الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: لم ننكر ذلك؛ ولكن للتفاوت الذي يقع بين المرفوع والموقوف في المرتبة لا نزمع] بذلك مع أن قول القائل: (وهي في السماء السادسة) يحتمل أنه أدرج في الحديث من قول بعض الرواة لا من قول ابن مسعود. ومن الدليل على ذلك أن هذا الحديث روي عن ابن مسعود من طريق أخرى، وليس فيها (وهي في السماء السادسة).
وفيه: (إذ يغشى السدرة ما يغشى) قال: (فراش من ذهب)، فإن قيل: كيف التوفيق بين قوله هذا وبين قوله في غير هذا الحديث: (فغشيها أنوار لا أدري ما هي)!
قلنا: قوله ذلك يشير إلى أنها لا تشبه الأعيان المشهودة المستحضرة في النفوس، فتنعت لهم بذكر نظائرها، ولا تضاد بين القولين؛ لأن فراش الذهب كان أيضا مما غشيها، مع احتمال أن يكون ذلك من قول الصحابي أورده مورد البيان؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر تساقط الفراش على مواقع تلك الأنوار التي غشيها بعد قوله:(إذ يغشى السدرة).
وفيه: (وأعطى خواتيم سورة البقرة): ليس معنى قوله: (أعطى) أنها أنزلت عليه، بل المعنى أنه استجيب له فيما لقن في الآيتين من قوله:{غفرانك ربنا} إلى قوله: {أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} ولمن يقوم بحقها من السائلين.
وفيه: (وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا) يريد بالمقحمات: الذنوب التي يستحق بها صاحبها دخول النار:
ومن
الفصل الذي في المعجزات
(من الصحاح)
[4446]
قول أبي بكر- رضي الله عنه في حديثه: (فرفعت لنا صخرة) أي: ظهرت، وأذيعت، والأصل فيه تقريب الشيء، ومنه رفعت إلى السلطان. وفي حديث النجاشي:(فرفع لي سريره).
وفيه: (وأنا أنفض ما حولك) يريد: أتجسس الأخبار من كل وجه، تقول: نفضت المكان واستنفضته وتنفضته إذا نظرت جميع ما فيه، ومنه النفضة وهم الجماعة يبعثون في الأرض هل فيها عدو أو خوف، وكذلك النفيضة نحو الطليعة: قالت سلمى الجهنية ترثي أخاها أسعد:
يرد المياه حضيرة ونفيضة
…
ورد القطاة إذا اسمأل التبع
وفيه: (فحلب في قعب كثبة من لبن) القعب: قدح من خشب مقعر، والكثبة من اللبن قدر حلبة، وقيل: ملء القدح من اللبن.
وفيه: (يرتوي فيها) رويت من الماء بالكسر وارتويت وترويت كله بمعنى.
وفيه: (فوافقته حتى استيقظ). قلت: اختلف رواة كتاب البخاري في هذبن اللفظين أعني (فوافقته حتى) فمنهم من يرويه: (فوافقته حين) بتقديم الفاء على القاف [309]. وحين التي هي للظرف. والمعنى: وافق إيتائي إياه حين استيقظ، وكذلك وجدناه فيما يعتد به من نسخ البخاري، ومما يشهد لهذه الرواية بالصحة ما روي في بعض طرق هذا الحديث من كتاب مسلم:(فوافقته وقد استيقظ).
ومنهم من يرويه على ما ذكرنا في تقديم الفاء مع حرف حتى، أي: وافقته فيما هو اختاره من النوم.
ومنهم من يرويه بتقديم القاف على الفاء من الوقوف، والمعنى: صبرت عليه وتوقفت في المجيء إليه حتى استيقظ. وأرى الداخل إنما دخل على من يرويه بحتى التي هي الغاية من قوله: (فكرهت أن أوقظه) فرأوا أنه كان نائما فوافقه على النوم، أو تأنى به حتى استيقظ.
والوجه فيه أنه فارقه وهو نائم، فقدر الأمر في ذلك على ما فارقه عليه، فكره إيقاظه، وذلك قبل المجيء إليه، فلما أتاه كان الأمر على خلاف ما توهمه ووجده قد استيقظ.
وفيه: (فارتطمت به فرسه) يقال: رطمته في الوحل رطما فارتطم أي: ارتبك فيه، وارتطم عدي هاهنا بالباء، وفيه:(في جلد من الأرض) الجلد: الأرض الصلبة.
[4448]
ومنه قول عبادة بن الصامت في حديث أنس- رضي الله عنهما: (ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا) الضمير في أكبادها للخيل أو الإبل، أي حثثناها في المسير إليها حتى أضر الظمأ وإدمان السير بأكبادها. وقدمنا حقيقة هذا اللفظ في أول الكتاب. وبرك الغماد بكسر الباء وبفتحها أيضا وبضم الغين: موضع باليمن، قيل هو أقصى بلاد حجرية. ومنهم من يكسر الغين. فأرى أصح الروايتين في برك كسر الباء، فقد ذكر الجوهري في كتابه، وبرك مثال قرد: موضع بناحية اليمن.
