المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب العلامات بين يدي الساعة - الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي - جـ ٤

[التوربشتي]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الفتن

- ‌ باب الملاحم

- ‌ باب أشراط الساعة

- ‌ باب العلامات بين يدي الساعة

- ‌ باب نزول عيسى ابن مريم عليه السلام

- ‌ باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته

- ‌ باب لا تقوم الساعة إلى على الشرار

- ‌ باب النفخ في الصور

- ‌ باب الحشر

- ‌ باب الحساب

- ‌ باب الحوض

- ‌ باب صفة الجنة

- ‌ باب رؤية الله سبحانه

- ‌ باب صفة النار وأهلها

- ‌ باب خلق الجنة والنار

- ‌ باب بدء الخلق

- ‌ باب: فضائل سيد المرسلين

- ‌ باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته

- ‌ باب: ما ذكر من أخلاقه وشمائله

- ‌ باب: المبعث وبدء الوحي

- ‌ باب علامات النبوة

- ‌ الفصل الذي في المعراج

- ‌ الفصل الذي في المعجزات

- ‌ باب الكرامات

- ‌ مناقب قريش وذكر القبائل

- ‌ باب مناقب الصحابة

- ‌ باب مناقب أبي بكر- رضي الله عنه

- ‌ مناقب عمر- رضي الله عنه

- ‌ باب مناقب الشيخين- رضي الله عنهما

- ‌ باب مناقب عثمان- رضي الله عنه

- ‌ باب مناقب علي- رضي الله عنه

- ‌ باب مناقب العشرة

- ‌ باب مناقب أهل البيت

- ‌ باب مناقب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته

- ‌ باب جامع المناقب

- ‌ باب ذكر اليمن والشام

- ‌ باب ثواب هذه الأمة

الفصل: ‌ باب العلامات بين يدي الساعة

ومن‌

‌ باب العلامات بين يدي الساعة

(من الصحاح)

] 4092 [قوله صلى الله عليه وسلم في حديث] أبي هريرة [رضي الله عنه: (وأمر العامة: أو خويصة أحدكم). أمر العامة محتمل لوجهين:

أحدهما أ، يراد به الفتنة التي تعم الناس.

والآخر: أن يراد به الأمر الذي يكون تلقيه من قبل العامة دون خاصتهم في تأمير الأمير.

وقد بينا وجه ذلك في معنى قوله: (ألا ولا غدر اعظم من غدر أمير عامة) من باب الإمارة.

ص: 1161

(وخويصة أحدكم): الصاد منها مشددة، وهي تصغير الخاصة، والخاصة: التي أختصصته لنفسك، وفسرت الخويصة بالموت، ولو قيل هي ما يختص به الإنسان من الشواغل المقلقة في نفسه وماله وما يهتم به فله وجه، بل هو أوجه.

] 4099 [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنه: (وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كان عينه عنية طافية).

وقد ذكر وجه تسميته بالمسيح فيما مر من الكتاب وأحب الوجوه الينا أن الخير مسح عنه، فهو مسيح الضلالة كما أن الشر مسح عن مسيح الهداية صلوات الله عليه.

ص: 1162

وأما تسميته بالدجال، فلأنه خداع ملبس، والدجال الخلط، ويقال الطلى والتغطية.

ومنه البعير المدجل، أي المهنوء بالقطران. ودجلة نهر بغداد، وسميت بذلك لأنها تغطي الأرض بمائها.

وهذا المعنى قيل أيضا في الدجال، أي يغطي الرض بكثرة اتباعه، وقيل لأنه مطموس العين، من قولهم دجل الأثر: إذا عفى ودرس فلم يوجد منه شيء. وقيل دجل أي: كذب، والدجال] 179/أ [الكذاب.

