الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّوْقِيفُ فِي مُقَدَّرَاتِ الشَّرِيعَةِ:
5 -
ذَكَرَ السُّيُوطِيّ فِي الأَْشْبَاهِ أَنَّ مُقَدَّرَاتِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدِهَا: مَا يُمْنَعُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَالْحُدُودِ، وَفُرُوضِ الْمَوَارِيثِ.
الثَّانِي: مَا لَا يُمْنَعُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَالثَّلَاثِ فِي الطَّهَارَةِ.
الثَّالِثِ: مَا يُمْنَعُ فِيهِ الزِّيَادَةُ دُونَ النُّقْصَانِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِثَلَاثٍ، وَإِمْهَال الْمُرْتَدِّ ثَلَاثًا.
الرَّابِعِ عَكْسُهُ: كَالثَّلَاثِ فِي الاِسْتِنْجَاءِ، وَالتَّسْبِيعِ فِي الْوُلُوغِ، وَالطَّوَافِ، وَالْخَمْسِ فِي الرَّضَاعِ، وَنُصُبِ الزَّكَاةِ، وَالشَّهَادَةِ، وَالسَّرِقَةِ. (1)
وَهَذَا التَّفْصِيل لِلشَّافِعِيَّةِ وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَسَائِل خِلَافٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ.
التَّوْقِيفُ بِمَعْنَى مَنْعِ التَّصَرُّفِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ:
6 -
اسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ التَّوْقِيفَ بِمَعْنَى مَنْعِ التَّصَرُّفِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ. يَقُول ابْنُ فَرْحُونَ فِي التَّبْصِرَةِ:
تَوْقِيفُ الْمُدَّعَى بِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
النَّوْعُ الأَْوَّل: تَوْقِيفُ الْعَقَارِ وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: دُورٍ، وَأَرَاضٍ، وَالتَّوْقِيفُ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَصْمِ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَا يُعْقَل عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ
(1) الأشباه للسيوطي 421 - 422.
فِيهِ حَتَّى يَنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى كَشَهَادَةِ الْعَدْل أَوْ لَطْخٍ (الشُّهُودُ غَيْرُ الْعُدُول) فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالاِعْتِقَال فِي الرُّبَاعِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الأَْوَّل: عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ الظَّاهِرَةِ أَوْ ظُهُورِ اللَّطْخِ فَيُرِيدُ الْمُدَّعِي تَوْقِيفَهُ لِيُثْبِتَهُ، فَالتَّوْقِيفُ هُنَا بِأَنْ يُمْنَعَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفِيتُهُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، أَوْ يُخْرِجُهُ بِهِ عَنْ حَالِهِ، كَالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ عَنْهُ.
الثَّانِي: بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةٍ، قَاطِعَةٍ وَيَدَّعِيَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ مَدْفَعًا فِيمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، فَيُضْرَبُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ الآْجَال. فَيُوقَفُ الْمُدَّعَى بِهِ حِينَئِذٍ بِأَنْ تُرْفَعَ يَدُ الأَْوَّل عَنْهُ، فَإِذَا كَانَتْ دَارًا اُعْتُقِلَتْ بِالْقَفْل، أَوْ أَرْضًا مُنِعَ مِنْ حَرْثِهَا، أَوْ حَانُوتًا لَهُ خَرَاجٌ وُقِفَ الْخَرَاجُ. (1)
النَّوْعُ الثَّانِي: تَوْقِيفُ الْحَيَوَانِ - فَمَنِ ادَّعَى دَابَّةً بِيَدِ رَجُلٍ وَأَرَادَ تَوْقِيفَهَا لِيَأْتِيَ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَى مِنَ الْبَيِّنَةِ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ وَقَفَهُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ يَمِينٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي إِنْكَارِ دَعْوَاهُ؛ لأَِنَّهُ يَقُول: لَا عِلْمَ عِنْدِي مِمَّا تَقُول. فَإِنْ ظَنَّ بِهِ عِلْمَ ذَلِكَ حَلَفَ. (2)
(1) التبصرة بهامش فتح العلي المالك 1 / 179 ط دار المعرفة.
