المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب ذكر اليمن والشام - الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي - جـ ٤

[التوربشتي]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الفتن

- ‌ باب الملاحم

- ‌ باب أشراط الساعة

- ‌ باب العلامات بين يدي الساعة

- ‌ باب نزول عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌ باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته

- ‌ باب لا تقوم الساعة إلى على الشرار

- ‌ باب النفخ في الصور

- ‌ باب الحشر

- ‌ باب الحساب

- ‌ باب الحوض

- ‌ باب صفة الجنة

- ‌ باب رؤية الله سبحانه

- ‌ باب صفة النار وأهلها

- ‌ باب خلق الجنة والنار

- ‌ باب بدء الخلق

- ‌ باب: فضائل سيد المرسلين

- ‌ باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ باب: ما ذكر من أخلاقه وشمائله

- ‌ باب: المبعث وبدء الوحي

- ‌ باب علامات النبوة

- ‌ الفصل الذي في المعراج

- ‌ الفصل الذي في المعجزات

- ‌ باب الكرامات

- ‌ مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ باب مناقب الصحابة

- ‌ باب مناقب أبي بكر- رضي الله عنه

- ‌ مناقب عمر- رضي الله عنه

- ‌ باب مناقب الشيخين- رضي الله عنهما

- ‌ باب مناقب عثمان- رضي الله عنه

- ‌ باب مناقب علي- رضي الله عنه

- ‌ باب مناقب العشرة

- ‌ باب مناقب أهل البيت

- ‌ باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته

- ‌ باب جامع المناقب

- ‌ باب ذكر اليمن والشام

- ‌ باب ثواب هذه الأمة

الفصل: ‌ باب ذكر اليمن والشام

كذلك، يتعففون عن السؤال، ويتحملون الصبر عند القتال، وهو مثل ما في الحديث:(يقلون عند الطمع، ويكثرون عند الفزع).

ومن‌

‌ باب ذكر اليمن والشام

(من الصحاح)

[4766]

حديث أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبا). الرقة إذا كانت في جسم تضادها الصفاقة، يقال: ثوب صفيق، وثوب رقيق. ومتى كانت في نفس تضادها الغلظة والجفوة، وكذلك اللين في الأجسام تضاد الخشونة، وفي القلوب تضاد القسوة.

وأهل اللغة يعدون الفؤاد والقلب شيئا واحدا، وكلام النبوة يحكم بالتمييز بينهما، وكل واحد من الاسمين ينبئ عن صفة أخرى، وذلك أن الفؤاد إنما سمى فؤادا لتفأده، وهو التوقد. يقال: فئدت اللحم، أي: شويته. والقلب إنما سمى قلبا لكثره تقلبه، فلعله أراد بالأفئدة: ما يظهر منها للأبصار، وبالقلوب ما يظهر منها للبصائر.

ولبعض مشايخ الصوفية في شرح ذلك كلام يشير فيه إلى أن الفؤاد هو القلب بشغافه وغلافه، وعلى هذا فنقول: يحتمل أنه أشار إلى رقة حجاب القلب، فيخلص القول إليه سريعا، وإلى لين جوهره، فيؤثر

ص: 1355

الوعظ فيه تأثير بليغا. ومنه: (الإيمان يمان والحكمة يمانية) اليمن [340] ما كان عن يمين الكعبة من بلاد الغور قال أبو عبيد: مكة أرض تهامة من أرض اليمن، وبهذا سميت مكة وما وليها من أرض اليمن [تهامة] على هذا التقدير يمانية، ومنها ظهر الإيمان. قال: وفيه وجه آخر، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا القول وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة، وقيل: عنى بهذا القول الأنصار؛ لأنهم يمانون.

قلت: هذه وجوه متقاربة، مع ما فيها من التعمق، وبعد التناسب بين الفصل الأول والثاني، فإنه قال:(أتاكم أهل اليمن) يخاطب بذلك أصحابه، والجمهور منهم أهل الحرمين وما حولهما، فعلمنا أن المبشر بهم غير المخاطبين، ثم وصفهم بقوله:(هم أرق أفئدة) ثم أشار إلى ثمرة رقة الفؤاد ولين القلب، وهي الإيمان والحكمة.

وقوله: (الإيمان يمان) لا ينفى كونه حجازيا، وإنما ينبئ عن استعداد أهل اليمن لقبول ذلك، وفشوه فيهم واستقرار أمرهم عليه، فإنهم هم الذين فتحت بأمدادهم الشام والعراق، زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه والحكمة: كل كلمة صالحة تمنع صاحبها عن الوقوع في الهلكات، فلما كانت قلوبهم معادن الإيمان وينابع الحكمة، وكانت الخلتان منتهى همهم، نسب الإيمان والحكمة إلى معادن نفوسهم ومساقط رءوسهم، نسبة الشيء إلى مقره و (يمان) نسبة إلى اليمن، والألف عوض من ياء النسب، فلا يجتمعان، وكذلك يمنى، ومنهم من يجمع بين الألف وياء النسبة فيقول: يماني- بالتشديد، وقال أمية بن خلف:

يمانيا يظل يشد كيرا .... وينفخ دائما لهب الشواظ

والصحيح ما قدمناه.

