهى.

(1) في الأصل: قوله.

ص: 283

وهذا الحكم الذي نقله عن بعضهم وتوقف فيه قد ذكر مثله في "شرح المهذب"، وقد ارتضاه في التحقيق فإنه جزم له ولم ينقله عن أحدٍ قال: والمراد بإكمال الوضوء أن يأتي بآدابه.

قلت: إن للمسألة نظائر.

فمنها: إذا علم أنه لو قصد الصف الأول لفاتته الركعة، قال النووي في "شرح المهذب" والتحقيق: الذي أراه يحصل الصف إلا في الركعة الأخيرة فتحصيلها أولى وكلامه يدل على أنه لم يجد لأحدٍ فيها نقلًا ولم يذكرها في "الروضة".

ومنها: إذا ضاق الوقت عن سنن الصلاة وكانت بحيث لو أتى بها لم يدرك ركعة، ولو اقتصر على الواجب لأوقع الجميع في الوقت، ذكر البغوي في فتاويه ما حاصله أن السنن التي تجبر بالسجود يأتي بها بلا إشكال، وأما غيرها فالظاهر الإتيان بها أيضًا لأن الصديق رضي الله عنه كان يطوّل القراءة في الصبح حتى تطلع الشمس قال: ويحتمل ألا يأتي بها إلا إذا أدرك ركعة هذا حاصل كلامه وهي مسألة كثيرة الوقوع غزيرة النقل.

وفيما قاله نظر وينبغي ألا يجوز له فعل شئ من السنن إذا قلنا أن إخراج بعض الصلاة عن الوقت لا يجوز فأن المتوضئ إذا كان بحيث لو غسل كل عضو ثلاثًا لم يكف ماؤه قال البغوي في فتاويه يجب أن يغسل مرةً مرةً فلو غسل ثلاثًا فلم يكف وجب التيمم ولا يعيد لأنه صب الماء لغرض التثليب فليس كما لو صبه سفهًا وصار كما لو أمكن المريض أن يصلي قائمًا بالفاتحة فصلى قاعدًا بالسور جاز.

ص: 284

هذا كلامه وظاهره التعرض حيث قال: أولًا يجب، وقال آخرًا: جاز وكان مراده بقوله يجب إنما هو ينبغي لأن أخر الكلام صريح لا يحتمل تأويلًا لكن جزم النووي في أول باب فرض الوضوء وسنته من "شرح التنبيه" المسمى تحفه التنبيه بوجوب الاقتصار على فرائضه عند ضيق الوقت أو الماء عن سنته.

قوله: ولو انتهى إلى بئر وعلم أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد خروج الوقت فقد نص فيه وفي مثله في الثوب الواحد يتناوب عليه جماعة من العراه أنه يصبر، ونص فيما لو اجتمعوا في سفينة فيها موضع واحد يمكن فيه الصلاة قائمًا ولا تجئ نوبيته إلا بعد خروج الوقت على أنه يصلي قاعدًا.

واختلف الأصحاب على طريقين أظهرهما على قولين بالنقل والتخريج، أظهرهما أنه يصلي في الوقت بالتيمم وعاريًا وقاعدًا لحرمة الوقت.

الثاني: يصبر لقدرته على الوضوء واللباس والقيام، والطريقة الثانية تقرير النصين والفرق أن القعود أسهل ولهذا جاز تركه في النقل بخلاف الوضوء والسنن انتهى ملخصًا.

وهذان التصحيحان أعني تصحيح طريقة التخريج وتصحيح الصلاة في الوقت بتيمم وبقعود وتعرى قد نقل النووي في أصل "الروضة"[طريقين](1).

أحدهما: وهو تصحيح التخريج وحذف الآخر وهو المقصود المعني به ثم ذكر من زياداته ما حذفه وضم إليه ما لم يحذفه فقال: قلت: الأصح من الطريقين إجراء القولين في الجمع وأظهرهما يصلي في الوقت بالتيمم

(1) سقط من أ.

ص: 285

وعاريًا وقاعدًا ولا إعادة على المذهب هذه عبارته وهو اختصار عجيب، وذكر الرافعي المسألة في "الشرح الصغير" أيضًا كما ذكرها في الكبير.

قوله: وإذا وجد الجنب ماء لا يكفيه لغسله أو المحدث ما لا يكفيه لوضوئه: ففيه قولان: أحدهما: لا يلزمه استعماله بل يتيمم كما لو وجد بعض الرقبة في الكفارة.

وأصحهما: أنه يجب استعماله ثم يتيمم عن الباقي كما إذا كان بعض أعضائه صحيحًا والبعض جريحًا ثم قال: وأما إذا كان الشخص محدثًا ولم يجد إلا ما يصلح للمسح كثلج وبرد لا يذوب فالأظهر القطع بالاقتصار على التيمم وقيل على القولين. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن تصويرهم المسألة في الوجوب يشعر بجواز الاستعمال جزمًا وهو كذلك بل حكى في "شرح المهذب" الاتفاق على استحبابه حتى إذا استعمل المقدور عليه ثم قدر على الباقي فيكمل وفيه نظر ويقويه استدلالهم ببعض الرقبة فإنه كما لا يجب اعتاقه عن الكفارة لا يصح أيضًا.

الأمر الثاني: أنه لم يبين هو ولا النووي في "الروضة" حكم القضاء هل يجب أم لا؟ ، وقد بينه في "شرح المهذب" هنا فقال ما نصه: ولا إعادة عليه على المذهب، وبه قطع الجمهور وحكى الدارمي وجهًا أن الإعادة تجب. ذكره في أول باب المياه، وقد ذكرته أنا هناك انتهى كلامه.

والأمر كما ذكره هناك لكنه ذكره مخالفًا للمذكور هنا فإنه حكى في الإعادة ثلاثة أوجه، وصحح الثالث وهو وجوبها على الحاضر دون المسافر ذكر ذلك قبيل قوله: قال المصنف: وما ينبع من الأرض إلى آخره.

ص: 286

قوله: فإن أوجبنا فيغسل المحدث وجهة ثم يديه على الترتيب ويغسل الجنب من جسده ما شاء ولكن الأولى أعضاء الوضوء والرأس. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن النووي في "الروضة" قد أهمل الرأس واقتضى كلامه مساواتها لباقي الجسد وأهملها أيضًا من التحقيق فقال: وأعضاء الوضوء أولى وقيل أعلا البدن.

الثاني: أنه في "شرح المهذب" قد حكى هذين الوجهين من غير ترجيح أعنى ما قاله الرافعي والقائل بأعالي بدنه ثم توسط بينهما فقال المختار البداءة بأعضاء الوضوء ثم بالرأس ثم بالشق الأيمن كما يفعل من يغسل جميع البدن.

قوله: والقولان محلهما إذا قدر أيضًا على التراب فإن لم يقدر عليه فالأظهر القطع بوجوب استعمال الناقص والفرق بينه وبين ما إذا وجد بعض الرقبة ولم يقدر على الصوم والإطعام حيث لا يؤمر بالإعتاق أن الكفارات [على التراخي. انتهى كلامه.

وهو صريح في أن الكفارات] (1) الواجبة بالتعدي تكون على التراخى؛ لأنه مثل بكفارة الظهار والمجامع في رمضان، وهذه المسألة قد ذكرها الرافعي رحمه الله في مواضع من هذا الكتاب واختلف كلامه فيها اختلافًا عجيبًا وتبعه عليه في "الروضة" وقد أوضحت ذلك في كتاب الظهار.

قوله من "زوائده": ولو كان جنبًا أو محدثًا أو حائضًا وعلى يديه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما تعين للنجاسة فيغسلهما ثم يتيمم فلو تيمم ثم غسلها جاز على الأصح انتهى.

وجواز التيمم قبل غسل النجاسة قد صححه أيضًا من "زياداته" قبيل

(1) سقط من أ، ب.

ص: 287

الباب الئالث من كتاب التيمم فقال: ولو كانت يده نجسة فضرب بها على ترابٍ ومسح وجهه جاز على الأصح ولا يجوز مسح النجسة قطعًا انتهى كلامه.

