المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ: ــ كتاب الصلاة جمعها: صلوات، وهي في اللغة: الدعاء بخير، - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كتابُ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ: ــ كتاب الصلاة جمعها: صلوات، وهي في اللغة: الدعاء بخير،

‌كتابُ الصَّلاةِ

الْمَكْتُوبَاتُ خَمْسٌ:

ــ

كتاب الصلاة

جمعها: صلوات، وهي في اللغة: الدعاء بخير، قال الله تعالى:{وصل عليهم} أي: ادع لهم، ولتضمنها معنى التعطف عديت بـ (على). وهي من الله عز وجل: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدمي: الدعاء.

وفي الشرع: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة. ولا ترد صلاة الأخرس؛ لأن الكلام في الغالب.

وقيل: لأنها تفضي إلى المغفرة، والمغفرة تسمى صلاة، قال الله تبارك وتعالى:{أولئك عليهم صلوات من ربهم} أي: مغفرة.

والأصل في وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {وأقيموا الصلوة} أي: حافظوا عليها. وقوله تعالى: {إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبًا موقوتًا} أي: محتمة مؤقتة.

وتجب بأول الوقت وجوبًا موسعًا إلى أن لا يبقى ما يسعها كلها، فإذا أراد تأخيرها إلى أثناء الوقت .. لزمه العزم على فعلها في أصح الوجهين، ويجريان في كل واجب موسع.

قال: (المكتوبات خمس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات

ص: 7

الظُّهْرُ، وَأَوَّلُ وَقْتِهِ: زَوَالُ الشَّمْسِ،

ــ

كتبهن الله على عباده)، قال السائل: هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع) رواه الشيخان [خ46 - م11].

وفيهما في حديث الإسراء: (هن خمس، وهن خمسون).

وفيهما في حديث معاذ: (وأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة).

وقال تعالى: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (39) ومن الليل فسبحه} الآية.

فقبل طلوع الشمس: صلاة الفجر، وقبل الغروب: الظهر والعصر، ومن الليل: المغرب والعشاء، والإجماع منعقد على ذلك.

وكان قيام الليل واجبًا في أول الإسلام ثم نسخ عن الأمة، وكذا عنه صلى الله عليه وسلم على الأصح.

وبدأ بالمكتوبات؛ لأنها أهم وأفضل. ومراده: المفروضات العينية؛ لتخرج صلاة الجنازة، لكن الجمعة من المفروضات العينية ولم تدخل في كلامه، إلا إذا قلنا: إنها بدل عن الظهر.

وكان فرض الخمس ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة، وقيل: بستة عشر شهرًا.

قال: (الظهر) أي: صلاة الظهر. وبدأ بها؛ لأنها أول صلاة ظهرت، أو لأن الله تعالى بدأ بها في قوله:{أقم الصلاة لدلوك الشمس} .

وهي أول صلاة علمها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك بدأ الشافعي بها في الجديد، وبدأ في التقديم بالصبح؛ لأنها أول النهار.

وقيل: سميت ظهرًا؛ لأنها تفعل وقت الظهيرة، وقيل: لأنها ظاهرة وقت الزوال.

قال: (وأول وقته: زوال الشمس) بالإجماع. وزوال: ميلها عن كبد السماء،

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويعرف ذلك بطول الظل بعدما تناهى قصره، والمراد بذلك: فيما يظهر لنا لا ما في نفس الأمر.

والأصل في المواقيت ما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله، مثله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد .. صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي وقال: يا محمد؛ هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين) رواه أبو داوود [396]، وحسنه الترمذي [149]، وصححه ابن خزيمة [325] والحاكم [1/ 193].

و (الشمس) تجمع على شموس، كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمسًا- كما قالوا للمفرق: مفارق- وهي في السماء الرابعة، وهي أفضل من القمر.

ص: 9

وَآخِرُهُ: مَصِيرُ ظِلِّ [الشَّيْءِ] مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ، وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ،

ــ

قال الإمام فخر الدين: وهي تقطع في خطوة الفرس في شدة عدوها عشرة آلاف فرسخ.

قال: (وآخره: مصير ظل [الشيء] مثله)؛ لحديث جبريل عليه السلام.

و (الظل) أصله: الستر- ومنه: أنا في ظل فلان، ومنه: ظل الجنة. وظل الليل: سواده- وهو يشمل ما قبل الزوال وما بعده. والفيء مختص بما بعد الزوال.

فائدة:

سئل الشيخ- عن الرجل هو آخر أهل الجنة دخولًا إذا تراءت له شجرة يقول: (يا رب؛ أدنين من هذه الشجرة لأستظل بظلها

) الحديث: من أي شيء يستظل والشمس قد كورت؟

فأجاب بقوله تعالى: {وظل ممدود} ، وبقوله تعالى:{هم وأزواجهم في ظلل على الأرائك} ، وبـ (أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها

) الحديث. ولا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل والاستظلال، وإنما الناس ألفوا أن الظل ما تنسخه الشمس، وربما في أذهانهم أن الظل عدم الشمس، وليس كذلك بل الظل مخلوق لله تعالى، وليس بعدم بل هو أمر وجودي له نفع بإذن الله تعالى في الأبدان وغيرها، فذلك الخيال يحصل من تلك الشجرة التي يراها ذلك الرجل، وليس هو في مكانه الذي يكون فيه ذلك الوقت، فيطلبه؛ ليحصل له به روح وراحة.

قال: (سوا ظل استواء الشمس)، وهو: الظل الذي يكون للشخص قبيل الزوال غالبًا، وذلك يكثر في قصر النهار ويقل في طوله، ويختلف باختلاف الأماكن، وفي بعضها لا يكون أصلاً كمكة وصنعاء اليمن في يوم واحد وهو أطول أيام السنة.

قال: (وهو أول وقت العصر)؛ لحديث جبريل عليه السلام.