وفيه: (والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين) الفخر: المباهاة والمنافسة في الأشياء الخارجة عن الإنسان، كالمال والجاه. والفدادين يروى من وجهين- بالتشديد وهو الذين تعلو أصواتهم في أموالهم ومواشيهم، من قولهم: رجل فداد: إذا كان شديد الصوت. وبالتخفيف، وهي: البقر التي تحرث، واحدها فدان- بالتشديد- تقديره: وفي أهل الفدادين.

وأرى أصوب الراويتين بالتشديد؛ لما في حديث ابن مسعود، الذي يتلو هذا الحديث:(والجفاء والغلظ في الفدادين) والتخفيف في هذه الراوية غير مستقيم، وتقدير الحذف فيه مستبعد رواية ومعنى، فرددنا

ص: 1356

المختلف فيه إلى المتفق عليه، هذا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى سكة شيئا من آلة الحرث، فقال:(ما دخل هذا دار قوم إلا أدخل عليهم الذل) وأين إيقاع الفخر والخيلاء من موقع الذل.

(ومن الحسان)

[4771]

حديث زيد بن ثابت- رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر قبل اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، وبارك لنا في [341] صاعنا ومدنا).

قلت: لم يكن في هذا الحديث إشكال، سوى أنه جمع بين فصلين في كلم إذا تصفحهما الجاهل، عدهما من الفصول المتنافرة، ومعاذ الإله أن يظن به غير الكمال في سائر الأحوال. ووجه التناسب بين الفصلين أن أهل المد مازالوا في شدة من العيش، وعوز من الزاد، لا تقوم أقواتهم بحاجتهم، فلما دعا الله بأن يقبل إليهم بقلوب أهل اليمن إلى دار الهجرة، وهم الجم الغفير، دعا الله بالبركة في طعام أهل المدينة، ليتسع على القاطن بها والقادم عليها، فلا يسأم المقيم من القادم عليه، ولا تشق الإقامة على المهاجر إليها.

[4773]

ومنه حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستخرج نار من نحو حضر موت .. الحديث).

يحتمل أنها تكون رأى عين، وهو الأصل، ويحتمل أنها فتنة عبر عنها بالنار، وعلى التقديرين فالوجه فيه أنه قبل قيام الساعة؛ لأنهم قالوا:(فما تأمرنا) يعنون: في التوقى عنها، فقال:(عليكم بالشام).

ص: 1357

[4774]

ومنه حديثه الآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون هجرة بعد هجرة .. الحديث). كان من حق الثانية أن يؤتي بها مع لام العهد؛ لأن المراد منها الهجرة الواجبة قبل الفتح، وغنما أتى بها منكرة ليساوق الأولى في الصيغة، إضمار في الكلام، أي: بعد هجرة حقت ووجبت.

وإنما حسن الحذف اعتمادا على معرفة السامعين. والمعني: ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرة كانت إلى المدينة، وذلك حين تكثر الفتن، ويقل القائمون بأمر الله في البلاد، ويستولى الكفرة الطغام على بلاد الإسلام، ويبقى الشام تسوسها العساكر الإسلامية منصورة على من نأواهم، ظاهرين على الحق، حتى يقاتلوا الدجال: فالمهاجر إليها حينئذ فار بدينه، ملتجئ إليها لصلاح آخرته، فكثر سواد عباد الله الصالحين القائمين بأمر الله.

وفيه: (تقذرهم نفس الله) ضرب المثل للمتخلفين عن حزب الله الذابين عن حريمه؛ رغبة في الدنيا، ورهبة عن القتل والقتال، ورضي بما هم فيه من الذل والهوان في قلة التوفيق وعدم القبول بالشيء المستقذر الذي تنفر عنه الطباع، وتأباه الأنفس، وهو قول مناسب لما في التنزيل:{ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم} ونفس الله: ذاته، وهو وإن كان من حيث جعل له مضاف إليه يقتضى المغايرة وإثبات شيئين من حيث الغيار، فإنه على سبيل الاتساع، وتعالى الله الملك عن الأنثوية ومشابهة المحدثات علوا كبيرا.

[4775]

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن حوالة- رضي الله عنه: (فأما إن أبيتم، فعليكم بيمنكم) هذا كلام معترض أدخله بين قوله: (عليكم بالشام) وبين قوله: (واسقوا من غدركم)؛ فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهلها) رخص به العرب، واليمن من أرض العرب.

ومعنى قوله: (واسقوا من غدركم) أي: ليسق كل واحد من غديره الذي يختص به. وغدر جمع غدير،

ص: 1358