[إذا علمت ذلك](1) فقد صحيح في آخر باب الاستنجاء من زياداته أيضًا عكس هذين الموضعين فقال: ولو تيمم وعلى بدنه نجاسة أخرى فهو كالمتيمم قبل الاستنجاء وقيل: يصح قطعًا والصواب ما ذكره هناك وهو عدم الصحة فقد نص عليه الشافعي في "الأم" كما نقله عنه ابن الصباغ في "الشامل" وصححه هو والقاضي أبو الطيب والشيخ نصر والشاشي وغيرهم. ولو طرأت عليه النجاسة بعد التيمم، وقلنا: إن التيمم معها لا يصح، قال الروياني فهو على الوجهين فيمن تيمم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى.

[قوله](2) ولو أتلف الماء في الوقت لغرض كشرب للحاجة أو غسل ثوب للنظافة أو تبرد فلا إعادة عليه. انتهى.

وتعبيره بالغرض يشمل ما إذا كان السرف للتلذذ كما لو أذاب به سكرًا وشموله لذلك صحيح وقد نقله في "البحر" عن القفال وأنه ألحق بذلك ما إذا شك في طهارته فأراقه احتياطًا، وجزم بمثله في "التتمة" فإنه جعل الضابط في موضع الجزم ما إذا صرفه إلى مباح وموضع التردد الآتي عقب هذه المسألة ما إذا أتلفه عبثا ونقل في "البحر" عن بعضهم ما يوهم تخريج شربه للتلذذ على الإراقة سفهًا وليس كذلك.

قوله في المسألة: ولو أتلفه فيه لغير غرض وتيمم لم يلزمه القضاء في

(1) سقط من أ، ب.

(2)

سقط من أ، ب.

ص: 288

أظهر الوجهين لأنه تيمم وهو عادم للماء وكما لو صب قبل الوقت، والثاني: يجب لعصيانه بخلاف ما قبل الوقت وبخلاف ما لو اجتاز بماء في الوقت فلم يتوضأ ثم بعُد عنه وصلى بالتيمم فإنه لا قضاء عليه قطعًا لأنه لم يضع شيئًا هنا، فإنما امتنع من التحصيل والتقصير في تفويت الحاصل أشد منه في الامتناع من تحصيل ما ليس بحاصل ورأيت في كلام الشيخ أبي محمد طرد الوجهين فيه وهو غريب. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما ذكره من عدم العصيان في الصب قبل الوقت [فيه نظر](1) لأنه إضاعه مال: فالصواب تحريمه ولم يتعرض له في "الروضة"، ولو أحدث عمدًا لغير حاجة كما لو مس فرجه أو مس امرأة لغير سبب فيتجه الحاقه بالإتلاف بلا سبب.

الثاني: أن كلامه في مسألة الاختيار يوهم عدم وجوب الوضوء والقياس وجوبه ويدل عليه وجوب قبول الهبة، وبذلك يقوي ما ذهب إليه الشيخ أبو محمد من طرد الوجهين وفيه كلام يأتيك قريبًا.

[قوله](2) ولو باعه أو وهبه لا لحاجة لم يصح في أشبه الوجهين لأنه عاجز عن تسليمه شرعًا فإن صححنا ففي وجوب القضاء ما ذكرناه في الصب لأنه فوته بإزالة الملك عنه، وإن قلنا بعدم الصحة فلم يقدر على استرداده قضاه وإن تلف ففي القضاء الخلاف في الصب ثم قال: وإذا أوجبنا القضاء في هذه الصورة ففي القدر المقضي ثلاثة أوجه:

أصحها: يقتضي تلك الصلاة فقط.

والثاني: أغلب ما يؤديه بوضوء واحد.

والثالث: كل صلاة صلاها بالتيمم انتهى.

(1) في حـ: ممنوع.

(2)

سقط من أ، ب.

ص: 289

وهذا الوجه الثالث لم يحكه الرافعي على وجهه ولا يتصور الأخذ بظاهر ما حكاه فيه، فإن المراد من هذا الوجه أن يصلي صلوات بالتيمم من غير حدث هكذا بينه في "التهذيب" فقال: وقيل: يعيد ما صلى بالتيمم إلى أن أحدث هذا لفظه، وقد ذكره النووي في "الروضة" وذكره في "شرح المهذب" على الصواب، وحكاه عن البغوي وغيره ثم ضعفه، وما قبله فإنه يلزم قائله أن يقول: إن من توضأ ثم أحدث من غير ضرورة وصلى بالتيمم يعيد، واعلم أن ما صححوه من بطلان الهبة فيه نظر، فإنه لو وجبت عليه كفارة وهو يملك عبدًا فوهبه أو طولب بديون فوهب ما يملكه فإن الهبة تصح كما جزم به في "شرح المهذب" هنا.

واعلم أن التعبير بقوله في هذه الصور أعني بلفظ الجمع قد وقع في النسخ الصحيحة من الرافعي وهو الصواب، ووقع في بعضها بإثبات الياء وهو غير مستقيم.

قوله من "زوائده": قال أصحابنا وإذا قلنا لا تصح هبة هذا الماء فتلف في يد الموهوب له فلا ضمان عليه على المذهب. انتهى.

وما ذكره من عدم الضمان مطرد في كل هبة فاسدة ووجهه أن الهبة الصحيحة لا ضمان فيها على القابض وفاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه، وقد ذكر الرافعي المسألة في البيع والهبة والوصايا واختلف فيها كلامه وكلام النووي وسيأتيك ذلك إن شاء الله تعالى واضحًا في كتاب الهبة فراجعه.

قوله؛ ولو وهب منه الماء لزمه قبوله لأنه واجد والمنة فيه لا تعظم [انتهى](1).

(1) سقط من أ.

ص: 290

فإن لم يقبل وتيمم بعد عدم الماء أو امتناع مالكه من الهبة أثم وفي وجوب الإعادة الوجهان فيمن صب الماء بعد الوقت لغير غرض كذا قاله النووي في "شرح المهذب" والصواب في هذه المسألة تصحيح القطع بعدم الإعادة، فإن هذا من تفويت تحصيل ما ليس بحاصل لا من تفويت الحاصل وقد سبق إيضاحه قريبًا.

قوله: ولو أقرض منه الماء وجب قبوله في أصح الوجهين؛ لأنه إنما يطالب عند الوجدان وحينئذ يهون الخروج عن العهدة، ولو أقرض منه الثمن فإن كان معسرًا لم يلزمه قبوله، وإن كان موسرًا لكن الماء غائب فكذلك في أظهر الوجهين انتهى كلامه.

وقد اعترض عليه ابن الرفعة فقال: إن أراد بقوله عند الوجدان وجدان الماء فقد نص الشافعي على أنه إذا أتلف عليه ماء في المفازة ولقيه في بلد أخر وجبت القيمة في مفازة لأن الماء في البلد [قيمته وقد سلم هو والجمهور هذا النص وإن أراد وجدان قيمته في البلد](1) فالثمن الذي يقرضه إياه مثله في المعنى وقد صحح أنه لا يلزمه قبول قرضه وهذا الاعتراض [ظاهر والتفريق بالتغليظ على الغاصب](2) لا ينهض لأن النص مصور بما إذا مات وله في تركته ماء فصرفناه إلى العطشان.

قوله: ولو بيع الماء بنسيئة وهو معسر لم يجب قبوله وإن كان موسرًا وجب على الصحيح. انتهى.

وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدًا إلى أن يصل بلد ماله وقد نبه عليه في "الروضة".

قوله: ولو وجد ثمن الماء واحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقه حيوان محترم معه أو لمؤنة سفرة في ذهابه وإيابه لم يجب شراؤه، وإن فضل عن

(1) سقط من جـ.

(2)

سقط من جـ.

ص: 291

هذا كله وجب الشراء إن بيع بثمن المثل. انتهى.

تابعه على ذلك في "الروضة" وفيه أمور.

أحدها: أن المتجه اعتبار المسكن والخادم على خلاف ما يقتضيه كلامه.