ص: 10

وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ، وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ لَا تْؤَخَّرَ عَنْ مَصِيرِ الظِّلِّ مِثْلَيْنِ. وَالْمَغَرِبُ: بِالْغُرُوبِ،

ــ

وقال الشيخان: إنه لا خلاف في دخول وقت العصر حين يخرج وقت الظهر عندنا، لكن خروج وقت الظهر لا يكاد يعرف إلا بتلك الزيادة. ونفيهما الخلاف عجيب، ففي الزيادة المذكورة ثلاثة أوجه في (شرح المهذب) و (الكفاية):

أحدها: هذا.

والثاني: أنها من وقت الظهر.

والثالث: فاصلة بينهما.

قال: (ويبقى حتى تغرب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن [عمرو]: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول) رواه مسلم [612/ 174]، ورواه ابن أبي شيبة [1/ 353] بلفظ:(وقت العصر ما لم تغرب الشمس).

وقال الإصطخري: يخرج بخروج وقت الاختيار، وكذلك قال في العشاء والصبح؛ وقوفًا مع بيان جبريل عليه السلام. وأجيب بحمله على بيان وقت الاختيار.

فيجتمع للعصر خمسة أوقات: فضيلة، واختيار، وجواز بلا كراهة وهو من مصير الظل مثلين إلى الاصفرار، ووقت كراهة وهو وقت الاصفرار، ووقت تحريم وهو أن يؤخرها إلى ما لا يسعها، فإن الصحيح تحريمه وإن جعلنا الصلاة فيه أداء، وهو مطرد في كل الأوقات.

قال: (والاختيار .. ألا تؤخر عن مصير الظل مثلين)؛ لبيان جبريل عليه السلام. وسمي اختيارًا لما فيه من الرجحان، وقيل: لاختيار جبريل إياه.

وعلم من هذا: أن جميع وقت الظهر وقت اختيار وهو كذلك.

قال: (والمغرب: بالغروب) بالنص والإجماع.

والمرد: غروب جميع القصر؛ لما روى أبو داوود [420] عن سلمة بن الأكوع

ص: 11

وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ: يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ وُضُوءٍ، وَسَتْرِ عَوْرَةٍ، وَأَذَانٍ، وَإِقَامَةٍ، وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ

ــ

قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها)، وهو ظاهر في الصحارى.

ولا يضر بعد الغروب بقاء شعاع، خلافًا للماوردي؛ فإنه شرط سقوطه بعد غيبوبة حاجب الشمس، وهو الضوء المستعلي عليها كالمتصل بها. والإجماع منعقد على خلاف دعواه.

قال: (ويبقى حتى يغيب الشفق الأحمر في القديم)؛ لما روى مسلم [612/ 173] من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي: (وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق).

واحترز بـ (الأحمر) عن الأصفر والأبيض.

ولم يذكر في (المحرر) هذا القيد؛ لأن المعروف في اللغة: أنه الحمرة كما ذكره الجوهري وغيره.

قال: (وفي الجديد: ينقضي بمضي قدر وضوء، وستر عورة، وأذان، وإقامة، وخمس ركعات)؛ لأن جبريل عليه السلام صلاها في اليومين في أول الوقت، كذا استدل به الأصحاب.

ورد بأن جبريل عليه السلام إنما بين الوقت المختار وهو المسمى بوقت الفضيلة، وأما الوقت جائز وهو محل النزاع .. فليس فيه تعرض له وإنما استثنى مقدار هذه الأمور؛ للضرورة.

ص: 12

وَلَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِ وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ .. جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

والمراد بـ (الخمس): المغرب وسنتها، وأن تكون الركعات وسطًا معتدلة بلا إطالة.

واعتبر القفال في كل إنسان فعل نفسه المعتاد.

وقيل: وركعتان قبلها أيضًا، قاله الإمام.

وكان ينبغي للمصنف أن يرجح هذا؛ لأنه صحح في الكتاب استحباب ركعتين قبل المغرب.

واستحب أبو بكر البيضاوي أربعًا بعدها. فيعتبر على هذا: تسع.

وقيل: يكفي بقدر ثلاث فقط.

ويعتبر أيضًا: قدر أكل لقم يكسر بها الجوع، كذا في (الروضة) و (الشرح)، وفي شرحي (المهذب) و (الوسيط): أن الصواب على هذا القول: أنه يتناول كفايته من الطعام.

والمتجه: اعتبار زمن الاجتهاد للقبلة؛ لأنه من شروط الصلاة كالطهارة والستر.

وتعبيره بـ (القدر) يفهم منه: أنه لا فرق بين أن يحتاج إلى ذلك أم لا، والحكم كذلك، لكن لو عبر بالطهارة ولبس الثياب .. كان أعم ليشمل طهارة الحدث الأكبر والأصغر، والتيمم، واستحباب التعمم والتقمص والارتداء.

فإن قيل: الجمع بين المغرب والعشاء تقديمًا جائز، ومن شرط صحة الجمع أن يقع أداء الصلاتين في وقت أحداهما، وذلك يدل على سعة وقت المغرب.

فالجواب: أن الصلاتين حالة الجمع كالصلاة الواحدة، وسيأتي: أن المغرب يجوز استدامتها.

قال: (ولو شرع في الوقت ومد حتى غاب الشفق .. حاز على الصحيح)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ (الأعراف)، رواه الحاكم [1/ 237] وقال: صحيح الإسناد، وقرأها في الركعتين كلتيهما.

والثاني: لا يجوز مدها؛ لوقوع بعضها خارج الوقت.

ص: 13

قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْعِشَاءُ: بِمَغِيبِ الشَّفَقِ،

ــ

والثالث: تجوز استدامتها القدر الذي تتمادى إليه الفضيلة أول الوقت في جميع الصلوات.

