المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابٌ إِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَها .. كَفَرَ، ــ باب هذا الباب ذكره المزني - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌بَابٌ إِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَها .. كَفَرَ، ــ باب هذا الباب ذكره المزني

‌بَابٌ

إِنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا وُجُوبَها .. كَفَرَ،

ــ

باب

هذا الباب ذكره المزني والجمهور ههنا، وذكره جماعة قبل (باب الأذان)، وأخره الغزالي عن (الجنائز).

قال: (إن ترك الصلاة) أي: المعهودة، وهي: إحدى الصلوات الخمس (جاحدًا وجوبها .. كفر)؛ لأنه مجموع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فتضمن جحده وتكذيب الله ورسوله وهو كفر، وهذا مجمع عليه إذا كان غير معذور كقديم الإسلام المخالط للمسلمين، فإن كان قريب عهد بالإسلام ونحوه ممن يجوز أن يخفى عليه ذلك .. فيعرف بالوجوب فإن أصر على الجحد .. كفر.

و (الكفر) أصله: التغطية والستر، يقال لليل: كافر؛ لأنه يستر الأيام بظلمته، وكفر فلان النعمة: إذا سترها ولم يشكرها.

ولا يختص هذا بالصلاة، بل يجري في جحود كل مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فإن جحد مجمعًا عليه ليس معلومًا من الدين بالضرورة كاستحقاق بنت الابن مع البنت السدس .. فليس بكافر بل يعرف الصواب ليعتقده.

ثم إن مجرد الجحد كاف في الحكم بالتكفير، لكنه عبر بالترك؛ لأجل التقسيم.

وأفهم قوله: (كفر) أنه يقتل بكفره؛ لأنه بدل دينه، وفي (البخاري) [3017]:

ص: 589

أَوْ كَسَلاً .. قُتِلَ حَدّاً،

ــ

(من بدل دينه .. فاقتلوه)، وكيفية قتله كقتل المرتد.

قال: (أو كسلاً .. قتل)؛ لأن الله تعالى أمر بقتل المشركين ثم قال: {فإن تابوا وأقاموا الصلوة وءاتوا الزكوة فخلوا سبيلهم} ، فدل على أن القتل لا يرتفع عنهم إلا بالإيمان والصلاة والزكاة.

وصح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة).

وكان مستند أبي بكر رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة- قياسها على الصلاة، ووافقه الصحابة على ذلك، والصلاة أعظم من الزكاة.

قال: (حداً) المراد: أنه لا يقتل كفرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافًا بحقهن .. كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن .. فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة) رواه مالك [1/ 123] وأبو داوود [428] وابن حبان [1732]، فلو كفر بذلك .. لاستحال دخول الجنة.

وهذا القتل لا يضاهي الحدود التي وضعت عقوبة على معصية سابقة، بل حملًا على ما توجه عليه من الحق، ولهذا لا خلاف أنه يسقط بالفعل الذي هو توبته، ولا يتخرج على سقوط الحد بالتوبة، بل قتله يسقط إثم الترك فقط.

وقال بعض الأصحاب: يقتل كفرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) رواه مسلم [82].

وقال المزني: لا يقتل بل يحبس حتى يصلي محتجاً بأنه: لا يجوز أن يقتل للفائتة التي وقتها موسع، ولا للحاضرة؛ لأن وقتها لم يفت.

ص: 590

وَالصَّحِيحُ: قَتْلُهُ بِصَلَاةٍ فَقَطْ بِشَرْطِ إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ. وَيُسْتَتَابُ

ــ

وفي (سنن أبي داوود)[4890]: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل خضب يديه ورجليه بالحناء فقال: (ما باله تشبه النساء؟!) فأمر بنفيه إلى النقيع، فقالوا: يا رسول الله؛ ألا تقتله؟ قال: (إني نهيت عن قتل المصلين).

و (النقيع) في هذا الحديث بالنون، وهي: في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلًا من المدينة.

قال: (والصحيح: قتله بصلاة فقط بشرط إخراجها عن وقت الضرورة) وهو: الوقت الذي تجمع تلك الصلاة فيه، فلا يقتل بترك الظهر حتى تغرب الشمس، ولا بالمغرب حتى يطلع الفجر؛ لأن الوقت مشترك بين أرباب الأعذار فصار شبهة في تأجير القتل إليه، يقابل الصحيح أربعة أوجه:

أحدها: يقتل إذا ضاق وقت الثانية؛ لأن الواحدة يحتمل تركها لشبهة الجمع.

والثاني: إذا ضاق وقت الرابعة؛ لأن الثلاث أقل الجمع فاغتفرناها لاحتمال عذر بخلاف الأربعة.

والثالثة: إذا ترك أربع صلوات؛ لأنه يجوز أن يكون استند إلى تأويل من ترك النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أربع صلوات.