قلت ولم أجد دجل أي: كذب إلا في كتب اصحاب الحديث، ولم أطلع على أصل له من اللغة العربية، فإن صح فالظاهر أنهم عبروا به عن الكذب؛ لأن الدجال أكذب الناس، فلا يستقيم إذا أن نفسر الأصل بالكلمة المستعارة منه، ويدل على ما نبهنا عليه قوله صلى الله عليه وسلم:(دجالون كذابون) فإن ذلك وارد مورد الوصف لا مورد التفسير. وأقوم الوجوه وأعرقها ما قدمناه أنه الخداع الملبس.

وقوله: (عنبة طافية) قيل: الطافية من العنب التي خرجت عن حد بنية أخواتها، وتناءت وظهرت، ومنه الطافي من السمك.

ورواه بعضهم بالهمز بعد الفاء. وقد أنكر عليه.

وقد ذكر صاحب كتاب مطالع الأنوار أن لا وجه للإنكار عليه، إذ قد روي أنه ممسموح العين ومطموس العين، وروي أنها ليست بحجراء، ولا ناتئة، وهذه صفة العين إذا سال ماؤها فتشنجت وطفيت.

قلت: وهذا الذي ذكره كلام موجه، غير أن من أنكر أنما أنكر ورود الرواية به، وقد أصاب.

قلت: وفي الأحاديث التي وردت في وصف الدجال وما يكون منه كلمات نافرة يشكل التوفيق بينها، ونحن نسأل الله التوفيق في التوفيق بينها، وسنبين كلا منها على حدته في الحديث الذي ذكر فيه أو تعلق به، ففي هذا الحديث أنها طافية على ما ذكرنا، وفي آخر: أنه جاحظ العين كأنه كوكب، وفي آخر أنها ليست بناتئة ولا حجراء، والسبيل في التوفيق بينها أ، نقول: أنما أختلف الوصفان بحسب اختلاف العينين، ويؤيد ذلك ما في حديث ابن عمر هذا أنه أعور عين اليسرى، ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها

ص: 1163

أن إحدى عينيه ذاهبة، والأخرى معيبة فيصح أن يقال لكل واحدة عوراء، لأن الأصل في العور أنه العيب، هذا وليس بمستبعد أن يكون سمع بعض الرواة قد أخطا في اليمنى واليسرى، فإنهم ليسوا بمعصومين عن الخطأ.

وهذا قول لا يمكنه المحدث من فرضة سمعه، ونحن نرى نفي الإحالة عن كلام من تكفل الله له بالعصمة أحق وأولى من الذب عمن لا يلزمنا القول بعصمته، بل لا نرى له العصمة. وقلما يسلم الإنسان من سهو أو نسيان والقلم عن عثرة وطغيان.

] 4102 [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه: (ظفرة غليظة)

قال الأصمعي: الظفرة: لحمة تنبت عند المآقي من كثرة البكاء أو الماء وانشد:

بعينها من البكاء ظفرة

حل ابنها في السجن وسط الكفرة

وقال آخرون: الظفرة بالتحريك: جليدة تغشي العين ناتئة من الجانب الذي علي الأنف على بياض العين إلى سوادها.

] 4103] [179/ب [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة أيضا: (جفال الشعر)، الجفال بالضم: الصوف الكثير، تقول العرب قالت الضائنة: أولد رخالا واجز جفالا وأحلب كثبا ثقالا، ولم ترى مثلي مالا. ومعنى جفال الشعر أي: كثيرة.

] 4104 [ومنه حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال فقال: إن يخرج وأنا فيكم فانا حجيجه دونكم) أي: أحاجه وأخاصمه بالحجة. والتحاج: التخاصم. يقال حججته حجا فهو حجيج: إذا سبرت شجته بالميل لتعالجه (إلا فامرؤ حجيج نفسه) أي يحاجه ويحاوره.

فإن قيل: أوليس قد ثبت في أحاديث الدجال أنه يخرج بعد خروج المهدي، وأن عيسى يقتله إلى غير

ص: 1164

ذلك من الوقائع الدالة أنه لا يخرج ونبي الله بين أظهرهم، بل لا تراه القرون الأولى من هذه الأمة، فما وجه قوله:(إن يخرج وأنا فيكم؟).