ثم إذا جوزنا .. فيتجه اشتراط إيقاع ركعة في الوقت الأصلي.

فإذا شرع في الصبح أو الظهر أو غيرهما من الصلوات ومدها إلى خروج الوقت .. جاز؛ لأن الصديق رضي الله عنه طول مرة في صلاة الصبح، فقيل له: كادت الشمس أن تطلع! فقال: (لو طلعت .. لم تجدنا غافلين).

وفي كراهة ذلك وجهان، الصحيح: أنه خلاف الأولى، بل في (عمدة الفوراني) وجه: أن ذلك مستحب، وفي زوائد (الروضة) وجه: أن هذا المد حرام.

قال: (قلت: القديم أظهر والله أعلم)؛ لأن الشافعي علق القول به في (الإملاء) على صحة الحديث وقد صح.

وروى ابن حبان في (صحيحه)[1524] من حديث جابر: (أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم).

وأجيب عن حديث جبريل عليه السلام بأنه إنما بين فيه الأوقات المختارة، أو أنه متقدم؛ لأنه بمكة وهذه الأحاديث بالمدينة، وأيضًا هذه الأحاديث أقوى إسنادًا منه ورواتها أكثر، وصحح هذا القول ابن خزيمة وابن المنذر والترمذي والخطابي والبيهقي والبغوي والروياني والعجلي والغزالي في (الإحياء) وابن الصلاح والطبري وابن الفركاح والشيخ، وهو الصواب.

قال: (والعشاء: بمغيب الشفق) بالإجماع، ولحديث جبريل عليه السلام.

والمراد: المعهود وهو الأحمر؛ لما روى الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر

ص: 14

وَيَبْقَى إِلَى الْفَجْرِ، وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفِهِ.

ــ

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشفق: الحمرة، فإن غاب الشفق .. وجبت الصلاة).

وقال أبو حنيفة والمزني: هو البياض بعد الحمرة؛ لأن الصبح لما وجبت بالبياض المتقدم على الشمس .. اقتضى أن تجب العشاء بالبياض المتأخر عنها.

و (العشاء) ممدود، ويجوز أن يقال لها: العشاء الآخرة وأنكره الأصمعي، ورد عليه بما روى مسلم [444]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة أصابت بخورًا .. فلا تشهد معنا العشاء الآخرة).

وفي بلاد المشرق نواح يقصر ليلهم، فلا يغيب شفقهم فيها، فهؤلاء يصلون العشاء إذا مضى من الزمان قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم، كما أن من ليس لهم قوت .. يلزمهم إخراج زكاة الفطر من قوت أقرب البلاد إليهم.

قال: (ويبقى في الفجر) - أي: الصادق- لقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى) رواه مسلم [681]. خرجت الصبح بدليل، فيبقى على مقتضاه في غيرها.

وعند الإصطخري يخرج وقتها بنصف الليل.

قال: (والاختيار: أن لا تؤخر عن ثلث الليل)؛ لحديث جبريل عليه السلام.

وروى الترمذي [167] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه).

وهذا القول أصح عند الأكثرين وأقوى في الدليل.

ويجوز في (الثلث) ضم اللام وإسكانها.

قال: (وفي قول: نصفه)؛ لما روى الحاكم [1/ 146] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل).

وفي (صحيح مسلم)[612] عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 15

وَالصُّبْحُ: بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ

ــ

قال: (وقت العشاء إلى نصف الليل)، والمراد: وقت الاختيار لا الجواز؛ جمعًا بين الأحاديث.

وصحح هذا القول جماعة منهم المصنف في (شرح مسلم).

قال الشيخ: فلا أدري أذلك عن عمد منه، فيكون مخالفًا لما في كتبه أم لا؟ وهو الأقرب.

قال: (والصبح: بالفجر الصادق)؛ لحديث جبريل عليه السلام. وسميت بذلك؛ لأنها تفعل بعد الفجر الذي يجمع بياضًا وحمرة، فإنه يقال: وجه صبيح للذي فيه بياض وحمرة، وتسمى هذا الصلاة: الصلاة الوسطى، وصلاة التنوير، وقرآن الفجر، وصلاة الفجر.

وقال الشافعي: ولا أحب أن تسمى الغداة، وكذا قال المحققون.

وقال القاضي الطبري والشيخ أبو إسحاق: يكره أن تسمى غداة.

قال المصنف: وما قالاه غريب ضعيف، والصواب: أنه لا يكره.

و (الصادق): هو المستطير. واحترز به عن الكاذب الذي يطلع مثل ذنب السرحان، وهو المستطيل- باللام- ولا خلاف أنه يتعلق به الحكم.

وما أحسن قول ابن الرومي حيث قال [من البسيط]:

وكاذب الفجر يبدو قبل صادقه .... وأول الغيث قطر ثم ينسكب

فمثل ذلك ود العاشقين هوى .... بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب

وتقييده هنا بـ (الصادق)، وإهماله ذلك في خروج وقت العشاء قد يفهم عدم اعتبار هذا الوصف هناك وليس كذلك، بل وقت العشاء إنما يخرج بالصادق الذي

ص: 16

وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالأُفُقِ

ــ

يدخل به وقت الصبح، فلو عكسه في الكتاب فوصفه به أولًا وأطلقه ثانيًا بلام العهد ليعود إليه .. كان أولى.

قال: (وهو المنتشر ضوءه معترضًا بالأفق)، كما بينه جبريل علي السلام، ولأنه علقه على الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب على الصائم، وإنما يحرمان بالصادق بالإجماع.

فرع:

صلاة الصبح أفضل الصلوات وآكدها في المحافظة عليها، وهي الصلاة الوسطى

ص: 17

وَيَبْقَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،

ــ

عندنا؛ لأنها بين صلاتين ليلتين وصلاتين نهاريتين تجمعان وتقصران، وهي لا تجمع ولا تقصر.

