الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي قَوْلِهِ الآْخَرِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيل مَعَ وُجُودِ الأَْصِيل إِلَاّ إِذَا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ الأَْصِيل؛ لأَِنَّ الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنَ الْكَفِيل إِلَاّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الأَْصِيل كَالرَّهْنِ (1) .
هَذَا وَشُرُوطُ الضَّمَانِ وَمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ وَمَا يَصِحُّ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (كَفَالَةٌ وَضَمَانٌ) .
هـ -
حَقُّ الْحَبْسِ وَالاِحْتِبَاسِ:
16 -
لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّوْثِيقِ صِيَانَةَ الْحُقُوقِ وَالاِحْتِيَاطَ؛ لِذَلِكَ كَانَ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ أَنْ يَتَوَثَّقَ لِحَقِّهِ بِحَبْسِ مَا تَحْتَ يَدِهِ لاِسْتِيفَاءِ حَقِّهِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ:
مِنْهَا: حَقُّ احْتِبَاسِ الْمَبِيعِ إِلَى قَبْضِ الثَّمَنِ - يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا فَلَهُ حَبْسُهُمَا إِلَى اسْتِيفَاءِ الْكُل، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ، وَلَا بِالْكَفِيل، وَلَا بِإِبْرَائِهِ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوفِيَ الْبَاقِي.
وَيَنْظُرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (بَيْعٌ وَحَبْسٌ) .
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَنَافِعِ إِلَى
(1) المبسوط 19 / 1160 21 / 69، والقرطبي 9 / 225، والبدائع 6 / 4 - 11، وابن عابدين 4 / 249، والمغني 4 / 590 - 605، وجواهر الإكليل 2 / 111، وأشباه السيوطي / 308.
أَنْ يَتَسَلَّمَ الأُْجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ، وَكَذَلِكَ لِلصَّانِعِ حَقُّ حَبْسِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَل حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ إِذَا كَانَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (إِجَارَةٌ وَاسْتِصْنَاعٌ) .
وَمِنْ ذَلِكَ حَبْسُ الْمَدِينِ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ، وَمَاطَل فِي الأَْدَاءِ، وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنَ الْقَاضِي حَبْسَهُ؛ وَلِلدَّائِنِ كَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ؛ لأَِنَّ لَهُ وِلَايَةَ حَبْسِهِ (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (دَيْنٌ، أَدَاءٌ، وَفَاءٌ) .
17 -
هَذِهِ هِيَ أَشْهَرُ أَنْوَاعِ التَّوْثِيقِ، وَهُنَاكَ أُمُورٌ أُخْرَى يَكُونُ الْقِيَامُ بِهَا تَوْثِيقًا لِلْحَقِّ وَصِيَانَةً لَهُ. فَكِتَابَةُ الأَْحْكَامِ فِي السِّجِلَاّتِ تُعْتَبَرُ تَوْثِيقًا لِهَذِهِ الأَْحْكَامِ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمُفْلِسِ تَوْثِيقٌ لِحُقُوقِ الدَّائِنِينَ. وَهَكَذَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي:(إِفْلَاسٌ، حَجْرٌ، كِتَابَةٌ) .
مَا يَدْخُلُهُ التَّوْثِيقُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
18 -
كُل تَصَرُّفٍ صَحِيحٍ مُسْتَوْفٍ لِشُرُوطِهِ يَدْخُلُهُ التَّوْثِيقُ إِذْ التَّوْثِيقُ يُؤَكِّدُ الْحُقُوقَ
(1) ابن عابدين 4 / 42، والبدائع 4 / 204، 7 / 173، والهداية 3 / 233، والحطاب 5 / 431، والتبصرة بهامش فتح العلي 2 / 319، والقواعد لابن رجب ص87، والمنثور 3 / 328.
لأَِصْحَابِهَا وَيُسَهِّل لَهُمُ الْوُصُول إِلَيْهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَالتَّجَاحُدِ يَقُول الْجَصَّاصُ فِي قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (1) . . .} . فِي الآْيَةِ الأَْمْرُ بِالإِْشْهَادِ إِذَا صَحَّتِ الْمُدَايَنَةُ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْل} : فِيهِ أَمْرٌ لِمَنْ تَوَلَّى كِتَابَةَ الْوَثَائِقِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَكْتُبَهَا بِالْعَدْل بَيْنَهُمْ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} قَال الْجَصَّاصُ: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا بَيَّنَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُدَايَنَاتِ الثَّابِتَةِ الْجَائِزَةِ لِكَيْ يَحْصُل لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَدَايِنَيْنِ مَا قَصَدَ مِنْ تَصْحِيحِ عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ.
أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ فَالأَْصْل فِيهَا أَنَّ الإِْقْدَامَ عَلَيْهَا حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ، وَبِالتَّالِي يَكُونُ تَوْثِيقُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حَرَامًا؛ إِذْ وَسِيلَةُ الشَّيْءِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا فَائِدَةَ مِنْ تَوْثِيقِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ لأَِنَّهَا مَفْسُوخَةٌ شَرْعًا، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُهَا كَمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ (2) .
كَذَلِكَ أَبَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْهَدَ عَلَى -
(1) سورة البقرة / 282.
(2)
أحكام القرآن للجصاص 1 / 574 - 575، والمنثور في القواعد 1 / 352 - 354، وبدائع الصنائع 5 / 305، والدسوقي 3 / 71، ومنتهى الإرادات 2 / 190.
تَصَرُّفٍ جَائِرٍ فَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى هِبَةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ ابْنَهُ النُّعْمَانَ (1) لأَِنَّهُ لَمْ يَعْدِل بَيْنَ أَوْلَادِهِ فِي الْعَطِيَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ بَشِيرًا رَدَّ عَطِيَّتَهُ (2) .
وَيَقُول الدُّسُوقِيُّ: الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ إِذَا شُرِطَ فِيهِ رَهْنٌ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي أَوِ الْمُقْتَرِضُ فَإِنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ فَاسِدًا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ لِلرَّاهِنِ؛ لأَِنَّ الرَّهْنَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ.
وَإِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ لَا يَرِدُ إِلَاّ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ أَكْثَرُ مِنْ تَوْثِيقٍ، وَمِنْهَا مَا يُوَثَّقُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ (3) .
يَقُول الزَّرْكَشِيُّ: مِنَ الْعُقُودِ مَا يَدْخُلُهُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيل وَالشَّهَادَةُ، كَالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَمِنْهُ مَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لَا بِالرَّهْنِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ، جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِهَا، قَال: لأَِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ - وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ، وَمِنْهُ الْمُسَابَقَةُ إِذَا اسْتَحَقَّ رَهْنَهَا جَازَ الرَّهْنُ وَالضَّمِينُ، وَقِيل: وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَوْ لَازِمٌ.
(1) حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة على هبة البشير بن سعد ابنة النعمان.
(2)
المغني 5 / 664 وحديث رد بشير عطيته. تقدم تخريجه ف / 9.
(3)
الدسوقي 3 / 240.