وفيه: (فما ماط أحدهم). يريد: ما بعد يقال: ماط فيحكمه أي: جار، وماط أي: بعد وذهب.
[4449]
ومنه حديث ابن عباس- رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر: (اللهم
أنشدك عهدك ووعدك
…
) الحديث. يقال: نشدت فلانا أنشده نشدا إذا قلت له: نشدتك الله، أي: سألتك بالله، وقد يستعمل في موضع السؤال، قال الأعشى:
وإذا تنوشد في المهارق أنشدا
أي: إذا سئل بكتب الجوائز أعطى، وقوله: تنوشد في موضع نشد أي: شئل، والعهد- هاهنا- بمعنى الأمان، يريد: أسألك أمانك وإنجاز وعدك الذي وعدتنيه بالنصر.
فإن قيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله، وقد علم أن الله سبحانه لم يكن ليعده وعدا فيخلفه، فما وجه هذا السؤال؟!
قلنا: الأصل الذي لا يفارق هذا الحكم هو أن الدعاء مندوب إليه، علم الداعي بحصول المطلوب أو لم يعلم؛ ثم إن العلم بالله يقتضي الخشية منه، ولا ترتفع الخشية من الأنبياء- عليهم السلام بما أوتوا ووعدوا من حسن العاقبة، فيجوز أن يكون خوفه من مانع ينشأ ذلك من قبله أو من قبل [310] أمته فيحبس عنهم النصر الموعود ويحتمل أنه وعد بالنصر، ولم يعين له الوقت، وكان على وجل من تأخر الوقت فتضرع إلى الله لينجز له الوعد في يومه ذلك، وما أظهر من الضراعة، وبالغ فيه برفع اليدين حتى سقطت الخميصة التي كانت عليه عند رجليه، على ما هو في الحديث. ففيه سوى ما توخاه من التذلل بين يدي الله على ما هو حق العبودية كشفه للأصحاب عن أنه النصر، كي يشجعهم بذلك ويؤيدهم ويثبت أقدامهم. ومن هاهنا قال أبو بكر- رضي الله عنه:(حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك). يريد: أنك قد بالغت في الدعاء كل المبالغة، وقد علم المؤمنون بأن الله- سبحانه- سيبجيب دعوتك، وتحققوا بذلك فلا حاجة بك إلى زيادة على ما صنعت. هذا وجه هذا الحديث؛ إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالله من أبي بكر وأقوى يقينا منه، وأولى بالثقة بوعده، ولا يجوز أن يتوهم متوهم أن أبا بكر- رضي الله عنه قال هذا القول تطبيبا لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تأييدا له أو تغييرا عليه، معاذ الإله؛ فإن هذا مما لا يحسن بعوام المؤمنين فضلا عن صديق هذه الأمة، وأعلمهم بالله وبرسوله، وأشدهم تمسكا بالأدب بين يديه، والله أعلم.
وفي حديثه أيضا عن قول الملك:: (أقدم حيزوم). أقدم بفتح الهمزة زجر للفرس كأنه يؤمر بالإقدام، وقد رواه بعض أهل الحديث- بل أكثرهم- بكسر الهمزة، والصواب فتحها.
وحيزوم: اسم فرس من خيل الملائكة، سمي بأقوى ما يكون من الأعضاء منه، وأشد ما يستظهر به الفارس في ركوبه منه وهو وسط الصدر، وما يضم عليه الحزام.
ومنه قول علي- رضي الله عنه:
اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك
وفيه: (فإذا هو قد خطم أنفه): خطم بالخاء المعجمة؛ وهو الأثر على الأنف، يقال: خطمت البعير إذا وسمته بالكي بخط من الأنف إلى أحد خديه.
[4453]
ومنه حديث البراء- رضي الله عنه: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا إلى أبي رافع
…
) الحديث. الرهط: ما دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة، وقد ذكر قبل. وأبو رافع هذا هو ابن أبي الحقيق اليهودي، كان يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد المعاداة، ويسعى في أذيته، والتألب عليه، والتعرض لع بالقول فيما ينظم من الشعر، بعد أن كان من ذوي العهد؛ فنقض عهده، وكان له حصن يتحصن به؛ فبعث إليه رهطا من الخزرج، وأمر عليهم عبد الله بن عتيك- رضي الله عنه فاحتال حتى دخل الحصن متنكرا وقتله وهرج؛ فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتوه وهو يخطب فقال:(أفلحت الوجوه) وذلك في آخر السنة الرابعة من الهجرة، وكانت الأوس قد أصابوا قبل ذلك من كعب بن الأشرف، وكان الخبيث شديد الإحنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: قد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)، فكيف التوفيق بينه وبين ما [311] أمر به من قتل ابن الأشرف وابن أبي الحقيق اليهوديين؟
قلنا: أما ابن أبي الحقيق فإنه كان حربا لله ولرسوله، متحصنا بحصنه، ودخول الصحابي الحصن [
…
] حتى مكن فإن من قتل الخبيث، ليس من باب الفتك المنهى عنه، بل سبيل ذلك سبيل السرية تدخل دار الحرب على غرة من أهلها ثم تضع فيهم السيف. وأما قتل ابن الأشرف بعد نزوله إلى محمد بن مسلمة وأصحابه الأوسيين- رضي الله عنهم من قصره في جوف الليل وإجابته إياهم ثقة بهم، فإنهم كانوا مباشرين لذلك من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمر السماوي، ففارقت هذه القصة غيرها من قضايا الأمة، مع احتمال أن يكون النهي عن الفتك كان بعد ذلك [وهو الأظهر]؛ لأن حديث النهي عن الفتك يرويه أبو هريرة، وإسلامه في السنة الرابعة من الهجرة، وقتل ابن الأشرف في السنة الثالثة، وابن أبي الحقيق في السنة الرابعة.