وقيل: الظهر؛ لأنها بين صلاتي نهار.

وقيل: العصر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر)[خ4111]، وصححه في (شرح المهذب) و (التحقيق) وفاقًا للماوردي.

وقيل: المغرب؛ لأنها بين صلاتين سريتين وصلاتين جهريتين.

وقيل: العشاء؛ لأنها بين صلاتين لا تقصران.

وقيل: إنها جميع الخمس.

وقيل: الجمعة.

وقال الإمام: واللائق بمحاسن الشريعة: أن لا تبنى على تعيين؛ ليحرص الناس على أداء جميع الصلوات كليلة القدر، وصحح هذا الاحتمال القاضي حسين.

ومجموع ما في ذلك سبعة عشر قولا جمعها الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه.

قال: (ويبقى حتى تطلع الشمس)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وقت صلاة

ص: 18

وَالاِخْتِيَارُ: أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنِ الإِسْفَارِ. قُلْتُ: يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ: عِشَاءٍ، وَالْعِشَاءِ: عَتَمَةً،

ــ

الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس) رواه مسلم [612].

وفي (الصحيحين)[خ579 - م608]: (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس .. فقد أدرك الصبح).

وعند الإصطخري: يخرج بالإسفار.

قال: (والاختيار: أن لا تؤخر عن الإسفار)؛ لبيان جبريل علي السلام.

نعم؛ يكره التأخير إلى وقت طلوع الحمرة، وحينئذ يكون للصبح خمسة أوقات كالعصر.

و (الإسفار): الإضاءة، يقال: سفر الصبح وأسفر.

مسألة سيحتاج إليها:

روى مسلم [2937] عن النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة الدجال، قلنا: يا رسول الله؛ وما لبثه في الأرض؟ قال: (أربعون يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم)، قلنا يا رسول الله؛ أتكفينا في ذلك اليوم صلاة اليوم؟ قال:(لا، اقدروا له قدره).

قال: (قلت: يكره تسمية المغرب: عشاء)؛ لما روى البخاري [563] عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب؛ فإنهم يسمونها العشاء).

قال: (والعشاء: عتمة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فإنهم يعتمون بالإبل).

وقد صح في حديث آخر: (لو تعلمون ما في العتمة والصبح)، فقيل: لبيان الجواز، أو خاطب به من تشبه عليه العشاء بالمغرب.

ص: 19

وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثُ، بَعْدَهَا إِلَاّ فِي خَيْرٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

وما جزم به هنا وفي (الروضة) و (التحقيق) من الكراهة خالفه في (شرح المهذب)، فقال: نص الشافعي على أنه: يستحب أن لا تسمى بذلك، وذهب إليه المحققون من أصحابنا، وقالت طائفة قليلة: يكره.

و (العتمة): شدة الظلمة.

ويقال للمغرب والعشاء: العشاءان.

قال: (والنوم قبلها، والحديث بعدها) ولو في مباح؛ لما روى الشيخان [خ568 - م446] عن أبي برزة الأسلمي- واسمه: نضلة بن عبيد-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها).

والمعنى فيه: أن النوم قبلها قد يفوتها، والحديث بعدها قد يستغرق فيشتغل عن قيام الليل أو صلاة الصبح، أو غير ذلك من مصالح الآخرة والدنيا.

وعلله بعضهم بوقوع الصلاة التي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله، والنوم نحو الموت فربما مات في ليلته.

وقيل: لأن الله تعالى جعل الليل سكنًا، وهذا يخرجه عن ذلك.

وروى البيهقي في (الشعب)[4991] عن مالك أنه قال: بلغني عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت ترسل إلى أهلها بعد العتمة، فتقول:(أريحوا كتابكم).

قال ابن الصلاح: وهذه الكراهة تعم سائر الأوقات، ولا تخص العشاء.

والمراد بـ (بعدها): بعدها فعلها، وذلك يشمل ما إذا جمعها تقديمًا مع المغرب، والمتجه: خلافه.

ومفهومه: أنه لا يكره قبل فعلها وإن كثر وفيه نظر، ولو قيل: إنه بالكراهة أولى .. كان له وجه ظاهر.

قال: (إلا في خير والله أعلم) كقراءة القرآن والحديث، ومدارسة العلم، وحكايات الصالحين، وإيناس الضيف والعروس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين لحفظ متاعهم، والإصلاح بين الناس ونحو

ص: 20

وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لأِوَّلِ الْوَقْتِ،

ــ

ذلك؛ لأنه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة.

وروى الحاكم [2/ 379] عن عمران بن حصين قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليلة عن بني إسرائيل).

قال: (ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت)؛ لقوله تعالى: {حفظوا على الصلوات} ، ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها، وقال صلاة الله عليه وسلم:(الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله) رواه الترمذي [172]، زاد إبراهيم بن عبد الملك:(وفي وسطه رحمة الله).

قال الشافعي رحمه الله: رضوان الله إنما يكون للمحسنين، والعفو يشبه أن يكون للمقصرين.

ص: 21

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال ابن مسعود: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: (الصلاة في أول وقتها) صححه ابن حبان [1479] وابن خزيمة [327] والحاكم [1/ 188] والبيهقي [1/ 434]، وهو في (الصحيحين) [خ7534 - م85] بلفظ:(الصلاة لوقتها).

ولأنه بالتأخير يعرضها للنسيان وحوادث الزمان.

وأما حديث: (أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر) .. فصحيح، لكنه محمول على تبين الفجر وتيقنه؛ فإن المصلي إذا ظن دخول الوقت .. جاز له الصلاة، ولكن الأولى تأخيرها حتى يتيقنه.

وقيل: يندب تأخير الظهر إلى مصير الظل كالشراك.

