الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ
سُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَرْكِ مَامُورٍ بِهِ، أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ
ــ
باب
قال: (سجود السهو سنة): (السهو) في اللغة: نسيان الشيء والغفلة عنه، وفي الصلاة: الغفلة عن شيء منها.
وفائدة السجود: جبر خللها لزيادة أو نقص مخصوص.
فأما كون السجود مطلوبًا لذلك .. فبالإجماع، وإنما لم يجب لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا شك أحدكم فلم يدر كم صلى: ثلاثًا أم أربعًا .. فليلق الشك وليبن على اليقين، وليسجد سجدتين قبل السلام؛ فإن كانت صلاته تامة .. كانت الركعة والسجدتان نافلة له، وإن كانت ناقصة .. كانت الركعة تمامًا للصلاة، والسجدتان ترغيمًا لأنف الشيطان) رواه أبو داوود [1016] بإسناد صحيح، ومسلم [571] بقريب من معناه.
ولأنه يفعل جبرًا لما لا يجب فلا يجب، والبدل إما كمبدلة أو أخف.
فإن قيل: قوله عليه الصلاة والسلام: (وليسجد سجدتين) ظاهره الوجوب، ويعتضد بجبران الحج، أي: فإنه واجب .. قيل: إنما وجب جبران الحج؛ لكونه بدلًا عن واجب بخلاف هذا.
وسواء في ذلك صلاة الفرض والنفل على المذهب.
وعن القديم قول: أنه لا يشرع في صلاة النفل؛ لأنها أخف من الفرض.
قيل: ولا يعرف هذا للشافعي، بل نص في القديم على أنه يسجد لها.
قال: (عند ترك مأمور به، أو فعل منهي عنه) على ما فصله، لا كل مأمور ومنهي؛ لأن الخلل يحصل في الصلاة بذلك فيجبر بالسجود.
وأهمل رحمه الله سببًا ثالثًا وهو: إذا فعل فرضًا مترددًا في تأديته.
فَالأَوَّلُ: إِنْ كَانَ رُكْنًا .. وَجَبَ تَدَارُكُهُ، وَقَدْ يُشْرَعُ السُّجُودُ كَزِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِتَدَارُكِ رُكْنٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّرْتِيبِ، أَوْ بَعْضًا- وَهُوَ: الْقُنُوتُ، أَوْ قِيَامُهُ، أَوْ التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، أَو قُعُودُهُ، وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فِي الأَظْهَرِ- .. سَجَدَ،
ــ
قال: (فالأول: إن كان ركنًا .. وجب تداركه)؛ لأن حقيقة الصلاة لا توجد إلا به، ولا يكفي السجود عنه.
قال: (وقد يشرع السجود كزيادة حصلت بتدارك ركن كما سبق في الترتيب) ومراده بـ (ما سبق): بيان الزيادة لا السجود؛ فإنه لم يسق، وذلك من قوله:(وإن سها .. فما بعد المتروك لغو) إلى قوله: (قلت) ففي تلك الصورة كلها إذا تدارك .. يسجد للسهو.
قال: (أو بعضًا) جمعه: أبعاض. سميت بذلك؛ لأنها لما تأكدت بحيث صارت تجبر بالسجود .. أشبهت الأركان التي هي أبعاض وأجزاء.
وقيل: لأن الفقهاء قالوا: يتعلق سجود السهو ببعض السنن دون بعض، والتي يتعلق بها السجود أقل. ثم شرع في بيانها فقال:
(وهو: القنوت، أو قيامه، أو التشهد الأول، أو قعوده، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه في الأظهر .. سجد)؛ لما روى الشيخان [خ829 - م570] عن عبد الله ابن بحينة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول ناسيًا، وسجد قبل أن يسلم).
وإذا شرع السجود له .. شرع أيضًا لقعوده؛ لأنه مقصود له. ثم قسنا عليهما القنوت وقيامه.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول: فلأنه ذكر يجب الإتيان به في الجلوس الأخير، فسجد لتركه في الأول قياسًا على التشهد.
والمراد بالتشهد: المقدار الواجب في الأخير. وما كان سنة فيه .. فلا يسجد لتركه.
وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا .. فَلَا. قُلْتُ: وَكَذَا الصَّلاةُ عَلَى الآلِ حَيْثُ سَنَنَّاهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
والمراد بالقنوت: جميعه.
وقال الشيخ محب الدين الطبري: ترك كلمة منه كترك كله، وحكى عن (فتاوى الإمام) احتمالا: أنه إذا أتى بالأكثر .. لا سجود، وهذا لا يأتي إلا على القول بتعين لفظه، والأصح خلافه.
والمراد: قنوت الصبح، ووتر نصف شهر رمضان.
أما قنوت النازلة .. فلا يسجد لتركه على الأصح.
فرع:
ترك الإمام القنوت لكونه لا يراه، فإن تمكن منه المأموم من غير مخالفة .. فعله قطعًا.
وأطلق الرافعي والغزالي: أنه لا بأس بانفراده بالقنوت إذا لحقه عن قرب.
وأطلق القاضي حسين: أن من صلي الصبح خلف الظهر فقنت .. بطلت صلاته، ولعله مصور بحالة المخالفة وهو الظاهر، قال: فإن فارقه وقنت .. جاز.
قال: (وقيل: إن تركه عمدًا .. فلا)؛ لأن السجود مضاف إليه السهو، فلا يثبت بدونه كسجود التلاوة، ولأنه فوت السنة على نفسه، والناسي معذور فناسب أن يشرع له الجبر.
والصحيح: أن العامد كالناسي؛ لأن الخلل عند العمد أكثر فيكون الجبر أهم، كفدية الأذى فإنها تجب بحلق الشعر من غير أذى.
قال: (قلت: وكذا الصلاة على الآل حيث سنناها والله أعلم) وذلك في التشهد الأول في وجه، وفي الأخير على الأصح، فإنها تكون بعضًا وتجبر بالسجود.
فإن قيل: السجود لترك الصلاة على الآل مأمور به؛ لأن محله قبل السلام
وَلَا تُجْبَرُ سَائِرُ السُّنَنِ. وَالثَّانِي: إِنْ لَمْ يُبْطِلْ عَمْدُهُ كَالاِلْتِفَاتِ وَالْخَطْوَتَيْنِ .. لَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ،
ــ
فيفعل .. فالجواب: أنه يتصور بما إذا كان مأمومً وتحقق ترك إمامه لذلك.
وينبغي عد الصلاة على الآل في القنوت من الأبعاض إذا قلنا باستحبابها، وهو الصحيح كما تقدم.
قال: (ولا تجبر سائر السنن) أي: باقيها؛ لأن ذلك لم ينقل، والباب باب توقيف.
وفي قول قديم: يستحب لترك كل مسنون.
وفي قول: يسجد لترك تسبيح الركوع والسجود.
واختار القاضي حسين: أنه يسجد لترك السورة؛ فإنها آكد في القنوت والتشهد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وشيء معها).
وقال أبو حنيفة: يسجد لترك الجهر والإسرار.
قال: (والثاني) أي: فعل المنهي عنه (إن لم يبطل عمده كالالتفات والخطوتين .. لم يسجد لسهوه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الفعل اليسير في الصلاة كـ (حمله أمامة)، و (خلع نعليه)، ونظر إلى أعلام الخميصة وقال:(ألهتني آنفًا عن صلاتي)[خ373]، ولم يسجد لشيء من ذلك.
وسيأتي أنه يستنثى من هذه القاعدة:
ما إذا نقل ركنًا قوليًا .. فإنه يسجد، وكذا إذا قرأ في غير محل القراءة غير الفاتحة كـ (سورة الإخلاص) .. فإنه يسجد كما ذكره في (شرح المهذب).
ويستثنى القنوت قبل الركوع؛ فإن عمده لا يبطل الصلاة ويسجد للسهو مع أن سهوه يقتضي السجود على الأصح المنصوص كما ذكره المصنف في (باب صفة الصلاة) من زيادات (الروضة).
وصورة المسألة: أن يقرأه بنية القنوت، فإن لم ينوه به .. فلا سجود قاله الخوارزمي في (الكافي).