[4454]
ومنه قول جابر- رضي الله عنه في حديثه: (فعاد كثيبا أهيل). أهيل في معنى الهيال، وهو السيال قال الله تعالى:{كثيبا مهيلا} أي مصبوبا سائلا لا يتماسك، يقال: تهيل الرمل وانهال: إذا سال، وقد هلته أنا. وفيه:(فانكفأت إلى امرأتي) أي انصرفت إليها.
وفيه: (رأيت [النبي]صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا) الخمص بتسكين الميم: المجاعة، وكذلك المخمصة؛ لأن البطن يضمرها. وفيه:(ولنا بهيمة داجن) البهيمة تصغير البهمة، وهي اسم للمذكر والمؤنث من أولاد الضأن، كذا ذكره أهل اللغة، وقيل: البهمة السخلة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للراعي:(ما ولدت) قال: بهمة، قال:(اذبح مكانها شاة) قال بعضهم: لولا أن البهمة اسم نوع خاص لما كان في إجابة الداعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببهمة كبير فائدة؛ لأن من المعلوم أن ما تلد الشاة إنما يكون ذكرا أو أنثى فلما أجاب عن بهمة وقال: (اذبح مكانها شاة) دل على أنها اسم للأنثى دون الذكر، أي: دع هذه في الغنم للنسل واذبح مكانها ذكرا.
قلت: هذا الذي ادعاه هذا القائل ينتقض عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (واذبح مكانها شاة)؛ فإن الشاة لم تختص بالذكر دون الأنثى، واستقامة المعنى في هذا الحديث أن تفسر البهمة بالسخلة على ما ذهب إليه بعض أهل اللغة. والشاة المسن ثنية كانت أو جذعة ضأنا كان أو معزى، أو يأول على أنه صلى الله عليه وسلم سأله عن عدد ما ولد، فأجابه بقوله ذلك، أراد أنه ولد بهمة واحدة.
وهذا التأويل أوجه التأويلين وأقومه، على ما ذكرناه من أهل اللغة، وقد وجدت سناد هذا التأويل في بعض طرق هذا الحديث الذي أوردنا منه قوله للراعي:(ما ولدت) وهو قول الراوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له مائة شاة، فلم يكن يرى أن يتجاوز عن المائة، فكلما جاءت بولد ذبح مكانها أخرى. والداجن: ما ألفت البيوت، واستأنسته، ومن العرب من يقولها بالباء.
وفيه: (واقدحي من برمتكم). يقال: قدحت المرق أي: غرفته [312] ومنه القدح وهو المغرفة، سلك بالخطاب مسلك [التلوين] فخاطب به ربة البيت وفيه:(وإن برمتنا لتغط) يريد: تغلي فيسمع سوت الغليان والمغطغطة: القدر الشديد الغليان.
[4455]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة- رضي الله عنه: (بؤس ابن سمية) أي: ما شدة ما يلقاه ابن سمية من الفئة الباغية، وابن سمية هو عمار بن ياسر، وسمية أمه.
[4460]
ومنه قول عمران بن حصين- رضي الله عنه في حديثه: (فتلقتنا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين). المزاد كالمزود، وهو وعاء يوضع فيه طعام السفر، ويحتمل أنهم جعلوا المزاد للماء تفريقا بين الوعائين في الاسم. والسطيحة: نوع من المزاد، وهي ما كان من جلدين قوبل أحدهما بالآخر فسطح عليه.
[4461]
وفيه: (واديا أفيح) يريد واسعا، يقال: بحر أفيح: بين الفيح أي: واسع. وفيه: (يصانع قائده) أي: ينقاد له ويوافقه، والأصل في المصانعة: الرشوة، وهي: أن تصنع لصاحبك شيئا ليصنع لك شيئا.
وفيه: (حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما) المنصف بالفتح: نصف الطريق.
[4465]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث العباس- رضي الله عنه: (هذا حين حمى الوطيس) يريد: هذا حين اشتد الحرب، والوطيس: التنور.
