الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: في صفة المؤذن
قوله: وشرط المؤذن أن يكون مسلمًا وإذا نطق الكافر بالشهادتين في الأذان، إن كان عيسويًا لم يحكم بإسلامه، وإن كان غيره حكم به لنطقه بكلمتي الشهادة على أصح الوجهين، والعيسوية فرقة من اليهود يقولون محمد رسول الله إلى العرب خاصة. انتهى.
ولقبوا بذلك لأنهم منسوبون إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصبهاني كان موجودًا في خلافه المنصور، وخالف اليهود في أشياء منها أنه حرم الذبائح.
قوله: ولا يصح أذان المرأة والخنثى المشكل للرجال كما في الاقتداء بهما وقيل: يصح. انتهى.
وهذا التعليل لم يذكره في "الروضة" ويستفاد منه مسألة حسنة فيها وقفة أنه لا فرق في الرجال بين المحارم وغيرهم، وقد تقدم في أذان المرأة للنساء ما يقوى الجواز هنا بحضرة المحارم.
قوله: ويستحب أن يكون المؤذن صيتًا لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن زيد: "ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتًا"(1) والمعني به زيادة الإبلاغ والإسماع. انتهى.
وهذا التفسير الذي ذكره رحمه الله للأندى صحيح مشهور فقد
(1) أخرجه أبو داود (512)، وأحمد (16523) والدارقطني (1/ 245) من حديث عبد الله بن زيد.
قال الزيلعي: أعلوه بأبي سهل، تكلم فيه يحيى بن معين.
وقال الألباني: ضعيف.
صرح به الأزهري والهروي في الغريبين وابن فورك في "المطالع" والمطرزي في "المغرب"، والراغب في "المفردات" وابن الأثير في "النهاية"، وحكى معه قولًا آخر ضعيفًا أن الأندى هو الأحسن والأعذب. قال الأزهري: وهو مأخوذ من الندى وهو الرطوبة؛ لأن الحلق إذا جف لم يمتد الصوت، والحديث المذكور صحيح أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان وفي ألفاظهما بعض مخالفة لما ذكره الرافعي وفي رواية للترمذي وصححها ابن خزيمة: فإنه أندى أو أمد صوتًا منك.
قوله: وأما قول الغزالي وليكن المؤذن عدلًا ثقة فقد جمع الشافعي بينهما أيضًا فمنهم من قال: أراد عدلًا إن كان عبدًا؛ لأن العبد لا يوصف بالعدالة لكن يوصف بالثقة والأمانة. انتهى كلامه.
والذي ادعاه من كون العدالة لا يوصف بها العبد ممنوع بل إنما يمتنع وصفه بقبول الشهادة فإن العدالة اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر وهذا المعنى يحصل في العبد، وقد صرح الرافعي بذلك في أوائل باب الاجتهاد في المياه، فقال ما نصه: فكل من تقبل روايته من ذكر وأنثى وعبد وحر يقبل قوله في ذلك بشرط العدالة هذا لفظه، ولهذا اغتر في "الروضة" هنا بقوله: وأن يكون عدلًا وهو الثقة.
قوله من "زياداته": والأصح ترجيح الأذان وهو قول أكثر أصحابنا وقد نص الشافعي في الأم على كراهة الإمامة فقال: أحب الأذان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غفر الله للمؤذنين"(1) وأكره الإمامة للضمان وما على الإمام فيها
(1) أخرجه أبو داود (499) والترمذي (189) وابن ماجة (706) وأحمد (16525) والدارمي (1187) وابن خزيمة (363) وابن حبان (1679) والدارقطني (1/ 241).
قال الترمذي: حسن صحيح، وكذا قال الشيخ الألباني.
هذا نصه والله أعلم. انتهى كلامه.
وهذا النص الذي نقله رحمه الله له تتمة دالة على عكس ما يقوله لم يذكرها، فإن الشافعي قد قال عقب ما نقله عنه [ههنا من غير مفصل ما نصه: وإذا أم رجل ابتغى أن يتقى الله ويؤدي ما عليه] (1) في الإمامة فإن فعل رجوت أن يكون أحسن حالًا من غيره هذا لفظه، وهو يدل على عدم كراهة الإمامة في هذه الحالة بل على استحبابها، وقد نقل هذا النص على وجهه جماعة منهم صاحب "الشامل" ثم قال بعد نقله: وهذا يدل على إنه إذا كان يقوم بحقوق الإمامة وما يجب فيها كان أفضل، ونقله أيضًا كذلك صاحب "البحر" في آخر المسألة ثم قال: وفيما ذكروه من لفظه في كتاب الإمامة خلل يعني اللفظ العاري عن هذه الزيادة ثم قال: ولم يذكروا تمام الكلام على هذا الوجه وهذا يزيل الإشكال هذا لفظه.