وَإِلَاّ .. سَجَدَ إِنْ لَمْ تَبْطُلْ بِسَهْوِهِ كَكَلَامٍ كَثِيرٍ فِي الأَصَحِّ
ــ
وإذا صلى في الخوف بفرقة ركعة وبأخرى ثلاثًا .. فإنه يصح ويسجد للسهو.
وإذا ترك التشهد الأول ناسيًا، وتذكره بعدما صار إلى القيام أقرب .. فله أن يعود إليه، فإذا عاد .. سجد، وسيأتي.
والقاصر إذا زاد ركعتين سهوًا .. فإنه يسجد مع أنه تجوز له زيادتهما، قاله ابن الصباغ وابن أبي الصيف.
وإذا طول ركنًا قصيرًا ساهيًا وقلنا لو تعمده لا يضر .. فإنه يسجد على الصحيح.
قال: (وإلا .. سجد إن لم تبطل بسهوه ككلام كثير في الأصح)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، فسجد للسهو سجدتين بعد السلام، متفق عليه [خ1226 - م572].
فإن أبطل سهوه كالحدث والردة، وكذلك الكثير من الكلام والفعل والأكل على الأصح .. فلا سجود؛ لأنه ليس في صلاة.
فقوله: (على الأصح) عائد على التمثيل بما يبطل سهوه وهو: الكلام الكثير، لا إلى قوله:(سجد).
ونبه بـ (الكلام الكثير) على ما ليس في معناه، كالركوع والسجود الزائدين فيسجد لسهوه.
قال الشيخ: ومتابعة الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في السلام من الركعة في قصة ذي اليدين، وفي زيادة خامسة في الحديث المذكور غير مبطلة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يجوز أن يوحى إليه بالزيادة والنقصان.
أما بعده صلى الله عليه وسلم فمتى تابع المأموم الإمام في ذلك عامدًا .. بطلت صلاته.
لكن يستثنى المتنفل راكبًا إذا تحول عن قصده ناسيًا وعاد سريعًا .. فالأصح في (التحقيق) و (شرح المهذب): أنه لا يسجد- مع أن عمده مبطل- وصحح في (الشرح الصغير): أنه يسجد.
وَتَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ يُبْطِلُ عَمْدُهُ فِي الأَصَحِّ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ، فَالاِعْتِدَالُ قَصِيرٌ، وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الأَصَحِّ
ــ
قال: (وتطويل الركن القصير يبطل عمده في الأصح) سواء طوله بقنوت أو سكوت أو ذكر؛ لأن تطويله يخل بالموالاة.
أما إذا ورد الشرع بالتطويل .. فلا يضر بلا إشكال، كالقنوت في موضعه وصلاة التسبيح.
والوجه الثاني: لا يبطل واختاره المصنف؛ لما روى مسلم [473] عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: (سمع الله لمن حمده) .. قام حتى يقول القائل: قد نسي، ويقعد بين السجدتين حتى يقول القائل: قد نسي.
والثالث: إن قنت عمدًا في اعتداله في غير موضعه .. بطلت، وإن كان طول بذكر آخر لا بقصد القنوت .. لم تبطل.
والرابع: إن طول بنقل ركن كالفاتحة أو التشهد .. بطلت؛ لانضمام النفل إلى التطويل، وإلا .. فلا.
هذا في الاعتدال، وأما في الجلوس بين السجدتين .. فسيأتي.
قال: (فيسجد لسهوه) بالاتفاق؛ لإخلاله بصورة الصلاة. هذا إذا قلنا بالأصح وهو: البطلان بعمده، وإن قلنا بمقابله .. فمفهوم الكتاب المنع، لكن الأصح أيضًا: أنه يسجد لسهوه كما تقدم.
قال: (فالاعتدال قصير) أي: بالنسبة إلى غير القنوت وصلاة التسبيح.
ومعنى كونه قصيرًا: أن المصلي مأمور بتخفيفه، ولهذا لا يسن فيه تكرير الذكر المشروع، بخلاف التسبيح في الركوع والسجود، وكأنه ليس مقصودًا لنفسه بل للفصل بين الركوع والسجود وإنما وجبت فيه الطمأنينة ليكون المصلي على سكينة.