قلنا انما سلك هذا المسلك من التورية لإبقاء الخوف على المكلفين من فتنته، واللجأ إلى الله من شره، لينالوا بذلك الفضل من الله ويتحققوا بالشح على دينهم.

وفيه: (أنه شاب قطط) قطط أي: شديد الجعودة.

وفيه (أنه خارج من خلة بين الشام والعراق) يريد من سبيل بينهما، وإنما قيل له خلة؟ لأن السبيل خل ما بين البلدين، أي آخذ مخيط ما بينهما. يقال: خطت اليوم خيطة، أي: سرت سيرة ويقال: للطريق في الرمل: الخل، ويذكر ويؤنث.

وفيه (فعاث يمينا وعاث شمالا) عثا في الأرض فهو عاث، أي أفسد و، أي أفسد ونما قال:(يمينا وشمالا) إشارة إلى أنه لا يكتفي بالإفساد فيما يطؤه من البلاد، ويتوجه إليه من الأغوار والأنجاد، بل يبعث سراياه يمينا وشمالا، فلا يأمن من شره مؤمن، ولا يخلو من فتنته موطن.

وفيه (قلنا: يا رسول الله: وما لبثه في الأرض) إلى تمام السؤال والجواب، يشكل من هذا الفصل قوله صلى الله عليه وسلم (يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة) مع قوله:(وسائر ايامه كأيامكم).

ولا سبيل إلى تأويل امتداد تلك الأيام على أنها وصفت بالطول والامتداد لما فيها من شدة البلاء وتفاقم البأساء والضراء؛ لأنهم قالوا: (يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة، أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا

) الحديث.

فنقول: وبالله التوفيق ومنه المعونة-: قد تبين لنا بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الدجال يبعث معه من الشبهات، ويقيد على يديه من التمويهات ما يسلب عن ذوي العقول عقولهم، ويخطف من اولي الأبصار ابصارهم، فمن ذلك تسخير الشياطين له، ومجيئه بجنة ونار وحشره ناس من الناس، وإحياء الميت على حسب ما يدعيه، وتقسويته على من يريد إضلاله تارة بالمطر والعشب، وتارة بالأزمة والجدب، ثم لا خفاء بأنه أسحر الناس، فلم يستقم لنا تأويل هذا القول إلا بأن نقول: إنه يأخذ بأسماع الناس وأبصارهم، حتى

ص: 1165

يخيل إليهم أن الزمان قد أستمر على حاله] 180/أ [واحدة، إسفار بلا إظلام، وصباح بلا مساء، يحسبن أن الليل لا يمد عليهم رواقه، وأن الشمس لا تطوي عنهم ضياءها، فيقعون في حيرة والتباس من امتداد الزمان، ويدخل عليهم الدواخل باختفاء الآيات الظاهرة في الليل والنهار، فأمرهم أن يجتهدوا عند مصادفة تلك الأحوال، ويقدروا لوقت كل صلاة قدره، غلى أن يكشف الله عنهم تلك الغمة.

هذا الذي اهتدينا غليه من التأويل، والله الموفق لإصابة الحق.

وفيه: (فيروح عليهم سارحتهم). السارحة: المال السائم، تقول: سرحتها سرحا، وسرحت هي بنفسها سروحا، يتعدى ولا يتعدى.

وفيه: (فيصبحون ممحلين) أمحل القوم: أصابهم المحل، وهو انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ.

وفيه: (فيتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) اليعسوب: ملك النحل، ومنه قيل للسيد: يعسوب قومه.

وفي الحديث (هذا يعسوب قريش) أي سيدها.

وفي حديث آخر: (ضرب يعسوب الدين بذنبه) قال الأصمعي: أي: رئيس لدين وسيده، إذا فارق أهل الفتنة، وضرب في الأرض ذاهبا.

