المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ استقبال القبلة - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٢

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الباب الأول: في المياه الطاهرة

- ‌الباب الثاني في المياه النجسة

- ‌الفصل الأول: في النجاسات

- ‌الفصل الثاني في الماء الراكد

- ‌الفصل الثالث في الماء الجاري

- ‌الفصل الرابع في إزالة النجاسة

- ‌الباب الثالث في الاجتهاد

- ‌الباب الرابع في الأواني

- ‌القسم الأول: المتخذ من الجلود

- ‌القسم الثانى: المتخذ من العظم

- ‌القسم الثالث: المتخذ من الذهب والفضة

- ‌الباب الخامس في صفة الوضوء

- ‌الفرض الأول: النية:

- ‌الفرض الثانى: غسل الوجه

- ‌الفرض الثالث: غسل اليدين

- ‌الفرض الرابع: مسح الرأس

- ‌الفرض الخامس: غسل الرجلين

- ‌الفرض السادس: الترتيب

- ‌الباب السادس في الاستنجاء

- ‌الفصل الأول: في آداب قضاء الحاجة

- ‌الفصل الثاني: فيما يستنجي [منه]

- ‌الفصل الثالث: فيما يستنجى به

- ‌الفصل الرابع: في كيفية الاستنجاء

- ‌الباب السابع: فى الأحداث

- ‌الفصل الأول: في أسبابها

- ‌الفصل الثاني: في حكم الحدث

- ‌الباب الثامن في الغسل

- ‌كتاب التيمم

- ‌الباب الأول: فيما يبيح التيمم

- ‌الباب الثاني: في كيفية التيمم

- ‌الباب الثالث: في أحكام التيمم

- ‌النظر الأول في شروطه وكيفيته وحكمه:

- ‌النظر الثاني في كيفية المسح

- ‌النظر الثالث في حكم المسح

- ‌كتاب الحيض

- ‌الباب الأول في حكم الحيض والاستحاضة

- ‌الباب الثاني في المستحاضات

- ‌الباب الثالث في المتحيرة

- ‌الباب الرابع في التلفيق

- ‌الباب الخامس في النفاس

- ‌كتاب الصلاة

- ‌ المواقيت

- ‌الفصل الأول: في وقت الرفاهية

- ‌الفصل الثاني: في وقت المعذورين

- ‌الفصل الثالث: في الأوقات المكروهة

- ‌ الأذان

- ‌الفصل الأول: في بيان الصلاة التي هي محل الأذان

- ‌الفصل الثاني: في صفة الأذان

- ‌الفصل الثالث: في صفة المؤذن

- ‌ استقبال القبلة

الفصل: ‌ استقبال القبلة

الباب الثالث في‌

‌ استقبال القبلة

قوله: روي أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت ودعا في نواصيه ثم خرج وركع في قبل الكعبة، وقال:"هذه القبلة"(1) انتهى.

وقيل: بضم القاف والباء، ويجوز إسكانها، قال بعضهم، معناه مقابلها، وقال بعضهم: ما استقبلك. أي وجهها، ويؤيده رواية ابن عمر في الصحيحين. في هذا الحديث: وصلى ركعتين في وجه الكعبة (2).

والحديث المذكور رواه الشيخان من رواية أسامة.

واعلم أن الإمام أحمد قد روى في "مسنده"، وكذلك ابن حبان في "صحيحه" أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت في اليوم الأول ولم يصل، ثم دخل اليوم الثاني (3) وصلى. وفي هذا جواب عن نفي أسامة للصلاة.

والأصحاب، ومنهم النووي في "شرح المهذب" قد أجابوا باحتمال الدخول مرتين، وقد تبين ذلك بالنقل لا بالاحتمال.

قوله: ألا ترى أن المريض الذي لا يجد من يوجهه إلى القبلة، ولا يطيق التوجه معذور، كذلك المربوط على خشبة. انتهى.

واعلم أن القضاء يجب أيضًا في هذه الحالة، وكذلك في جميع أحوال

(1) أخرجه البخاري (389)، ومسلم (1330) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (388) ومسلم (1329).

(3)

أخرجه أحمد (2126) و (2834) وابن حبان (3207) والطيالسي (2653) والطبراني في "الكبير"(11339) و"الأوسط"(1020) وأيو يعلي (2594) والطحاوي في "شرح المعاني"(2117) وعبد بن حميد (633) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بسند صحيح.

ص: 472

العجز عن الاستقبال كما نبه عليه آخر كتاب التيمم، وحذفه من "الروضة" ثم ذكر بعده بقليل من "زوائده".

قوله: وهذا أيضًا إذا لم يلحقه خوف فأما إذا خاف الانقطاع عن الرفعة لو نزل لأداء الفريضة أو خاف على نفسه أو ماله من وجه آخر، فله أن يصلي على الدابة، لكنه يعيد إذا نزل. انتهى كلامه.

ومقتضاه ومقتضى ما في "الروضة" و"شرح المهذب" و"الكفاية" أن خوف الانقطاع يكون منه ضررًا أم لا، لما فيه من الوحشة، وهذا الذي اقتضاه كلامهم هنا، قد صرحوا بتصحيحه في نظيره من التيمم، وقد تقدم ذكره هناك مع ما يشكل عليه.

قوله: وأما صلاة الجنازة ففي جواز فعلها على الراحلة ثلاث طرق بيناها في التيمم والظاهر المنع، لأن الركن الأظهر فيها القيام وفعلها على الراحلة يمحو صورته، وذكر بعضهم للمنع معنى آخر يذكر من بعده، انتهى.

والمعنى الذي أشار إليه هو ندور هذه الصلاة، بخلاف الرواتب هكذا ذكره بعد هذا بنحو ورقتين، ثم قال: وهذه العلة والتي قدمناها من محو سورة القيام ينبغي أن يختلفا في التفريع وإذا صلاها على الراحلة قائمًا، فقضية هذه العلة المنع وقضية تلك العلة الجواز وبه أجاب إمام الحرمين هذه عبارته، والراجح على ما دل عليه كلامه هو العلة الأولى فيكون الراجح الجواز قائمًا ويدل عليه تصريح الإمام، وقياسه جواز أدائها ماشيًا فاعلم ذلك، لكن صحح في "شرح المهذب" امتناع المشي، وأردفه بقوله كما تقدم في "التتمة"، وفي ثبوت ما قاله نظر، لاسيما أنه لم يتقدم له ذكر في التيمم، وقد حذف النووي من الروضة الإختلاف في التعليل، وما

ص: 473

ترتب عليه، وأعاد الرافعي أيضًا المسألة قبيل صلاة التطوع وعلل [بالندرة](1)، وبإحترام الميت أيضًا، ولا يجوز من كلامه تصريح بشئ إلا أنه إلى جواز أقرب لمن تأمل آخر كلامه.

قوله في "الروضة": وأصح الأوجه صحة الفريضة على الدابة الواقفة دون السائرة، وتصح أيضًا في السرير الذي يحمله رجال، والزورق الجاري للمقيم ببغداد، ونحوه في الأصح. انتهى ملخصًا.

والكلام معه في مسألتين:

الأولى: السرير،

والكلام فيه في أمرين:

أحدهما: أن إطلاقه يقتضي أنه لا فرق فيه بين أن يسير به الرجال أم لا، وقد أصرح به في "شرح المهذب" فقال: الأصح الصحة كالسفينة وبه قطع القاضي أبو الطيب، فقال في باب موقف الإمام والمأموم: قال أصحابنا: لو كان على سرير يحمله رجال وساروا به صحت صلاته، هذه عبارته، وسنذكر أيضًا ما يدل له، وعلى هذا فيحتاج إلى الفرق بين السرير، وبين الدابة.