الأمر الثاني: أن إطلاقه يقتضي أن لا فرق في الدين بين الحال والمؤجل وبه صرح في "الكفاية". ولا في السفر بين الطاعة وغيرها من [الجائزات ولا يبين أن يريده في الحال أو بعد ذلك ولا يبيّن نفسه وغيره من](1) مملوك وزوجة ورقيق ونحوهم ممن يخاف انقطاعهم وهو ظاهر بخلاف الدين لأنه لا يجب أداء دين الغير ويجب جملة عند الانقطاع.

نعم لو كان معسرًا ولا ينبه له فهل يجب إعطاؤه الخلاصة من عقوبة الحبس فيه نظر.

الأمر الثالث: إن تعبيره بعدم الوجوب يشعر بجواز بدله فيه لكنه لا يخفي تحريم ذلك في بعض الصور.

الأمر الرابع: إن تقييد الدين بكونه في ذمته قد حذفه من "الروضة" وهو أصوب ليدخل فيه ما إذا ضمن دينًا في عين من أعيان أمواله وأعار شيئًا لغيره ليرهنه كما تعرفه في موضعه ولا يرد علينا دين الغير لأنه لا يقال فيه أنه تحتاج إلى وفائه.

قوله: وفي ضبط ثمن المثل أوجه أظهرها عند الأكثرين: أنه ثمنه في ذلك الموضع في تلك الحالة.

والثاني: فيه ولكن فى غالب الحالات وبه قال أبو إسحاق واختاره الروياني.

والثالث: قدر أجرة نقله إلى ذلك الموضع قال في "الوسيط": سواء قلنا الماء مملوك أم لا. انتهى.

(1) سقط من أ، ب.

ص: 292

فيه أمور:

أحدها: أن الوجه الأول قال به الدارمي وصححه الفوراني في "الإبانة" ونقله الإمام عن الأكثرين، فقلده فيه الرافعي، ومشى عليه النووي والأكثرين على تصحيح الثاني فقد قال به مع من تقدم أيضًا الشيخ أبو حامد كما نقله عنه النووي في "شرح المهذب" والبندنيجي والمحاملي نقلًا عن أبي إسحاق ساكتين عليه، وسليم في "المجرد" والقاضي أبو الطيب والماوردي والفوراني في "العمد" وابن الصباغ والجرجاني في "الشافي" وصوبه الروياني في "البحر" وقال: إن الوجهين في الآخيرين ضعيفان، وجزم به الشيخ نصر المقدسي في كتابه المسمى "بالمقصود" والطبري صاحب "العدة" وهو أبو عبد الله الحسين أبو المكارم وسكت عن الترجيح جماعة منهم صاحب التهذيب و"التتمة" و"البيان" وغيرهم ولم يختر الإمام ما نقله عن الأكثرين بل قال الأقرب عندي أن يقال: تغيير الزمان والمكان من غير انتهاء الأمر إلى حالة سد الرمق.

الأمر الثاني: أن الغزالي في "البسيط" قد جعل اعتبار الأجرة مفرعًا على أن الماء لا يملك على خلاف ما في "الوسيط".

الأمر الثالث: أن الرافعي قد فرع على الوجه الأخير مسألة حسنة توقف فيها وحذفها النووي فقال وعلى هذا فالأجرة تختلف باختلاف المسافة طولًا وقصرًا فيجوز أن تعبير الوسيط المقتصد ويجوز أن تعبير الحد الذي يسعى إليه المسافر عند تيقن الماء [فإن ذلك الحد لو لم يقدر على المسعى إليه بنفسه واحتاج إلى بذل إلى الأجرة الماء](1) إليه لزمه بذلها إذا كان واجدًا لها.

قوله في "الروضة": ولو منع منه آلات الاستقاء أو أجرت بثمن المثل وأجرته وجب القبول فإن زادت لم تجب كذا قاله الأصحاب، ولو قيل: يجب التحصيل ما لم تجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان حسنًا. انتهى.

(1) سقط من جـ.

ص: 293

وهذا الذي ذكره بحثًا محله في البيع خاصة لا في الإجارة، وقد أشار الرافعي إلى ذلك في تعليل ذكره عقبه، ولكن حذفه النووي فقال؛ لأن الآلة المشتراه تبقى له وقدر ثمن المثل يحتمل التلف في هذه الجهة، هذه عبارته وهو واضح؛ لأن المنفعة استهلكت لغرض تحصيل الماء فلا وجه للزيادة بخلاف الأعيان.

قوله: ولو لم يجد إلا ثوبًا وقدر على شده في الدلو ليستقي لزمه ذلك فلو لم يكن دلو وأمكنه إدلاؤه في البئر ليبتل ويعصر منه ما يوضئه لزمه فلو لم يصل إلى الماء وأمكن شق وشد بعضه ببعض لزمه، هذا كله إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على أكثر الأمرين من ثمن المثل وأجره الحبل انتهى كلامه.

تابعه عليه في "الروضة" وخالف في "شرح المهذب" فاعتبر في الإدلاء نقصائه عن ثمن الماء، وقال في الشق، فإن كان نقصه بالشق لا يزيد على الأكثر من ثمن المثل وعن آلة الاستقاء لزمه. هذه عبارته. وفيه مخالفة أخرى مع ما ذكرناه وهي تعبيره بقوله وثمن آلة الإستقاء والظاهر أنه أراد أجرة الآلة فسبق القلم إلى الثمن؛ لأن الآلة ما ليتها باقية بعد الاستقاء والشق لا جائز له واعتبار أكثر الأمرين ذكره الشاشي وادعى أنه الصواب فتابعاه عليه:

قوله: وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير، والكلب العقور. [انتهى.

وتقييد الكلب الذي ليس بمحترم بالعقور يدل على أن غير العقور] (1) محترم لا يجوز قتله وبه صرح في كتاب الأطعمة في الباب الثاني المعقود للاضطرار فقال: إنه محترم يجب إطعامه وسقيه إذا كان مضطرًا قال بخلاف المرتد والخنزير والكلب العقور.

(1) سقط من جـ.

ص: 294

ثم ذكر ما يخالف ذلك في موضعين من هذا الكتاب.

أحدهما: في باب محرمات الإحرام في أوائل النوع السابع فقال: ومن الحيوان ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كالخنافس والجعلان والسرطان والرخمة والكلب الذي ليس بعقور فيكره قتلها هذا كلامه ولا يمكن حمل الكراهة هنا على التحريم؛ لأن غير الكلب مما ذكره لا يحرم قطعًا.

والموضع الثاني في كتاب الغصب فإنه نقل عن الإمام هناك أنه غير محترم وأقر ذكر ذلك في الكلام على ما إذا غضب خيطًا وخاط به جرح حيوان وجزم به في "الشرح الصغير" هناك أيضًا ولم يعزه إلى الإمام وجزم أيضًا بجواز قتلها في "شرح مسند الشافعي"، وقد سلم "الشرح الصغير" من الاختلاف فإنه أجاب بالجواز في الحج والغصب ولم يتعرض له في غيرهما.

واعلم أن النووي رحمه الله قد اختلف أيضًا كلامه في هذه المسألة فإنه تابع الرافعي على هذه المواضع الواقعة في "الشرح الكبير" وزاد في الحج فقال قوله: إن الكلب الذي ليس بعقور يكره قتله مراده كراهة تنزيه وفي كلام غيره ما يقتضي التحريم، ونقل في "شرح مسلم" عن الأصحاب أنه لا يجوز قتله ولم يحك فيه خلافًا. ذكر ذلك في باب حكم الولوغ، وقد اختلف أيضًا كلامه في "شرح المهذب" فجزم المهذب في التيمم بأنه غير محترم وحكى في الحج وجهين أو صحح أنه محترم وجزم به في باب ما يجوز بيعه وادعى أنه لا خلاف فيه فإنه قال ما نصه: قال أصحابنا: وإن لم يكن الكلب عقورًا ولا كلبًا لم يجز قتله سواء كان فيه منفعة أم لا وسواء أكان أسود أم لا وهذا كله لا خلاف فيه بين أصحابنا هذا لفظه بحروفه وهو تناقض عجيب، حيث يقول: لا خلاف فيه ثم يصح عكسه وقد جزم بالتحريم القاضي الحسين والماوردي وإمام الحرمين في باب بيع الكلاب، ويتحرر من ذلك أن الإمام أيضًا قد اختلف كلامه، وبالجملة فمذهب الشافعي جواز قتله

ص: 295

صرح به في "الأم" في باب الخلاف في ثمن الكلاب.