[4466]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث البراء- رضي الله عنه: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) وقد ذكرنا فيما تقدم من الكتاب أن القول ربما صدر عن صاحبه مستقيما على وزان الشعر من غير تعمد، فلا يعد ذلك عليه شعرا، ثم إنه رجز، والرجز خارج من جملة ما يتعاطاه الشعراء على الفواصل الموضوعة في العروض.
وأما وجه قوله: (أنا ابن عبد المطلب). فإنه على سبيل التعريف لنفسه لا على سبيل المباهاة، وقد رفع الله قدره وأجل أمره من أن يفتقر في إعلاء كلمته إلى من كان يعبد اللات والعزى، فضلا من أن يفتخر به، وقد كان أصحاب الأخبار من أهل الكتاب يتحدثون بأن النبي الموعود به في آخر الزمان من بني عبد المطلب وكذلك الكهان والحزءون، وأرى جماعة من أهل مكة مصداق ذلك في منامهم، فلعله أشار إلى أنه هو المخبر عنه من بني عبد المطلب.
[4467]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديثه أيضا: (كنا إذا احمر البأس) يريد: اشتد الحرب، من قولهم: موت أحمر، إذا وصف بالشد، وكذلك سنة حمراء.
[4468]
ومنه ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه في حديثه: (قد انتحر فلان). انتحر الرجل: إذا نحر نفسه. وفي المثل: سرق السارق فانتحر.
[4469]
ومنه حديث عائشة- رضي الله عنها: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه صنع الشيء وما صنعه) تريد: أنه كان يخيل إليه أنه أصابها ولم يكن هناك إصابة.
وفيه: (مطبوب). المطبوب: المسحور، والطب: السحر، قيل: إنهم كنوا به عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ، وقيل: إنه من الأضداد يقال لعلاج الداء: طب، وسحر طب، وهو من أعظم الأدواء. قلت: ويحتمل أنهم استعاروا فيه الطبب [313].
وفيه: (وحفا أثره)، والطبيب هو: الفطن بالشيء الحاذق له. وفيه: (في مشط ومشاطة). المشاطة: ما يشبث من الشعر بالمشط، أو سقط عند الإمتشاط.
وفيه: (وجف طلعة ذكر). الجف: وعاء الطلع، وهو الغشاء الذي على الوليع، ويروى:(في جب طلعة) أي: في جوفها، (وطلعة ذكر) على الإضافة، وأراد بالذكر فحل النخل.
وفيه: (في بئر ذروان). ذروان: موضع، وفي كتاب مسلم:(بئر ذي أروان)، وأراها أصوب الروايتين؛ لأن أروان بالمدينة أشهر من (ذروان). وذو أروان على مسيرة ساعة من المدينة وفيه بني مسجد الضرار.
وفيه: (وكأن نخلها رءوس الشياطين). أراد بالنخل: طلع النخل، وإنما أضافه إلى البئر؛ لأنه كان مدفونا فيها، وأما تشبيه ذلك برءوس الشياطين فلما صادفوه من الوحشة وقبح المنظر، وكانت العرب تعد صور الشياطين من أقبح المناظر؛ ذهابا في الصورة إلى ما يقتضيه المعنى. وقيل: أريد بالشياطين: الحيات الخبيثات العزمات، وأيا ما كان، فإن الإيمان بهذا النظير في الحديث منسوق على [
…
] الكتاب في التمثيل، قال الله تعالى:{طلعها كأنه رءوس الشياطين} .
[4470]
ومنه حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه: (بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما). القسم: مصدر قسمت الشيء فانقسم، سمي الشيء المقسوم وهو الغنيمة بالمصدر، والقسم بالكسر: الحظ والنصيب من الخير، مثل: طحنت طحنا، والطحن بالكسر: الدقيق، ولا وجه للمكسورة في هذا الحديث؛ لأنه يختص إذن [بفرد نصيب]، وهذا القسم كان في غنائم حنين، قسمها بالجعرانة.
وفيه: (وقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل). خبت وخسرت على ضمير المخاطب. لا على ضمير المتكلم، وإنما رد الخيبة والخسران إلى المخاطب على تقدير عدم العدل منه؛ لأن الله- تعالى- بعثه رحمة للعالمين، وبعثه ليقوم بالعدل فيهم، فإذا قدر أنه لم يعدل فقد خاب المعترف بأنه مبعوث إليهم وخسر؛ لأن الله لا يحب الخائنين فضلا من أن يرسلهم إلى عباده، ويحتمل أن يكون التقدير: خبت وخسرت إذا اعتقدت أني لم أعدل، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يضيف الأمر المكروه إلى نفسه، وإن كان على سبيل الحكاية، وإذا حكاه عن غيره أتى به معدولا عن صيغته تنزها في القول عما نزهه الله منه، فعدل به هاهنا عن نفسه إلى المخاطب؛ لأنه كان حقيقا بذلك، وإنما قال لعمر- رضي الله عنه: (دعه فإن له أصحابا
…
). الحديث. تنبيها على أنهم يصلون، وأنه نهى عن قتل المصلين.