وفيما تحصل به فضيلة الأولية أوجه:

أصحها: بأن يشتغل بأسباب الصلاة عند دخول الوقت كالطهارة والسترة والأذان، فإنه لا يعد حينئذ متوانيًا ولا مقصرًا، ولا يضر أكل لقم وكلام يسير، ولا يكلف العجلة على خلاف العادة، ولا يضر شغل خفيف وسنة راتبة.

والثاني: لا يحصل إلا بأن يقدم ما يمكن تقديمه من الأسباب لتنطبق الصلاة على أول الوقت.

ص: 22

وَفِي قَوْلٍ: تَاخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ

ــ

وعلى هذا قيل: لا ينال المتيمم فضيلة الأولية، كذا حكاه الرافعي، وهو معترض؛ لأن التيمم لا يمكن تقديمه.

والثالث: لابد من تقديم الستر؛ لأن وجوبه لا يختص بالصلاة.

والرابع: يمتد إلى نصف الوقت.

والخامس: إلى نصف وقت الاختيار.

وإنما يكون التعجيل أفضل حيث لا معارض أرجح، فإن كان .. فالتأخير أولى: كالإبراد بالظهر، ومن تيقن وجود الماء أو السترة أو القدرة على القيام، أو المعذور إدراك الجمعة، والمنفرد الجماعة، في وسط الوقت، والمسافر السائر إذا أراد الجمع .. فالأولى تأخيرها إلى وقت الثانية، ومن يدافع حدثًا أو حضره طعام وهو تائق إليه، والمقيم بمنى للرمي فإنه يستحب له تأخير الظهر عنه، والمحرم إذا خاف فوت الحج، وتأخير المغرب لمن دفع من عرفات كما سيأتي.

وقال الروياني: ليس للسيد منع عبده من فعل المكتوبة أول الوقت على الأصح، ولا منعه من النوافل التي في أدبارها، وإنما يمنعه من غيرها، وقضيته: أن يمنعه من صلاة العيد والتراويح ونحوهما.

قال: (وفي قول: تأخير العشاء أفضل) أي: ما لم يخرج وقت الاختيار، وهذا هو المنصوص في أكثر كتبه الجديدة- وقال في (شرح المهذب): إنه أقوى دليلًا. واختاره الشيخ- لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتم به حتى رقد الناس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر فقال: الصلاة! وخرج صلى الله عليه وسلم فقال: (لولا أن أشق على أمتي .. لأمرتهم أن يصلوها هكذا) رواه الشيخان [خ571 - م639] عن ابن عباس.

وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه: (لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل الأول) قال الترمذي [167]: صحيح.

وقال ابن أبي هريرة: من علم من حاله أن النوم لا يغلبه .. فالتأخير في حقه أفضل، ومن لا يكون كذلك .. فالتعجيل له أفضل، ونزل النص على اختلاف الحالين.

ص: 23

وَيُسَنُّ الإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرَّ، وَالأَصَحُّ: اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ،

ــ

قال: (ويسن الإبراد بالظهر في شدة الحر)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر .. فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) رواه الشيخان [خ534 - م615] عن أبي هريرة، وفي رواية للبخاري [538] عن أبي سعيد:(فأبردوا بالظهر).

وحقيقة (الإبراد): أن تؤخر الصلاة عن أول الوقت بقدر ما يحصل للحيطان فيء يمشي فيه طالب الجماعة، ولا تؤخر عن النصف الأول.

وقيل: (الإبراد) رخصة لا سنة، فلو تكلف التعجيل .. كان أفضل، وهذا هو المنصوص في (البويطي)، وصححه الشيخ أبو علي السنجي وآخرون.

وخرج بالظهر الجمعة، فلا يبرد بها في الأصح؛ لأن الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر.

وقيل: يستحب؛ لما روى الشيخان عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبرد بالجمعة).

أما الإبراد بالأذان .. ففي (المطلب): أنه لا يستحب، لكن صح:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به بلالًا)، وقال عمر لأبي محذورة مؤذن مكة:(إنك في بلد حار فأبرد عن الناس، ثم أبرد مرتين أو ثلاثًا ثم أذن، ثم أنزل فاركع ركعتين ثم ثوب).

ولعل ذلك محمول على ما إذا علم من حال السامعين أنهم يحضرون عقب الأذان فيبرد؛ لئلا يشق عليهم، أما إذا كان من الناس من لا يحضر فينبغي الأذان في أول الوقت؛ ليعلم بدخوله.

قال: (والأصح: اختصاصه ببلد حار)؛ لأن البلاد المعتدلة يحتمل فيها إشراق الشمس.

والثاني: أنه يتعدى إلى المعتدلة أيضًا؛ لوجود التأذي بالشمس فيها.

ص: 24

وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ

ــ

قال الشيخ: والظاهر أن مرادهم بالبلد الحار كمكة والمدينة وتهامة والحجاز ونحوها، كما أشعر به كلم الشافعي رضي الله عنه وغيره.

قال: (وجماعة مسجد يقصدونه من بعد) نظرًا إلى المعنى، وعدم التأذي في المنفرد والجماعة القريبين من المسجد.

والثاني: لا يختص، فيبرد المنفرد والمصلي جماعة، قربت أم بعدت، وإطلاق الحديث يقتضيه.

وعلى المشهور، لو كان لهم كن يمشون فيه .. لم يستحب الإبراد، والخلاف قولان.

وتعبيره بـ (المسجد) جري على الغالب، وإنما المراد: موضع الجماعة، ولا فرق بين المسجد المطروق وغيره على المذهب.

وقيل: المطروق لا يبرد فيه؛ لأنه يشهده أصناف لا يمكن تواعدهم.

وضابط البعيد: ما يتأثر قاصده بالشمس.

ويبرد الإمام الحاضر في موضع الصلاة، وكذلك من حضر معه انتظارًا للقاصدين من بعد؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، وفيه أهل الصفة مقيمون، ومع ذلك كانوا يبردون انتظارًا للغائبين.