قوله في "الروضة": ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ثم يجمعه ويشربه [على المذهب](1) انتهى.

وفيه أمران:

أحدهما: أن كلامه يشعر بأنه يجب تعاطي ذلك عند الاحتياج إلى سقى غيره وهو ظاهر منقاس في الحيوان، وأما الآدمي ففيه نظر.

الثاني: أن هذا الكلام يقتضي أن الرافعي قد حكي في المسألة طريقين وليس كذلك بل لم يصرح بحكاية خلاف بالكلية، فإنه قال بعد جزمه بأن العطشان يشربه ما نصه: وكان والدى رحمه الله يقول: ينبغي أن يقال لو قدر على التطهير به وجمعه في طوق ليشربه لزمه ذلك ولم يجز التيمم، وما ذكره يجئ وجهًا في المذهب؛ لأن أبا على الزجاجي ذكر كذا وكذا ثم ذكر ذلك اللفظ الذي سأذكره بعد ذلك فراجعه.

قوله: لأن أبا علي الزجاجي والماوردي وآخرين ذكروا أن من معه ماء طاهر وماء نجس وهو عطشان يشرب النجس ويتوضأ بالطاهر، فإذا أمر بشرب النجس ليتوضأ بالطاهر فأولى أن يؤمر بالوضوء ويشرب المستعمل. انتهى كلامه.

زاد النووي على هذا فقال نقل الشاشى هذا عن الماوردي وأنكره، وقال: يشرب الطاهر وهذا هو الصحيح والله أعلم.

إذا علمت ذلك ففيه أمور:

أحدها] (2): أن كلام الزجاجي مطابقا لما نقله عنه الرافعي فقد رأيت

(1) سقط من أ، ب.

(2)

في أ: علمت.

ص: 296

كتابه الذي ينقل الرافعي والأصحاب عنه وهو "زيادات المفتاح" الملقب بالتهذيب فقال بعد كتاب الطهارة بنحو ورقة ما نصه: ولو كان مع المسافر ماءان طاهر ونجس توضأ بالطاهر، وحبس النجس للعطش هذا لفظه بحروفه، ومقتضاه أن العطش ليس حاصلًا الآن، وإنما هو متوقع ولهذا قال: وحبس النجس ودعوى الرافعي في الشرب حال الوضوء وبينهما فرق ظاهر إذا لا يلزم من إيجاب الوضوء بالطاهر إذا لم يكن به عطش إيجابه عند العطش.

وقد ذكر الشافعي في "الأم" نحو ما قاله الزجاجي فقال: إذا كان مع الرجل في السفر إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس واشتبها عليه وكان يخاف العطش فيما بعد إن توضأ بالماء فإنه يتحرى ويتوضأ بالطاهر في ظنه ويمسك الآخر حتى إن احتاج إليه لعطشه شربه هكذا حكاه عنه صاحب "البيان" في باب الشك في نجاسة الماء وهو يؤيد الفرق أيضًا.

الأمر الثاني: أن ما نقله الرافعي واقتصر عليه من كونه يشرب النجس هو المفتى به لأمرين:

أحدهما: أن الشافعي قد نص عليه في حرملة كذا رأيته في الرونق لأبي حامد وفي "اللباب" للمحاملي وفي تصنيف آخر يسمى بهذا الاسم أيضًا للإمام أبي حفص عمر بن عبد الله بن طاهر البستي جميعهم في أواخر الكتاب في كتاب الأشربة فقالوا: وقال في حرملة: إذا وجد ماءًا طاهرًا ونجسًا واحتاج إلى الطهارة توضأ بالطاهر ويشرب النجس انتهى.

الثاني: أن كلامه في "التحقيق" يدل على أنه المشهور فإنه قال: المختار أنه يشرب الطاهر وقد اصطلح في خطبته وخطبة التصحيح على أن المختار يحكم بكونه راجحًا في الدليل ويكون المشهور بخلافه.

[الأمر الثالث](1): أنه لا يجوز له شرب النجس بين الوضوء والصلاة

(1) في حـ: الأمر الرابع.

ص: 297

وإلا كان مصليًا بالنجاسة بل ينبغي تقديمه عليهما ليتطهر فمه عند الوضوء فإن أخره عنهما فيتحمل المنع لأنه تنجس فمه نجاسة باقية مع قدرته على تطهيره، ويحتمل الجواز؛ لأن لغرض الشرب.

قوله: الثانية قال الشافعي رضي الله عنه إذا مات رجل له ماء ورفقاؤه يخافون العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه واختلفوا في المراد بالثمن فقيل المثل؛ لأن الماء مثلي، وقيل القيمة لأن المسألة مفروضة فيما إذا رجعوا إلى بلدتهم ولا قيمة للماء بها انتهى.

فيه أمران:

الأول: أن التقييد بكون الماء لا قيمة له قد حذفه من "الروضة".

الثاني: أن الصحيح وجوب القيمة كذا صححه الرافعي في كتاب الغصب والنووي في "الروضة" هنا.

ونقل في "البحر" وجهين آخرين:

أحدهما: قال: وهو الأصح إن أدوا في الموضع الذي شربوا فيه لم يلزم إلا المثل وإن أدوا في غير ذلك الموضع فعليهم قيمته التي كانت في موضع الإتلاف.

والثاني: قال: وهو حسن إن غرم في غير موضع الإتلاف ولكن لها قيمة في ذلك الموضع. وجب المثل وإن كان أقل من قيمة يوم الإتلاف لأن نقصان قيمة المثل لا تؤثر في الحكم وإن غرم في موضع لا قيمة للماء فيه أصلًا وجب القيمة.

قوله: ولو أوصى بماءٍ لأولى الناس به أو وكل من يصرفه له فحصر محتاجون فيقدم الميت على المتنجس في أصح الوجهين لأنه خاتمة أمره ولأن المقصود من غسل الميت تنظيفه والتراب لا يفيد ذلك وغرض الحي استباحة الصلاة وإسقاط الفرض وهذا الغرض يحصل بالتيمم حصوله بالغسل،

ص: 298

وقيل: بالعكس لأن النجاسة لا بدل لها ثم قال: ولا خلاف أنه إذا كان على بدن الميت نجاسة فهو أولى. انتهى.

وما ذكره من إطلاق عدم الخلاف في تقديم المتنجس الميت على التنجس الحي قد تابعه عليه في "الروضة""وشرح المهذب" وهو صحيح إذا عمت النجاسة بدن الميت لأنا إن قلنا أن الغسلة الواحدة تكفي عن الحدث والخبث فلحصول الواجبين ولاجتماع المعنيين السابقين وهما خاتمة الأمر وعدم البدل، وإن قلنا: إنها لا تكفي فلاجتماع المعنيين وإن لم يعم بدنه فالقياس تقديمه في غسل ما أصابته النجاسة وأن يأتي فيما عداه الوجهان السابقان في اجتماع الميت ومن عليه النجاسة بل هي المسألة بعينها ولا فرق في ذلك بين أن نقول: إن الغسلة الواحدة لا تكفي كما قاله الرافعي أو أنها تكفي كما قاله النووي.

قوله: وإن اجتمع ميتان والماء لا يكفي إلا أحدهما فإن كان الماء موجودًا قبل موتهما وماتا على الترتيب فالأول أولى فإن ماتا معًا، أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى، فإن استويا أقرع بينهما. انتهى.

تابعه على ذلك في "الروضة" و"شرح المهذب" وفيه أمران:

أحدهما: أن موتهما له خمسة أحوال ذكر منها الرافعي ومن تبعه حالتين فقط وهما إذا ماتا معًا وإذا ماتا على الترتيب أي والسابق معلوم وأهمل ما إذا لم يعلم هل ماتا على الترتيب أو المعية، وما إذا علم الترتيب ولكن لم يعلم السابق، أو علم ولكنه نُسى.

والقياس في هذه الثلاث أن يكون كمعلوم المعية.