فإن قيل: أو لم يقل في إحدى الروايتين من هذا الحديث: (لئن أدركتهم لأقتلنهم) فكيف التوفيق بين القضيتين؟
قلنا: إنما يحل قتلهم بإظهار الخلاف والمفارقة عن الجماعة وترك الطاعة بالخروج على الإمام، والتألب لقتال من خالفهم في رأيهم، ولم يوجد ذلك يومئذ، وإنما وجد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسبع وعشرين [314] سنة.
وفيه: (يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم) يريد: أنه لا يخلص عن ألسنتهم وآذانهم إلى قلوبهم وأفهامهم. وفيه: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) أي: يمرون عليه مرا سريعا بحيث لا يتمكن الأمر والنهي عنهم. والدين: الطاعة، واستعير للشريعة؛ أي لا يدينون دين الحق. والرمية: الصيد يرمي، شبههم في ذلك بالرمية لاستيحاشهم عما يرمون به من القول النافع، ثم وصف الشيء الممثل به في سرعة تخلصه وتنزهه عن التلوث بما يمر عليه من فرث ودم، ليبين المعنى المضروب له، والرصاف العقب الذي يلوي فوق الرعظ، وهو مدخل النصل واحدها رصفة والمصدر منه الرصف بالتسكين أيضا، ونضى السهم: ما يأتي الريش في النصل، وقال أبو عمرو: النضى: نصل السهم، والأول أشهر وأشبه، والتفسير الذي في الحديث، فالأشبه أنه من قول بعض الرواة أدرجه في الحديث وفيه نظر؛ لأن
النضى إذا أريد به القدح فإنه يراد منه القدح أول ما يكون قبل أن يعمل، ولا وجه هاهنا، والقذذ: ريش السهم، الواحدة قذة.
وفيه: (مثل البضعة يدردر) أي تجئ وتذهب، ومثله تمرمر وترحرح.
وفيه: (إن من ضئضئ هذا). الضئضئ: الأصل، ومثله الضفئن. قال الكميت:
وجدتك في الضفئن من ضئضئ
…
أحل الأكابر منه الصغار
والمراد في الحديث منه أن قوما يكون نعتهم هذا، يخرجون في مستقبل الزمان من أصله، أي: من الأصل الذي هو منه في النسب أو من الأصل الذي هو عليه في المذهب، ومن ذهب إلى أنهم يتولدون منه فقد أبعد؛ إذ لم يذكر في الخوارج قوم من نسل ذي الخويصرة، ثم إن الزمان الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول إلى أن نابذ المارقة عليا- رضي الله عنه 0 - وحاربوه لا يحتمل ذلك، ولقد كان فيهم من بني تميم الجم الغفير. وفيه:(لأقتلنهم قتل عاد) أراد بقتل عاد الاستئصال بالإهلاك فإن عادا لم تقتل، وإنما أهلكت بالصيحة فاستؤصلت بالإهلاك.
[4771]
منه قول أبي هريرة- رضي الله عنه في حديثه: (فإذا الباب مجاف) مجاف أي: مردود، من قولك: أجفت الباب أي: رددته.
[4472]
وفي حديثه الآخر: (إنكم تقولون أكثر أبو هريرة) أي: أكثر الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، (والله
الموعد) أي: لقاء الله الموعد، يعني به يوم القيامة، فإن الأسرار تنكشف هنالك (وإن إخواني من المهاجرين
…
) الحديث. كان أهل مكة يتعيشون من التجارة، فلما قدموا من المدينة أخذوا في مطلب معايشهم من وجوه التجارات، وأما الأنصار فإنهم كانوا يعملون في نخيلهم، وهي أموالهم، وأموال أهل المدينة المواضع التي فيها نخيلهم.
[4473]
ومنه حديث جرير- رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تريحني من ذي الخلصة). ذو الخلصة: بيت [315] لخثعم كان يدعى اليمامة، والخلصة اسم طاغيتهم التي كانت فيه.
[4478]
ومنه حديث أنس- رضي الله عنه في حديثه: (وصارت المدينة مثل الجوبة) الجوبة: الفرجة في السحاب، وهي أيضا موضع ينجاب عن الحجارة في الحرة. وقيل: الجوبة أيضا الحفرة الوسيعة المستديرة، والجوبة: الترس لاستدارتها. والمعنى أن المطر أو الغيم انكشف عما يحاذيها، ويكون فيه حذف، والتقدير: صار جو المدينة مثل الجوبة، ويؤيده ما ورد في رواية أخرى عن أنس:(وصارت المدينة كالإكليل) يريد أن الغمام تكللها.
وفيه: (وسال الوادي قناة شهرا) أي: سال الوادي سائلا مثل القناة، ولما كان من شأن القناة الاستمرار على الجري حسن أن يجعل حالا عن الوادي، ويجوز فيه المصدر، أي: سيلان القناة، ويجوز فيه التمييز أي: قدر قناة، وأرى في هذا الوجه الذهاب إلى الرمح في القناة أتم وأبلغ من الذهاب إلى القناة التي تحفر؛ لأن من حق التمييز بيان الشيء المشتبه أو المقدار المشتبه، والتمييز في هذا الموضع بالقناة التي تحفر لا يقع موقع التمييز بالرمح؛ لأن القنى تختلف مقاديرها بحسب اختلاف منابعها وموادها، فتتفاوت تفاوتا بينا، ثم إن الأشبه في السيل أن تقدر بالرمح، وقلما بلغت القنى في كثرة مائها مبلغ السيول؛ وإذا اعتبرنا هذا المعنى فالتمييز فيه أوجه من الحال والمصدر.