قوله: واعتذر الصائرون إلى تفضيل الأذان عن ترك الرسول صلى الله عليه وسلم الأذان بوجوه.
أحدها: إذا قال حي على الصلاة لزم أن يتحتم حضور الجماعة إلى آخره، وما ذكره من أنه عليه الصلاة والسلام لم يؤذن ليس كذلك، فقد ثبت أنه أذن في بعض أسفاره وقد ذكره النووي في "شرح المهذب" في الكلام على استحباب الأذان قائمًا فقال: وما يستدل به أي لترك القيام حديث يعلى بن مرة الصحابي أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، فانتهوا إلى مضيق وحضرت الصلاة فنظروا السماء من فوقهم والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته وأقام فتقدم على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع (2). رواه الترمذي
(1) سقط من جـ.
(2)
أخرجه الترمذي (411)، وأحمد (17609) والدارقطني (1/ 380) الطبراني في =
بإسناد جيد.
وهذه الصلاة كانت فريضة، ولهذا أذن لها وصلاها على الدابة للعذر، ويجب إعادتها، هذا كلامه في "شرح المهذب".
وقال في "الخلاصة": إنه حديث صحيح، والبلة في الحديث بكسر الباء وهي النداوة قاله الجوهري، قوله: وأما الجمع بين الإمامة والأذان فلا يستحب ثم قال وأغرب ابن كج، فقال: الأفضل لمن صلح لهما أن يجمع بينهما ولعله أراد الآذان لقوم والإمامة لآخرين. انتهى -واستغرابه لمقالة ابن كج مشعر بإنفراده بها وليس كذلك، وقد صرح أيضًا- باستحباب الجمع بينهما أبو علي الطبري والماوردي والقاضي أبو الطيب ادعى الإجماع - عليه، ونقله النووي عنه في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة" وصححه قوله: ولو وجد أمينًا يتطوع وأمنينًا أحسن منه صوتا لا يتطوع فقال ابن سريج: يجوز للإمام إرزاقه، وقال القفال: لا يجوز. انتهى.
وقد منعه أيضًا الشيخ أبو محمد وهو مقتضى كلام القاضي الحسين والمتولي.
فإنهما خرجا المسألة على القولين فيما إذا طلبت الأم أجرة الرضاع ووجد الأب متبرعة والأصح فيه انتزاع الولد من الأم، وصحح النووي في مسألتنا الجواز إذا رآه الإمام مصلحة كذا صححه في "التحقيق" و"شرح المهذب" و"زيادات الروضة".
قوله: وإن كان في البلد مساجد، فإن لم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عددًا من المؤذنين تحصل بهم الكفاية ويتأدى بهم الشعار وإن
= "الكبير"(22/ 256) حديث (663) والبيهقي في "الكبرى"(2056) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(2749) والخطيب في "تاريخ بغداد"(11/ 182).
قال الترمذي: هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي لا يعرف إلا من حديثه.
وقال البيهقي: فيه ضعف.
وقال الألباني: ضعيف.
أمكن فوجهان:
أحدهما: يجمعهم ويرزق واحدًا.
والثاني: يرزق الجميع لئلا تتعطل المساجد. انتهى.
فيه أمران:
أحدهما: إن الأصح هو الوجه الثاني كذا صححه النووي في "التحقيق" وزيادات الروضة و"شرح المهذب".
الأمر الثاني: إن هذا الكلام مع تقدم لا ينتظم، فإنه كيف يعقل الجزم بأنه إذا -لم يمكن الجمع أن الإمام لا يرزق الكسل بل يرزق عددًا منهم وإن أمكن جمعهم رزق الكل على وجه لاسيما إنه الصحيح.
قوله في "الروضة": وأما الإستئجار على الأذان ففيه أوجه:
أصحها: يجوز مطلقًا أى من كل أحد.
والثاني: لا يصح مطلقًا.
والثالث: يجوز للإمام ومن أذن له ولا يجوز لآحاد الناس. انتهى.
وإذا قلنا بهذا الوجه فشرطه أن يكون من بيت المال. كذا قاله الرافعي وأسقطه من "الروضة" وحيث جوزنا الاستئجار فعلى أي شيء يأخذ الأجرة فيه وجوه محلها كتاب الإجارة.