الأمر الثاني: أن الأصحاب قد ذكروا في صلاة الجماعة أن الحر يقدم على العبد وأن البالغ يقدم على الصبي وأنه يرجح أيضًا بالفقه والقراءة والورع والسن والنسب والهجرة وفرعوا عليها تفاريع وتكلموا على المقدم منها عند التعارض ثم رجحوا عند التساوي في هذه الصفات بأمور أخرى

ص: 299

كنظافة الثوب والبدن وحسن الصوت والصورة وطيب الصنعة، وقالوا في صلاة الجنازة إذا حضرت موتي من نوع واحد قدم إلى الأمام أفضلهم قالوا والعبرة بالخصال التي تُرغب في الصلاة عليه، ويغلب على الظن كونه أقرب من رحمة الله ولا يقدم بالحرية.

إذا علمت ذلك فالأَقرب هنا إلحاقه بالجنازة حتى لا يقدم بالحرية ولا بالنسب ويتجه على هذا تقديم الصبي على البالغ وفي التقديم بالأبوة على البنوة وبالذكورة على الأنوثة نظر والظاهر عدمه إلا أنهم في الوضع في اللحد قالوا: إنه يقدم الأب على الابن والأم على البنت.

قوله: ثم المتنجس على الحدث لما سبق من أن الماء في النجاسة لا بدل له. انتهى.

تبعه في "الروضة" على إطلاق تقديم المتنجس على المحدث لكنه أعني النووي قد جزم في "التحقيق" بأن المحدث إذا كان عليه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما فإن كان مسافرًا تعين لإزالة النجاسة؛ لأنه إذا فعل ذلك وتيمم سقط القضاء، وإن كان حاضرًا يخير للزوم القضاء على كل حال.

وهذا الذي قاله في الشخص الواحد يلزم منه مجيئه في الشخصين؛ لأن العلة بعينها موجودة فيهما، وحينئذ فيقرع بين المتنجس والمحدث إذا كانا حاضرين إلا أنه في "شرح المهذب" إنما نقل التفصيل المذكور عن القاضي أبي الطيب خاصة بعد أن نقل عن الأصحاب أنهم أطلقوا المسألة بل جزم البغوي في فتاويه والحالة هذه بوجوب استعماله في النجاسة على عكس ما في "التحقيق" وقاس عليه ما إذا كان معه مدد واحتاج إلى التيمم والاستنجاء فإنه يستنجي به، وإن كان حاضرًا وما قاله البغوي هو مقتضى التعليل المتقدم من كونه لابد له وهو الظاهر فليعمل به.

قوله: والحائض أولى من الجنب لأن حدثها أغلظ بدليل تحريم الوطء وإسقاط فرض الصلاة، وقيل: بالعكس لأن الصحابة اختلفوا في تيمم

ص: 300

الجنب ولم يختلفوا في تيمم الحائض، وقيل: هما سواء.

وعلى هذا لو طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة، فالقرعة أولى في أظهر الوجهين، وإن اتفقا على القسمة جاز إن أوجبنا استعمال الماء الناقص وإلا لم يجز لأنه تضييع. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن المراد بالوجه الثالث: إنما هو مساواة الجنابة للحيض حتى يقدم الأفضل منهما قبل القرعة أو القسمة إن كان فيهما أفضل على خلاف ما يوهمه كلام "الشرحين" و"الروضة".

الأمر الثاني: أن تعليله بالتضييع يقتضي أنه كما لا يجب استعمال الماء الناقص على هذا القول لا يجوز استعماله أيضًا، وفيه كلام سبق في موضعه.

قوله: وهذا كله إذا عين المالك مفازة، فإن أطلق وقال: اصرفوه لأولى الناس به فينبغي أن يبحث عن المحتاجين في غير ذلك المكان أيضًا، كما لو أوصى لأعلم الناس إلا أن حفظ الماء ونقله إلى مفازة أخرى كالمستبعد. انتهى.

وهذا الفرع حذفه جميعه من "الروضة".

قوله [في "الروضة"](1): ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى مباح واستووا في إحرازه واثبات اليد عليه ملكوه بالسوية، ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره وإن كان أحوج منه كذا قاله الإمام والغزالي وقال أكثر الأصحاب يقدم الأحوج فالأحوج كالوصية ولا منافاة بين الكلامين وأراد الأصحاب أن المستحب تقديم الأحوج وأنهم لو تنازعوا كان كما قاله إمام

(1) سقط من أ، ب.

ص: 301

الحرمين ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب، ويقول لا يجوز العدول عما يتمكن منه للطهارة انتهى كلامه بحروفه.

وهو كلام عجيب يخالف بعضه بعضًا؛ لأنه ادعى أولًا عدم المنافاة [بين الكلامين](1) مع أن الإمام والغزالي قائلان بأن الإعطاء لا يجوز والأكثرون قائلون: بأن الإعطاء يستحب على هذا التقدير وهو الملك.

وأى التئام بين هذين ثم إنه كيف يستحب للمالك أن يبذل ماءه وقد ذكر هو وغيره أن المالك لا يجوز له اعطاؤه لأحد غير العطشان وهو مما لا خلاف فيه.

وبالجملة فهذا الغلط إنما حصل من اختصار النووي، وأما كلام الرافعي فصحيح، فإنه جمع بينهما بأن الانتهاء إلى الماء إن حصل معه الاستيلاء والإحراز ملكوه وهو مراد الإمام والغزالي، وإن لم يحصل معه ذلك فلا ملك، وفيه تكلم الأَكثرون وقالوا يستحب لغير الأحوج ترك الإحراز للأحوج حتى لو أحرز امتنع البذل، ثم أورد أعني الرافعي السؤال المذكور في "الروضة" فقال في الجمع بينهما ما نصه ولا منافاة بين الكلامين؛ لأن هؤلاء أي أكثر الأصحاب أرادوا التقديم على سبيل الاستحباب وكأنهم يقولون: مجرد الانتهاء إلى الماء المتاح لا يقتضي الملك، وإنما يثبت الملك بالاستيلاء والإحراز و [فيستحب لغير الأحوج ترك الإحراز والإستيلاء إيثارًا للأحوج](2) هؤلاء يسلمون أنهم لو لم يفعلوا ذلك واستولوا عليه وازدحموا لكأن الأمر على ما ذكره الإمام والغزالي، هذا كلام الرافعي، وهو صحيح لا إشكال فيه والإشكال الذي ذكره ظاهر، فإن إطلاقهم يقتضي أن المالك لو وهب لغير الأحوج لكان يجب عليه القبول، فكذلك ما نحن فيه.

قوله: الثانية لو أدرج الماء في رحله من غير شعوره به فتيمم على اعتقاد

(1) سقط من ب.

(2)

سقط من أ، ب.

ص: 302

ألا ماء عنده ثم تبين الحال فطريقان.

إحداهما: القطع بنفي الإعادة.

والثانية: وهي أظهر عند علماء الأصحاب أن فيه قولين: أصحهما عدم الإعادة، ولو تبين أن بقربه بئرًا ولم يكن علم بها أصلًا فهو نظير هذه المسألة. انتهى ملخصًا.

وفيه أمران.

أحدهما: أن تصحيحه طريقة القولين قد تابعه عليه في "الروضة" ثم خالفه في "شرح الوسيط" المسمى "بالتنقيح" فقال: أصح الطريقين القطع بأنه لا إعادة ولم يصرح في "شرح المهذب" بتصحيح شئ من الطريقين إلا أنه نقل أن الإمام والغزالي في "البسيط" صححا طريقة القطع ولم يذكر شيئًا غيره.

الأمر الثاني: أن إلحاقه مسألة البئر بإدراج الماء قد تابعه عليه أيضًا في "الروضة" ثم خالفه في "شرح المهذب" فصحح وجهًا، ثالثًا وهو أن البئر إن كانت ظاهرة الأعلام بينة الآثار وجب الإعادة لتقصيره، وإن كانت خفية لم يجب لعدم تقصيره، وقد أطلق الجمهور هذه المسألة، وقال البغوي: إن طلبة في رحلة فلم يجده فذهب للطلب من موضع آخر فادرج في غيبته فلا إعادة، وإن لم يطلب من رحله لعلمه أن لا ماء فيه وكان قد أدرج ولم يعلم فالأصح وجوبها لتقصيره، وهذا التفصيل جيد وسيأتي الكلام فيه في نظير هذه المسألة.