وفيه: (فأقلعت) الإقلاع: الكف عن الشيء، يقال: أقلع المطر، وأقلعت الحمى أي: أفصمت، والضمير فيه للسحاب، فإنها جمع سحابة.
[4479]
ومنه حديث جابر- رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب استند
…
). الحديث في بعض نسخ المصابيح: استسند، وليس بشيء؛ وإنما هو استند، يقال: سندت إلى الشيء، واستندت إليه بمعنى.
[4480]
ومنه حديث سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه (أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله). الرجل يقال له: بشر بن راعي العير: وقيل: بسر بالسين المهملة، وهو من أشجع.
[4481]
ومنه قول أنس- رضي الله عنه في حديثه: (فركب النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة بطيئا، وكان يقطف) قطفت الدابة: إذا مشت مشيا خفيفا، وهي القطوف، وقيل: هي البطيء، وقد دل لفظ أنس:(وكانت تقطف) على أنها صفة زائدة على البطئ مغايرة له. وقوله: (بحرا) أي: واسع الجري وقد ذكرناه.
[4482]
ومنه قول جابر- رضي الله عنه في حديثه (كأنهم أغروا بي) أغري به أي: أولع به، والاسم: الغراء بالفتح والمد، وأغرت الكلب بالصيد، وأغريت بينهم، والاسم: الغراه.
وفيه: (أدى الله عن والدي أمانته): يريد دينه؛ لأنه ائتمن على أداته، قال الله تعالى {وتخونوا أماناتكم} أي: ما ائتمنتم عليه.
[4483]
ومنه حديث الآخر: (إن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه وسلم في عكة.) الحديث. العكة بالضم: يقال لمثل الشكوة فيها السمن. وأم مالك: في الصحابيات اثنتان: أم مالك البهزية، وهي التي حدثت الفينة، وأم مالك الأنصارية هي التي علمها [316] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقول في دبر كل صلاة: سبحان الله عشرا، والحمد لله عشرا، والله أكبر عشرا، وصاحبة العكة هي البهزية. وقد [
…
] البهزية ذكرت كل واحدة منهما في بابها من الكنى، فلا أدري أهي واحدة اختلف فيها لاختلاف الكنيتين، أم هما اثنتان؟
[4484]
ومنه قول أنس- رضي الله عنه في حديثه: (وترك سؤرا) سؤرا بالهمز أي: بقية، فإن قيل: كيف تستقيم هذه الروايات من صحابي واحد، ففي إحداها يقول:(وترك سؤرا)، وفي الأخرى يقول (فجعلت أنظر: هل نقص منها شيء) وفي الثالثة: (ثم أخذ ما بقى فجمعه
…
). الحديث؟
قلنا: وجه التوفيق فيهن هين بين، وهو أن نقول: إنما قال: (فترك سؤرا) باعتبار أنهم كانوا يتبادلون
منه، فما فضل منهم سماه سؤرا، وإن كان بحيث يحسب أن لم ينقص منه شيء، أو أراد بذلك ما فضل عنهم بعد أن فرغوا منه. وقيل: إنه دعا فيه بالبركة، وفي الثانية يمكن على ما وجده عليه بعد الدعاء، وعوده إلى المقدار الذي كان عليه قبل التناول، والثالثة لا التباس فيها على ما ذكرناه.
وفيه: (زهاء ثلثمائة) يقال: زهاء مائة أي: قدر مائة.
[4486]
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه: (حي على الطهور المبارك) يريد: هلم وأقبل عليه فتحت الياء لسكونها وسكون ما قبلها، والعرب تقول: حي على الثريد، وهو كفعل الأمر.
[4487]
ومنه قول أبي قتادة الأنصاري- رضي الله عنه في حديثه: (لا يلوي أحد على أحد). أي: لا يعطف عليه ولا يصرف همه إليه، بل يمشي كل واحد على حدته، من غير أن يراعي الصحبة؛ لاهتمامه بطلب الماء.
وفيه: (حتى ابهار الليل): ابهار الليل ابهيرارا أي: انتصف، ويقال: ذهب معظمه وأكثره، وابهار علينا الليل، أي: طال، والبهرة بالضم: وسط الليل، وكذلك بهرة الوادي.
وفيه: (فتكابوا عليه) أي: ازدحموا على الميضأة مكبا بعضهم على بعض.
وفيه (أحسنوا الملأ) الملأ: الخلق، يقال: ما أحسن ملأ بني فلان أي: عشرتهم وأخلاقهم، وفي
الحديث: (أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين ضربوا الأعرابي الذي بال في المسجد): (أحسنوا أملاءكم) أي: أخلاقكم.