قال: (وكذا الجلوس بين السجدتين في الأصح)؛ لأن المقصود منه الفصل، فأشبه الاعتدال بل أولى؛ لأن الذكر المشروع فيه أقصر من المشروع في الاعتدال.
والثاني: أنه طويل؛ للحديث السابق. ونقله الإمام عن الجمهور.
وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا قَوْلِيًّا كَـ (فَاتِحَةٍ) فِي رُكُوعٍ أَوْ تَشَهُّدٍ .. لَمْ تَبْطُلْ بِعَمْدِهِ فِي الأَصَحِّ، وَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِي الأَصَحِّ،
ــ
والذي صححه المصنف هنا صحح مثله في (الروضة) و (شرح المهذب) و (التحقيق) في (صلاة الجمعة)، لكن صحح فيهما هنا أنه طويل.
قال: (ولو نقل ركنًا قوليًا كـ (فاتحة) في ركوع أو تشهد .. لم تبطل بعمده في الأصح)؛ لأنه لا يخل بصورتها، بل ادعى في (الكفاية) نفي الخلاف في ذلك، وهو ثابت بل قوي كما ترى.
والثاني: تبطل كنقل الركن الفعلي.
وحكم بعض الفاتحة وبعض التشهد حكم جميعها، وحكم نقله إلى السجود كهو إلى الركوع.
ويدخل في كلام المصنف: السلام ونقله مبطل، والتكبير وفي عدم البطلان بنقله نظر.
ولو نقل إلى ركن قصير ولم يحصل به تطويله، كقراءة بعض (الفاتحة) أو التشهد في الاعتدال .. جرى فيه الخلاف.
ولو نقل ذكرًا مقصودًا غير ركن .. فقيل هو: كالركن، وقيل: لا.
قال: (ويسجد لسهوه في الأصح)؛ لأن المصلي مأمور بالتحفظ وإحضار الذهن حتى لا يتكلم ولا يزيد في الصلاة ما ليس منها، وهذا الأمر مؤكد عليه تأكد التشهد الأول، فإن غفل وطول الركن القصير أو نقل الركن .. فقد ترك الأمر المؤكد وغير شعار الصلاة، فيجبر بالسجود كترك التشهد الأول والقنوت.
والثاني: لا يسجد كغيره مما لا يبطل عمده.
وعبارته تقتضي .. أنه لا يسجد لعمه، والأصح في (شرح المهذب): أنه يسجد، وصرح فيه أيضًا بضعف الخلاف، وهو مخالف لتعبيره هنا بالأصح.
وَعَلَى هَذاَ: تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا: (مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ). وَلَوْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ فَذَكَرَهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ .. لَمْ يَعُدْ لَهُ، فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ .. بَطَلَتْ، أَوْ نَاسِيًا .. فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ جَاهِلاً .. فَكَذَا فِي الأَصَحِّ
ــ
قال: (وعلى هذا: تستثنى هذه الصورة من قولنا: (ما لا يبطل عمده لا سجود لسهوه)، وسبب الاستثناء التعليل بأن المصلي مأمور بالتحفظ إلى آخره، وقد تقدمت هذه مع نظائرها.
قال: (ولو نسي التشهد الأول فذكره بعد انتصابه .. لم يعد له)؛ لما روى أبو داوود [1028] وابن ماجه [1208] عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الركعتين، فلم يستتم قائمًا .. فليجلس، فإن استتم قائمًا .. فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو)، ولأن القيام فرض والتشهد الأول سنة، والفرض لا يقطع للسنة.
وقيل: يجوز له القعود ما لم يشرع في القراءة، وهو مذهب أحمد.
قال: (فإن عاد عالمًا بتحريمه .. بطلت)؛ لأنه زاد قعودًا عمدًا.
قال: (أو ناسيًا .. فلا)؛ لرفع القلم عنه.
قال: (ويسجد للسهو)؛ لأنه زاد جلوسًا في غير موضعه، وعليه القيام إذا تذكر.
قال: (أو جاهلًا .. فكذا في الأصح) أي: لا تبطل ويسجد للسهو؛ لأنه مما يخفى على العوام.
والثاني: تبطل صلاته لتقصيره بترك التعلم.