الأمر الثاني: أن الرافعي رحمه الله لم يصحح في المسألة شيئًا، بل نقل عن بعضهم أنه يصح عند السير به، واستدل بذلك على الصحة في الدابة السائرة، ونقل عن الإمام أنه كالصلاة على ظهر الدابة ولم ينقل شيئًا آخر بالكلية، وذكر البغوي أنه على الوجهين في الدابة السائرة والقاضي أبو الطيب جزم بالصحة في الدابة الواقفة وقاسها على سرير يحمله أربعة، وهذا القياس إنما يصح عند مكث العاملين، والصواب عدم الصحة

(1) في جـ: بالندور.

ص: 474

كالدابة، والفرق بينه وبين السفينة واضح.

المسألة الثانية: الزورق ولم يصحح الرافعي فيه أيضًا شيئا بالكلية، بل ولا حكى وجهين، فإنه قال: وتصح الصلاة في السفينة، وإن كانت تتحرك لمسيس الحاجة إلى ركوبها فجعل كالأرض، وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة على الأرض، ثم قال: وأما الزورق الجاري، فهل للمقيم ببغداد وغيره إقامة الفريضة فيه مع تمام الأركان والأفعال؟

قال إمام الحرمين: فيه احتمال وتردد ظاهر، فإن الأفعال تكثر بجريان الزوارق فهو قادر على دخول الشرط، هذه عبارته، وذكر مثله في الشرح الصغير وجهين وزاد فصحح الصحة، ولم ينبه عليه وذكر مثله في "التحقيق" و"شرح المهذب"، نعم: في كلام الرافعي بعد هذا رمز إليه بعيد.

واعلم أن الصفائح جمع صفيحة، هي ألواح الباب، قال الجوهري. قوله: لأن سير الدابة منسوب إليه، ولهذا يجوز الطواف عليها وسير السفينة بخلاف، فإنها بمثابة الدار في البر. انتهى.

وهذا الكلام مقتضاه أنه لو فرض سيل حول الكعبة فطاف فيه على سفينة أو لوح لم يصح، والمتجه صحته.

قوله: ويجوز فعل النوافل راكبًا وماشيًا ثم قال: وهل يختص ذلك بالسفر الطويل؟

فيه قولان:

وأصحهما: لا، وبه قطع بعضهم. انتهى ملخصًا.

وذكر مثله في "الشرح الصغير" أيضا، وقد اختصره النووي في "الروضة" بقوله في السفر الطويل، وكذا القصير على المذهب هذا لفظه من

ص: 475

غير زيادة عليه، وهو يقتضي تصحيح طريقة القطع، ولا يؤخذ منه تصحيح لواحدة من الطريقين، وكلاهما مخالف لما في الرافعي، وعبر في "التحقيق" بعبارة "الروضة"، وعبارة "شرح المهذب" صريحة أو كالصريحة في تصحيح طريقة القطع، وقال في شرح الوسيط: إنها المذهب.

قوله: أما راكب السفينة فلا يجوز تنفله فيها إلى غير القبلة لتمكنه، نص عليه الشافعي ثم قال: واستثنى صاحب العدة الملاح الذي يسير بها، ويجوز تنفله حيث توجه لحاجته. انتهى كلامه.

وهذا الإستثناء يحتمل أن يكون حكاية وجه ضعيف، ويحتمل أن يكون استدراكًا لما قاله الأصحاب، ويكون إطلاقهم محمولًا عليه والأول هو المراد ففد صرح الرافعي في الشرح الصغير، بأن الأصح أنه لا فرق بين الملاح وغيره، وحكى هذا وجهًا ضعيفًا لكن الذي فهمه النووي هو الثاني، فقال في "الروضة" من زيادته: قد استثناه أيضا صاحب الحاوي وغيره، ولابد منه. انتهى كلامه.

واستثناه أيضًا في شرح المهذب والتحقيق وجزم به الروياني في "البحر".

قوله: أما الراكب على سرج ونحوه، ففي وجوب الإستقبال عليه عند التحرم وجوه أرجحها عند المعظم إن سهل بأن كانت الدابة واقفة وأمكنه إدارتها أو الانحراف عليها أو كانت سائرة والزمام بيده ولا حران بها وجب عليه ذلك، لما روى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته، كبر ثم صلى حيث وجه ركابه (1). وإن عسر بأن كانت مقطرة أو صعبة الإدارة لحرانها فلا، لما فيه من المشقة وإختلال أمر

(1) أخرجه أبو داود (1225) والدارقطني (1/ 395) والطبراني في "الأوسط"(2536) والبيهقي في "الكبرى"(2040) من حديث أنس رضي الله عنه قال ابن السكن: صحيح.

وقال الألباني: حسن.

ص: 476

السير عليه، انتهى.

ومقتضاه أن الواقفة إذا سهل عليه إدارتها أو إنحرافه عليها إنما يجب على راكبها الاستقبال حال التحرم خاصة، وهو بعيد.

قال ابن الصباغ: والقياس أنه مهما دام واقفًا فلا يصلي إلا إلى القبلة، فإذا أراد السير انحرف إلى طريقه، والذي قال متعين، وقد نقل في الكفاية عن الأصحاب نحوه، فقال: وقال الأصحاب: لو وقف في أثناء الطريق للإستراحة أو لانتظاره رفقة لزمه الاستقبال ما دام واقفًا، فإن سار بعد ذلك، نظرت فإن سيره لأجل سير الرفقة أتم صلاته إلى جهة سفره، وإن كان هو المختار لذلك من غير ضرورة لم يجز أن يسير حتى تنتهي صلاته، لأنه بالوقوف قد لزمه فرض التوجه، وهذا كلامه، وذكر في "شرح المهذب" من "الحاوي" نحوه، ولم يخالفه.

والحديث المذكور رواه أبو داود بإسناد حسن كما قاله في "شرح المهذب".

قوله: وإن انحرف عن صوب الطريق أو حرف الدابة عمدًا فقد قال في "الوجيز": إن صلاته تبطل، وهذا مُجْرَىً على إطلاقه تبطل وقد رجع إلى الأصل فإذا المراد ما إذا حرفها إلى غير القبلة، أو انحرف عليها يمينه، وهكذا قيده سائر الأئمة. انتهى.

وما اقتضاه كلامه من عدم الخلاف، وقد صرح به في شرح المهذب وهو غريب، فقد حكى في "التتمة" وجهًا أن الصلاة تبطل إذا انحرف على الدابة بأن جعل وجهه إلى عجزها ونقله أيضًا في "شرح المهذب" في آخر الباب، وأبدى القاضي الحسن في "فتاويه" في ذلك احتمالين.

قوله: إن حرف الدابة ناسيًا أو غالطًا بأن ظن أنها طريق، فإن عاد على قرب لم تبطل وإن طال بطلت على أصح الوجهين، وإن انحرف بجماح الدابة فطال الزمان بطلت على الصحيح كالإمالة قهرًا، وإن قصر لم تبطل

ص: 477

وفيه وجه. انتهى ملخصًا.

أهمل رحمه الله من أقسام المسألة ما إذا انحرفت الدابة بنفسها من غير جماح، وهو غافل منها ذاكر للصلاة، وقد ذكره الغزالي في الوسيط فقال: إن قصر الزمان لم تبطل وإن طال فوجهان.