قوله: قال في "التهذيب" وإذا استأجر الإمام من بيت المال لم يفتقر إلى بيان المدة بل يكفي أن يقول: إستأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا، ولو استأجر من مال نفسه أو استأجر وأخذ من عرض الناس وفي إشراط بيان المدة وجهان. انتهى.
والأصح اشتراطه كذا صححه النووي في "التحقيق""وشرح المهذب" وزيادات الروضة وعرض الناس بعين مضمومة وراء ساكنة -مهملتين بعدها ضاد معجمة أي عامتهم، كذا ضبطه الجوهري وفسره فقال: وفلان من عرض الناس أي هو من العامة هذه عبارته.
قوله: في أصل "الروضة": وأما الإقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول أولى بها إن كان هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب، فإن كان الأول غير- الراتب، فالأصح أن الراتب أولى والثاني الأول أولى، ولو أقام في هذه الصور غير من له ولاية الإقامة اعتد به على الصحيح المعروف، وعلى الشاذ لا يعتد بالإقامة من غير السابق بالأذان تخريجًا من قول الشافعي رحمه الله لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: إن تصحيحه أولوية الراتب لم يذكره الرافعي وإنما صحح أن السابق لا يقدم. كما سأذكر لك من عبارته ولا يلزم من عدم تقديمه تقديم الراتب، فقد يتساويان لما في كل واحد من المعنى.
الثاني: أن هذا الخلاف الذي ذكره غير مستقيم لأن تخريجه من خطبة واحد وصلاة آخر يقتضي أن محله ما إذا أقام من لم يؤذن وكلامه فيما أذن الجميع ثم إن حاصل كلامه أن إذا جعلنا الولاية للأول فأذن غيره لا يصح على وجه، وإن قلنا بالصحيح وهو أن الولاية للثاني فأذن الأول صح جزمًا وهو عجيب فإنهما مستويان في صدور الأذان منهما وفي التفريع على أنه أولى أيضًا.
واعلم أن الرافعي عبر بقوله وإذا انتهى الأمر إلى الإقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول [أولى](1) بالإقامة لما روى عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤذن في صلاة الفجر فأذنت فأراد بلال أن
(1) سقط من أ، ب.
يقيم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء قد أذن ومن أذن فهو يقيم"(1).
وهذا إذا لم يكن مؤذن أو كان السابق هو المؤذن الراتب، فأما إذا سبق غير المؤذن الراتب وأذن فهل يستحق ولاية الإقامة؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم لإطلاق الخبر.
وأظهرهما: لا؛ لأنه مشى بالتقدم، وفي القصة المروية كان بلال غائبا وزياد أذن بإذن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا قلنا: ولاية الإقامة لمن أذن فليس ذلك على سبيل الاستحقاق بل لو أذن غيره اعتد به، روى أن عبد الله بن زيد لما ألقى الأذان على بلال فأذن قال عبد الله: أنا رأيته وأنا كنت أريده يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأقم أنت"(2).
وحكى صاحب "التتمة" وغيره وجهًا إنه لا يعتد به تخريجًا من قول الشافعى: إنه لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر. انتهى كلامه بحروفه.
(1) أخرجه أبو داود (514) والترمذي (199) وابن ماجة (717)، وأحمد (17572) والطبراني في "الكبير"(5286) وعبد الرزاق (1817) وابن أبي شيبة (1/ 196) والبيهقي في "الكبرى"(1663)، والطحاوي في "شرح المعاني"(795) وابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/ 327).
قال الترمذي: إنما نعرفه من حديث الإفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث.
وقال الألباني: ضعيف.
(2)
أخرجه أبو داود (512) وأحمد (16523) والدارقطني (1/ 245) والطيالسي (1103) والبيهقي في "الكبرى"(1738) والبخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 183).
قال البخاري: فيه نظر.
وقال الألباني: ضعيف.
وهو صحيح فإن قوله: أولى هو من الأولوية لا من التقدم ومراده تقديم المؤذن على غير المؤذن فتوهم النووي إنه من الأولية فصرح به وجعله عائدًا إلى الصور المتقدمة، فلزم الخلل ثم إنني راجعت الأصل الذي نقل الرافعي عنه هذا التخريج وهو "التتمة" وغيرها أيضًا فلم أجد فيها حكاية ذلك إلا فيما إذا أقام من لم يؤذن بالكلية فتعين غلط ما وقع في الروضة.