وهذا جار في المنفرد والإمام، ولا يجوز للمأموم أن يتخلف عنه للتشهد، فإن فعل .. بطلت صلاته، إلا أن ينوي فارقته .. فيجوز، ويكون مفارقًا بعذر.
ولو انتصب مع الإمام فعاد الإمام للتشهد .. لم يعد المأموم بل ينوي مفارقته،
وَلِلْمَامُومِ الْعَوْدُ لِمُتَابَعَةِ إِمَامِهِ فِي الأَصَحِّ. قُلْتُ: الأَصَحُّ: وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ .. عَادَ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَسْجُدُ إِنْ كَانَ صَارَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ
ــ
وهل له انتظاره قائمًا حملًا على أنه عاد ساهيًا؟ وجهان كنظيرهما في التنحنح.
ولو قعد المأموم، فانتصب الإمام ثم عاد .. لزم المأموم القيام؛ لأنه توجه عليه بانتصاب الإمام.
قال: (وللمأموم العود لمتابعة إمامه في الأصح)؛ لأن متابعته فرض عليه، فيرجع من فرض إلى فرض لا إلى سنة، بخلاف الإمام والمنفرد إذا رجعا.
وقيل: لا يجوز له العود كالمنفرد، بل يصبر قائمًا إلى أن يلحقه الإمام.
قال: (قلت: الأصح: وجوبه والله أعلم)؛ لتأكيد المتابعة، ولهذا يسقط بها القيام والقراءة عن المسبوق، فإن لم يعد .. بطلت صلاته.
ومحل الوجوب: إذا قام ساهيًا، فإن قام عامدًا .. فالعود مستحب لا واجب.
وقد صرح المصنف والرافعي في (صلاة الجماعة) بأن المأموم إذا تقدم بركن عمدًا أو سهوًا .. يندب له العود، وأنه منصوص (الأم)، وقطع به الجمهور.
ونقل- فيما إذا وقع ذلك سهوًا- تصحيح البغوي: أنه يتخير، فيكف يستقيم منه بعد ذلك أن يصحح وجوب العود إلى التشهد؟! فالموافق للنص والترجيح المذكور .. أن العود مستحب سواء كان القيام سهوًا أم عمدًا إلا أن يفرق بفحش التقدم هنا.
قال: (ولو تذكر قبل انتصابه .. عاد للتشهد)؛ لحديث المغيرة السابق، ولأنه لم يتلبس بفرض والمراد بـ (الانتصاب): الاعتدال والاستواء.
وقيل: المراد: أن يصير إلى حالة أرفع من حد أقل الركوع. والأول أصح.
قال: (ويسجد إن كان صار إلى القيام أقرب) أي: أقرب منه إلى القعود؛ لأنه أتى بفعل يغير نظم الصلاة ولو أتى به عمدًا في غير موضعه .. لبطلت صلاته. وإن كان إلى القعود أقرب، أو كانت نسبته إليهما على السواء .. لم يسجد، لكن المصنف
وَلَوْ نَهَضَ عَمْدًا فَعَادَ .. بَطَلَتْ إِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ. وَلَوْ نَسِيَ قُنُوتًا فَذَكَرَهُ فِي سُجُودِهِ .. لَمْ يَعُدْ لَهُ، أَوْ قَبْلَهُ .. عَادَ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ بَلَغَ حَدَّ الرَّاكِعِ. وَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ بَعْضٍ .. سَجَدَ،
ــ
صحح في (التحقيق) و (تصحيح التنبيه): أنه لا يسجد مطلقًا، ونقله في (شرح المهذب) عن الجمهور.
وقال في (المهمات): الفتوى على عدم السجود خلافًا لما في (المنهاج).
قال: (ولو نهض عمدًا فعاد .. بطلت إن كان إلى القيام أقرب)، فلا تبطل إن عاد قبله؛ لأنه زاد في الصلاة على وجه العمد ما لو وقع منه سهوًا جبره بالسجود فكان مبطلًا، والبطلان في هذا الموضع ليس للنهوض؛ لأنه جائز، وإنما حكم العود هنا كحكم النهوض في غيره؛ لما يحصل به من الخلل.