قوله: وإذا اشترطنا استقبال الراكب عند الإحرام لم يشترط عند السلام في أصح الوجهين، ولا يشترط بما سواهما من أركان الصلاة. انتهى.

واعلم أن النووي قد ادعى في "تصحيح التنبيه" أن ذلك لا خلاف فيه بالنسبة إلى الركوع والسجود، فإنه قال: الصواب أن ذلك لا يشترط فيهما، وهذا هو اصطلاحه في التعبير بالصواب، وقال في شرح المهذب: إن فيه وجهين ثم إن الخلاف مشهور فإن القاضي أبا الطيب قد حكاه في تعليقته، وجزم البندنيجي بالوجوب، وصححه الروياني وقد حكى ذلك كله ابن الرفعة.

قوله: ثم الطريق في الغالب لا تستد بل تشتمل على معاطف. انتهى.

تستد: . بسين مهملة ثم تاء بنقطتين من فوق ثم دال مهملة أى: تستقيم.

ومنه قول الشاعر (1):

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد ساعده رماني

أى: استقام رميه وصار صوابًا مأخوذ من السداد بالفتح، وهو الاستقامة والصواب ومنه قولهم: سددك الله، وقوله تعالى:{وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (2)، وأما السداد [بالكسر فهو ما يسديه الشئ تقول: هذا سداد] (3). القارورة الثغر.

(1) هو مالك بن فهم الأزدي، شاعر، أول من ملك على العرب بأرض الحيرة. توفى سنة 480 ق. هـ.

(2)

سورة الأحزاب (70).

(3)

سقط من أ، ب.

ص: 478

نعم: يجوز الكسر والفتح في قولهم: فيه سداد من عور، وأصبت به سدادًا من عيش أى ما يسدد به الخلة وإن كان الكسر أفصح، قاله جميعه الجوهري.

قوله: ليس لراكب اليعاسيف ترك الاستقبال في شئ من نافلته، وهو الهائم الذي يستقبل تارة ويستدبر أخرى، إذ ليس له مقصدًا معلوم، وقول الغزالي، ولا يصلي راكب اليعاسيف معناه: أنه لا يتنفل متوجهًا إلى حيث تسير دابته كما يفعله غيره، لا أنه لا يتنفل أصلًا، فإن هذا الرجل لو تنفل مسقبلًا في جميع صلاته. انتهى كلامه.

ومقتضاه أنه يجوز لراكب اليعاسيف أن يتنفل على الدابة مستقبلًا للقبلة، وهو مقتضى ما في الروضة أيضًا، وهذا غير مستقيم، فإن هذا السفر حكمه حكم الإقامة إذ لا يستبيح به شيئًا من الرخص، والمذهب في المقيم أنه لا يجوز له التنفل على الراحلة إلى القبلة، ولا إلى صوب مقصده، بل لو صلى على الأرض مضطجعًا وجوزناه كما هو الصحيح، فلابد من الجلوس لفعل الركوع والسجود ولا يكفي الإيماء بهما، بل لا يجئ في مسألتنا الخلاف في المقيم، فإن علة التجويز للمقيم كونه محتاجًا إلى التردد لحاجته كما يحتاج المسافر، وهذه العلة مفقودة هاهنا، لأن هذا التردد عبث لا حاجة إليه، وقد تفطن في "شرح المهذب" للصواب، فقال: الرابعة: إذا كان المسافر راكب يعاسيف، وهو الهائم الذي يستقبل تارة، ويستدبر أخرى، وليس له مقصد معلوم، فليس له الترخيص بشئ من رخص السفر هذا كلامه، والذي وقع للرافعي قلد فيه الإمام، وقد نقله عن ابن الصلاح في "مشكل الوسيط"، ثم اعترض عليه بما ذكرته، فقال: وقوله: يعني الغزالي، ولا يتنفل أصلًا، أطلقه وقد قيده شيخه

ص: 479

في "النهاية"، فقال: لا يتنفل أصلًا إذا لم يكن مستقبلًا في جميع صلاته.

فأقول: التنفل على الراحلة رخصة من رخص السفر على ما تقرر وراكب اليعاسيف لا يترخص بترخص السفر، فهو إذًا كالمقيم هذه عبارته، ثم ذكر بعد ما يقتضي جريان الخلاف الذي في المقيم، واعترضه صحيح وصريان الخلاف غير صحيح، نعم! إن كان هذا المذكور. له مقصد صحيح في هذا الفعل كالذي يطلب ضالة أو آبقًا ونحوهما، فلا شك أنه على الخلاف في المقيم، واليعاسيف مأخوذ من العسف، وهو ركوب الأمر بغير روية وركوب الفلاة وقطعها على غير صوب، قاله الأزهري.

قوله في المسألة: ولو كان له مقصد معلوم لكن لم يسر في طريق معين فله التنفل مستقبلًا جهة مقصده على الأظهر، وعلى الثاني لا لأنه لم يسلك طريقًا مضبوطًا، فقد لا يؤدي سيره إلى مقصد. انتهى.

تابعه في "الروضة" على حكاية الخلاف قولين، وحكاه في "التحقيق" وجهين، والصواب الأول والمقصد بكسر الصاد كما ضبطه ابن الصلاح والنووي.

قوله: الثانية لو انحرف المتنفل عن صوب الطريق أو حرف الدابة عنه ناسيًا، وعاد على العرف لم تبطل صلاته، ثم قال: هل يسجد للسهو، ذكر الصيدلاني والإمام والغزالي وصاحب "التهذيب" أنه يسجد، لأن عمده مبطل، وحكى الشيخ أبو حامد في طائفة عن نص الشافعي أنه لا يسجد. انتهى ملخصًا.

وقد صحح في "الشرح الصغير" الأول أعني السجود وهو المذكور في

ص: 480

"الحاوي الصغير" أيضًا، ونقله الخوارزمي في "الكافي" عن نص الشافعي، ومقتضى كلام "الروضة" و"التحقيق" و"شرح المهذب"، ترجيح عدم السجود، فإنه قال: فيه وجهان: المنصوص لا يسجد، وهذه العبارة أظهر في الترجيح من كلام الرافعي في "الشرح الكبير"، لكن هذا التصحيح خارج عن القاعدة لكون عمله مبطلًا كما تقدم ذكره، ومعارض أيضًا بما نقله الخوارزمي عن الشافعي، ومشكل بما إذا جمحت الدابة وعادت على الفور، فإن الأصح في "الروضة" وغيرها أنه يسجد.

فإذا علمت هذه الأمور كلها تعين أن تكون الفتوى على السجود على خلاف ما اقتضاه كلام الروضة وغيرها من كتب النووي فاعلمه.

وكأن النووي لم يطلع إلا على النص الذي نقله الرافعي.

قوله في أصل "الروضة": أما الراكب في مرقد ونحوه مما يسهل فيه الاستقبال وإتمام الأركان، فعليه الإستقبال في جميع الصلاة وإتمام الأركان على الأصح كراكب السفينة والثاني لا يشترط وهو منصوص. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما جزم به في حكاية الوجهين قد ضعفه في شرح المهذب، فإنه حكى في المسألة طريقين:

إحداهما: هذه.

والثانية: القطع بالوجوب، قال؛ وهي المذهب وقطع بها الجمهور.

الأمر الثاني: أن الرافعي قد ذكر وجهًا أنه يجب الاستقبال دون إتمام الأركان كما قيل بمثله في المتنفل على الأرض مضطجعًا ولم يذكره في "الروضة".