الثالث: أن الرافعي والنووي قد أهملا ما إذا كانا معًا راتبين ولا شك إن حكمهما كحكم غير الراتبين، وكلام ابن الرفعة في الكفاية شامل لهذه الصورة، والصدائي منسوب إلى صداء بضم الصاد وتخفيف الدال المهملتين وبالمد يصرف ولا يصرف وهو أبو هذه القبيلة واسمه يزيد بن حرب، قال البخاري في "تاريخه": صداي من اليمن، وكان أذان زياد الصدائي في صلاة الصبح في السفر ولم يكن بلال حاضرًا، وحديثه هذا رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وفي إسناده ضعيف وحديث عبد الله بن زيد هذا رواه أبو داود وغيره وهو أيضًا ضعيف وحديث الصدائي أقوم إسنادًا منه قاله في "شرح المهذب".
قوله: هذا إذا أذنوا على الترتيب أما إذا أذنوا معًا، فإن اتفقوا على إقامة واحد فذاك وإلا أقرع بينهم ولا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد؛ لأنها لاستنهاض الحاضرين إلا إذا لم تحصل الكفاية بواحد، وقيل: لا بأس أن يقيموا معًا إذا لم يؤد إلى التشويش. انتهى.
ولقائل أن يقول: لم لا يقدم الإمام واحدًا باجتهاده فيما يشتمل عليه من المحاسن كرفع الصوت أو حسنه أو غير ذلك، ولم لا يفصل أيضًا بين الراتب وغيره، وقد عبر في "الروضة" عن التشويش بالتشويش بالهاء قال الجوهري: والتشويش التخليط وقال: إن الهوشة بالهاء هي العسة والهيج والاضطراب، وقال في باب السين المهملة: إن الهوس طرف من الجنون، وإذا علمت ذلك ظهر لك إن تعبير الرافعي صحيح بل أقرب إلى المعنى
المراد.
قوله: ويستحب أن يجعل أصبعيه في صماخي أذنيه. انتهى.
هذا خاص بالأذان أما الإقامة فلا يستحب لها ذلك كما نقله في "شرح المهذب" عن الروياني وغيره.
قوله: ويستحب لمن سمع المؤذن أن يجيب فيقول مثل ما يقول، وإن كان السامع جنبًا أو محدثًا إلا في الحيعلة فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وإلا في كلمة الإقامة فإنه يقول: أقامها الله وأدامها وجعلني من صالحي أهلها وإلا في التثويب فإنه يقول: صدقت وبررت. انتهى.
وينبغي أيضًا أن يستثني قول المؤذن ألا صلوا في رحالكم، فإنه وإن كان يستحب ذكره في أثناء الأذان كما سيأتي بسطه، لكن لا يتأتي القول باستحباب الإجابة بمثله؛ لأنه ليس بذكر، نعم يبقى النظر في أنه هل يجب فيه بشئ أم لا، وإذا قلنا يجيب فما الذي يجيب به والقياس إنه يجيب بما يجيب به والقياس إنه يجيب بما يجيب به الحيعلتين.
قوله: وإن كان في قراءة أو ذكرٍ فيستحب له قطعها ويجيب فإنه لا يفوت وإن كان في صلاة لم يجب حتى يفرغ فإن أجاب كره في أظهر القولين، لكن لا تبطل الصلاة إن أجاب بما استحببناه؛ لأنها أذكار فلو قال: حى على الصلاة أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته؛ لأنه كلام. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أنه أهمل من أقسام المسألة الطائف والمجامع وقاضي الحاجة فأما الطائف فيجيب في طوافه كما قاله الماوردي، وأما المجامع وقاضي الحاجه فبعد الفراغ كما قاله في "شرح المهذب".
الثاني: أن كلامه صريح في أن صدقت وبررت لا يكون مبطلًا، وليس كذلك، فإنه أولى بالإبطال مما ذكره لما فيه من الخطاب وقد استدركه في "الروضة".
الثالث: أن ما قاله الرافعي من الإبطال في الحيعلة والتثويب قد فصل فيه الصيمري في "شرح الكفاية" فقال: فإن قاله في الصلاة مريدًا به الأذان بطلت صلاته، وإن أراد به الذكر لله لم تبطل هذا لفظه ولابد من هذا التفصيل وستعرف نظيره في الرد على المصلى ونحوه.
قوله من "زوائده": ويستحب للمجيب أن يجيب في كل كلمة عقبها والله أعلم.
وهذا الكلام ليس فيه بيان للوقت المعتد به، والمسألة لها أحوال يعرف جواب بعضها من مسائل ذكرها في "شرح المهذب" تفقهًا وفي بعضها كلام فنذكر تلك المسائل مع ما [أبديه](1) فيها وهي أربع.