فرع:
صلى قاعدًا فافتتح القراءة بعد الركعتين، فإن كان قد سبق لسانه إلى القراءة وهو عالم أنه لم يتشهد .. فله العود إلى التشهد، وإن كان على ظن أنه فرغ من التشهد وأنه جاء وقت الثالثة .. لم يعد إلى قراءة التشهد على الأصح.
وقيل: يعود.
والوجهان مبنيان على أن العبرة بصورة الصلاة أم بمعناها؟ فإن قلنا: بالصورة .. عاد، وإن قلنا: بالمعنى وهو الأصح .. لم يعد.
قال: (ولو نسي قنوتًا فذكره في سجوده .. لم يعد له)؛ لتلبسه بفرض.
قال: (أو قبله .. عاد)؛ لعدم التلبس به.
قال: (ويسجد للسهو إن بلغ حد الراكع)؛ لأنه زاد ركوعه وتعمده مبطل. والتقييد بـ (بلوغ حد الراكع) عائد إلى السجود لا إلى العود.
قال: (ولو شك في ترك بعض) أي: معين (.. سجد)؛ لأن الأصل أنه لم يفعله. فإن شك هل ترك مأمورًا في الجملة أو لا؟ فلا يسجد كما لو شك هل سها أو لا؟
أَوِ ارْتِكَابِ نَهْيٍ .. فَلَا. وَلَوْ سَهَا وَشَكَّ: هَلْ سَجَدَ .. فَلْيَسْجُدْ. وَلَوْ شَكَّ: أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا .. أَتَى بِرَكْعَةٍ وَسَجَدَ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ سَلَامِهِ،
ــ
قال: (أو ارتكاب نهي .. فلا)؛ لأن الأصل أنه لم يفعله.
قال: (ولو سها وشك: هل سجد .. فليسجد) تمسكًا بالأصل أيضًا؛ لأن الأصل عدم السجود.
ولو شك: هل سجد للسهو سجدة أو سجدتين .. أخذ بالأقل وسجد أخرى؛ لأن الأصل في الثانية العدم.
ولو تيقن السهو، وشك: هل هو ترك مأمور أو ارتكاب منهي .. سجد.
قال: (ولو شك: أصلى ثلاثًا أم أربعًا .. أتى بركعة)؛ لحديث أبي سعيد الخدري المتقدم في أول الباب.
والمراد بـ (الشك): مطلق التردد، سواء ترجح أحد الاحتمالين أم لا، حتى يرجع إلى ما غلب على ظنه، ولا يرجع إلى قول غيره.
وقيل: يجوز الرجوع إلى قول جمع كثير كانوا يرقبون صلاته؛ لظاهر حديث ذي اليدين.
والجواب: أنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر فرجع إلى علمه، أو أن قولهم أفاد شكًا فأخذ بالأصل، وليس ذلك عملًا بقولهم.
قال: (وسجد)؛ للحديث المتقدم. وهذا السجود مخالف للقاعدة؛ لأنه لم يترك مأمورًا به، ولا تحقق ارتكاب منهي عنه، ولهذا اختلفوا في سببه:
فقيل: المعتمد فيه الخبر، ولا يظهر معناه.
والأصح: أن سببه التردد في زيادة الركعة التي يأتي بها.
وفائدتهما تظهر- فيما ذكره المصنف بعد ذلك- فيما إذا زال تردده قبل السلام وعرف أن التي أتى بها رابعة .. فإن لا يسجد على الأول، ويسجد على الثاني؛ لأن الركعة تأدت على التردد، وزواله بعد ذلك لا يرفع ما وقع.
قال: (والأصح: أنه يسجد وإن زال شكه قبل سلامه) أي: وتبين أنها غير زائدة؛ لأن الأصح: أن سبب السجود التردد وقد حصل.
وَكَذَا حُكْمُ مَا يُصَلِّيهِ مُتَرَدِّدًا وَاحْتَمَلَ كَوْنُهُ زَائِدًا. وَلَا يَسْجُدُ لِمًا يَجِبُ بِكُلِّ حَالٍ إِذَا زَالَ شَكُّهُ، مِثَالُهُ: شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ: أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ فَتَذَكَّرَ فِيهَا .. لَمْ يَسْجُدْ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ .. سَجَدَ
ــ
والثاني: لا يسجد؛ لأن الحديث ظاهر إنما ورد في دوام الشك إلى السلام وقد زال ذلك.