ص: 481

قوله: أما الماشي فيتم ركوعه وسجوده ويستقبل فيهما وفي إحرامه، ولا يمشي إلا في قيامه، وكذا في تشهده على ظاهر المذهب. انتهى ملخصًا.

وما ذكره من حصر المشي إلا في قيامه تابعه عليه في "الروضة"، وهو يقتضي أنه يمشي في حال الاعتدال دون الجلوس بين السجدتين، وقد صرح به في "الكفاية" نقلًا عن البغوي وغيره، وفرق بأن مشي القائم يسهل، فسقط عنه التوجه فيه ليمشي فيه شيئًا من سفره قدر ما يأتي بالذكر المسنون، ومشى الحالتين لا يمكن إلا بالقيام وقيامه غير جائز، فكان عليه التوجه فيه.

قوله: ولا كلام في أن الماشي لو مشى على نجاسة قصدًا فسدت صلاته، ولكن لا يجب عليه التحفظ لأنه يشق ولو انتهى إلى نجاسة ولم يجد معدلًا عنها، فقد قال الإمام: هذا فيه احتمال، قال: ولو شك في البطلان في الرطبة، وإن كانت عن غير قصد، لأنه يصير حاملًا للنجاسة، انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما نقله عن الإمام من التوقف في اليابسة، تبعه عليه في "الروضة" وغيرها، ولم يزد عليه، وذكر في التحقيق ما حاصله أن المعروف البطلان فاعلمه.

الأمر الثاني: أن ما قاله الإمام في الرطبة قد تبعه عليه في "الروضة" وجزم به مع أن شرطه أن يحصل تلوث كبير لا يقع في حد العفو، كذا صرح به الرافعي في هذه المسألة بخصوصها ذكر ذلك في باب شروط الصلاة.

قوله: ويشترط دوام السفر فلو مر ببلدة له بها أهل وعشيرة فهل يصير مقيمًا بدخولها؟ فيه قولان. انتهى.

والأصح منهما أنه لا يصير، كذا صححه الرافعي في صلاة المسافر.

ص: 482

اعلم أنه لو إبتدأ النافلة على الأرض ثم أراد السفر، ففي شرح المهذب أنه يلزمه الاستئناف بلا خلاف، وجزم به في التحقيق، وكان ينبغي أن يفصِّل، فيقال: إن اضطر إلى ذلك بأن رحلت الرفقة وتضرر بتخلفهم بنى وإلا استأنف كما قالوا في صلاة الخوف فيمن افتتح الفرض على الأرض ثم ركب.

قوله من "زوائده": قال أصحابنا: والنفل في الكعبة أفضل منه خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة، فإن رجاها فخارجها أفضل، انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن التنفل في البيت أفضل من التنفل في المساجد، حتى مسجد المدينة كذا ذكره في "شرح المهذب" في هذا الباب، وقد ذكر الماوردي أن حرم مكة مساوٍ لمسجدها في المضاعفة، ونقله عن النووي في مناسكه، وأقره بخلاف حرم المدينة، وحينئذ فإذا ثبت تفصيل التنفل في البيت على فعله في مسجد المدينة كما تقدم نقله عن شرح المهذب لزم ذلك في مسجد مكة بطريق الأولى، وإطلاقهم في باب صلاة التطوع يدل عليه، وهذا كله يعارض ظاهر ما نقلناه الآن من "الروضة"، وحينئذ فينبغي تأويله على أن يكون المراد بقوله خارجها أي من المسجد ويكون ساكتًا عن التفصيل بين المسجد والبيت، وقد تقرر في موضعه أن التنفل في البيت أفضل من المسجد بخلاف الفرض.

الأمر الثاني: أن تعبير "الروضة" قد سقط منه شئ يعرف من "شرح المهذب"، فإنه قال: أصحابنا: والتنفل في الكعبة أفضل منه خارجها، وكذا الفرض إذا لم يمكن فخارجها أفضل هذه عبارته، فسقط من الروضة تفضيل الفرض في الكعبة عند إمكان فعل الجماعة في الكعبة وفي خارج

ص: 483

الكعبة معا وعبارة المهذب قد تنازع في هذه الصورة، فإن قال: والأفضل أن يصلي الفرض خارج البيت، لأنه يكثر للجمع، مكان أعظم للأجر، هذا كلامه.

قوله: ولو صلى في الكعبة أو على سطحها فينظر إن كان بين يديه شاخص قدر مؤخرة الرجل صحت صلاته ومؤخرة الرجل ثلثا ذراع إلى ذراع تقريبًا، وإن لم يكن بين يديه شيء شاخص من نفس الكعبة، ففيه وجهان.

الأصح: المنع، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة على ظهر الكعبة (1)،

والثاني: وبه قال أبو حنيفة وابن سريح، يجوز كما لو وقف خارج العرصة،

ثم قال ما نصه: رخص بعضهم نقل الجواز عن ابن سريج بصورة العرصة دون السطح لكن قال إمام الحرمين: لا شك أنه يجزئه في ظهر الكعبة، وصرح في التهذيب بنفي الجواز عنه في الواقف على ظهر الكعبة، فلا فرق. انتهى كلامه.

وتعبيره بقوله: بنفي الجواز وقع كذلك في عدة من نسخ الرافعي، واعتمد عليها ابن الرافعي في "الكفاية"، فنقل هذا الكلام بعينه عن التهذيب وهو غلط، فإن المذكور في التهذيب عن ابن سريج إنما هو الجواز في السطح ولم ينقل عنه شيئًا في العرصة، ووقع في بعض نسخ الرافعي التعبير بنقل الجواز عوضًا عن نفي الجواز، وهذه النسخة هي الصواب، والحديث المذكور رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي وغيرهم، قال الترمذي:

(1) أخرجه الترمذي (346) وابن ماجة (746) والبيهقي في "الكبرى"(3613) والطحاوي في "شرح المعاني"(2098) وعبد بن حميد (765) والعقيلي في "الضعفاء"(2/ 71) والبزار (161) وابن عدي في "الكامل"(3/ 203) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

قال الترمذي: إسناده ليس بذاك القوي.

وقال الألباني: ضعيف.

ص: 484

ليس إسناده بذاك القوي، ولفظ الحديث عن [ابن] (1) عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سبعة مواطن لا يجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الإبل والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق. . . .".

واعلم أن ابن الصلاح قد قال في "مشكل الوسيط": الصحيح أن مؤخرة الرحل بميم مضمومة ثم همزة ساكنة ثم خاء معجمة مكسورة بعدها راء وهاء، وهي عبارة عما يستند إليه راكب الرجل من خلاف ظهره والرحل منزلته من ظهر الجمل منزلة البرذعة من ظهر الحمار، قال في "غريب المهذب" المسمى "بالمغنى": المؤخرة بفتح الهمزة وتشديد الخاء. قال ابن الأثير: المؤخرة بالسكون لغة قليلة في الآخرة على وزن الضاربة وقد منع منها بعضهم.

قوله: وقبلة الكوفة نصبها علىّ، وقبلة البصرة نصبها عتبة بن غزوان رضي الله عنهما انتهى.

وغزوان بغين معجمة مفتوحة ثم زاى معجمة ساكنة، توفي عتبة بطريق البصرة سنة سبع عشرة من الهجرة.

قوله: فإن قدر على القبلة يقينًا لم يجز له الاجتهاد كالقادر على العمل بالنص لا يجوز له الإجتهاد، وحكى الروياني وجهين فيما إذا استقبل الحجر بكسر الحاء بناء على هذا الأصل، قال: الأصح المنع، لأن كونه في البيت غير مقطوع به. انتهى.