(2)
المرجع السابق 1 / 180.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: تَوْقِيفُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، كَاللَّحْمِ وَرُطَبِ الْفَوَاكِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ شَهِدَ لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، وَقَال عِنْدِي شَاهِدٌ آخَرُ أَوْ أَتَى بِلَطْخٍ وَادَّعَى بَيِّنَةً قَاطِعَةً، فَإِنَّهُ يُؤَجَّل أَجَلاً لَا يَفْسُدُ فِي مِثْلِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ، فَإِنْ أَحْضَرَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ، وَإِلَاّ خُلِّيَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَتَاعِهِ. (1)
وَيَقُول الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَنْقُولاً وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنَ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِإِعْطَاءِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلاً بِنَفْسِهِ وَبِنَفْسِ الْمُدَّعَى بِهِ - فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلاً فَالْقَاضِي لَا يُجِيبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَجَابَهُ.
وَلَوْ ادَّعَى عَقَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَا يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالْوَضْعِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ وَلَا بِالْكَفِيل بِهِ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ أَرْضًا فِيهَا شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ فَيُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ. (2)
وَإِذَا تَنَازَعَ شَخْصَانِ فِي عَقَارٍ، وَلَمْ يُثْبِتْ أَحَدٌ مِنَ الْخَصْمَيْنِ كَوْنَهُ ذَا الْيَدِ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِطَلَبِ الآْخَرِ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ خَصْمِهِ ذَا الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْعَقَارِ، فَإِنْ نَكَلَا عَنِ الْيَمِينِ يَثْبُتُ كَوْنُهُمَا ذَوِي الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْعَقَارِ وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ.
وَإِنْ نَكَل أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الآْخَرُ، يَحْكُمُ بِكَوْنِ الْحَالِفِ ذَا الْيَدِ مُسْتَقِلًّا بِذَلِكَ الْعَقَارِ، وَيُعَدُّ الآْخَرُ خَارِجًا.
(1) التبصرة 1 / 181.
(2)
شرح المجلة المادة 1816 للأتاسي 6 / 94.
وَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَلَا يُحْكَمُ لأَِحَدٍ مِنْهُمَا بِكَوْنِهِ ذَا الْيَدِ، وَيُوقَفُ الْعَقَارُ الْمُدَّعَى بِهِ إِلَى ظُهُورِ حَقِيقَةِ الْحَال. (1)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَيْنًا فِي يَدِهِ، وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ لَكِنَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَخَافَ مِنْ نَقْلِهَا، أَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا أَوْ أَعْيَانًا حَاضِرَةً مِنْ عَقَارٍ وَغَيْرِهِ فَأَنْكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، وَخِيفَ مِنْ إِقْرَارِهِ بِمَا هُوَ فِي يَدِهِ لأَِوْلَادِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، وَجَرَى هَذَا فِي بَلَدٍ قَدْ عَمَّ هَذَا بَيْنَهُمْ، وَاشْتُهِرَ هَذَا فِيمَا لَدَيْهِمْ، وَهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ فِي فِعْل هَذَا فَالْتَمَسَ الْمُدَّعِي الْحَجْرَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، فَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ خِلَافًا، وَرَأَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ - أَنَّهُ إِنْ عُرِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحِيلَةِ وَاسْتَمَرَّتْ لَهُ عَادَةٌ بِهَا حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَرَأَى غَيْرُهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا كَالْمُفْلِسِ إِذَا أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ وَتَحَقَّقَ أَنَّ خَرْجَهُ أَكْثَرُ مِنْ دَخْلِهِ وَخِيفَ عَلَيْهِ فَوَاتُ مَالِهِ، وَهُنَاكَ يَتَعَيَّنُ ضَرْبُ الْحَجْرِ عَلَيْهِ عَلَى الأَْصَحِّ، فَهَذَا قَرِيبُ الشَّبَهِ بِهِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا: إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ مَجْهُولَيْنِ وَطَلَبَ الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الدَّاخِل وَبَيْنَهُ إِلَى أَنْ يُزَكِّيَ بَيِّنَتَهُ هَل يُجَابُ إِلَيْهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. (2)
(1) المادة 1755 من المجلة وشرحها من درر الحكام 4 / 465.
(2)
أدب القضاء 268، 270 وتنظر الروضة 12 / 51.