إحداها: لو علم أنه يؤذن ولكن لم يسمعه فالظاهر أنه لا يشرع له الإجابة.
الثانية: إذا ترك الإجابة حتى فرغ المؤذن فالظاهر أنه يتداركه قبل طول الفصل لا بعده انتهى.
ولك أن تقول: تكبير العيد المشروع عقب الصلاة يتداركه الناسي وإن طال الفصل في أصح الوجهين فما الفرق؟
الثالثة: إذا لم يسمع الترجيع فالظاهر إنه يجيب فيه لقوله: "فقولوا مثل ما يقول" ولم يقل ما تسمعون والترجيع مما يقول.
الرابعة: إذا سمع مؤذنًا بعد مؤذن فالمختار أن الاستحباب شامل الجميع إلا أن الأول متأكد يكره تركه. انتهى.
وفي "الفتاوى الموصلية" للشيخ عز الدين نحوه قال: إلا أن الواقع في
(1) سقط من جـ.
الصحيح قبل الوقت مساوٍ في ذلك لما بعده؛ لأن الأول فضل بالتقدم والثاني بوقوعه في الوقت. وبالاتفاق عليه فإن الأول يختلف فيه.
قال: وكذلك الأذان الأول يوم الجمعة مساوٍ للثاني؛ لأن الأول فضل بما ذكرناه من التقدم والثاني بكونه المشروع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر بعض الثقات من فضلاء المعجم إن الرافعي صنف في سفره إلى الحجاز كتابًا سماه "الإيجار في أخطار الحجاز" وإنه رأى فيه هذه المسألة فقال أعني الرافعي خطر لي أنه إذا سمع المؤذن وأجابه وصلى في جماعة فلا يجيب الثاني لأنه غير مدعو بهذا الأذان، والذي قاله حسن، إلا أن استحباب الجماعة لمن صلى في جماعة أيضًا يخدشه.
إذا علمت ذلك فنرجع إلى أحوال المسألة فنقول: إن المجيب قبل ابتدأ المؤذن بالأذان فواضح، وأن ابتدأ مع ابتدائه أو بعده ولكن أتى ببعض الألفاظ قبل ابتداء المؤذن بها فيتجه ألا يعتد به، وما ذكره النووي في الترجيح قد يؤخذ منه الاعتداء وإن حصل ذلك أي المقارنة أو الابتداء بعد الابتداء في كلمة، ولكن حصل الفراغ منها قبل فراغ المؤذن فالمتجة الاعتداء وإن قارن في اللفظ بكماله اعتد به، وإن تأخر فيفصل بين طول الزمان وقصره كما سبق عن "شرح المهذب" وفيه النظر السابق، وقد يحصل مما نقلناه عن "شرح المهذب" في الترجيح إنه لا يشترط في مشروعية الإجابة سماع جميع اللفظ فراجعه وتفطن له.
واعلم أن النووي في "الروضة" قد غير هنا ترتيب الرافعي.
قوله: أيضًا من "زوائده": قال في "التهذيب": لو زاد في الأذان ذكرًا أو زاد في عدده لم يفسد أذانه. انتهى.
وهذا الذي نقله عن البغوي وأثره عليه محمول على ما إذا لم يؤد إلى
اشتباهه على السامعين بغير الأذان كذا نبه عليه في "شرح المهذب" ولابد منه.
قوله فإذا من "زياداته" أيضًا ما إذا كان ليلة مطيرة أو ذات ريح وظلمة فيستحب أن يقول إذا فرغ من أذانه: ألا صلوا في رحالكم فإن قاله في أثناء الأذان بعد الحيعلة فلا بأس، وكذا قاله الصيدلاني والبندنيجي والشاشي وغيرهم واستبعد إمام الحرمين ذكره في أثناء الأذان وليس ببعيد بل هو الحق والسنة، فقد نص عليه الشافعي في الأم وثبت في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت: أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، ثم قال: قد فعل ذا من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
واعلم أن الحديث الذي استدل به يدل على إنه يقول عوضًا عن الحيعلة وهو خلاف ما نقله من كونه يقولها بعدها.
قوله: أيضًا من "زوائده" ولو أذن بالعجمية.
وهناك من يحسن بالعربية لم يصح، وإلا فيصح. انتهى.
وما ذكره من عدم الصحة فيما إذا كان هناك من يحسن محله فيما إذا أذن لغيره، فإن أذن لنفسه وكان لا يحسن العربية صح سواء كأن هناك من يحسن أم لا، كذا ذكره الماوردي ونقله عنه في "شرح المهذب"، فاقتصر عليه.