واعلم أنه يجوز الأخذ برواية الصحابي واجتهاده بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكره في "شرح المهذب" في الكلام على الاجتهاد في الأوقات، فترد

(1) سقط من الأصل.

ص: 485

هذه الصورة على المصنف، وأما الذي صححه الروياني، فقد صححه النووي في أصل "الروضة" وغيرها من كتبه وسبب كونه غير مقطوع به أنه في أخبار الآحاد، وصورة مسألة الكتاب أن يكون في الحرم وهو أعمى أو في ظلمة.

قوله: وإن لم يقدر على درك اليقين نظر إن وجد من يخبره عن القبلة عن علم رجع إليه ولم يجتهد أيضًا كما في الوقت إذا أخبره عدل عن طلوع الفجر يأخذ بقوله ولا يجتهد، وكذا في الحوادث إذا روى العدل خبرًا. انتهى.

واعلم أن ما ذكره في وجدان الخبر إن أراد به أنه إذا أخبره وجب العمل بقوله وامتنع الاجتهاد فواضح، ويدل عليه تعبيره بقوله كما في الوقت إذا أخبره فإن أراد أن يلزمه سؤاله، فيشكل على ما ذكره في المكر من أنه يجوز له إذا صلى في بيته أن يجتهد، وإن أمكنه الرقى على السطح، وقياسه من هنا ألا يجب السؤال بل أولى لأن الرقى يحصل العلم بخلاف السؤال، وقد استفدنا من كلام الرافعي أن إخبار العدل عن مشاهدة ليس بيقين، وأنه لا يجوز الأخذ به إلا إذا تعذر عليه القطع، وسأذكر في الكلام على ظهور الخطأ كلامًا يتعلق به.

قوله في أصل "الروضة": ولا يقبل في القبلة خبر كافر قطعًا ولا فاسق ولا صبي غير مميز على الصحيح فيهما. انتهى.

وما جزم في الفاسق من طريقة الوجهين قد ضعفها في "شرح المهذب" فقال: وأما الفاسق ففيه طريقان: المشهور وبه قطع الأكثرون أنه لا يقبل خبره هنا كسائر أخباره، والثاني في قبوله وجهان، وما أطلقه في الكافر، قد ذكر الماوردي ما يقتضي تخصيصه فقال: فأما إذا استدل مسلم من كافر

ص: 486

دلائل القبلة كأن سأله عن أحوال الرياح ومطالع النجوم فأخبره ووقع في نفسه صدفة ثم اجتهد لنفسه من خبر المشرك في جهات القبلة جاز، لأن المسلم عمل في القبلة على اجتهاد نفسه، وإنما قبل خبر المشرك في غيرها مما يستوي في الإخبار به من وقع في النفس صدقة من مسلم وكافر، هذه عبارته.

قوله: حتى أن الأعمى يعتمد المحراب إذا عرفه بالمس حيث يعتمده البصير بالرؤيه، ثم قال: ولو اشتبهت عليه طيقان لمسها فلا شك في أنه يصير حتى يخبره غيره صريحًا، انتهى كلامه.

والطيقان جمع طاق كنار ونيران، وجار وجيران، قال صاحب المطالع: طاق البناء هو الفارغ ما تحته وهي الحنية وتسمى الأزح، وقال الجوهري: الطاق ما عطف من الأبنيه والجمع طاقات وطيقان فارسي معرب، ولهذا يعبر بعض الفقهاء عن المحراب بطاق القبلة وسنعيد هذه اللفظة إن شاء الله تعالى في كتاب الإيمان بزيادة على المذكور هنا.

قوله: ولو غرز عصًا أو خشبة فوجهان أحدهما يكفي بحصول الاصال بالمغروز، ولذلك تعد الأوتاد المغروزة من الدار، وتدخل في البيع، وأصحهما: لأ كما لو وضع الغروز من البناء والأوتاد جرت العادة بغرزها لما فيها من الصالح فقد تعد من البناء لذلك. انتهى كلامه.

وحاصله حكمًا وتعليلًا أن هذا الخلاف لا يجري في البيع وهو غريب، فقد حكاه الرافعي هناك، وجعله مفرعًا على الخلاف، ونقل أن الخلاف المذكور هنا أصل لذلك، فقال في [الفصل] (1): الدار ما نصه.

(1) في أ، ب: اللفظ.

ص: 487

الثالث: ما أثبت على غير هذا الوجه [كالدقوق](1) والدنان والإجانات المثبتة والسلالم المسمرة والأوتاد المثبتة في الأرض والجدران والتحتاني من حجري الرحى وخشب القصار، ومعجن الخباز، ففي جميع ذلك وجهان:

أصحهما أنه يدخل ثم قال: وفي "التتمة" أن أصل الخلاف في هذه المسائل الخلاف في تجويز الصلاة إلى العصا المغروزة في سطح الكعبة إن جوزناه، فقد عددناها من البناء فتدخل وإلا فلا. انتهى كلامه.

فحكى الخلاف فيه كما ذكرناه مع كونه مثبتًا ومسمرًا وجعل هذا أصلًا له.

قوله: والوجهان في الغرز المجرد أما لو كانت مثبته أو مسمرة كفت للاستقبال.

نعم: قال إمام الحرمين: الخشبة وإن كانت مثبتة، فبدن الواقف خارج عن محاذاتها من الطرفين فيكون على الخلاف الذي يأتي ذكره فيمن وقف على طرف، وبعض يديه في محاذاة ركن من الكعبة. انتهى كلامه.

فيه أمور: أحدها أن ما ذكره من تخصيص الوجهين بمجرد الغرز لا بالمثبت والمسمر قد صرح به في أصل "الروضة" كما ستعرفه، والكلام المذكور في البيع يقتضي أنه لا فرق هنا بينهما فتأمله.

الأمر الثاني: هو موقوف على عبارة الإمام فنقول: قال: ولو وقفه على حرف ركن من البيت وكان يحاذي ببعض بدنه الركن وبعضه خارج عن مسامته الكعبة، ففي صحة الصلاة وجهان، ثم قال بعد صفحة: ثم لو فرض شخوص خشبة من البناء فمعلوم أنه في حجمها قد لا يكون على قدر الواقف، وقد ذكرنا خلافًا فيمن وقف على طرف ركن من أركان

(1) في أ، ب: اللفظ.

ص: 488

الكعبة، وخرج بعض بدنه عن؟ وهذه الخشبة الشاخصة، وإن اتصلت اتصال البناء، فبدن الواقف خارج عن محاذاتها في الطرفين، فهذا فيه تردد عندي، كما ذكرته، هذه عبارته، وقول الإمام: فهذا فيه تردد ظاهر عندي جزم منه بحكاية التردد، وذلك التردد ظاهر مما سبق، وليس بخفي، ولهذا قال كما ذكرته أى كما ذكرت التردد هنا هذا مدلول كلام الإمام لا غير، وهو مطابق لكلام الرافعي، وتوهم النووي أن الإمام متردد في جريان ذلك الخلاف هنا، فاعترض به على الرافعي فقال: وإن كانت العصا خشبة أو مسمرة كفت قطعًا، لكن قال الإمام: إن خرج بعض بدنه عن محاذاتها كان على الخلاف الآتي ممن خرج بعض بدنه محاذاة الكعبة.