قال: (وكذا حكم يصليه مترددًا واحتمل كونه زائدًا)؛ لما تقرر.
قال: (ولا يسجد لما يجب بكل حال إذا زال شكه، مثاله: شك في الثالثة: أثالثة هي أم رابعة؟ فتذكر فيها) أي: في الثالثة قبل أن يقوم إلى الرابعة، أو في الرابعة واقتصر عليها (.. لم يسجد)؛ لأن ما فعله على الشك لابد منه على التقديرين، إذ المسألة مفروضة في الرباعية.
وكان ينبغي أن يقول: ولو شك في ركعة: أثالثة هي، وإلا فبعد فرضها ثالثة كيف يشك: أثالثة هي أم رابعة؟
قال: (أو في الرابعة .. سجد) أي: وإن تذكر في الرابعة أنها رابعة .. سجد؛ لأن احتمال الزيادة كان موجودًا حين قام إليها.
فهذا ضابط عروض الشك المقتضي للسجود عند من علل به.
فلو بان له بعد القيام إلى الركعة أنها خامسة .. فلا شك في السجود. ثم إن كان قيامه لها قبل التشهد .. تشهد وسجد، وإن كان قيامه لها بعد التشهد .. فالمشهور: أنه لا يحتاج إلى إعادة التشهد.
وقال ابن سريج: يعيد؛ لأن ما أتى به في حالة التشهد ليس من الصلاة.
فإعادته لمعنيين:
أحدهما: أن ينتقل من ركن إلى ركن.
وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ في تَرْكِ فَرْضٍ .. لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ
ــ
والثاني: تحقيق الموالاة؛ فإن السلام ركن فلابد أن يتصل بالتشهد.
وينبني على المعنيين: إذا تذكر بعد القيام إلى ثانية أنه ترك سجدة من الأولى، فإن قلنا بالمعنى الأول .. سجد سجدتين؛ لينتقل إلى الركن عن الركن الذي يتصل به.
وإن قلنا بالثاني .. اقتصر على السجدة المتروكة؛ لأن آخرها يتصل بجزء من الصلاة وهو القيام.
قال: (ولو شك بعد السلام في ترك فرض .. لم يؤثر على المشهور)؛ لأن الظاهر أداؤها على التمام، ولأنه لو أثر .. لعسر الأمر على الناس خصوصًا على ذوي الوسواس.
والثاني: يؤثر كما لو شك في الصلاة؛ لأن الأصل عدم الفعل.
وموضع الخلاف: إذا لم يطل الزمان، فإن طال .. لم يؤثر قطعًا؛ لكثرة الشكوك عند الطول.
وقيل: على القولين، وهو مقتضى إطلاق الكتاب.
واحترز بقوله: (بعد السلام) عن الشك في النية؛ لأن شكه فيها يخرج سلامه عن كونه سلاما.
وتعبيره بـ (الفرض) يشمل الشرط والركن، لكن يرد عليه ما لو خرج من الصلاة ثم شك: هل كان متطهرًا أو لا؟
والأصح في (باب مسح الخف) من (شرح المهذب): أنه يؤثر، فتجب الإعادة.
والفرق: أن الشاك في الطهر شاك في الانعقاد والأصل عدمه، والشاك في الركن قد تيقن الانعقاد وشك في المبطل والأصل عدمه. اهـ.
وقد نص الشافعي على خلاف ما قاله.
ولو شك أن ما فعله ظهر أو عصر وكانا فاتاه .. أعادهما.
ولو شك المقتدي بعد السلام في نية الاقتداء .. لم يؤثر، وقيل: على الخلاف في مسألة الكتاب.