وقد تفهم عبارته: أن انتظار الجماعة أفضل من المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، وفي الصحيح شاهد له صريح.

واختار المصنف: أن الأفضل أن يصلي مرتين: مرة في أول الوقت منفردًا، ثم في الجماعة؛ لحديث:(سيجيء قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة).

تنبيه:

إنما يكون وقت الصلاة موسعًا إذا لم يشرع فيها أول الوقت أو في أثنائه، فإن شرع

ص: 25

وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ .. فَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ رَكْعَةٍ .. فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ، وَإِلَاّ .. فَقَضَاءٌ

ــ

فيها .. يضيق- كما سيأتي- ولزمه إتمامها، فلو أفسدها .. وجب القضاء على الفور وصارت قضاء؛ لأن الخروج منها لا يجوز، فلزم فوات وقت الإحرام بها، كذا صرح به القاضي والمتولي والروياني، وفي إثبات ذلك في الجمعة نظر.

قال: (ومن وقع بعض صلاته في الوقت .. فالأصح: أنه إن وقع ركعة .. فالجميع أداء)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة .. فقد أدرك الصلاة) متفق عليه [خ580 - م 607].

والثاني: الجميع قضاء، اعتبارًا بآخر الوقت.

والثالث: ما وقع في الوقت أداء، وما وقع خارجه قضاء، اعتبارًا لكل جزء بزمانه، قال الشيخ أبو حامد: وهو قول عامة أصحابنًا.

وذكر الماوردي: أنها للمعذور أداء جزمًا، وإنما الخلاف في غيره.

قال: (وإلا .. فقضاء)؛ لمفهوم الحديث، وقال المتولي: بلا خلاف، وقيل: بطرد الأوجه.

وإذا عقدها ووقتها متسع ثم أفسدها .. تعين عليه فعلها على الفور؛ لأنها صارت قضاء بإفسادها، حتى لو فعلها في الوقت .. لا ينوي الأداء، ولا يقصرها فيه إذا سافر

ص: 26

وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ .. اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ قَبْلَ الْوَقْتَ .. قَضَى فِي الأَظْهَرِ،

ــ

بعد ذلك، صرح به القاضي والمتولي والروياني؛ لأنه يضيق عليه الوقت بدخوله، ففات وقت إحرامه بها، كالحج الفاسد يتدارك قضاء لا أداء، والعمر كله وقت له.

قال الشيخ: وقضية هذا أنه لو وقع في الجمعة .. لا تفعل ثانيًا؛ لأنها لا تقضى.

قال: (ومن جهل الوقت .. اجتهد) أي: وجوبًا، كالاجتهاد في القبلة.

قال: (بورد ونحوه) كقراءة ودرس وأعمال وصياح ديك مجرب، ولا فرق بين أن يكون بحيث لو صبر لتيقن دخول الوقت أو لا، كما لو كان في مطمورة على الأصح، وهما كالوجهين في الأواني إذا قدر على طاهر بيقين، هذا إذا لم يخبره ثقة عن علم، بطلوع فجر أو غروب شمس، فإنه حينئذ يجب عليه العمل بخبره.

ومتى وجب الاجتهاد فصلى بدونه .. أعاد وإن وقعت صلاته في الوقت.

وللأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة العارف في الصحو والغيم في أصح الأوجه؛ لأنه لا يؤذن إلا في الوقت.

والثاني: لا يجوز لهما.

والثالث: يعتمده الأعمى والبصير في صحو دون غيم.

والرابع: يجوز للأعمى دون البصير.

وإذا كثر المؤذنون في يوم صحو أو غيم، وغلب على الظن أنهم لا يخطؤون لكثرتهم .. جاز اعتمادهم للبصير والأعمى بلا خلاف.

والمنجم إذا عرف الوقت بالحساب .. جاز له أن يعتمده دون غيره على الأصح، كما سيأتي في نظيره من الصوم.

قال: (فإن تيقن صلاته قبل الوقت .. قضى في الأظهر)؛ لفوات شرطها وهو الوقت.

والثاني: لا قضاء؛ اعتبارًا بما في ظنه.

ص: 27

وَإِلَاّ .. فَلَا. وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ، وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ

ــ

وموضع الخلاف: إذا تبين له ذلك خارج الوقت، فإن كان الوقت باقيًا .. وجبت الإعادة قطعًا.

قال: (وإلا .. فلا) شملت عبارته إذا لم يتيقن الحال، وإذا تيقن وقوعها في الوقت، وفي الصورتين لا قضاء.

والثالثة: إن تيقن وقوعها بعد الوقت .. فلا قضاء أيضًا، ولكن هل نصف الذي فعله بالقضاء أو الأداء؟ فيه وجهان، أصحهما: بالقضاء؛ لأنه خارج الوقت.

قال: (ويبادر بالفائت)؛ تعجيلًا لبراءة الذمة، فإن فات بعذر كنوم ونسيان .. ندبت المبادرة، وإن كان بغير عذر .. وجب لتفريطه، هذه طريقة الخراسانيين.

وقيل: يندب فيهما، وهو الأصح عند العراقيين؛ لأن القضاء بأمر جديد.

وقيل: يجب فيهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها .. فليصلها إذا ذكرها) متفق عليه [خ597 - م684]. وإذا وجب الفور في المعذور .. فغيره أولى.

والأصح: التفصيل.

وهذا الخلاف مطرد في قضاء الصوم قبل رمضان آخر، وفي الكفارات، والاعتكاف المنذور.

ويؤخذ من المبادرة بالفائت: أن من لم يصل حتى فات الوقت- وهو من أهل الفرض- بعذر أو غيره .. يلزمه القضاء.

ويستثنى من الأمر بالمبادرة فاقد الطهورين، فالصواب: أنه لا يجوز له القضاء إلا إذا وجد الماء كما تقدم.