قلت: لم يجزم الإمام بأنه يكون على ذلك الخلاف، بل قال في هذا التردد ظاهر عندي، وظاهر كلام الأصحاب القطع بالصحة في مسألة العصا، لأنه يعد مستقبلًا بخلاف مسألة طرف الركن فالله أعلم. هذا كلامه وهو مردود من وجهين:

أحدهما: أن الفهم الذي فهمه غير صحيح لما ذكرته ولأن إجراء الخلاف من هنا لم يتقدم له ذكر حتى يجعل التردد عائدًا إليه.

الوجه الثاني: أن ما دعاه ونسبه إلى ظاهر كلام الأصحاب من القطع غريب، فما بالعهد من قدم فقد سبق قبل هذا بنحو خمسة أسطر حكاية هذا الخلاف بعينه في الشاخص فقال: إنه إذا استقبل العتبة وهي قدر ثلثي ذراع جاز ثم قال: ولنا وجه أنه يشترط في العتبة أن تكون بقدر قامة المصلي طولًا وعرضًا ووجه أنه يكفي شخوصها بأي قدر كان، ثم قال عقبه: إن الكعبة لو هدمت والعياذ بالله تعالى يوقف في عرصتها أو وقف على سطحها واستقبل شاخصًا من نفس الكعبة، فله حكم العتبة إن كان

ص: 489

ثلثي ذراع جاز وإلا فلا على الصحيح وفيه الوجهان الآخران، هذه عبارته.

فإذا جرى الخلاف المذكور في شاخص من نفس الكعبة فالعصا أولى، وهذا الاعتراض وارد على الرافعي أيضًا، فإن قوة كلامه مشعرة بأن لم يقف عليه صريحًا وإنما أخذه مما أبداه الإمام.

قوله: ولو وقف على طرف من أطراف البيت وبعض بدنه في محاذاة الركن، والثاني خارج ففي صحة صلاته وجهان أحدهما يصح، لأنه توجه إلى الكعبة بوجهه وحصل أصل الإستقبال وأصحهما لا يصح، لأنه يصدق أن يقال: ما استقبل الكعبة إنما استقبلها بعضه. انتهى كلامه.

وهذا الاستدلال الذي ذكره للوجه الأول صريح في أن العبرة في الإستقبال بالوجه، وذكر في كتاب الحج في كلام على أركان الطواف ما حاصله أنه لابد منه ومن الصدر فقال: قال الإمام: الأصح المنع كما أن المصلي لما أمر بأن يولي الكعبة صدره ووجهه لم يجز أن يوليها شقه، هذه عبارته.

والصواب: أن الإعتبار بالصدر خاصة كما جزم في شرح المهذب في الكلام على الالتفات في الصلاة.

قوله: ولو حال بين المكي وبين الكعبة حائل فاجتهد فلا إعادة إن كان الحائل خلقيًا، وكذا إن كان حادثًا في أصح الوجهين انتهى.

تابعه في "الروضة" على الصحيح عدم الوجوب. وهو مخالف لنص الشافعي، فإنه قد نص في البويطي على وجوب الإعادة عليه، ولم يفصل، فأقبل مراتبه أن يحمل على الحادث، ونقله البندنيجي عن نصه في "الأم"، وذهب إليه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب

ص: 490

والماوردي والمحاملي والجرجاني، وقد ادعى النووي في "شرح المهذب" أنه يجتهد في الخلقي بلا خلاف، وليس كذلك، فقد حكى ابن الرفعة عن القاضي أبي الطيب أنه لا يجتهد.

واعلم أنه لو بنى حائلًا من غير ضرورة ولا حاجة ومنعه المشاهدة لم تصح صلاته أى بالاجتهاد لتفريطه، كذا نقله في "النهاية" عن العراقيين وهي مسألة حسنة.

قوله: ومحراب رسول الله صلى الله عليه وسلم نازل منزلة الكعبة، فمن يعاينه يستقبله، ويسرى محرابه عليه بناءً على العيان والإستدلال كما ذكرنا في الكعبة، ولا يجوز العدول عنه بالإجتهاد وكذا المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين، هذا كلامه في الجهة، وهل يجوز الإجتهاد فيها بالتيامن والتياسر إن كان محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز بحال، ولو تخيل حاذق في معرفة القبلة فيه تيامنًا أو تياسرًا، فليس له ذلك وخياله باطل، وأما سائر البلاد فيجوز على الأصح. انتهى ملخصًا.

واعلم أن الشيخ محب الدين الطبري قد أثار في شرحه "للتنبيه" بحثًا ينبغي أن يعلم، فقال: فإن قيل: محرابه صلى الله عليه وسلم على عين الكعبة، إذ لا يجوز فيه الخطأ، فيلزم بما قلتم ألا تصح صلاة من بينه وبينه من أحد جانبيه أكثر من سمت الكعبة إلا مع الانحراف، قلنا: من أين لكم أنه على عين الكعبة، فيجوز ألا يكون على عين الكعبة، فيجوز ألا يكون كذلك، ولا خطأ بناء على أن الفرض الجهة.

نعم: إن ورد في الصحيح أنه نصب على العين فيكون مقتضى الدليل ما ذكرتموه على القولين.

ص: 491

على القولين أما على العين فظاهر، وأما على الجهة فهذا المحراب كالكعبة [فمشاهده كمشاهدها](1) إلا أن إجماع الصحابة على بناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم واسعًا، وصلاتهم في أقطاره من غير أن ينقل الانحراف عنهم دليلًا على طرد حكم البعد في كل مكان سواء تحقق صوب عين الكعبة أم لا تحقيقًا للقول بأن فرض التعبد هو الجهة مطلقًا، ولا أعلم أحدًا تكلم في هذه المسألة والظاهر فيها ما ذكرته. انتهى كلامه ملخصًا.

وللبحث فيه مجال.

واعلم أن المراد بمحراب النبي صلى الله عليه وسلم هو موقفه وإلا فالمحاريب محدثه والمحراب في اللغة هو صدر المجلس.

قوله: قال الإمام: والخلاف في أن المجتهد إذا تخير هل يقلد أم لا محله إذا ضاق الوقت أما قبله فيمتنع التقليد جزمًا قال: وفيه احتمال من التيمم في أول الوقت. انتهى.

وهذا التقييد الذي ذكره الإمام جزم به الماوردي في "الحاوى" والطبري في "شرح التنبيه"، ووافق الرافعي عليه في آخر المسألة في الكلام على لفظ الوجيز فقال: ومسألة التخير قد أطلق الخلاف فيها، وهو محمول على ما إذا ضاق الوقت كما حكمنا من قبل هذه عبارته.

وقت غفل في الروضة عن هذا الكلام واقتصر على نقل كلام الإمام ساكتًا عليه ثم اغتر به في غيرها فقال في "شرح المهذب": إن المذهب الذي صرح به الجمهور تعميم الخلاف وقال في "شرح الوسيط": إن ما قاله الإمام شاذ والمشهور التعميم، وذكر في "الشرح الصغير" كما ذكر في "الروضة".

(1) في أ، ب: فمشاهدها.

ص: 492

قوله: ولو اختلف عليه [اختلاف](1) اجتهاد مجتهدين قلد من شاء منهما والأولى تقليد الأوثق والأعلم عنده، وقيل يجب ذلك فإن تساوى قول اثنين عنده يخير وقيل: يصلي مرتين إلى الجهتين. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن النووي في "الروضة" قد اختصر ذلك اختصارًا فاسدًا فإنه جمع المسألتين فقال: ولو اختلف عليه اجتهاد مجتهدين قلد من شاء منهما على الصحيح، والأولى تقليد الأوثق والأعلم وقيل يجب ذلك، وقيل: يصلي مرتين إلى الجهتين، هذه عبارته فاقتضى كلامه حكاية وجه أنه يجب عليه الصلاة مرتين مع كونه أحدهما أرجح عنده ولم يذكره الرافعي إلا عند التساوي ولا يصح القول به أيضًا إلا في هذه الحالة.