قوله: إحداها: لو نسى الماء في رحله فتيمم على ظن ألا ماء عنده ثم تبين الحال نص في "المختصر" على وجوب الإعادة.

والقديم ونفاه بعضهم عدم وجوبها. انتهى.

وإطلاقه يقتضي أنه لا فرق في هذه المسألة بين أن يقع منه طلب الماء

ص: 303

أم لا، وكذلك إطلاق "الشرح الصغير" و"المحرر" و"الروضة" و"المنهاج" ويتصور عدم الطلب بأن يكون معتمدًا اعتقادًا جازمًا بالعدم وقيد المسألة في "شرح المهذب" بما إذا تقدم الطلب وهو يقتضي أنه إذا وجد الاعتقاد المذكور فتيمم بلا طلب ثم تذكر الماء قضى قولًا واحدًا، وبه صرح في "الإقليد".

قوله: الثانية: لو نسي ثمن الماء قال ابن كج: يحتمل أن يكون كنسيان الماء ويحتمل غيره والأول أظهر. انتهى.

وهذا الموضع قد اختصره في "الروضة" اختصارًا غير مطابق فاعلمه.

قوله: الثالثة: لو كان في رحله ماء فأضله ثم وجده نظر إن لم يمعن في الطلب فعليه القضاء لتقصيره وإن أمعن حتى غلب على ظنه فقد الماء فقولان: أحدهما لا إعادة لأنه لم يفرط في البحث والطلب.

وأظهرهما أنها تجب لأنه عذر نادر لا يدوم قال الأئمة، والقولان مخرجان على القولين فيمن اجتهد في القبلة وصلى ثم تيقن الخطأ، ولذلك يقول بعضهم في المسألة وجهان. انتهى.

وهذا الكلام قد اختصره في "الروضة" بقوله: الثالثة: لو أضل الماء في رحله وصلى بالتيمم فإن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة وإن أمعن حتى ظن العدم وجبت أيضًا على الأظهر، وقيل: الأصح هذه عبارته.

إذا علمت ذلك ففيما ذكره أمور.

أحدها: أن تقييد الرافعي المسألة بما إذا وجد الماء بعد ذلك يقتضي الجزم بعدم وجوب القضاء فيما إذا لم يجده وهو متجه وتقييده أيضًا بما إذا غلب على ظنه العدم إما لسرقة أو نحوها للاحتراز عما إذا تحقق بقاؤه ولكنه التبس عليه وضاق الوقت، فإن قياس ما سبق في المزدحمين على البئر أنه لا

ص: 304

يتيمم بل يستمر على البحث إلى أن يجده بخلاف التوهم، وهذان القيدان قد ذكرهما أيضًا في "الشرح الصغير" وكذلك النووي في "شرح المهذب" وقد حذف من "الروضة" التقييد بما إذا وجده.

الأمر الثاني: أن ما ذكره في "الروضة" من الاختلاف في أن الخلاف قولان أو وجهان عجيب جدًا فإن الرافعي لم يذكر شيئًا من ذلك ولا أراده بل لما ذكر أنهما مخرجان أكدا التخريج وقواه بتصريح بعضهم بالوجهين، فإن الأقوال المخرجة يعبر عنها تارة بالوجوه وتارة بالأقوال: وإن كانت من قسم الوجوه لا من قسم الأقوال على الصحيح، ولهذا عكسه في "شرح المهذب" فقال فيه وجهان، وقيل: قولان وهما مخرجان هذه عبارته وهو تعبير صحيح.

الأمر الثالث: أن تعبيره بالقضاء يقتضي أن صورة المسألة فيما إذا وجده بعد الوقت ولم يتعرض لما إذا وجده في الوقت هل يكون حكمه حكم ما بعده أم يجب الإعادة جزمًا وفيه نظر.

قوله: الرابعة لو أضل رحله في الرحال فتيمم، فإن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة، وإن أمعن فطريقان أحدهما أنه على القولين المخرجين في إضلال الماء في الرحل.

والثاني: القطع بنفي الإعادة، وظاهر المذهب نفي الإعادة. انتهى.

لم يصح شيئًا من الطريقين والصحيح طريقة القطع فقد قال الرافعي في "الشرح الصغير" إنها أصح الطريقين.

وصححها أيضًا النووي في "الروضة" ولم ينبه على أنه من زياداته بل أدخله في كلام الرافعي فقال: فالمذهب: أنه لا إعادة، وقيل: قولان،

ص: 305

وقيل: وجهان ثم خالف في "شرح المهذب" فصحح طريقة الخلاف فقال: أصحهما وأشهرهما أن فيه وجهين هذا لفظه.

قوله: أما إذا خاف من استعمال الماء بقاء الشين على بدنه فينظر إن خاف شيئًا قبيحًا على عضو ظاهر ففيه ثلاث طرق:

أحدها: الجزم بالجواز،

والثاني: الجزم بالمنع،

والثالث: أنه على القولين المتقدمين.

وتجري الطرق في أشياء منها إذا خاف شدة الضنا، والمراد من الضنا المدنف الذي يجعله ضمنًا. انتهى.

والمدنف بدال مهملة مشتق من الدنف بفتح الأول والثاني، وهو المرض الملازم يقول: دنف الرجل بالكسر فهو دنف بالكسر أيضًا، وأدنف بالألف مثله وأدنفه المرض يتعدى ولا يتعدى فهو مدنف بالكسر والفتح. قاله الجوهري.

والضمن بكسر الميم هو المتألم، والضنا المرض يقول: ضنى بالكسر ضنًا شديدًا فهو رجل ضني بالفتح أيضًا، وضن نحو عم وعو بالنقض وأضناه المرض أي أثقله. قاله الجوهري أيضًا.

وقال في "شرح المهذب" أيضًا هو الذي يخامر صاحبه، وكلما ظن أنه برئ نكس.

قوله في "الروضة": وإن خاف شيئًا يسيرًا

كأثر الجدري والسواد القليل، أو شيئًا قبيحًا على غير الأعضاء الظاهرة لم يجز التيمم بلا خلاف. انتهى كلامه.

وما ادعاه من عدم الخلاف ليس كذلك، فإن الخلاف ثابت في جميع ما ذكره كذا صرح به في "الإقليد" فقال: ولا شك أن ما لا ينقص الجمال من

ص: 306

الشين لا يؤثر وما ينقص الجمال فيه أوجه الإباحة والمنع. والفرق بين الفاحش وغير الفاحش والفرق بين الظاهر والباطن هذه عبارته. والذي ذكره من جريان الخلاف مطلقا هو مقتضى كلام الماوردي وغيره ولم يصرح الرافعي بنفي الخلاف.

والشين كما قاله الرافعي في الديات هو الأثر المستكره من تغير لون أو نحول أو استحشاف أو ثغرة تبقى أو لحمة تزيد. والجدري بضم الجيم وفتح الدال وهو المرض المعروف.

واعلم أن الحكم المذكور في هاتين المسألتين مشكل، وذلك، لأن المتوضئ في هذه الحالة قد يكون عبدًا أو أمة فتنقص قيمتهما نقصانًا فاحشًا، فكيف لم يبيحوا التيمم لأجل هذا النقصان الكبير، وأباحوه فيما إذا امتنع المالك من البيع إلا بزيادة يسيرة.

وهذا الإشكال أورده الشيخ عز الدين وهو ظاهر لا جواب عنه اللهم إلا أن يلتزموا الجواز في ذلك فيلزمهم استثناؤه ولم يستثنه أحد بل المنع من التيمم في هذه الحالة مشكل مطلقًا حرًا كان أو عبدًا، فإن الفلس مثلًا أسهل على النفوس بلا شك من أثار الجدري على الوجه ومن الشين الفاحش في الأعضاء الباطنة، ولاسيما المرأة الشابة التي يقصد الاستمتاع بها.

قوله: والمراد من الظاهر ما يبدو في حال المهنة. انتهى.