قلت: وإنما ضرب المثل باليعاسيب، لأنها إذا خرجت من كورها تبعها النحل بأجمعها.

وفيه: (فيقطعه جزلتين رمية الغرض) جزلتين أي: قطعتين، يقال: ضرب الصيد فقطعه جزلتين، ويقال: جاء زمن الجزال، أي: زمن صرام النخل، والجزلة والجزال بكسر الجيم فيهما، وأراد برمية الغرض إما سرعة نفوذ السيف فيه، وإما إصابته المحز، وقيل: هو أن تجعل بين الجزلتين رمية الغرض.

وفيه: (بين مهرودتين) هذا الحرف يروى بالدال والذال، ومعنى بين شقتين أو حلتين من قولهم: هردت الثوب أي: شققته، وهو مثل ما غير هذا الحديث (بين ممصرتين)، والممصرة من الثياب: التي فيها صفرة خفيفة.

وقد ذهب القتيبي إلى أن الصواب فيه (مهروتين) أي: صفراوين، يقال: هريت العمامة: إذا لبستها صفرا كأنه اختار ذلك لمكان الممصرتين.

وقد ذكر الهروى اختلاف أصحاب الغريب في مأخذ هذه الكلمة واشتقاقها فتركنا ذكر استيعاب ذلك اكتفاء بما أشرنا إليه.

ص: 1166

وفيه: (فيقتله بباب لد) لد جبل الشام، وقيل: إن في كتب أهل الكتاب أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال بجبل الزيتون، فلعل لدا هو جبل الزيتون، اختلفا في التسمية والمسمى واحد، وإن كان أحدهما غير الآخر، فالعبرة بما في الحديث فإنه حديث صحيح، وليس هذا بأول قول حرفوه.

وفيه: (لا يدان بقتالهم) أي: لا طاقة، عبروا بالقوة عن اليد ثم ثنوا ليكون أبلغ في المعنى.

وفيه: (فحرز عبادي إلى الطور) أي: ضمهم إليه، وزعم بعضهم أنه جوز، وصححه بعض أهل العلم.

وزعم بعضهم (فحذر).

وفيه: (حتى ينتهوا إلى جبل الخمر). الخمر -بفتح الخاء والميم- هو الشجر الملتف (حتى يكون] 180/ب [رأس الثور)، اي: تبلغ الفاقة بهم إلى هذا الحد، وإنما ذكر رأس الثور ليقاس البقية عليه في القيمة.

وذهب بعضهم إلى أنه أراد براس الثور نفسه، أي: تبلغ قيمة الثور إلى ما فوق المائة؛ لاحتياجهم إليه في الزراعة، ولم يصب؛ لن رأس الثور قلما يراد به عند الإطلاق نفسه، بل يقال رأس] الثور [أو رأس من الثور، ثم إن في الحديث (أن نبي الله ومن معه يحصرون) وما للمحصور والزراعة لا سيما على الطور.

وفيه: (فيرسل الله النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى).

النغف: دود يكون في انوف الإبل والغنم. وفرسى: جمع فريس كقتيل وقتلى، من فلرس الذئب، الشاة إذا كسرها وقتلها، ومنه فريسة السد، يريد أن القهر الإلهي الغالب على كل شيء يفرسهم دفعة واحدة، فيصبحون قتلى.

وقد نبه بالكلمتين، أعني النغف وفرسى على أنه -سبحانه- يهلكهم في أدنى ساعة بأهون شيء، وهو النغف فيفرسهم فرس السبع فريسة بعد أن طارت نعرة البغي في رؤوسهم، فزعموا أنهم قاتلوا من في السماء.

ص: 1167

وفيه: (إلا ملأه زهمهم) الزهم -بالتحريك- مصدر قولك زهمت يدي -بالكسر- من الزهومة فهي، زهمة أي دسمة، وعليه أكثر الروايات فيما أعلم.

وفيه من طريق المعنى وهن، وضم الزاي مع فتح الهاء أصح معنى، وهو جمع زهمة وهي الريح المنتنة.