الأمر الثاني: أن الرافعي في "الشرح الصغير" قد رجح الثاني فقال: إنه الأشبه وذكر في "الكفاية" أن القاضي أبا الطيب نقله عن نص الشافعي في "الأم" ثم قال أي -ابن الرفعة-: إن الأكثرين على التخيير بينهما وسأذكر بعد هذا كلامًا آخر متعلقًا بهذه المسألة.

قوله: ومن صلى بالاجتهاد ثم ظهر له الخطأ نظر إن كان بالاجتهاد أيضًا لم يؤثر فيما مضى، وإن كان باليقين وجب القضاء في أصح القولين؛ لأنه تيقن الخطأ فيما يأمن مثله في القضاء فلا يعتد بما مضى كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه واحترزوا بقولهم فيما يأمن مثله في القضاء عن الخطأ في الوقوف بعرفة فإن القضاء لا يجب؛ لأن مثله غير مأمون في القضاء ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى هذا المجتهد؛ لأن الأمر هناك مبني على رؤية الهلال ولا يعين بكون الرائين مصيبين. انتهى.

فيه أمران:

أحدهما: أن تعبيره بالقضاء الذي هو حقيقة في المفعول خارج الوقت يشعر بأن صورة المسألة أن يكون التبين بعد الوقت حتى إذا تبين الحال

(1) سقط من أ، ب.

ص: 493

والوقت باق وجت الإعادة قولًا واحدًا كما في نظيره من الاجتهاد في وقت الصلاة ووقت الصوم، وفي كلام الرافعي في الباب ما يدل عليه وإن كان الرافعي في أثناء المسألة في الكلام على التيامن والتياسر قد عبر أيضًا بلفظ الإعادة، وكرر هذه اللفظة.

لكن رأيت في "دلائل القبلة" لابن القاص ما حاصله أن القولين جاريان مطلقًا فإنه قال: إذا أخطأ في الجهة فقال مالك بن أنس: إن كان وقت الصلاة قائمًا فعليه الإعادة، وإن كان قد فات الوقت فلا إعادة.

وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق بن راهويه: عليه الإعادة.

وقال النووي والكوفي وصاحباه: لا إعادة عليه.

قال الشافعي: فيها قولان، هذه عبارته ثم استدل على كل من القولين.

الأمر الثاني: أن ما ذكره في أخر كلامه يقتضي أن إخبار العدل بالخطأ عن مشاهدة لا يوجب القضاء لانتفاء التعين، وقد سبق عند الكلام على القدرة على اليقين ما يدل له، والجاري على القواعد أن حكمه هنا كحكم مشاهدته حتى يجب عليه القضاء ولهذا قاسوه على الحاكم إذا ظهر له النص وليس المراد به إلا الخبر الصحيح الذي يرويه العدل ونحوه سواء كان متواترًا أم لا.

قوله، في "الروضة": -وأما المتمكن من تعلم أدلة القبلة فيبني على أن تعلمها فرض عين أم كفاية؟ والأصح فرض عين.

قلت: المختار ما قاله غيره أنه إذا أراد سفرًا ففرض عين لعموم حاجة المسافر إليها وكثرة الاشتباه عليه، وإلا ففرض كفاية إذ لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ثم السلف ألزموا آحاد الناس بذلك بخلاف أركان الصلاة وشروطها. انتهى

ص: 494

كلامه.

وهذا الوجه الذي رجحه قد قال في "شرح المهذب" أيضًا: إنه الأصح وخالف في المنهاج فصحح أنه فرض مطلقًا ولم يذكر الثالث بالكلية تبعًا لما في "المحرر".

قوله: في "أصل الروضة" ولو ظهر له الخطأ بالظن في أثناء الصلاة مقترنًا بظهور الصواب فوجهان.

الأصح: أنه ينحرف ويبني حتى لو صلى أربع ركعات إلى أربع جهات باجتهادات فلا إعادة.

والثاني: يستأنف وخص صاحب التهذيب الوجهين بما إذا كان الدليل الثاني أوضح من الأول قال: فإن استويا تمم صلاته إلى الجهة الأولى ولا إعادة. انتهى.

وهذا الكلام يشعر بأن المعروف إطلاق الوجهين وبه صرح في "شرح المهذب" فقال: والمشهور إطلاق الوجهين، هذه عبارته.

وحينئذ فيكون الأصح على الانحراف أيضًا، وهو عجيب فكيف يتصور أن يقال بلزوم الانتقال مع التساوي ثم إنه مخالف لكلام الرافعي، فإن الرافعي عقب نقله عن "التهذيب" ما نقل لم يرتض كلامه ولا ذكر ما ذكره، فقال: وإن كانا مثلين فقضيته التوقف والتخير، وحينئذ فلا يكون الصواب ظاهرًا له وحينئذ فيكون حكمه حكم من ظهر له الخطأ ولم يظهر له الصواب، وحكمه أنه إن عجز عن درك الصواب بالاجتهاد على العرف وطلب صلاته إذا لا سبيل إلى الاستمرار على الخطأ ولم يقف على جهة الصواب حتى ينحرف، فإن قدر على العرف هل يبني وينحرف أو يستأنف؟ يعود فيه الخلاف السابق وأولى بالاستئناف؛ لأنه هناك قد تمكن من الانحراف إلى

ص: 495

الصواب كما ظهر الخطأ، وهاهنا بخلافه فإنه يتخير في الحال ثم قال: ولا فرق في هذا بين أن يظهر الخطأ بالقطع أو الظن. انتهى ملخصًا.

قال في "الروضة": والصواب من هذا الخلاف وجوب الاستئناف وإذا علمت بما تقدم تلخص لك من كلام الرافعي أنه إذا لم يكن الثاني أوضح لا يتنفل بالكلية كما يقوله النووي، بل إن لم يترجح المحال من قرب بطلت صلاته وإن ترجح عن قرب ففيه الخلاف، والصوأب وجوب الاستئناف والقائل هنا بوجوب الانحراف قد يكون إلى الأول وقد يكون للثاني، وظهر بطلان ما قاله النووي على كل تقدير ولا شك أنه لما حذف ما ذكره الرافعي ظنًا منه أنه مناقشة في لفظ اغتر به في "شرح المهذب" فنقله على عادته وصرح بما اقتضاه فلزم الخلل.

نعم: قد سبق لنا أنه إذا اختلف على المقلد اجتهاد مجتهدين متساويين قلد من شاء منهما وقيل: يصلي مرتين وقياسه أن يتخير أيضًا في مسألتنا تعليل أنه إذا تغير اجتهاده قبل الدخول في الصلاة وظن أن الصواب جهة أخرى اعتمد الأوضح منهما، فإن تساويا يخبر وقيل يصلي إلى الجهتين مرتين وهذا نظير ما سبق أيضًا.

نعم: لو دخل في الصلاة باجتهاد ثم شذ عنه ولم يترجح له شئ من الجهات أتم صلاته إلى جهته ولا إعادة عليه كما نص عليه في "الأم"، واتفقوا عليه كذا قاله في "شرح المهذب".