واعلم أن الرافعي قد ذكر في الجنايات في الاختلاف في سلامة الأَعضاء أن العضو الباطن هو ما يعتاد ستره مرؤة وقيل ما يجب ستره وحينئذ فيكون في الظاهر أيضًا وجهان.

أصحهما: ما لا يكون كشفه هتكًا للمروءة.

والثاني: ما عدا العورة.

ص: 307

وقد صرح بالوجهين هنا الشيخ تاج الدين في الإقليد وفي موافقة المجزوم به هنا لما صححوه هناك نظر.

والمهنة بفتح الميم قال الجوهري: المهنة بالفتح الخدمة، وحكى أبو زيد والكسائي المهنة بالكسر وأنكره الأصعمي هذا لفظ الجوهري.

قوله: من زياداته وإذا لم يوجد طبيب بشرطه. قال الشيخ أبو على السنجي: لا يتيمم. انتهى.

ذكر نحوه في "شرح المهذب" فقال: قال صاحب "البحر" قال أبو على السنجي: لا يتيمم ولم يزد على هذا، ولم أر لغيره موافقة له ولا مخالفة هذا كلامه، وهذا النقل عن السنجي صحيح فقد رأيته في "شرح الفروع " له لكن ذكر البغوي في فتاوية هذه المسألة وجزم بأنه يتيمم فتعارض الجوبان وإيجاب الوضوء أو الغسل مع الجهل بحال العلة التي هي مظنة للهلاك بعيد عن محاسن الشريعة فنستخير الله تعالى ونفتي بما قاله البغوى، ويدل عليه أيضًا ما نقله النووي في باب الأطعمة من "شرح المهذب" عن نقل الشافعي أنه إذا خاف المضطر أن الطعام الذي أحضره له غيره مسموم فإنه يجوز له تركه والانتقال إلى الميتة.

قوله في "أصل الروضة": وإذا احتاج إلى وضع الجبيرة لكسر أو انخلاع ولم يقدر على نزعها عند الطهارة وجب عليه غسل الصحيح على المذهب، وكذا مسح الجبيرة بالماء، ثم قال: وحكى قول ووجه أنه لا يجب مسحها بل يكفي الغسل مع التيمم. انتهى.

وهذا الكلام لا يطابق كلام الرافعي، فإن الرافعي غاير بين القول والوجه، فحكى الوجه كما حكاه النووي، وأما القول فحكاه في الاكتفاء بالتيمم فقط.

ص: 308

قوله: ولا تتقدر مدة مسح الجبيرة بالماء على الأصح.

والثاني: أنها تتقدر بمدة الخف، قال الإمام: وهذا فيما إذا كان يتأتى الرفع بعد انقضاء كل يوم وليلة من غير ضرر فإن لم يكن فلا خلاف في جواز استدامته وإن كان يتأتى ذلك في كل طهارة لم يجز المسح ووجب النزع والغسل لا محالة. انتهى كلامه.

وما نقله عن الإمام في بيان محل الخلاف وأقره عليه تابعه عليه في "الروضة" أيضًا ولم يعزه إلى الإمام وهو غير صحيح فإنه لا يمكن القول بعدم وجوب الرفع والغسل إذا تأتي من غير ضرر سواء كان بعد هذه المدة أو قبلها فكيف تتأتى التفرقة بين أن تأتي في كل طهارة أو بعد انقضاء المدة وقد تفطن في "شرح المهذب" لفساده إلا أنه لم يذكر تصويرًا صحيحًا ونحن نذكره فنقول: صورته فيما إذا انقضت المدة ولم يمكن النزع والغسل فإن كان على طهارة المسح نظر إن قلنا لا يتأقت صلى بهذه الطهارة، وإن قلنا: يتأقت فلابد من المسح بعد هذا من النزع وغسل العضو لكنه لا يتأنى فيمسح ويقضي كمن وضع على غير طهر، وإن انقضت بعد انتقاض طهارة المسح فإن قلنا: لا يتأقت فيمسح ويصلى ولا إعادة؛ لأنه قد وضع أولا على طهارة.

وإن أقتناه فلابد من تطهير العضو أى مع ما يترتب عليه قبل المسح عليه لكنه لا يتأتى فيمسح ويعيد، وذكر ابن الصلاح والنووي في التنقيح أن الخلاف لا يتصور ذاهلين عن التصوير الذي ذكرناه.

قوله: وإذا وضع الجبيرة ففي وجوب التيمم في حقه طريقان أظهرهما قولان: أصحهما: الوجوب لحديث جابر في المشجوج الذي احتلم واغتسل فدخل الماء شجته فمات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما كان يكفيه أن يتيمم

ص: 309

ويعصب رأسه بخرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده" (1) ثم قال ما نصه: والطريق الثاني: أن ما تحت الجبيرة إن كان معلولًا بحيث لا يمكن غسله لو كان باديًا وجب التيمم كالجريح الذي ليس علي جرحه شئ فإنه يتيمم وإن كان يمكن غسله لو كان باديًا فلا حاجة إلى التيمم كالمسح على الخف. انتهى.

وهذا الطريق قد انعكس على النووي في "الروضة" فقال من غير ذكر علة له ما نصه، والطريق الثاني: إن كان ما تحت الجبيرة عليلًا بحيث لا يجب غسله لو ظهر لم يجب التيمم وإلا وجب هذه عبارته، وقد ذكره على الصواب في "شرح المهذب".

والحديث المذكور رواه أبو داود بإسناد جيد لم يضعفه.

قوله: فإن قلنا يتيمم وكان جنبًا فهل يجب غسل الصحيح على التيمم؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه يجب لأنه الأصل كما إذا وجد من الماء ما لا يكفيه وأصحهما: أنه يتخير لأن التيمم هنا للعلة وهي مستمرة بخلاف تلك فإنه إنما يتيمم لعدم الماء فلابد من استعمال الموجود أولًا. انتهى كلامه.

لم يتعرض رحمه الله إلى الأولى من الأمرين، بل كلامه يوهم استواءهما وليس كذلك، بل قد نص الشافعي رضي الله عنه على استحباب تأخير الغسل ليذهب الماء أثر التراب.

ولقائل أن يقول: الأولى تقديم ما ندب تقديمه في الغسل فإن كانت الجراحة في رأسه مثلًا غسل ما صح منها ثم يتيمم عن جرحه ثم يغسل باقي جسده، وقد ذكر صاحب "البيان" فيما إذا كان حدثه أصغر مثل ذلك ونقله

(1) أخرجه أبو داود (336)، وحسنه الألبانى.

ص: 310

عنه في "الروضة" ثم قال: إنه حسن.

قوله في "الروضة": والصحيح اشتراط وضع الجبيرة على طهر فيجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فيترك ويجب القضاء بعد البرء بلا خلاف، وإن كان في الوضع على طهر خلاف هذا كله إذا لم يقدر على نزع الجبيرة عند الطهر، فإن قدر بلا ضرر وجب النزع وغسل الصحيح إن أمكن ومسحه بالتيمم إن كان في موضع التيمم ولم يمكن غسله. انتهى كلامه.

وما ذكره من وجوب القضاء بلا خلاف غلط عجيب، فإن في المسألة ثلاثة أقوال مشهورة، وقد ذكرها الرافعي في آخر كتاب التيمم، ولم يذكر الرافعي هنا ما ذكره النووي من نفي الخلاف بل اقتصر على الوجوب، وتعبيره بقوله وغسل الصحيح غلط أيضًا، فإن الصورة أنه عليل إما بالجرح أو بالكسر، وعبر الرافعي بقوله: وغسل ذلك الموضع.

قوله: فإن لم يحتج إلى الجبيرة غسل الصحيح، وهل يحتاج إلى ضم التيمم؟ فيه الخلاف السابق في الحالة الأولى وهي وضع الجبيرة. انتهى.

وهذا الذي ذكره من ثبوت خلاف في هذه الحالة عجيب، وقد استدرك ذلك عليه في "الروضة" وأوضحه فقال: إنه غلط ولم أره لأحد من أصحابنا وكأنه اشتبه عليه قال: فالصواب الجزم بوجوب التيمم لئلا يبقى موضع الكسر بلا طهارة أي بخلاف الحالة الأولى لأن المسح على الجبيرة قائم مقام غسل العضو.

