الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْجُودُ وَالإِْفْضَال مُسْتَحَبٌّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ أَفْضَل اقْتِدَاءً بِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالسَّلَفِ؛ وَلأَِنَّهُ شَهْرٌ شَرِيفٌ فَالْحَسَنَةُ فِيهِ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِصِيَامِهِمْ، وَزِيَادَةِ طَاعَتِهِمْ عَنِ الْمَكَاسِبِ، فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى الْمُوَاسَاةِ (1) .
ج -
التَّوْسِعَةُ فِي عَاشُورَاءَ:
8 -
قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تُسْتَحَبُّ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَال وَالأَْهْل فِي عَاشُورَاءَ (2)، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ (3) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي كِتَابِهِ " اقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَمُخَالَفةُ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ": وَقَدْ رُوِيَ فِي التَّوْسِعَةِ عَلَى الْعِيَال آثَارٌ مَعْرُوفَةٌ: أَعْلَى مَا فِيهَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَال: مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ
(1) فتح الباري 8 / 251.
(2)
الترغيب والترهيب الجزء 2 / 77، والمدخل لابن الحاج 1 / 283 وما بعدها.
(3)
حديث: " أبي سعيد: من وسع على أهله في يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته كلها ". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 2 / 394 ط دار الفكر) قال الهيثمي ورواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إسماعيل الجعفري قال أبو حاتم منكر الحديث: المجمع 3 / 188 ط دار الكتاب العربي.
وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ (1) " وَهَذَا بَلَاغٌ مُنْقَطِعٌ لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ، ثُمَّ قَال: وَتَوْسِيعُ النَّفَقَاتِ فِيهِ هُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ (2) .
د -
التَّوْسِعَةُ فِي أَلْوَانِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ:
9 -
أَحَل اللَّهُ الأَْكْل وَالشُّرْبَ مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخِيلَةً، فَأَمَّا مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ، وَسَكَّنَ الظَّمَأَ فَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ عَقْلاً وَشَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنَ حِفْظِ النَّفْسِ وَحِرَاسَةِ الْحَوَاسِّ؛ وَلِذَلِكَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوِصَال لأَِنَّهُ يُضْعِفُ الْجَسَدَ، وَيُمِيتُ النَّفْسَ، وَيُضْعِفُ الْعِبَادَةَ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ الشَّرْعُ وَيَدْفَعُهُ الْعَقْل، وَلَيْسَ لِمَنْ مَنَعَ نَفْسَهُ قَدْرَ الْحَاجَةِ حَظٌّ مِنْ بِرٍّ وَلَا نَصِيبٌ مِنْ زُهْدٍ؛ لأَِنَّ مَا حَرَّمَهَا مِنْ فِعْل الطَّاعَةِ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَأَعْظَمُ أَجْرًا. قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا (3) } .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
(1) حديث: عن عبد الله بن مسعود من وسع على أهله يوم عاشواء وسع الله عليه سائر سنته. قال الهيثمي (رواه الطبراني في الكبير وفيه الهيثم بن الشداخ وهو ضعيف جدا، المجمع 3 / 189 ط دار الكتاب العربي) .
(2)
اقتضاء الطريق المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ص300.
(3)
سورة الأعراف / 31.
فَقِيل حَرَامٌ، وَقِيل مَكْرُوهٌ. قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَإِنَّ قَدْرَ الشِّبَعِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالأَْزْمَانِ وَالأَْسْنَانِ (الأَْعْمَارِ) وَالطُّعْمَانِ. ثُمَّ قِيل: فِي قِلَّةِ الأَْكْل مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّجُل أَصَحّ جِسْمًا، وَأَجْوَد حِفْظًا، وَأَزْكَى فَهْمًا، وَأَقَل نَوْمًا، وَأَخَفّ نَفْسًا. وَالْكَثْرَةُ فِي الأَْكْل وَالشُّرْبِ تُثْقِل الْمَعِدَةَ، وَتُثْبِطُ الإِْنْسَانَ عَنْ خِدْمَةِ رَبِّهِ، وَالأَْخْذِ بِحَظِّهِ مِنْ نَوَافِل الْخَيْرِ. فَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا فَوْقَهُ مِمَّا يَمْنَعُهُ مِنَ الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ أَسْرَفَ فِي مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ، رَوَى أَسَدُ بْنُ مُوسَى مِنْ حَدِيثِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَال: أَكَلْتُ ثَرِيدًا بِلَحْمٍ سَمِينٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَتَجَشَّأُ، فَقَال: اُكْفُفْ عَلَيْكَ مِنْ جُشَائِكَ أَبَا جُحَيْفَةَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُوعًا (1) فَمَا أَكَل أَبُو جُحَيْفَةَ بِمِلْءِ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا، وَكَانَ إِذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى، وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: الْكَافِرُ يَأْكُل فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِدٍ (2) .
(1) حديث: " كف من جشائك فإن أكثر الناس في الدنيا شبعا أكثرها يوم القيامة جوعا " أخرجه الحاكم (4 / 121 ط دار الكتاب العربي) ، تكلم الذهبي في اثنين من رواته بأن أحدهما كذاب والآخر هالك.