والرابع: إذا ترك قدرًا يظهر به اعتياد الترك والتهاون بالذين.

قال: (ويستتاب) أي: تطلب منه التوبة قبل القتل؛ لأنه ليس بأسوأ حالاً من المرتد والمرتد يستتاب.

وأظهر القولين: أنه يكفي استتابته في الحال، والقولان في استحبابها، وقيل: في وجوبها.

ثم إذا ضربنا له المدة فقتله فيها قاتل .. أفتى القفال وصاحب (البيان) بإثمه وعدم تضمينه، كالمرتد.

ونقل في (الكفاية) عن صاحب (البيان) عدم تأثيمه ووهم فيه.

ص: 591

ثُمَّ تُضْرَبُ عُنُقُهُ- وَقِيلَ: يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ أَوْ يَمُوتَ- وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ

ــ

وإذا جن أو سكر قبل الصلاة .. لم يقتل في حال جنونه وسكره، ومن قتله حينئذ .. لزمه القصاص.

قال: (ثم تضرب عنقه) أي: إذا لم يتب لتحقق المفسدة الموجبة للقتل، وإنما قتل كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إذا قتلتم .. فأحسنوا القتلة)[م1955].

قال: (وقيل: ينخس بحديدة حتى يصلي أو يموت)؛ لأن المقصود حمله على الصلاة فيعاقب كما يعاقب الممتنع من الحقوق.

وعن ابن سريج: يضرب بالعصا حتى يصلي أو يموت، واختاره الشيخ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنًا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس) رواه الشيخان [خ6878 - م1676].

وأجيب عن الحديث بأن المراد: لا يقتل صبرًا.

قال: (ويغسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ولا يطمس قبره) كسائر أصحاب الكبائر.

وقيل: لا يفعل به هذه الأشياء؛ إهانة له.

وقال ابن أبي الدم: يدفن في مقبرة مفردة، لا في مقابر المسلمين، ولا في مقابر أهل الذمة.

تتمة:

تارك الوضوء يقتل على الأصح؛ لأنه ممتنع من الصلاة.

وتارك الجمعة إذا قال: أصلي ظهرًا ولا عذر له أفتى الغزالي بعدم قتله، وبه جزم في (الحاوي الصغير).

ص: 592

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال الشاشي: يقتل؛ لأنه لا يتصور قضاؤها، ورجحه في (التحقيق)، لكنه ناقض ذلك في (الروضة) في (باب من تلزمه الجمعة) حيث قال: يلزمه قضاؤها ظهرًا، وليس في (المهمات).

وإذا نذر صلاة مؤقتة .. لم يقتل بتركها؛ لأنه هو الذي أوجبها على نفسه.

وقال الروياني: يحتمل أن يقتل بها إذا جعلناها كالشرعية وهو بعيد.

ويستثنى- من إطلاق المصنف وغيره- فاقد الطهورين، فإنه إذا ترك الصلاة عمدًا .. لا يقتل؛ لاختلاف الناس في ذلك.

* * *

خاتمة

ختم الله لكاتبه بالحسنى

قال الغزالي في بعض كتبه الأصولية: لو زعم زاعم أن بينه وبين الله تبارك وتعالى حالة أسقطت عنه الصلاة وأحلت له شرب الخمر وأكل مال السلطان كما زعمه بعضه الصوفية .. فلا شك في وجوب قتله، وقتل مثله أفضل من قتل مئة كافر؛ لأن ضرره أكثر.

* * *

ص: 593

فهرس الكتاب

كتاب الصلاة

7

فصل: في شروط وجوب الصلاة

35

فصل: في الأذان والإقامة

41

فصل: استقبال القبلة شرط في الصلاة

67

باب صفة الصلاة

84

باب في شروط الصلاة وموانعها

188

فصل: في مبطلات الصلاة

216

باب في مقتضى سجود السهو وحكمه ومحله

248

باب في سجود التلاوة والشكر

269

باب في صلاة النفل

285

كتاب صلاة الجماعة

323

فصل: في صفات الأئمة

345

فصل: في شروط الاقتداء

368

فصل: في شروط القدوة

386

فصل: في بقية شروط القدوة

392

فصل: في قطع القدوة

399

باب صلاة المسافر

408

فصل: في شروط القصر

419

فصل: في الجمع بين الصلاتين

431

باب صلاة الجمعة

343

فصل: في الاغتسال المسنونة

484

فصل: في بيان ما تدرك به الجمعة

501

ص: 595

باب صلاة الخوف

510

فصل: فيما يجوز لبسه وما لا يجوز

524

باب صلاة العيدين

536

فصل: في التكبير المرسل والمقيد

550

باب صلاة الكسوفين

558

باب صلاة الاستسقاء

569

باب في حكم تارك الصلاة المفروضة

589

فهرس الكتاب

595

* * *

ص: 596