الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن
باب مناقب علي- رضي الله عنه
-
(من الصحاح)
[4617]
حديث سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ..).
قلت: كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم مخرجه إلى غزوة تبوك، وقد خلف عليا- رضي الله عنه على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه، فلما سمع به على- رضي الله عنه أخذ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني، فقال: كذبوا، إنما خلفتك لما تركت وراءي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أما ترضى يا علي، أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) تأول قول الله- سبحانه-:{وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي} والمستدل بهذا الحديث على أن الخلافة كانت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى على قول زائغ عن منهج الصواب، فإن الخلافة في الأهل في حياته لا تقتضي الخلافة في الأمة بعد الممات، والمقايسة التي تمسكوا بها تنقض عليهم بموت هارون قبل موسى- عليهما السلام وإنما يستدل بهذا الحديث على قرب منزلته واختصاصه بالمؤاخاة من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(ومن الحسان)
[4622]
حديث زيد بن أرقم- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من كنت مولاه فعلى مولاه) المولى ينصرف من وجوه: يستعمل في ابن العم، قال الله تعالى- {وإني خفت الموالي من ورائي} ، وفي المعتق، ومصدره الولاية. وفي المعتق، ومصدره الولاء. وفي المحب وفي الجار وفي الناصر وفي الصديق وفي المأوى وفي الذي يسلم على يدي رجل، وفي المولاة. والأصل في الجميع القرب.
وقد اختلف أقاويل أهل التأويل في هذا الحديث [فمنهم: من] كنت أتولاه فعلى يتولاه. وقيل: من كان يتولاني فعلى يتولاه وقيل: كان سبب ذلك أن أسامة بن زيد قال لعلي- رضي الله عنه: لست مولاي، إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من كنت مولاه فعلي مولاه) ونقل عن
الشافعي- رحمة الله عليه- أنه قال: أراد بذلك ولاء الإسلام. قال الله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا} .
[4623]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حبشي بن جنادة- رضي الله عنه (ولا يؤدى عني إلا أنا أو علي).
قلت: كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد ألا يؤدى ذلك إلا سيد القوم، أو من يليه من ذوي قرابته القريبة، ولا يقبلون ممن سواهم، ولما كان العام الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر- رضي الله عنه أن يحج بالناس، رأى بعد خروجه أن يبعث عليا- رضي الله عنه خلفه لينبذ إلى المشركين عهدهم ويقرأ عليهم سورة (براءة) وفيها:{إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} إلى غير ذلك من الأحكام، فقال قوله هذا تكريما له بذلك، فلما حصر الموسم بعث معه أبو بكر- رضي الله عنه أبا هريرة في آخرين، ليبلغ علي- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وينادى به المبعوثون معه في الناس.
[4625]
ومنه حديث أنس- رضي الله عنه: (كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير
…
الحديث).
قلت: نحن وإن كنا لا نجهل- بحمد الله- فضل علي- رضي الله عنه وقدمه وبلاءه وسوابقه في الإسلام واختصاصه برسول الله صلى الله عليه وسلم لقرابته القريبة، ومؤاخاته إياه في الدين، ونتمسك من حبه بأقوى وأولى ما يدعيه الغالون فيه، فلسنا نرى أن نضرب عن تقدير أمثال هذه الأحاديث في نصابها صفحا، لما نخشى فيها من تحريف الغالين، وتأوييل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وهذا باب أمرنا بمحافظته، وحمى أمرنا بالذب عنه، فحقيق علينا أن ننصر فيه الحق، ونقدم فيه الصدق، وهذا حديث يريش به المبتدع سهامه، ويوصل [338] به المنتحل جناحه، فيتخذه ذريعة إلى الطعن في خلافة أبي بكر- رضي الله عنه التي هي أول حكم أجمع عليه المسلمون في هذه الأمة، وأقوم عماد أقيم به الدين، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-فنقول- وبالله التوفيق: هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقول بخيريته من الأخبار الصحاح، منضما إليها إجماع الصحابة، لمكان سنده، فإن فيه لأهل النقل مقالا، ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإجماع، ولاسيما الصحابي الذي يرويه ممن دخل في هذا الإجماع، واستقام عليه مدة
عمره، ولم ينقل عنه خلافه، فلو كتب عنه هذا الحديث، فالسبيل أن يأول على وجه لا ينتقض عليه ما اعتقده، ولا يخالف ما هو أصح منه متنا وإسنادا، وهو أن يقال: يحمل قوله: (بأحب خلقك) على أن المراد منه، أئتنى بمن هو من أحب خلقتك إليك، فيشاركه فيه غيره، وهم المفضلون بإجماع الأمة، وعلى هذا مثل قولهم: فلان أعقل الناس وأفضلهم. أي: من أعقلهم وأفضلهم، ومما يبين لك أن حمله على العموم غير جائز، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم من جملة خلق الله، ولا جائز أن يكون على أحب إلى الله منه.