قوله: ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف من المسح فإن الواجب الغسل وإذا تعذر ذلك فلا فائدة في المسح بخلاف المسح على الجيرة فإنه مسح على حائل الخف وقد ورد الخبر به هكذا ذكره الأئمة وللشافعي رضي الله عنه نص مسافه وجوب المسح، وليس هذا موضع ذكره

ص: 311

انتهى كلامه.

ذكر نحوه في "الروضة" والوقوف على حقيقته موقوف على مقدمة وهي: أن الكلام في المسح يفرض في مسألتين.

إحداهما: ما يقرب من العليل، فإذا خاف من غسله انتشار الماء وضع بقرب الجراحة خرقة مبلولة وتحامل ليقطر منها ماء يغسل الصحيح الملاصق للجريح، فإن لم يمكنه ذلك فقد نص الشافعي على إمساسه بالماء فقال: إن خاف لو أفاض الماء إصابة الجريح أمس الماء إمساسًا لا يفيض، وأجزأه ذلك إذا أمس الشعر والبشرة هذا لفظه في "الأم"، وجزم به أيضًا صاحب "التهذيب" و"البحر" وغيرهما.

المسألة الثانية: مسح العليل نفسه وقد جزم الأصحاب بعدم وجوبه ونقلوا فيه الاتفاق وعللوه بما ذكره الرافعي، وقد ذكر في "شرح المهذب" جميع ما ذكرته، وذكره أيضًا في "التحقيق" مختصرًا فقال: ولا يجب مسح الجرح بماءٍ وإن لم يضره ثم قال: فإن خاف انتشار الماء وضع بقرب الجرح خرقة مبلولة وعصرها فإن تعذر أمسه بلا إفاضة نص عليه وجزموا به هذه عبارته.

إذا علمت جميع ما ذكرناه علمت أن النص الوجب للمسح ليس محله في المسألة الثانية، وإنما محله في الأولى ولم يذكرها الرافعي بالكلية أعني الأولى غير أن إيجابه فيها يقتضي إيجابه في الثانية أيضًا لاشتراكهما في المعنى وهو الإتيان بالمقدور عليه فلهذا عبر الرافعي بقوله مسافة الوجوب، وليس هذا موضع ذكره أي أن الشافعي لم ينص عليه في هذه المسألة، وإنما نص عليه في نظيرها وذلك يسوق إلى الوجوب في هذه هذا هو معنى كلامه فتفطن له فإنه من الأمور المهمة.

ص: 312

قوله: وهل يجب إلقاء الساتر من لصوق أو جبيرة عند إمكانه للمسح عليه؟ فيه وجهان ذهب الشيخ أبو محمد إلى الوجوب وخالفه الأكثرون، ولو كان على طهارة كاملة وأرهقه الحدث ووجد من الماء ما يكفيه لوجهه ويديه ورأسه ونقص عن رجليه ولو لبس الخف لأمكنه أن يمسح قال الإمام: قياس ما ذكره شيخي إيجاب ذلك وهو بعيد عندي ولشيخي أن يفصل بأن المسح رخصة محضة فلا يليق بها إيجاب لبس الخف وما نحن فيه من مسالك الضرورات فيجب فيه الإتيان بالممكن وقد أمكن المسح بإلقاء الخرقة.

واعلم أن من يقول بوجوب الإلقاء يأمر به قبل الحدث ليمسح عليه إذا تطهر بعد الحدث؛ لأن الطهارة شرط عند إلقاء الجبيرة كما بيناه من قبل، وإذا كان الشخص متطهرًا فيضعف الوجوب في الصورتين؛ لأنه إن لم يؤد وظيفة الوقت فهو متمكن من أدائها بهذه الطهارة، فلا يكلف والحالة هذا بطهارة أخرى، والطهارة التي لا يكلف بها لا تختلف بإعداد أسبابها، ولهذا لا يؤمر بإمساك الماء لأجل الصلاة التي لم يدخل وقتها، وإن أدى وظيفة الوقت فليس عليه طهارة أخرى حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، فلا يكلف بإعداد أسبابها. انتهى ملخصًا.

وهذا التوقف من الرافعي في تصوير المسألة عجيب فإن تصويرها واضح وهو أن يكون على طهارة ولم يؤد الفريضة، وقد أرهقه الحدث فلم يتمكن من أدائها، وهذا التصوير قد نقله الرافعي من جملة ما نقله عن الإمام في مسألة الخف وهو بعينه يأتي في الجبيرة لأن الكلام عند الإمكان ومحله الإمكان في هذه الحالة.

قوله: وإذا اغتسل الصحيح وتيمم لمرض أو نحوه وصلى فريضة فله أن

ص: 313

يصلى بها ما شاء من النوافل ولابد من إعادة التيمم للفريضة الأخرى وهل يجب إعادة الوضوء إن كان محدثًا فيه طريقان:

أحدهما: أن فيه قولين كما لو نزع الماسح الخف أو انقضت المدة هل يستأنف الوضوء أو يقتصر على غسل الرجلين فيه قولان ووجه الشبه أن الطهارة في الصورتين كملت من جنسين أصل وبدل، فإذا بطل حكم البدل هل يبطل الأصل حتى يؤمر بالاستئناف أم لا؟

والطريق الثاني: القطع بنفي الاستئناف؛ لأن التيمم طهارة مستقلة في الجملة فلا يلزم بارتفاع حكمها انتقاض طهارة أخرى، وهذا الخلاف جار في الجنب إذا غسل الصحيح من بدنه وتيمم للعليل فصلى هل تفتقر الفريضة الثانية إلى استئناف الغسل مع التيمم؟ انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن الصحيح هي الطريقة القاطعة كذا صححها الرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "الروضة" وغيرها ولم ينبه في "الروضة" على أنه من زياداته بل أدخله في كلام الرافعي فتفطن له.

الأمر الثاني: أن إجراء الخلاف في الغسل قد تابعه عليه في "الروضة" وعبر بقوله: وهل يجب إعادة الوضوء إن كان محدثًا أو الغسل إن كان جنبًا فيه طريقان هذه عبارته وأنكر ذلك في "شرح المهذب" فقال: فإن كان جنبًا أعاد التيمم دون الغسل بالاتفاق كذا قاله الأصحاب في [كل](1) الطرق وقال الرافعي: في إعادة الغسل خلاف كما في المحدث وهذا ضعيف متروك. هذه عبارته.

قوله من زياداته: قال البغوي وغيره وإذا كان جنبًا والجراحة في غير أعضاء الوضوء فغسل الصحيح وتيمم للجراحة ثم أحدث قبل أن يصلي فريضة لزمه الوضوء ولا يلزمه التيمم لأن تيممه عن غير أعضاء الوضوء فلا

(1) في جـ: جميع.

ص: 314

يؤثر فيه الحدث ولو صلى فريضة ثم أحدث توضأ للنافلة ولا يتيمم وكذا حكم الفرائض كلها، والله أعلم.

وما ذكره النووي في أخر كلامه من أن الفرائض جميعها حكمها كذلك قد توهم منه كثيرون أنه يتوضأ لها ولا يتيمم كالنافلة وأنه يستبيح بوضوئه الثاني وتيممه فرائض لكون التيمم قائمًا مقام غسله عن الجنابة، وكذلك توهموا استباحة الجمع بمحض التيمم عن الجنابة وبالتيمم مع غسل ما قدر عليه وليس الأمر كذلك بل لابد من إعادة التيمم كما صرح هو به والرافعي في المسألة التي تقدم نقلها عنه، ومراده أن غير الصلاة من الفرائض كالطواف وغيره حكمه حكم الصلاة في أنه إذا أحدث بعد فعله لا يباح بالوضوء فقط إلا النقل، وقد رأيت أيضًا في "الشافي" للجرحاني تصريح بوجوب التيمم لكل فرض فقال: وقد كان قبله أي قبل الحدث ممنوعًا من الفرض دون النفل وإذا أراد أن يستبيح الفرض تيمم له هذا لفظه في أخر فصل أوله وينتقض التيمم.

ص: 315