(2)
حديث: " الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحدة " أخرجه مسلم (3 / 1631 ط عيسى البابي) .
وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنَ التَّامُّ الإِْيمَانُ لأَِنَّ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَمُل إِيمَانُهُ كَأَبِي جُحَيْفَةَ تَفَكَّرَ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، فَيَمْنَعُهُ الْخَوْفُ وَالإِْشْفَاقُ مِنْ تِلْكَ الأَْهْوَال مِنِ اسْتِيفَاءِ شَهَوَاتِهِ (1) .
كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لأَِبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَل طَعْمُهُ، وَمَنْ قَل تَفَكُّرُهُ كَثُرَ طَعْمُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ (2) .
وَقَال فِي الْفَتْحِ تَعْلِيقًا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اطِّرَادُهُ فِي حَقِّ كُل مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَأْكُل كَثِيرًا إِمَّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَإِمَّا لِعَرَضٍ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَرَضٍ بَاطِنٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
10 -
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَرْكِ الطَّيِّبَاتِ وَالإِْعْرَاضِ عَنِ اللَّذَّاتِ، فَقَال قَوْمٌ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ القُرُبَاتِ، وَالْفِعْل وَالتَّرْكُ يَسْتَوِي فِي الْمُبَاحَاتِ. قَال آخَرُونَ: لَيْسَ قُرْبَةً فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبِيلٌ إِلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَقَصْرُ الأَْمَل فِيهَا، وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ لأَِجْلِهَا، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَالْمَنْدُوبُ قُرْبَةٌ، وَنُقِل عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَوْلُهُ: لَوْ شِئْنَا لَاتَّخَذْنَا صِلَاءً، وَصَلَائِقَ، وَصِنَابًا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ عز وجل يَذُمُّ أَقْوَامًا
(1) القرطبي 7 / 194.
(2)
حديث: " من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكيره كثر طعمه وقسا قلبه " لم نعثر عليه في المصادر التي بين أيدينا من كتب الحديث.
فَقَال: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا (1) } .
وَيُرْوَى صَرَائِقُ بِالرَّاءِ وَهُمَا جَمِيعًا الْجَرَادِقُ، وَالصَّلَائِقُ جَمْعُ صَلِيقَةٍ وَهِيَ اللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ، وَالصِّلَاءُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْمَدِّ الشِّوَاءُ، وَالصِّنَابُ الْخَرْدَل بِالزَّبِيبِ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ حُضُورِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكُلْفَةٍ وَبِغَيْرِ كُلْفَةٍ، قَال أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْل الْمَقْدِسِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ امْتَنَعَ عَنْ طَعَامٍ مِنْ أَجْل طِيبِهِ قَطُّ بَل كَانَ يَأْكُل الْحَلْوَى وَالْعَسَل (2) ، وَالْبِطِّيخَ وَالرُّطَبَ، وَإِنَّمَا يَكْرَهُ التَّكَلُّفَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَاغُل بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا عَنْ مُهِمَّاتِ الآْخِرَةِ (3) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَكْل الطَّيِّبَاتِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْل عُمَرَ رضي الله عنه: إِيَّاكُمْ وَاللَّحْمَ، فَإِنَّ لَهُ ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْرِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنَ عُمَرَ قَوْلٌ خَرَجَ عَلَى مَنْ خُشِيَ مِنْهُ إِيثَارُ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الشَّهَوَاتِ، وَشَقَاءُ النَّفْسِ مِنَ اللَّذَّاتِ، وَنِسْيَانُ الآْخِرَةِ، وَالإِْقْبَال عَلَى الدُّنْيَا؛ وَلِذَلِكَ كَانَ عُمَرُ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ: إِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْل الْعَجَمِ، وَاخْشَوْشِنُوا، وَلَمْ يُرِدْ رضي الله عنه تَحْرِيمَ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ، وَلَا تَحْظِيرَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ
(1) سورة الأحقاف / 20.
(2)
حديث: " كان يحب الحلوى والعسل " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 557 ط السلفية) .
(3)
القرطبي 7 / 191 وما بعدها.
تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَقَوْل اللَّهِ أَوْلَى مَا امْتَثَل وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ: قَال تَعَالَى: {قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (1) } وَقَال عليه الصلاة والسلام: سَيِّدُ الإِْدَامِ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ اللَّحْمُ (2) وَقَدْ رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْكُل الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ وَيَقُول: نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا، وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا (3) .
وَالطِّبِّيخُ لُغَةٌ فِي الْبِطِّيخِ. وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَال: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّل فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ لَاخْتَصَيْنَا (4) .
(1) سورة الأعراف / 32.
(2)
الحديث: " سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم " قال الهيثمي: (رواه الطبراني في الأوسط وفيه سعيد بن بليته القطان ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر. . . . ا. هـ. مجمع الزوائد 5 / 35 ط. دار الكتاب العربي) وله شاهد عن ابن ماجه (2 / 109 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي الدرداء. وضعفه البوصيري في الزوائد (4 / 17 ط الدار العربية) .