ونقل عن ابن بنت الشافعي: أن غير المعذور لا يقضي الصلاة عملًا بمفهوم الحديث تغليظًا عليه، وهو مذهب جماعة من أهل الظاهر، وقواه الشيخ عز الدين، كما أن تارك الأبعاض عمدًا لا يسجد على وجه مع أنه أحوج إلى الجبر.

قال: (ويسن ترتيبه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق صلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، متفق عليه [خ596 - م631].

ص: 28

وَتَقْدِيمُهُ عَلىَ الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخاَفُ فَوْتَهَا

ــ

ولا يجب؛ لأن الترتيب إنما استحق للوقت، فسقط بفواته كقضاء صوم رمضان، ولم يصح دليل على وجوب الترتيب.

قال: (وتقديمه على الحاضرة التي لا يخاف فوتها)؛ لحديث الخندق المذكور، فإن خاف فوتها .. وجب تقديم الحاضرة؛ لأن الوقت تعين لها، ولئلا تصير الأخرى قضاء.

والتعبير بالفوات يقتضي: استحباب الترتيب أيضًا إذا أمكنه إدراك ركعة من الحاضرة؛ لأنها لم تفت، وبه جزم في (الكفاية)، لكن فيه بعد لإخراج بعض الصلاة عن الوقت، وهو ممتنع على الصحيح.

فلو شرع في الحاضرة، ثم ذكر الفائتة وهو فيها .. وجب إتمام الحاضرة، ضاق الوقت أو اتسع، ثم يقضي الفائتة، ويستحب له أن يعيد الحاضرة؛ لما روى الدارقطني [1/ 421] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا نسي أحدكم صلاة فذكرها وهو في مكتوبة .. فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها .. صلى التي نسى، ثم ليعيد الصلاة التي صلى مع الإمام).

ولو دخل في الفائتة معتقدًا سعة الوقت فبان ضيقه .. وجب قطعها والشروع في الحاضرة على الصحيح.

ولو تذكر فائتة، وهناك جماعة يصلون الحاضرة، والوقت متسع .. فسيأتي في خاتمة (الجماعة).

فروع:

ذكر الأصحاب: أن النائم معذور في تأخير الصلاة، والمراد: من استغرق الوقت بالنوم، أما من دخل عليه الوقت ثم نام، فإن ظن أنه لا يستيقظ قبل خروجه .. أثم، وكذا إن احتمل أن لا يستيقظ كما أفتى به ابن الصلاح والشيخ.

ومن ظن قبل دخول الوقت أنه إذا نام استغرق الوقت .. جزم الشيخ بأنه لا يأثم؛ لأنه لم يخاطب بها قبل الوقت.

ص: 29

وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الاِسْتِوَاءِ

ــ

ويستحب إيقاظ النائمين للصلاة، لاسيما إذا ضاق وقتها، ففي (سنن أبي داوود):(أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومًا إلى الصلاة، فلم يمر بنائم إلا أيقظه)، وكذلك إذرا رآه نائمًا أمام المصلين، وإذا كان نائمًا في الصف الأول أو محراب المسجد، وكذا إذا نام على سطح لا حافة له؛ لورود النهي عنه من طريق أنس، أو نام وبعضه في الشمس وبعضه في الظل، لورود النهي عنه، أو نام بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس؛ لأن الأرض تعج إلى الله من نومة عالم حينئذ، قاله علقمة بن قيس، أو نام قبل صلاة العشاء، أو بعد صلاة العصر، أو نام خاليًا في بيت وحده، فإن ذلك يكره، أو نامت المرأة مستلقية ووجهها إلى السماء، ذكرهما الحليمي، أو نام رجل على وجهه منبطحًا؛ فإنها ضجعة يبغضها الله، رواه أحمد [2/ 287] وابن حبان [5549].

ويستحب أن يوقظ غيره لصلاة الليل وللتسحر، ومن نام وفي يده غمر، والنائم بعرفات وقت الوقوف؛ لأنه وقت طلب وتضرع.

ومن فاتته صلاة العشاء، هل له أن يصلي الوتر قبل قضائها؟ حكى القمولي فيه وجهين، وهما غريبان.

وحكى الطبري شارح (التنبيه) وجهين فيمن عليه فوائت وأراد قضاءها، هل يبدأ بالصبح أو الظهر؟ وفيه ما يقتضي: أن ثواب القضاء دون ثواب الأداء.

ومن عليه فوائت لا يعرف عددها .. قال القفال: يقضي ما تحقق تركه، وقال القاضي حسين: يقضي ما زاد على ما تحقق فعله، وهو الأصح.

قال: (وتكره الصلاة عند الاستواء)؛ لما روى مسلم [831] عن عقبة بن عامر قال: (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى

ص: 30

إِلَاّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ، وَالْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ،

ــ

تميل الشمس، وحين تضيف للغروب).

فـ (الظهيرة): شدة الحر، و (قائمها): البعير يكون باركًا فيقوم من شدة حر الأرض.

و (تضيفت للغروب) أي: مالت إليه، ومنه: الضيف؛ لميله إلى المضيف، وميل المضيف إليه.

مهمة:

الأصح: أن هذه الكراهة للتحريم، كما صححه هنا في زوائد (الروضة) وفي (شرح المهذب)، والأصح فيه في (كتاب الطهارة) وفي (التحقيق): أنها للتنزيه، وسيأتي في تتمة هذا الفصل: أنه صحح تبعًا للرافعي: أنها لا تنعقد، وهو مشكل.

قال: (إلا يوم الجمعة)؛ لما روى أبو داوود عن أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس، إلا يوم الجمعة). ولأن الشارع طلب التبكير إليها، ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء.

والأصح: جوازه في هذا الوقت مطلقًا سواء حضر الجمعة أم لا.

