الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَرْغَرَةِ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى بَعْدَهُ:{وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} (1) لأَِنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ التَّوْبَةَ إِلَى حُضُورِ الْمَوْتِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَبَيْنَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ كَافِرٌ، فَلَا تُقْبَل تَوْبَةُ الْيَائِسِ كَمَا لَا يُقْبَل إِيمَانُهُ. وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَل التَّوْبَةَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ صُدُورُهَا قَبْل الْغَرْغَرَةِ، وَهِيَ حَالَةُ الْيَأْسِ وَبُلُوغُ الرُّوحِ الْحُلْقُومَ (2) .
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ وَجْهٌ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَذْهَبِ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَرْغَرَةِ، بِخِلَافِ إِيمَانِ الْيَائِسِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَل، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَيَبْدَأُ إِيمَانًا وَعِرْفَانًا، وَالْفَاسِقُ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَال الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَل مِنَ الاِبْتِدَاءِ (3) وَلإِِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} (4) .
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ قَبُول تَوْبَةِ الْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ فِي حَالَةِ الْيَأْسِ (5) بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى
(1) سورة النساء / 18.
(2)
ابن عابدين 1 / 571، 3 / 289، والفواكه الدواني 1 / 90، وتفسير الماوردي 1 / 372، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 127.
(3)
المراجع السابقة.
(4)
سورة الشورى / 25.
(5)
تفسير الطبري 8 / 96، 97، وانظر أيضا تفسير الماوردي 1 / 372، 373.
حِكَايَةً عَنْ حَال فِرْعَوْنَ: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الآْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْل وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (1) .
مَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهُمْ وَمَنْ لَا تُقْبَل:
12 -
تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَقْبَل التَّوْبَةَ مِنَ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ الْعَاصِي بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ كَمَا وَعَدَ فِي كِتَابِهِ الْمَجِيدِ حَيْثُ قَال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَل التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} (2) لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الْحَالَاتِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول التَّوْبَةِ فِيهَا نَظَرًا لِلأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِهَا وَمِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ:
أ -
تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ:
13 -
الزِّنْدِيقُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ وَلَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ (3) .
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، (الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) عَلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَل تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلَاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} (4) الآْيَةَ.
(1) سورة يونس / 90، 91.
(2)
سورة الشورى / 25.
(3)
ابن عابدين 3 / 296، وحاشية القليوبي 4 / 177، وكشاف القناع 6 / 176، 178.
(4)
سورة البقرة / 160.