وقياسه أن يستمر في مسألتنا على الجهة الأولى؛ لأن الشك يحصل عنده بتعارض الدليلين وقد سبق ظن فيتمسك به فتلخص أن الصواب ما قاله البغوي، وما قاله الرافعي والنووي لا يستقيم وكلام النووي أبعد عن

ص: 496

الصواب من كلام الرافعي ثم بعد ذلك رأيت الطبري في شرح التنبيه قد نص على ما ذكرته بعينه، فقال: ولا يتجه غير ما قاله البغوي وذكر نحو ما ذكرته، وذكر فيه أيضًا أنه لو وقع ذلك أثناء التكبير كان كما لو وقع قبله، والذي ذكره صحيح وقد سبق إيضاحه في الكلام على رؤية المتيمم للماء.

قال ابن الصلاح: والمرجح في الطول والقصر إلى العرف لا إلى مضى الركن وعدمه فقد يمضي مع القصر ركن وقد لا يمضى، قال: وفيما علقته في الدرس بخراسان عما علق عن الغزالي تحديده بالركن، قال: وهذا غير مرضِ.

قوله: والخطأ في التيامن والتياسر إذا ظهر بالاجتهاد وكان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فلا يقتضي وجوب الإعادة؛ لأن الخطأ في الجهة والحالة هذه لا يؤثر ففي التيامن والتياسر أولى، وإن كان في أثناء الصلاة فينحرف ويبني ولا يعود فيه الخلاف المذكور في نظيره من الخطأ في الجهة لأنا استبعدنا الصلاة الواحدة إلى جهتين مختلفتين، وأما الالتفات اليسير فإنه لا يبطل الصلاة، وإن كان عمدًا وإذا ظهر الخطأ في التيامن والتياسر يقينًا فإن قلنا الفرض إصابة العين ففي وجوب الإعادة إن وقع بعد الصلاة، والاستئناف إن وقع في أثنائها القولان في الجهة. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن ما جزم به من وجوب الانحراف إذا ظهر في الأثناء قد تابعه عليه في "الروضة" وادعى عدم الخلاف، فقال: وإن كان في أثنائها انحرف وأتمها قطعًا. انتهى.

والقياس يقتضي تخريجه على أن الفرض في حق البعيد هل هو الجهة

ص: 497

أو العين؟ فإن قلنا العين وجب الانحراف، وإن قلنا الجهة فلا، وقد أشار الرافعي بعد هذا بدون ورقتين إلى هذا الخلاف فقال: ولو اختلف اجتهاد رجلين في التيامن والتياسر والجهة واحدة، فإن أوجبنا على المجتهد رعاية ذلك فهو كالاختلاف في الجهة فلا يقتدي أحدهما بالآخر وإلا فلا بأس. هذا كلامه.

الأمر الثاني: أن ما ذكره في الاستدلال على اعتقاد الانحراف بأن الالتفات اليسير عمدًا لا يبطل، كيف يصح مع التفاريع التي ذكرها قبل وبعد من وجوب الانحراف عند الظن والاستئناف والإعادة عند التحقق، فإن لم تكن المسألة من أقسام الانحراف لم يصح الاستدلال بها.

قوله: ولو تغير اجتهاد المأموم لزمته المفارقة وهل هي مفارقة بعذر أم بغير عذر لكونه مقصرًا بترك الإمعان في النظر والبحث فيه وجهان. انتهى.

والأصح هو الزول كذا صححه النووي في "زيادات الروضة" و"شرح المهذب" وابن الرفعة في "الكفاية".

قوله: [إحداها](1) إذا صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم دخل عليه وقت صلاة أخرى أو أراد قضاء فائتة فهل يحتاج إلى تجديد الاجتهاد؟ فيه وجهان: أظهرهما: نعم، فإن قلت فهل يختص الوجهان بما إذا لم يبرح من مكانه كالتيمم؟ قلنا: في كلام بعض الأصحاب ما يقتضي ذلك لكن الفرق ظاهر؛ لأن أكثر أدلة القبلة لا تختلف بالمسافات القريبة لأنها سماوية. انتهى ملخصًا.

ذكر نحوه في "الروضة" أيضا وكذلك في "شرح المهذب" نقلا له عن

(1) فى أ، ب: أحدها.

ص: 498

الرافعي وليس ذلك صريحًا في رد هذه المقالة ولا في قبولها، وقد ارتضاها النووي في "التحقيق" وجزم بأن محل القولين إذا لم ينتقل فإن انتقل جدد الاجتهاد جزمًا، وهو حاصل ما في "الكفاية" لابن الرفعة أيضًا.

قوله: ولو اجتهد عدل فقال لمن هو يصلى بالتقليد أخطأ بك فلان، فإن كان قول الأول أرجح عنده أو مثله أو لم يعرف هل هو مثله أو لا لم يجب العمل بقول الثاني، وهل يجوز العمل به؟ يبني على أن المقلد إذا وجد مجتهدين هل يجب الأخذ بأعلمهما أم يتخير؟ فإن قلنا بالأول لم يجز وإلا ففيه خلاف؛ لأنه إن بنى كان مصليًا للصلاة الواحدة إلى جهتين، وإن استأنف كان مبطلًا للفرض بغير عذر وفي كل منهما خلاف، وإن كان الثاني أرجح فهو كتغير اجتهاد البصير فينحرف. انتهى ملخصًا.

فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح في الصلاة الواحدة إلى جهتين هو الجواز كما صرح به الرافعي والنووي في مواضع من هذا الباب، والأصح في الخروج من الفرض بغير عذر هو المنع كما سبق في التيمم، وحينئذ فيكون الأصح من هذا الخلاف هو الجواز إن أراد البناء والمنع إن أراد الخروج، وعبر في الروضة بقوله خلاف ولم يذكر مدرك الخلاف الذي يعلم منه الصحيح في حالة دون حالة ثم إنه صحيح من زوائده المنع ولم يذكر تفصيلا بالكلية.

وذكر مثله في "شرح المهذب" والتحقيق وغيرهما فحصل الغلط من وجهين.

الأمر الثاني: أن ما ذكره فيما إذا كان الثاني أعلم قد ذكر في كتاب القضاء في الكلام على الاستفتاء ما يخالفه فقال القياس في هذه المسألة: أن

ص: 499

تخرج على الخلاف السابق فإن أوجبنا الأخذ بقول الأعلم فهو كما قالوه من تعين.

فهو كما قالوه من تعين الاجتهاد، وإلا فلا أثر لقوله.

واعلم أن ما قالوه في هذه المسألة والمسألة السابقة صريح في أن الخلاف في تقليد الأعلم جارٍ مع العلم به، لكن الرافعي في القضاء لما تكلم على الاستفتاء وحكى الخلاف في وجوب استفتاء الأعلم جعل محله في البحث عنه، ثم حكى عن الرافعي أنه ذكر في علم الأصول أنه إذا اعتقد أن أحدهم أعلم، لم يجز أن يقلد غيره، وإن كان لا يلزمه البحث عنه إذا لم يعلمه، وأقره الرافعي فلم ينكره، وزاد النووي على ذلك فقال من "زوائده" المختار ما ذكره الغزالي، قال: فعلى هذا يلزمه تقليد أورع العالمين وأعلم الورعين، فإن تعارضا قدم الأعلم على الأصح.

وهذا الذي قاله النووي هناك واقتضاه كلام الرافعي أيضًا مناف للمذكور هنا، وذكر أيضًا ابن الصلاح في "أدب المفتي والمستفتي" أنه إذا علمه وجب عليه تقليده على الأظهر. وهذا التعبير يشعر بثبوت الخلاف فيه.

ص: 500