وفيه: (فيتركها كالزلفة) الزلفة -بالتحريك- المصنعة الممتلئة، والجمع زلف.

وفيه: (فيستظلون بقحفها). القحف في الأصل: العظم المستدير فوق الدماغ، وهو أيضا إناء من خشب على مثاله، كأنه نصف قدح، واستعير ها هنا لما يلي رأسها من القشر.

وفيه: (ليكفي الفثام) الفثام: الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه، وهو مهموز. والعامة تقول الفيام، بغير همز.

وفيه: (ليكفي الفخذ). الفخذ في العشائر: أقل من البطن وأولها الشعب، ثم القبيلة ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن ثم الفخذ.

وفيه: (يتهارجون فيها). الأصل في الهرج القتل، وسرعة عدو الفرس، وهرج في حديثه اي: خلط.

ومعنى يتهارجون اي: يختلطون ويتفاسدون ويتسافدون.

يقال: بات فلان يهرجها أي: ينكحها، فإن قيل أوليس في هذه الأشياء الخارقة للعادة التي فوردت في هذا الحديث وغيره من أحاديث الدجال، وظهورها على يديه، مضلة للعقول ومدعاة إلى اتباع الباطل، واخلال بما أعطى الله أنبيائه من المعجزات؟ فالجواب] 181/أ [أن الملعون إنما ترك وذلك، لأن في نفس القضية ما يردع المتبصر عن الالتفات إليها، فضلا عن قبولها، ثم انه لا يدعي النبوة، بل يدعي الربوبية، وهذا مما لا مساغ له في العقول، ولا موقع له من القلوب؛ لقيام دلائل الحدث في نفس المدعي، مع أنه لم يترك ودعواه حتى الزم النقض الذي لا ينفك عنه، ولا يخفى على الناظر مكانه، وهو العور الذي به

ص: 1168

وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه؛ تعلمون أنه أعور

) الحديث.

ويحتما أن أحدا من الأنبياء لم يكاشف، أو لم يخبر بأنه أعور.

ويحتمل أنه أخبر، ولم يقدر له أن يخبر عنه كرامة لنبينا صلى الله عليه وسلم حتى يكون هو الذي يبين بهذا الوصف دحوض حجته الداحضة، ويبصر بأهله جهال العوام، فضلا عن ذوي اللباب والأفهام.

] 4105 [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (فتلقاه المسالح مسالح الدجال).

المسالح: جمع مسلحة، وهم قوم ذوو سلاح، وقد مر تفسيرها.

وفيه: (فيوشر بالميشار). يقال: وشرت الخشبة بالميشار، وهو غير مهموز، وفي معناه: نشرت الخشبة بالمنشار بالنون، وفي هذا الحديث بالياء لا غير، يدل عليه قوله: فيوشر.

ص: 1169

[4111]

ومنه حديث فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية- رضي الله عنها (سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة

) الحديث.

الصلاة جامعة: أي احضروا الصلاة، وجامعة حال عنها.

ووجه الرواية بالرفع أن نقدر: هذه، أي: هذه الصلاة جامعة، ويجوز أن تنتصب جامعة على حال، ولما كان هذا القول للدعاء إليها والحث عليها كان النصب أجود، واشبه بالمعنى المراد منه.

وفيه: (فأرفثوا الى جزيرة) قال الأصمعي: أرفأت السفينة أرفثها ارفاء أي: قربتها من الشط، وبعضهم يقول: أرفينا بالياء على الإبدال، وهذا مرفأ السفن أي الموضع الذي يشد اليه ويوقف عنده.

وفيه: (فجلسوا في أقرب السفينة) أقرب بضم الراء، جمع قارب، وهو سفينة صغيرة يكون مع أصحاب السفن البحرية يستخف لحوائجهم. والقارب منه بفتح الراء ويكسر، والفتح أكثر واشهر.

وفيه: (دابة اهلب).

