الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى قوله: (يصدرون منها)، أي: ينصرفون عنها، فإن الصدر إذا عدى بعن اقتضى الانصراف، وهذا على الاتساع، ومعناه النجاة منها بأعمالهم؛ إذ ليس هناك انصراف، وإنما هو المرور عليها، فوضع الصدر موضع النجاة للمناسبة التي بين الصدر والورود.
ومن
باب صفة الجنة
(من الصحاح)
[4223]
حديث أنس- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (موضوع سوط في الجنة
…
) الحديث.
قلت: إنما خص السوط بالذكر؛ لأن من شأن الراكب إذا أراد النزول في منزل أن يلقى سوطه قبل أن ينزل معلماً بذلك المكان الذي يريده لئلا يسبقه إليه أحد.
[4224]
وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يتوله من رواية أبي سعيد [192/ب] الخدري- رضي الله عنه (ولقاب قوس أحكم) والقاب ما بين المقبض والسية، ولكل قوس قابان، والراجل يبادر إلى تعيين المكان بوضع قوسه، كما أن الراكب يبادر إليه برمي سوطه.
[4225]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه: (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء).
يريد بذلك أن العبد المؤمن إذا تبوأ مقعده من الجنة تبوأ والحجب مرتفعة والموانع التي تحجزهم عن النظر إلى ربهم مضمحلة إلى ما يصدهم عن هيبة الجلال وسبحات الجمال وأبهة الكبرياء، فلا يرتفع ذلك منهم إلا برأفة ورحمة منه تفضلاً على عباده.
وقد بينا في أول الكتاب تصور المعنى في رداء الكبرياء.
وفيه: (في جنة عدن)، أي: استقرار وثبات. يقال: عدن بمكان كذا، أي: استقر، ومن المعدن لمستقر الجواهر.
[4226]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت- رضي الله عنه: (ومنها تفجر أنهار الجنة الأربعة) يريد بها أصول الأنهار المذكورة في كتاب الله {فيها أنهار من ماء غير آسن ..} الآية.
[4230]
ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من يدخل الجنة ينعم، لا يبأس)، يريد: أن نعيم الجنة لا يشوبها بؤس ولا يتعقبها شدة فتكدرها يقال: بئس يبأس بؤساً وبئيساً: إذا اشتدت حاجته فهو بائس، وقد سبق بيانه فيما مر.
[4232]
ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه[عن النبي صلى الله عليه وسلم]: (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق
…
) الحديث.
الدري بضم الدال من غير همز منسوب إلى الدر لصفاء لونه وخلوصة نوره وقد قرئ في كتاب الله بالهمز مع ضم الدال، وهو لين ينكره أهل اللغة. والمعتد به كوكب دري بضم الدال من غير همز، وبكسر الدال مع الهمز.
قيل: ودرؤه: طلوعه، وذلك أنه يطلع عليك من مطلعه فجأة، فيقال: درأ علينا فلان وطرأ: إذا طلع فجأة. وزعم الفراء أنه من درأ بمعنى دفع، كأنه رجم به الشيطان فدفعه، والأول أسد وأصح.
(والغابر): قد اختلف فيه الرواة، فمنهم من رواه بالهمز بعد الألف من الغور يريدون انحطاطه في الجانب الغربي ومنهم من رواه بالياء من الغبور، والمراد منه الباقي في الأفق بعد انتشار ضوء الفجر، فإنما يستنير في ذلك الوقت الكوكب المضيء.
ولا أشك أن الرواية الأولى نشأت من تصحيف صحفي لم يعنه النظر؛ لبلادته على ما يشهد عليه سياق الحديث، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(من المشرق أو المغرب)، وفي رواية أخرى (في الأفق الشرقي أو الغربي) وغور الكواكب في الجانب الشرقي مما لا يتصور.
وفي كتاب المصابيح: (من المشرق والمغرب) والصواب: (من المشرق أو المغرب). وكذلك [193/أ] رواه مسلم في كتابه.
[4233]
ومنه حديثه الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير). يريد بذلك ما جبلوا عليه من لين الأفئدة ورقتها.
[4236]
ومنه حديثه الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة).
سيحان: نهر بالشام، وكذلك جيحان، والأول من السيح، والثاني من جحن والنون فيه أصلية، وساحين نهر بالبصرة، وسيحون نهر بالهند، وجيحون نهر بلخ.