(3)
الحديث: " كان يأكل البطيخ بالرطب ويقول: نكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا " أخرجه أبو داود (4 / 176 ط عزت عبيد الدعاس) ، والترمذي 4 / 280 ط مصطفى الحلبي) وحسنه. وكلاهما رواه من حديث عائشة.
(4)
الحديث: " أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أجاز له. . . " أخرجه الدارمي (2 / 133 ط دار الكتب العلمية) وأحمد (6 / 268 ط المكتب الإسلامي) مطولا واللفظ للأول، وقال الهيثمي (أسانيد أحمد رجالها ثقات المجمع 4 / 301 ط دار الكتاب العربي) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: قَال عُلَمَاؤُنَا: فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَل اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (1) } وَمَا شَابَهَ هَذِهِ الآْيَةَ وَالأَْحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي مَعْنَاهَا رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الزَّاهِدِينَ، وَعَلَى أَهْل الْبَطَالَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفِينَ؛ إِذْ كُل فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَدْ عَدَل عَنْ طَرِيقِهِ وَحَادَ عَنْ تَحْقِيقِهِ (2)، قَال الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوزُ لأَِحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِمَّا أَحَل اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمُنَاكَحِ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِحْلَال ذَلِكَ بِهَا بَعْضَ الْعَنَتِ وَالْمَشَقَّةِ؛ وَلِذَلِكَ رَدَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّبَتُّل عَلَى ابْنِ مَظْعُونٍ (3) فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا فَضْل فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَأَنَّ الْفَضْل وَالْبِرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي فِعْل مَا نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَيْهِ، وَعَمِل بِهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَنَّهُ لأُِمَّتِهِ وَاتَّبَعَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ الأَْئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ آثَرَ لُبْسَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ عَلَى لِبَاسِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ إِذَا قَدَرَ عَلَى لِبَاسِ ذَلِكَ مِنْ حِلِّهِ، وَآثَرَ أَكْل الْخَشِنِ مِنَ الطَّعَامِ وَتَرَكَ اللَّحْمَ وَغَيْرَهُ حَذَرًا مِنْ عَارِضِ الْحَاجَةِ إِلَى النِّسَاءِ.
قَال الطَّبَرِيُّ: فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْخَيْرَ فِي غَيْرِ
(1) سورة المائدة / 87.
(2)
القرطبي 6 / 259.
(3)
حديث: " رد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي مظعون " سبق تخريجه.
الَّذِي قُلْنَا لِمَا فِي لِبَاسِ الْخَشِنِ وَأَكْلِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ، وَصَرْفِ مَا فَضَل بَيْنَهُمَا مِنَ الْقِيمَةِ إِلَى أَهْل الْحَاجَةِ فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً، وَذَلِكَ أَنَّ الأَْوْلَى بِالإِْنْسَانِ صَلَاحُ نَفْسِهِ وَعَوْنُهُ لَهَا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهَا، وَلَا شَيْءَ أَضَرُّ لِلْجِسْمِ مِنَ الْمَطَاعِمِ الرَّدِيئَةِ؛ لأَِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِعَقْلِهِ وَمُضْعِفَةٌ لأَِدَوَاتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبًا إِلَى طَاعَتِهِ.
وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقَال: لِي جَارٌ لَا يَأْكُل الْفَالُوذَجَ فَقَال: وَلِمَ؟ قَال: لَا يُؤَدِّي شُكْرَهُ، فَقَال الْحَسَنُ: أَفَيَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ؟ فَقَال: نَعَمْ، فَقَال: إِنَّ جَارَك جَاهِلٌ، فَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَكْثَرُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْفَالُوذَجِ (1) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَمَا شَهْوَةُ الأَْشْيَاءِ اللَّذَّةُ وَمُنَازَعَةُ النَّفْسِ إِلَى طَلَبِ الأَْنْوَاعِ الشَّهِيَّةِ، فَمَذَاهِبُ النَّاسِ فِي تَمْكِينِ النَّفْسِ مِنْهَا مُخْتَلِفَةٌ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى صَرْفَ النَّفْسِ عَنْهَا وَقَهْرَهَا عَنِ اتِّبَاعِ شَهَوَاتِهَا أَحْرَى لِيُذِل قِيَادَهَا وَيَهُونَ عَلَيْهِ عِنَادُهَا، فَإِنَّهُ إِذَا أَعْطَاهَا الْمُرَادَ يَصِيرُ أَسِيرَ شَهَوَاتِهِ وَمُنْقَادًا بِانْقِيَادِهَا.
وَقَال آخَرُونَ: تَمْكِينُ النَّفْسِ مِنْ لَذَّاتِهَا أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنِ ارْتِيَاحِهَا وَنَشَاطِهَا بِإِدْرَاكِ إِرَادَتِهَا. وَقَال آخَرُونَ: بَل التَّوَسُّطُ فِي ذَلِكَ أَوْلَى لأَِنَّ فِي عَطَائِهَا ذَلِكَ مَرَّةً وَمَنْعِهَا أُخْرَى جَمْعًا بَيْنَ
(1) القرطبي - سورة المائدة 6 / 259.