فإن قيل: ذلك شيء عرف بأصل الشرع؛ قلنا: والذي نحن فيه عرف أيضا بالنصوص الصحيحة وإجماع الأمة، فيأول هذا الحديث على الوجه الذي ذكرناه، أو على أنه أراد به: أحب خلقه إليه من بنى عمه وذويه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلق القول وهو يريد تقييده، ويعم به وهو يريد تخصيصه، فيعرفه ذو الفهم، بالنظر إلى الحال أو الوقت، أو الأمر الذي هو فيه.
[3629]
ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا علي، ليس لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك) هذا الحديث رواه الترمذي في جامعه عن علي بن المنذر، عن ابن فضيل ثم ذر بعد سياق الحديث عن علي بن المنذر، أنه قال: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك.
قلت: لم يستصعب علينا حديث مما تعنينا بشرحه من أحاديث هذا الكتاب استصعاب هذا الحديث؛ لأن المعنى إنما يستخرج من اللفظ، والحديث المشكل إنما يعرف بنظائره، وهذا حديث لا ينبئ لفظه عما روى من معناه، ولم يعرف له نظير في الأحاديث فيراجع فل حل مشكله إليه.
وهذا الذي نقله الترمذي عن ابن المنذر، عن ضار بن صرد قول لا يستقيم على اللهجة العربية، فإن المفهوم من قوله:(لا يجنب في هذا المسجد) لا تصيب الجنابة، ولم يسمع في معناه: لا يستطرقه جنبا، وإن كان عول في هذا الاستنباط على قوله سبحانه:{ولا جنبا إلا عابري سبيل} مع ما فيه من الخلاف، فما
وجه التخصيص في الحديث بقوله: (غيري وغيرك) فإن قيل: لأنه لم يكن لهما مما عبر المسجد. قلنا: لم يذكر ذلك في الشيء من النقل المعتد به.
وذكر أصحاب التفاسير في سبب نزول الآية أن رجالا من [339] الأنصار كانت أبوابهم في المسجد، فتصيبهم الجنابة، ولا يجدون ممرا إلا في المسجد فرخص، إن صح هذا، ولا أراه يصح، ولا دلالة فيه على هذا التأويل، فإن الرخصة في الشرع لا تختص بأحد من الأمة دون آخرين.
وقد صح عن علي- رضي الله عنه أنه قال: (والله، ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس) ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان أحق الناس بتعظيم بيوت الله ومحال عبادته، فكيف يحل لنفسه ولعلى استطراق المسجد جنبا، ويحرمه على من دونهما.
فإن قيل: يحتمل أنهما كانا لا يجدان سوى المسجد ممرا، وغيرهما- وإن كان له باب إلى المسجد- فإنه كان يجد ممرا سواه.
قلنا: سبيل ذلك النقل، وقد ذكرنا أنه لم يرد به نقل يعتد به، ثم إنا تدبرنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في بناء المسجد وبناء حجرات أمهات المؤمنين، ومنازل بناته بجنب المسجد، بعد أن بني المسجد، فرأينا أن ممر تلك الدور التي بنيت بجنب المسجد له أو لغيره، مما كان قبل بناء المسجد أو بعده لا يخلو من أمور ثلاثة: إما أن كان لتلك الدور التي ألزقت بالمسجد قبل بناء المسجد ممر، فبقى على حاله؛ لأنه مع تعلق حق أحد به لا يصير مسجدا.
ولم يكن هناك قبل البناء ممر، فاستثنى النبي صلى الله عليه وسلم قبل جعل الحائط مسجدا، ممرا لنفسه ولغيره، فالمنهج فيه لا يكون متعرضا لشيء من حرمة، فإنه يعبر في سبيل اكتنف المسجد بكنفيه.
أو لم يكن لها حق ممر، ولم يفرز لها ممل قبل جعل الأرض مسجدا، فهذا مما لا يجوز أن يستطرق، سواء كان المستطرق جنبا أو غير جنب؛ لأنه مسجد، وليس لأحد أن يتخذ من بيوت الله ما ليس له بحق. فتبين لنا من هذه التقسيمات الثلاث أن الذي يذهب في هذا الحديث إلى أنه كان يستطرق المسجد جنبا ذهب إلى قول ظاهر الفساد، اللهم إلا أن يقدر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لنفسه ممرا في الأرض التي كان يريد أن يتخذها مسجدا ولبيت فاطمة- رضي الله عنها مستثنى من جملة المسجد، ولم يكن لغيرهما ذلك، فلهذا قال: غيري وغيرك، والحديث حينئذ يكون حجة على من يجوز عبور الجنب في المسجد، لا له، ويكون قوله:(في هذا المسجد) على الاتساع لكون الممر متصلا بالمسجد من طرفيه.