قلت: قوله: (كثير الشعر) يقع موقع التفسير لأهلب، والهلبة: ما غلظ من شعر الذنب، والأهلب الفرس الكبير الهلب.

ص: 1170

وفيه: (وهو إلى خبركم بالأشواق). أي: شديد نزاع النفس إلى ما عندكم من الخبر، حتى كأن الأشواق ملصقة به، أو كانه مهتم بها.

وفيه: (قد قدرتم على خبرى). يريد أني أخبركم بخبري فلا أحه عنكم.

وفيه: (فأخبروني عن نخل بيسان). بيسان بالباء المفتوحة: قرية من قرى الشام.

وفيه: (عين زغر) زغر: على زنة] 181/ب [زفر بالزاي والغين المنقوطتين وهي أيضا بالشام.

زفيه: (إن ذلك خير لهم أن يطيعوه). فإن قيل: يشبه هذا القول قول من عرف الحق؟ والمخذول من البعد من الله بمكان لم ير له فيه مساهم. فما وجه قوله هذا؟

قلنا: يحتمل أنه أراد به الخير في الدنيا، أي: طاعتهم له خير لهم، فإنهم إن خالفوه اجتاحهم واستأصلهم.

ويحتمل أنه من باب الصرفة، صرفة الله عن الطعن فيه والنكير عليه وتفوه بما ذكر عنه كالمغلوب عليه والمأخوذ عنه لم يستطع أن يتكلم بغيره تأييدا لنبيه صلى الله عليه وسلم والفضل ما شهدت به الأعداء.

وفيه: (بيده السيف صلتا). أي: مصلتا مجردا من غمده، يقال: أصلت سيفه أي: جرده م غمده وضربه بالسيف صلتا وصلتا، أي: ضربه وهو مصلت.

ص: 1171

وفيه: (فطعن بمخصرته في المنبر). المخصرة كالسوط، وكل ما أختصر الإنسان بيده فأكمه من عصا ونحوها فهو مخصرة.

قال الشاعر:

إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر

وفيه: (هذه طيبة). طيبة وطابة من أسماء المدينة، سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة وكره أن يسمى يثرب لما فيه من التثريب، فلما وافق هذا القول ما كان حدثهم بع أعجبه ذلك وسر به.

وفيه: (ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو).

قلت: لما حدثهم بقول تميم الداري لم ير أن يبين موطنه ومحبسه كل التبيين؛ لما رأى في الالتباس من المصلحة، فرد الأمر فيه إلى التردد بين كونه في بحر الشام أو بحر اليمن، ولم تكن العرب يومئذ تسافر إلا في هذين البحرين.

ويحتمل أنه أراد ببحر الشام: ما يلي الجانب الشامي، وببحر اليمن ما يلي الجانب اليماني، والبحر بحر واحد وهو الممتد على أحد جوانب جزيرة العرب، ثم أضرب عن القولين مع حصول اليقين في أحدهما فقال:(لا بل من قبل المشرق ما هو).

وذكر جمع من أصحاب المعاني أن (ما) ها هنا زائدة وهو حسن.

ويحتمل أن تكون خبرا، أي: ما هو عليه، أو ما هو فيه، أو ما هو يخرج منه. وفي كتب أهل اللغة في ذكر ابن قترة: حية خبيثة الى الصغر ما هي.

ومن مصطلح الأطباء في ذكر طباع العقاقير، ووصف طعم الأدوية: إلى الحرارة ما هو، إلى اليبوسة ما هو، إلى العفوصة ما هو. أي الذي عليه طبعه وطعمه كذا، أي أمر ظهوره من قبل المشرق.

] 4112 [ومنه حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رأيتني الليلة عند الكعبة) الحديث.

