الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب النفخ في الصور
(من الصحاح)
] 4152 [حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى
…
) الحديث.
قلت: ورد التنزيل بمثل ما ورد به الحديث، قال الله -تعالى-:{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة} .
غير أن في الحديث لفظ الشمال، والوجه فيه أن نقول: قد ذكرنا -فيما مضى من الكتاب- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معنيا بالبيان والبلاغ، فكان له أن يبين المعاني لهم على صيغة النظائر التي عرفوها؛ ليكون أمكن موقعا من قلوبهم، وأيسر استقرارا في نفوسهم، ولم يكن ذلك لغيره.
ولما كانت السماوات أصفى جوهرا وأمد بسطة واعلى رتبة وأرزن قدرا من الأرض، ذكر لفظ الشمال في مقابلة اليمنى، بعد أن نزه قدره -سبحانه- عن تصور معنى في ذلك يشاركه فيه العباد بقوله:(وكلتا يديه يمين)، ليتبين لهم التفاوت بين العلويات والسفليات، بما أتى به من ذكر اليمين والشمال.
هذا ويحتمل أن أصل الحديث على ما هو في الرواية الأخرى، فعدل عنه بعض الرواة الى لفظ الشمال غلطا منه أو ظنا أنه يسد مسد اليد الأخرى.
] 4153 [ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
) الحديث.
السبيل في هذا الحديث أن يحمل على نوع من المجاز أو ضرب من التمثيل. والمراد منه تصوير عظمته، والتوقيف على جلالة شانه، وأنه -سبحانه- يتصرف في المخلوقات تصرف أقوى قادر على أدنى مقدور.
تقول العرب في سهولة الطلب وقرب المتناول ووفور القدرة وسعة الاستطاعة: هو مني على حبل الذراع، وأني أعالج ذلك ببعض كفي، وأستقله بفرد اصبع، ونحو ذلك من الألفاظ استهانة بالشيء واستظهارا في القدرة عليه. والمتورع في الخوض في تأويل أمثال هذا الحديث في فسحة من دينه إذا لم ينزلها في ساحة الصدر منزلة مسميات الجنس.
وقد تكلم الخطابي على هذا الحديث في كتاب الإعلام] 184/ب [وزبدة كلامه أن الإصبع لم يوجد في كتاب الله ولا في السنة المقطوع بصحتها فيلزمنا القول بها، وليست كاليد فإنها ثبتت بتوقيف شرعي اطلقنا الاسم فيه على ما جاء به الكتاب من غير تكييف ولا تشبيه.
وقد روي هذا الحديث غير واحد من أصحاب ابن مسعود، من طريق عبيدة فلم يذكر فيه قوله:(تصديقا لقول الحبر) والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق فيه بحرف تصديقا له أو تكذيبا، وإنما ظهر منه في ذلك الضحك المخيل للرضا مرة وللتعجب والإنكار أخرى ثم تلا الآية. والآية محتملة للوجهين معا، وليس فيها للإصبع ذكر.
وقول من قال من الرواة (تصديقا للحبر) ظن وحسبان، والأمر فيه ضعيف اذ كان لا يلخص شهادته
لأحد الوجهين، فيحتمل أن يكون ذلك من تخليط اليهود وتحريفهم، وأن ضحكه كان على معنى التعجب منه والنكير له.
قلت: ومما ينصر قوله هذا: ما رواه أبو عيسى الترمذي بإسناده في كتابه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا يهودي حدثنا!) فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه وأشار إلى أبو جعفر محمد ابن الصلت بخنصره ثم تابع حتى بلغ الإبهام -فأنزل الله -تعالى-: {وما قدروا الله حق قدره} ).
قلت: وأبو جعفر بن الصلت أحد رواة هذا الحديث.
] 4155 [ومنه حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الشمس والقمر مكوران يوم القيامة).
قلت: يحتمل أنه من التكوير الذي هو بمعنى اللف والجمع أي: يلف ضوئها لفا فيذهب انبساطها في الافاق، ويحتمل أن يراد به رفعهما لأن الثوب إذا طوي رفع.
ويحتمل أن يكون من قولهم: طعنه فكوره، أي: ألقاه، يلقيان من فلكهما، وهذا التفسير أشبه بنسق الحديث لما في بعض طرقه:(يكوران في النار) ويكون تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار، لا سيما عباد الأنوار، لا يعذبان في النار؛ فغنهما بمعزل عن التكليف، بل سبيلهما في النار سبيل النار نفسها وسبيل الملائكة الموكلين بها.
ورواه أنس في روايته: (الشمس والقمر ثوران عقيران في النار) أي زمنين لا يبرحان منها، فلا يكون لهما سير كما كان قبل انتقاض الأفلاك.