وأرى في الحديث وجهين: أحدهما: أن نقول: إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنة لما فيها من السلاسة والعذوبة والهضم وتضمنها البركة الإلهية وتشرفها بورود الأنبياء إليها وشربهم عنها، وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في عجوة المدينة:(إنها من ثمار الجنة) وقد ذكرنا الوجه فيه.
والآخر: أن نقول: يحتمل أنه سمى الأنهار التي هي أصول أنهار الجنة بتلك الأسامي ليعلم أنها في الجنة بمثابة الأنهار الأربعة في الدنيا، أو لأنها مسميات بتلك التسميات فوقع الاشتراك فيها.
(ومن الحسان)
[4238]
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: (ينعم، لا يبأس).
قد ذكرنا تفسيره، وقد وجدناه في المصابيح، وفي بعض كتب الحديث:(يبؤس) بالهمزة المضمومة لدلالة الواو على الضم، وبأس الأمر يبؤس إذا اشتد، وبأس يبأس إذا افتقر، والغلط إنما وقع في رسم الخط، والصواب: لا يبأس.
[4242]
ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وفرش مرفوعة} قال: (ارتفاعها لكما بين السماء والأرض).
ذكر بعض أهل العلم من أصحاب المعاني في تأويله أن المراد منه ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات، وما بين كل درجتين من الدرجات لكما بين السماء والأرض.
وهذا القول أوثق وأعرق من قول من قال: إنها نضدت حتى ارتفعت، ومن قول من قال: مرفوعة على الأسرة، ومن قول من قال: إنها كناية عن النساء، وذلك لما في الحديث:(إن الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض).
[4250]
ومنه حديث بريدة الأسلمي- رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله هل في الجنة من خيل؟ قال: (إن الله أدخلك الجنة
…
) الحديث.
تقدير الكلام إن أدخلك الله الجنة، وفي الكلام حذف واختصار، والتقدير: فلا تشاء أن تحمل على فرس من نعته كذا وكذا إلا حملت عليه.
وقد دل على صحة ما ذهبنا إليه ما في الرواية الأخرى: (إن أدخلت الجنة أتيت بفرس
…
) الحديث.
[4252]
ومنه حديث عبد الله بن عمر- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب أمتي الذي يدخلون من الجنة عرضه مسيرة الراكب المجود
…
) الحديث.
ألحق بالكتاب: ضعيف منكر، وإنما قلنا: ألحق؛ لأن المؤلف تبرأ في أول الكتاب عن إيراد المناكير.
وقد روى الترمذي هذا الحديث في كتابه ثم قال: هذا حديث غريب، وسألت محمداً عن هذا الحديث- يعني البخاري- فلم يعرفهن وقال: لخالد بن أبي بكر مناكير [193/ب] عن سالم بن عبد الله عن أبيه.
قلت: ومدار هذا الحديث على خالد هذا.
ومما يدل على وهنه مخالفته للأحاديث التي وردت في بعد ما بين المصراعين، ومنها الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر).
قلت: وهجر مدينة باليمن، وهي قاعدة البحرين، وبينها وبين البحرين عشر مراحل، وأين مسيرة الراكب ثلاثاً عن هذه المسافة.
[4253]
ومنه حديث علي- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لسوقاً ما فيها شراء ولا بيع إلا الصور ..) الحديث.
يحتمل أنه أراد بالصورة الهيئة التي يكون عليها المؤمن من تاج ولباس وزينة، ويكون المراد منه عرض الصور المستحسنة عليهن فإذا اشتهى وتمنى أن تكون صورته على تلك الصيغة هيأ الله له ذلك بالقدرة الأزلية، فيصير منطبعاً عليها.
وليس المعنى أنه يفارق جثته فيدخل في جثة أخرى، فإن تبديل الأجزاء من الشخص بأجزاء أخر لم يحشر عليها غير سائغ في حكمة الله ثم إنه مخالف للتوقيف، والوجه الأول أشبه لما في حديث أبي هريرة في صفة السوق:(فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه)، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه من تأويل الصورة بالهيئة التي يكون عليها.
[4254]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: (ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة).
الكلمتان بالحاء المهملة، والضاد المعجمة، والمراد من ذلك كشف الحجاب والمقاولة مع العبد من غير حجاب ولا ترجمان ويبينه الحديث: (ما منكم من أحد إلا ويكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان
…
) الحديث وقد صحف فيهما بعض الرواة فرواهما بالخاء المعجمة والصاد المهملة، وقد أحال، ولو ساعده التوفيق لم يدحض حيث لا مدحض فيه.
[4255]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد: (كما بين الجابية: إلى صنعاء) الجابية مدينة بالشام.