وفيه (فأتى الناس جامين). أي: مستريحين قد ذهب عنهم إعياؤهم، من الجمام بالفتح وهو الراحة، وأكثر ما يستعمل ذلك في الفرس. و (رواء) بالكسر، جمع (راو)، وهو الذي روي من الماء.
[4491]
ومنه قول أبي حميد الساعدي- رضي الله عنه في حديثه: حتى ألقته بجبلي طيئ). جبلا طيئ أحدهما: سلمى والآخر أجأ، على (فعل) بالتحريك، وهما بأرض نجد. ووادي القرى لا يعرب الياء من الوادي؛ فإن الكلمتين جعلتا اسما واحدا.
[4492]
ومنه حديث أبي ذر- رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط).
قلت: كنت أرى هذا الحديث مشكلا جدا؛ لأن تسمية القيراط لم تكن مختصة بأرض مصر؛ بل شاركهم فيها البدو والحضر من بلاد العرب، وقد تكلم فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم[317] في عدة أحاديث، منها قوله:(من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين). ومنها حديثه الآخر: (من اقتنى كلبا ليس بكلب ضار ولا ماشية إلا نقص من عمله كل يوم قيراطان) ومنها حديثه الآخر: (كنت أرعى لأهل مكة على قراريط) ولم أجد أحدا ممن يتعنى بتناول أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تعرض لذكره في المشكلات، فضلا عن كشف الغطاء، حتى وحدت أبا جعفر الطحاوي- شكر الله سعيه- قد ذكر في كتابه الموسوم بمشكل الآثار- أن الإشارة بذلك وقعت إلى كلمة عور استعملها المصريون في المسابة وإسماع المكروه، فيقولون: أعطيت فلانا قراريط أي: أسمعته المكروه، ويقولون: اذهب لا أعطيك قراريطك أي: سبابك. ومع اطمئنان قلبي إلى تأويل الطحاوي؛ لكونه من جلدة المصريين وهو أعلم بلهجة أهل بلدته، فلقد زادني وضوحا ما وقع لي من التناسب بين قوله هذا وبين التوصية بهم؛ وذلك أنه أشار إلى أن القوم في لسانهم بذاء، فأحسنوا إليهم بالصفح والعفو، ولا يحملنكم حدة لسانهم فيما يذكرون من المساوئ على الإساءة إليهم، فإن لهم ذمة ورحما.
قلت: أما الذمة فإن المراد منها الزمام الذي حصل من قبل إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله- من مارية
القبطية، فإنها كانت من أهل مصر. وأما الرحم فمن قبل أم [آجر] إسماعيل- عليهما السلام وإن كانت الرواية على الوجه الذي ذكر من التردد فإن الصهر يختص بمارية، والذمة [بآجر]. وقد وجدت في بعض الروايات:(فإن لهم قرابة وصهرا).
وفيه: (فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة، فاخرج منها). فإن ذلك راجع إلى أعلام النبوة التي كوشف بها من الغيب في وقوع الفتن بها، فأشفق على أبي ذر فأمره بالخروج منها كي لا يستضر بالمقام فيهم، وقد ظهر ذلك في آخر [ولاية عثمان] رضي الله عنه حين [عيبوا] عليه ولاية عبد الله ابن سعد بن أبي سرح أخيه من الرضاعة فكان منهم ما كان، ثم أردفت بالفتنة التي قتل فيها محمد بن أبي بكر، وهو وال عليها من قبل علي- رضي الله عنه فاختبأ حين أحس بالشر، في جوف جمار ميت فرموه بالنار.
[4493]
ومنه حديث حذيفة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (في أصحابي) أو قال: (في أمتي اثنا عشر منافقا
…
) الحديث.
