الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي النِّفَاسِ:
2 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الدَّمِ الْخَارِجِ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ، أَوِ التَّوَائِمِ، أَهُوَ دَمُ نِفَاسٍ، أَمِ اسْتِحَاضَةٍ، أَمْ حَيْضٍ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - إِلَى أَنَّ نِفَاسَ أُمِّ التَّوْأَمَيْنِ أَوِ التَّوَائِمِ يَبْدَأُ مِنَ الأَْوَّل؛ لأَِنَّ مَا بَعْدَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الأَْوَّل دَمٌ بَعْدِ وِلَادَةٍ، فَكَانَ نِفَاسًا كَالْمُنْفَرِدِ.
فَإِنْ تَخَلَّل بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ النِّفَاسِ وَهُوَ - أَرْبَعُونَ يَوْمًا - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَسِتُّونَ يَوْمًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَا بَعْدَهُ نِفَاسًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، بَل هُوَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ وَفَسَادٍ، وَلَا نِفَاسَ مِنَ الثَّانِي لأَِنَّهُ تَبَعٌ لِلأَْوَّل. رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَال لأَِبِي حَنِيفَةَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَال: هَذَا لَا يَكُونُ. قَال: فَإِنْ كَانَ قَال: لَا نِفَاسَ لَهَا مِنَ الثَّانِي وَلَكِنَّهَا تَغْتَسِل وَقْتَ أَنْ تَضَعَ الثَّانِيَ وَتُصَلِّيَ (&# x661 ;) .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنْ تَخَلَّل بَيْنَ وِلَادَةِ التَّوْأَمَيْنِ أَقَل مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا فَنِفَاسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَخَلَّل بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ النِّفَاسِ وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا فَنِفَاسَانِ، وَتَسْتَأْنِفُ لِلثَّانِي نِفَاسًا مُبْتَدَأً إِذَا كَانَ بَيْنَ الأَْوَّل وَالثَّانِي سِتَّةُ أَشْهُرٍ الَّتِي هِيَ أَقَل مُدَّةِ الْحَمْل لأَِنَّهَا وِلَادَةٌ ثَانِيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 200، وجواهر الإكليل 1 / 32، والمغني لابن قدامة 1 / 350، وكشف المخدرات ص50.
وَقَال بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ بِدَايَةَ النِّفَاسِ تَكُونُ مِنَ الأَْوَّل وَنِهَايَتَهُ تَكُونُ مِنَ الثَّانِي؛ لأَِنَّ الثَّانِيَ وُلِدَ فَلَا تَنْتَهِي مُدَّةُ النِّفَاسِ قَبْل انْتِهَائِهَا مِنْهُ، فَعَلَى هَذَا تَزِيدُ مُدَّةُ النِّفَاسِ عَلَى الأَْرْبَعِينَ فِي حَقِّ مَنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ أَوْ أَكْثَر.
وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَآخَرُونَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّ النِّفَاسَ يَبْدَأُ مِنَ الثَّانِي فَقَطْ؛ لأَِنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ تَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ فَكَانَ ابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مِنَ الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا فَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الدَّمِ قَبْل وِلَادَةِ الثَّانِي أَوِ الأَْخِيرِ مِنَ التَّوَائِمِ لَا يَكُونُ نِفَاسًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً.
أَمَّا الْجَدِيدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّ الدَّمَ الْخَارِجَ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ أَوِ التَّوْأَمِ حَيْضٌ، وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ (1) .
فِي اللِّعَانِ وَالنَّسَبِ:
3 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَلْحَقَ الرَّجُل أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ أَوِ التَّوَائِمِ وَنَفَى الآْخَرَ لَحِقُوا بِهِ؛ لأَِنَّ الْحَمْل الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ مِنْهُ وَبَعْضُهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ نَسَبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ ثَبَتَ نَسَبُ الآْخَرِ ضَرُورَةً بِجَعْل مَا نَفَاهُ تَابِعًا لِمَا اسْتَلْحَقَهُ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لإِِثْبَاتِهِ لَا لِنَفْيِهِ.
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 200، وجواهر الإكليل 1 / 32، وتحفة المحتاج 1 / 411، 413، ومغني المحتاج 1 / 118، والمغني لابن قدامة 1 / 350، وكشف المخدرات ص50.
وَإِنْ اسْتَلْحَقَ أَحَدَهُمَا وَسَكَتَ عَنِ الآْخَرِ لَحِقَ بِهِ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ، لأَِنَّهُ لَوْ نَفَاهُ لَلَحِقَهُ، فَإِذَا سَكَتَ كَانَ أَوْلَى.
وَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا وَسَكَتَ عَنِ الآْخَرِ لَحِقَا بِهِ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ حَقَّ النَّسَبِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الإِْمْكَانِ (1) .
4 -
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا لَوْ أَتَتِ الْمَرْأَةُ بِوَلَدٍ فَنَفَاهُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِاللِّعَانِ، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ تَوْأَمًا لِلأَْوَّل بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُدَّةٌ أَقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ لَا يَنْتَفِي بِاللِّعَانِ الأَْوَّل؛ لأَِنَّهُ تَنَاوَل الْوَلَدَ الأَْوَّل وَحْدَهُ.
فَإِذَا أَرَادَ نَفْيَ الثَّانِي فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَهُ بِلِعَانٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي اللِّعَانِ الثَّانِي إِلَى إِعَادَةِ ذِكْرِ الْوَلَدِ الأَْوَّل.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ اللِّعَانَ الأَْوَّل لِعَانٌ فِي حَقِّ الثَّانِي لأَِنَّهُمَا مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ. وَلَكِنِ الْفُقَهَاءُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ الثَّانِي بَعْدَ نَفْيِهِ لِلْوَلَدِ الأَْوَّل لَحِقَهُ الثَّانِي وَالأَْوَّل، وَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ؛ لأَِنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِثُبُوتِ نَسَبِ بَعْضِ الْحَمْل إِقْرَارٌ بِالْكُل.
وَكَذَا إِنْ سَكَتَ بَعْدَ وِلَادَةِ الْوَلَدِ الثَّانِي وَلَمْ يَنْفِهِ لَحِقَاهُ جَمِيعًا، إِلَاّ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الأَْخِيرَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُنَاقِضْ قَوْلَهُ الأَْوَّل، وَلُحُوقُ
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 591، وجواهر الإكليل 1 / 380، وروضة الطالبين 8 / 358، وحاشية الباجوري 2 / 171، والمغني لابن قدامة 7 / 419.
الْوَلَدِ الأَْوَّل بِهِ هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ (1) .
5 -
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَيِّتِ مِنَ التَّوْأَمَيْنِ هَل يَحِقُّ لِلرَّجُل أَنْ يَنْفِيَهُ أَمْ لَا؟
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْمَيِّتِ مِنَ التَّوْأَمَيْنِ أَوِ التَّوَائِمِ، كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْحَيِّ مِنْهُمَا وَلِنَفْيِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ نَسَبَهُ لَا يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ، بَل يُقَال مَاتَ وَلَدُ فُلَانٍ، وَهَذَا قَبْرُ وَلَدِ فُلَانٍ؛ وَلأَِنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةَ تَجْهِيزِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ قُتِل قَبْل اللِّعَانِ لَزِمَهُ نَسَبُهُمَا؛ لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ الْمَيِّتِ، لاِنْتِهَائِهِ بِالْمَوْتِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَمِنْهَا (أَيْ شُرُوطِ اللِّعَانِ) أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ حَيًّا وَقْتَ قَطْعِ النَّسَبِ وَهُوَ وَقْتُ التَّفْرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يُقْطَعُ نَسَبُهُ مِنَ الأَْبِ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَمَاتَ ثُمَّ نَفَاهُ الزَّوْجُ يُلَاعِنُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ؛ لأَِنَّ النَّسَبَ يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ فَلَا يُحْتَمَل الاِنْقِطَاعُ.
وَإِذَا لَمْ يَنْتِفِ الْمَيِّتُ مِنَ التَّوْأَمَيْنِ لَمْ يَنْتِفِ الْحَيُّ مِنْهُمَا لأَِنَّهُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ، وَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ نَسَبُ الْحَيِّ، وَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِ الْحَدِّ عَنْهُ (2) .
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 591، وجواهر الإكليل 1 / 380، 384، ومواهب الجليل 4 / 139، وروضة الطالبين 8 / 358، وحاشية الباجوري 2 / 171، والمغني لابن قدامة 7 / 419.
(2)
حاشية ابن عابدين 2 / 591، نقلا عن فتح القدير والبدائع للكاساني 3 / 247، وجواهر الإكليل 1 / 380، ومغني المحتاج 3 / 380، والمغني لابن قدامة 7 / 419، وروضة الطالبين 8 / 358