وقيل: يختص بمن حضر وغلبه النعاس، فيدفعه بركعين.

قال: (وبعد الصبح حتى ترتفع الشمس كرمح، والعصر حتى تغرب)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب) رواه الشيخان [خ1197 - م827].

والكراهة في هذين الوقتين متعلقة بفعل الصبح والعصر، إن قدمهما .. اتسع وقت

ص: 31

إِلَاّ لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ،

ــ

الكراهة، وإن أخرهما .. تضيق، وكذلك إذا جمع العصر تقديمًا .. امتنع عليه النفل بعدها على المنصوص الذي نقله أبو غلي البندنيجي عنه.

وقيل: يكره التنفل بعد ركعتي الفجر.

وقيل: يكره بعد طلوع الفجر غير ركعتيه.

والمراد بارتفاعها كرمح: في رأي العين، وإلا فالمسافة طويلة جدًا.

وقيل: تزول الكراهة بتمام الطلوع.

وأهمل المصنف وقتين ذكرهما في (المحرر)، وهما حالتا الطلوع والغروب؛ لما تقدم من حديث عقبة بن عامر. فمن صلى العصر، ثم تنفل حال الاصفرار .. تكره صلاته لسببين، على أنه جاء في (صحيح مسلم)[832] في حديث عمرو بن عبسة عدها ثلاثة كما في الكتاب.

وأجيب بأنه علمه ما يحتاج إليه في نفسه، وباقي الأحاديث تثبت الشرع العام.

قال: (إلا لسبب)، وهو على ثلاثة أقسام:

متقدم كالفوائت، ومقارن كركعتي الطواف، ومتأخر كسنة الإحرام. والأصح: أنها لا تفعل في وقت الكراهة؛ لأن سببها الإحرام، وهو قد يقع وقد لا يقع.

قال: (كفائتة) فرضًا كانت أو نفلًا؛ لما روى الشيخان [خ1233 - م834/ 297] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد العصر، فلما انصرف قال:(يا بنت أبي أمية؛ سألت عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من وفد عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن اللتين بعد الظهر، فهما هاتان الركعتان).

وفي (صحيح مسلم)[835/ 299]: (أنه لم يزل يصليهما حتى فارق الدنيا)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملًا .. أدامه. أما غير النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته راتبة فاتخذها وردًا، فهل له المداومة على ذلك في أوقات الكراهة؟ فيه وجهان، أصحهما: لا، وتلك الصلاة من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 32

وَكُسُوفٍ، وَتَحِيَّةٍ،

ــ

وروى أبو داوود [1261] والترمذي [422] وابن ماجه [1154] وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قيس بن فهد يصلي ركعتين بعد الصبح، ولفظ ابن حبان: عقب سلام النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال: (ما هاتان الركعتان؟) فقال: إني لم أكن صليت ركعتين الفجر، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه.

وفي الاستدلال بهذا نظر؛ لأن ركعتي الفجر بعد الصبح أداء لا قضاء على المعروف، لكن نقل ابن المنذر الإجماع على: أنها تفعل بعد الصبح والعصر، وكذلك إعادة الفريضة في جماعة، ولا تكره صلاة الاستسقاء على الأصح.

والثاني: تكره؛ لأن سببها الدعاء وهو متأخر.

ولا تكره سنة الوضوء خلافًا للغزالي في (الإحياء).

واستدل الرافعي بما روى الشيخان [خ1149 - م2458] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام؛ فإني سمعت دف نعفيك بين يدي في الجنة)، قال: ما عملت عملًا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار .. إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي.

و (الدف) بالفاء: صوت النعل وحركته على الأرض، قاله المصنف في (الرياض).

ولا يصلى في وقت الكراهة صلاة الاستخارة، ولا الصلاة عند السفر، ولا عند الخروج من المنزل.

قال: (وكسوف)؛ لأنها تفوت بالانجلاء، وكذلك صلاة الاستسقاء والعيد على الأصح.

والثاني: تكرهان؛ لعدم اختصاصها بوقت.

قال: (وتحية)؛ لعموم دليلها. هذا إذا دخل لا بقصد التحية، فإن دخل

ص: 33

وَسَجْدَةِ شُكْرٍ. وَإِلَاّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

ليصليها .. فالأصح: الكراهة، كما لو أخر الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات، كذا أطلقه الشيخان.

وقال الشيخ: ينبغي أن يكون المكروه الدخول لهذا الغرض، وبعد الدخول لا تكره الصلاة، وكذلك الفائتة المكروه تأخيرها إلى ذلك الوقت، أما فعلها فيه .. فكيف يحكم بكراهته؟ وقد يكون واجبًا إذا كانت فاتت عمدًا.

قال: (وسجدة شكر)؛ لفواتها بالتأخير، وفي (الصحيح) في توبة كعب بن مالك: أنه سجد بعد صلاة الصبح.

وسجود التلاوة مقيس عليه، وإنما اقتصر المصنف على الشكر؛ لأن النص ورد بها.

قال: (وإلا في حرم مكة على الصحيح)؛ لما روى الأربعة والحاكم [1/ 448] وابن حبان [1553] عن جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف؛ لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار).

والمعنى فيه: ما في الصلاة في تلك الأماكن من زيادة الفضيلة، فلا يحرم المقيم هناك من استكثارها خصوصًا الآفاقيين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الطواف بالبيت صلاة)، ولا خلاف أن الطواف يجوز، وكذلك الصلاة.

وقيل: تكره كحرم المدينة؛ لعموم الأخبار، وحملت الصلاة في هذا الخبر على ركعتي الطواف، وهو قوي وحكي عن النص.

وإذا قيل: يجوز التنفل، فهل يختص ذلك بالمسجد، أو يجوز في جميع بيوت مكة؟ فيه وجهان، والصواب: أنه يعم جميع الحرم.

ص: 34