ص: 1172

فإن قيل: على ماذا يؤول طواف الدجال بالبيت مع بعده من مواقف الطاعة وكونه مستمرا على الطغيان؟

قلنا: هذه رؤيا أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكوشف فيها بأن عيسى عليه السلام ينزل ملتبسا بما وصفه به من الحسن والبهاء والنظافة مشاكلا صورته معناه، وهو متكئ على ما أيد به من العصمة] 182/أ [والتأييد، فيطوف حول الدين لإقامة الأود ولم الشعث وإصلاح الفساد، والدجال يبعث ناقص الخلقة، معوج البنية، على صورة كريهة، تزدريها الأعين، وتنكرها القلوب، مشاكلة للمعنى الذي هو عليه وهو متكئ على ما أملي له فيه من اللبس والتمويه، فيدور حول الدين ليحدث فيه الثلمة ويبغي له العوج، على هذا، ونحو ذلك نؤوله.

(ومن الحسان)

] 4114 [قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن صامت رضي الله عنه (رجل قصير أفحج). -الأفحج بتقديم الحاء: هو الذي يتدانى صدور قدميه، ويتباعد عقباه وينفحج ساقاه، وبخلافه الأروح.

ص: 1173

[4119]

ومنه حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الدجال من أمتي سبعون الفا عليهم السيجان).

الساج: الطليان الأخضر، والجمع سيجان، وفي حديث أنس:(عليهم الطيالسة) ولولا حديث أبي سعيد هذا لكان لقائل أن يقول في حديث أنس المراد منه، الأطمار والأسحاق، ولكنه يمنع عن هذا التأويل، اللهم إلا أن يكون بعض الرواة روى حديث أبي سعيد بالمعنى؛ فجعل السيجان مكان الطيالسة، والنبي صلى الله عليه وسلم نبه بهذا القول على كثرة سوادهم.

قلت: ويحتمل أنه عبر بأصفهان عنها وعما كان منضما إليها من البلاد في ذلك الوقت. وقد كانت تنزل من بلاد الفرس منزلة الرأس من الجسد.

ومنه: قول أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها في حديثها:

] 4120 [(فأخذ بلجفتي الباب) أريد بهما العضادتان، وقد فسر بجانبيه، ومنه ألجاف البئر، أي:

ص: 1174

جوانبها، وفي كتاب المصابيح، بلجمتي الباب، وليس بشيء، ولم يعرف ذلك من كتب أصحاب الحديث إلا على ما ذكرناه.

ومن باب قصة ابن صياد هو الدجال

(من الصحاح)

] 4121 [قول ابن الصياد في حديث عمر رضي الله عنه: (أشهد انك رسول الأميين قد كثرت الوجوه في الأمي، وأشبهها أن الأمي منسوب الى أمة العرب؛ لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرءون من بين الأمم.

قال الله-تعالى-: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} أي: بعث رجلا أميا في قوم أميين، وهذا الذي قاله وإن كان يشبه الصحيح من القول فإن فيه دغلا، وذلك أن قوما من اليهود كانوا إذا أعجزهم الطعن في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم زعموا أنه إن يكون نبيا فإنه لم يبعث إلى الكافة، وإنما بعث إلى بني إسماعيل، وهذه كلمة ألقاها إليه شيطانه الذي كان يأتيه بالأنباء إلقاء ذوي الخطفة إلى الكهان ليثير منه شرا وينشئ عنه شكا، والقصد فيه التعريض بأنك أرسلت] 182/ب [إليهم فحسب.

وفيه: (فرصة). رصه أي: ضم بعضه إلى بعض، والمراد منه العصر والتضييق.

وقد رواه بعضهم بالضاد المعجمة، وهو تصحيف.

وفيه: (أني خبأت لك خبيئا). يريد إني أضمرت لك مضمرا لتخبرني به، فقال: هو الدخ.

ص: 1175

الدخ بالضم لغة في الدخان، وقد ذكر بعض الشارحين فيه الفتح، ولم أعرفه من كلامهم، وهو من باب المضاعف.