قلت: صحبة النبي صلى الله عليه وسلم المعتد بها هي المقترنة بالإيمان، ولا يصح أن تطلق إلا على من صدق في إيمانه، وظهر منه أمارته، دون من أغمض عليهم بالنفاق وإضافتها إليهم لا تجوز إلا على المجاز لتشبههم بالصحابة، وتسترهم بالكلمة، وإدخالهم أنفسهم في غمارهم؛ ولهذا قال في أصحابي، ولم يقل من أصحابي، وذلك مثل قولنا: إبليس كان في الملائكة أي: في زمرتهم ولا يصح أن يقال: كان من الملائكة، فإن الله- سبحانه وتعالى يقول:{كان من الجن} وقد أسر بهذا القول إلى خاصته وذوي المنزلة من أصحابه، أمر هذه الفئة المشئومة المتلبسة لئلا [318][يقبلوا منهم الإيمان، ولا يأمنوا من قبلهم المكر والخداع، ولم يكن يخفى على المحفوظين شأنهم] لاشتهارهم بذلك في الصحابة؛ إلا أنهم كانوا لا يواجهونهم بصريح المقال أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أعلمهم بأسمائهم وذلك لأنه كان ليلة العقبة مع النبي صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة تبوك، حين هموا بقتله، ولم يكن على العقبة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمار يقود وحذيفة يسوق به، وكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نادى (أن خذوا بطن الوادي، فهو أوسع عليكم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ الثنية) فلما سمعه أولئك النتنى طمعوا في المكر به فاتبعوه متلثمين، وهم اثنا عشر رجلا فسمع رسول الله خشفة القوم من ورائه، فأمر حذيفة أن يردهم، فاستقبل حذيفة وجوه دوالهم بمحجن كان معه، فضربها ضربا فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة، فانقلبوا مسرعين على أعقابهم حتى خالطوا الناس، وأدرك حذيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لحذيفة:(هل عرفت أحدا منهم) قال: لا، فإنهم كانوا متلثمين، ولكن أعرف رواحلهم، قال:(إن الله أخبرني بأسمائهم وأسماء آباءهم، وسأخبرك بهم- إن شاء الله- عند الصباح)، فمن ثم كان الناس يراجعون حذيفة في أمر المنافقين، وقد ذكر عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر، فتاب اثنان، ومات اثنا عشر على النفاق على ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وقد اطلعت
على أسمائهم في كتب حفاظ الحديث مروية عن حذيفة، غير أني وجدت في بعضها اختلافا فلم أر أن أخاطر بديني فيما لا ضرورة لي.
والدبيلة في الأصل: الداهية، واستعمل في قرحة رديئة، ربما تصلب مادتها حتى تصير مثل الحصى والرمل، والجص [ودوق] العظام وفتات الخشب ونحوها.
وفيه: (حتى تنجم) نجم الشيء، ينجم بالضم: إذا ظهر وطلع.
[4494]
ومنه حديث جابر- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يصعد الثنية ثنية المرار) منهم من يرويه بالرفع فيجعل من الاستفهام، ومنهم من يجعله للشرط فيحرك الدال بالكسر عند الوصل، وكأن الشرط أشبه وأمثل.
وفيه: (ثم تتام الناس) يقال: تتاموا أي: جاءوا كلهم وتموا، وفي الحديث:(فتامت إليه قريش).
[4497]
ومنه حديث أنس- رضي الله عنه في البراق (فاستصعب عليه) يريد: أنه لم يمكنه من الركوب، يقال: استصعب عليه الأمر أي: صعب.
وفيه: (فما ركبك أحد أكرم على الله منه) وجدنا الرواية في أكرم بالنصب، ولعل التقدير: فما ركبك أحد كان أكرم على الله.
وفيه: (فارفض عرقا) أي فاض، وارفضاض الدمع ترششها، وكل ذاهب متفرق: مرفض.
[4499]
ومنه قول [319] يعلى بن مرة الثقفي- رضي الله عنه في حديثه: (فلما رآه البعير جرجر). الجرجرة: صوت تردد البعير في حنجرته. يقال: جرجر البعير فهو جرجار، كما يقال: ثرثر الرجل فهو ثرثار.
وفيه: (ما رأينا منه ريبا بعدك) أي: شيئا تكرهه، تقول: رابني فلان إذا رأين منه ما يريبك وتكرهه وريب المنون: حوادث الدهر.
[4500]
ومنه قول ابن عباس- رضي الله عنهما في حديثه: (فثع ثعة): ثع الرجل ثعا أي: قاء.
[4504]
ومنه حديث أبي هريرة- رضي الله عنه: (جاء ذئب إلى راعي غنم
…
) الحديث. الراعي قيل: إنه أهبان بن أوس الخزاعي، ويقال له: مكلم الذئب.
[4508]
ومنه حديث جابر- رضي الله عنه (أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية)، وفي بعض طرقه (أو برقا مسموطا) المصلية: المشوية، من قولك: من قولك: صليت اللحم إذا شويته، والمسموط: هو الذي كشط عنه شعره. والمرأة قيل: إنها زينب بنت الحارث، وهي بنت أخي بن أبي مرحب [لصفية بنت حيي]، [جاءت] بشاة مصلية وسمتها وأكثرت في الكتف والذراع؛ لما بلغها أنها أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه: (فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها).
قلت: وفي هذا اختلاف: إذا الرواية وردت بأنه أمر بقتلها فقتلت، والتوفيق بين الروايتين أنه عفا عنها في أول الأمر، فلما مات بن البراء بن معرور من الأكلة التي ابتلعها أمر بها فقتلت مكانه، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهس منها فلما أخبر بكونها ذلك في أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمت أن أنغصك طعامك، فلما أسغت ما في فيك لم أكن لأرغب بنفسي عن نفسك، وروى أن بشرا لم يقم من مكانه حتى عاد لونه مثل الطيلسان، وما طله وجعه حتى كان لا يتحول إلا ما حول.
[4509]
ومنه قول القائل في حديث سهل بن الحنظلية- رضي الله عنه: (فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم) يقال: جاءوا على بكرة أبيهم للجماعة إذا جاءوا بقضهم وقضيضهم، فلم يتخلف منهم أحد. وليس هناك بكرة في الحقيقة.