قال الشاعر:

عند رواق البيت يغشى الدخا

وقد ذكر بعضهم أن إضماره الدخان كان لما في الحديث أن الدجال يقتله عيسى بجبل الدخان، وفي هذا الحديث أنه خبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين، فإن كان ذلك من قول عمر رضي الله عنه وهو الراوي للحديث فلا معدل عنه، وإن كان من قول بعض الرواة أدرج في الحديث] فالحديث [محتمل للقولين.

وفيه: (أخسأ فلن تعدو قدرك). أخسأ: كلمة زجر وإستهانة، أي: أسكت صاغرا مزجورا، فإنك وإن أخبرت عن الخبيء فلست تستطيع أن تتجاوز عن الحد الذي حد لك، يريد أن الكهانة لا ترفع بصاحبها، عن القدر الذي هو عليه وإن أصاب في كهانته.

منه: (فإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله). إنما قال ذلك لأنه كان من الولدان وقد منع عن قتلهم، ثم إن اليهود كانوا يومئذ مصالحين متمسكين بالذمة، فلم يكن ذمته لينقض بقوله الذي قاله؛ لنه كان صبيا.

وفيه: (وهو يختل) أي: يرتاد مغاقصته. يروم غرته من غير لا يشعر.

وفيه: (له فيها زمزمة). زمزمة اي: صوت، وهيفي الأصل صوت الرعد، ويقال لكلام المجوس عند الأكل: زمزمة. ورواه بعضهم بالراء المهملة، وهو تصحيف.

] 4122 [ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: (لبس عليه؛ فدعوه). أي: خلط عليه الأمر في كهانته فدعوه فإنه لا يحدث بشيء يصلح أن يعول عليه.

ص: 1176

[4123]

ومنه] قول ابن الصياد [في حديث أبي سعيد أيضا (درمكة بيضاء) الأصل في الدرمك: دقيق الحواري.

] 4126 [ومنه قول ابن عمر رضي الله عنهما في حديثه (لقيته وقد نفرت عينه).

نفرت أي: ورمت. وفي حديث غزوان أنه لطم عينه فنفرت.

وفي حديث عمر رضي الله عنه أن رجلا تخلل بالقصب فنفر فوه.

وذكر بعضهم أنه روي بالقاف على ما لم يسم فاعله، بمعنى استخرجت.

وذكر أيضا أنه روى بالباء والقاف، والبقر: الشق والاستخراج، والمعتد به من طريق الرواية ما قدمناه.

وقوله: (إن شاء الله خلقها في عصاك) يريد أن كون العين في رأسي لا يقتضي أن أكون منها على

ص: 1177

خبر؛ فإن الله قادر أن يخلق مثلها في عصاك، والعصا لا يكون منها على خبر] 183/أ [وكأنه أدعي بذلك الاستغراق وعدم الإحساس.

(ومن الحسان)

] 4130 [قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكر رضي الله عنه: (تنام عيناه ولا ينام قلبه). يريد بذلك تيقظ قلبه في المنام لما يلقيه إليه شيطانه. وهذا من أوصاف الكهنة، بخلاف حال الأنبياء، فإن تيقظ قلوبهم لما يرد عليهم من الوحي والإلهام.

وفيه: (ابوه طوال) الطوال بالضم الطويل، يقال طويل وطوال، فإذا أفرط في الطول قيل: طوال بالتشديد، ووجدنا الرواية فيه بالتخفيف.

وفيه: (وأمه امرأة فرضاخية) الفاء منها مكسورة، والياء مشددة، والمعنى ضخمة عظيمة، كذا فسرها أصحاب الغريب، ولم نجد له مأخذا.

قلت: والوجه فيما ورد في أحاديث ابن صياد من الاختلاف والتضاد أن نقول، أن النبي صلى الله عليه وسلم حسب ذلك في اول الأمر قبل التحقق بخبر المسيح الكذاب، فلما أخبر بما أخبر به من شأنه وقصته في حديث تميم الداري، ووافق ذلك ما عنده استبان له أن ابن الصياد ليس بالذي توهمه.

ص: 1178