وَسَهْوُهُ حَالَ قُدْوَتِهِ يَحْمِلُهُ إِمَامُهُ، فَلَو ظَنَّ سَلَامَةُ فَسَلَّمَ، فَبَانَ خِلَافُهُ .. سَلَّمَ مَعَهُ وَلَا سُجُودَ. وَلَوْ ذَكَرَ فِي تَشَهُّدِهِ تَرْكَ رُكْنٍ غَيْرِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ .. صَلَّى بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِهِ رَكْعَةً
ــ
ولو شك: هل سلم أو لا؟ يسلم ولا يسجد للسهو، بخلاف ما إذا شك في ركن آخر- كذا أفتى به القفال- والفرق: فوت محل السجود بالإتيان بالسلام المشكوك فيه.
قال: (وسهوه حال قدوته يحمله إمامه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن) رواه أبو داوود [518] والترمذي [207]، وصححه ابن حبان [1672].
وروى الدارقطني [1/ 377] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على من خلف الإمام سهو، فإذا سها الإمام .. فعليه وعلى من خلفه).
و (تكلم معاوية بن الحكم خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالسجود).
وكما يحمل عن المأموم: الجهر، والسورة، وسجود السهو والتلاوة، ودعاء القنوت، والقراءة عن المسبوق والقيام عنه، والتشهد الأول عن الذي أدركه في الركعة الثانية، والقنوت في الصبح إذا لحقه في الثانية، وقراءة الفاتحة في الجهرية على القديم فهذه عشرة أشياء.
وقوله: (حال القدوة) احتراز مما قبل القدوة وبعدها. وسيأتي ذكرهما في كلامه، ولا فرق بين القدوة الحسية والحكمية كما سيأتي في (المزحوم) و (صلاة الخوف).
قال: (فلو ظن سلامه فسلم، فبان خلافه .. سلم معه)؛ لأنه لا يجوز تقديمه على سلام الإمام.
قال: (ولا سجود)؛ لأن القدوة باقية.
قال: (ولو ذكر) أي: المأموم (في تشهده ترك ركن غير النية والتكبيرة) كالفاتحة (.. صلى بعد سلام إمامه ركعة) ولا يجوز أن يعود إلى تداركه؛ لما فيه من ترك المتابعة الواجبة.
وَلَا يَسْجُدُ. وَسَهْوُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ لَا يَحْمِلُهُ، فَلَوْ سَلَّمَ الْمَسْبُوقُ بِسَلَامِ إِمَامِهِ .. بَنَى وَسَجَدَ وَيَلْحَقُهُ سَهْوُ إِمَامِهِ،
ــ
قال: (ولا يسجد)؛ لما تقدم.
وإنما استثنى النية وتكبيرة الإحرام؛ لأن تركهما يوجب الاستئناف. ولم يستثنهما في (المحرر) لوضوحهما.
قال: (وسهوه بعد سلامه لا يحمله)؛ لانتهاء القدوة. ولا فرق في ذلك بين المأموم الموافق إذا تكلم ساهيًا عقب سلام الإمام، والمسبوق إذا سها فيما يأتي بعد السلام.
وكذا المنفرد إذا سها في صلاته، ثم دخل في جماعة وجوزنا ذلك .. لا يتحمل الإمام سهوه، بل يسجد هو بعد سلام الإمام.
قال: (فلو سلم المسبوق بسلام إمامه .. بنى) أي: إذا لم يطل الفصل.
قال: (وسجد)؛ لأن سهوه بعد انقطاع القدوة، ولأن عمده مبطل.
ولو نطق بالسلام ولم يقل: عليكم .. لم يسجد؛ لأن السلام من أسماء الله تعالى ولم يوجد خطاب، قاله البغوي في (الفتاوى).
لكن لو نوى معه الخروج من الصلاة .. فالقياس: أنه يسجد.
قال: (ويلحقه سهو إمامه) كما يتحمل الإمام سهوه؛ لحديث الدارقطني [1/ 377] المتقدم، ولأن الخلل يتطرق بذلك إلى صلاة المأموم، واستثنى الشيخان صورتين:
إحداهما: إذا بان الإمام محدثًا .. فلا يسجد المأموم لسهوه، ولا يتحمل هو عن المأموم أيضًا.
والثانية: إذا علم سبب سجوده وتيقن غلطه في ظنه، كما إذا ظن الإمام أنه ترك بعضًا والمأموم تيقن عدم تركه .. فلا يوافقه إذا سجد.
قال في (الكفاية): في الاستثناء نظر؛ لأن الأصح: أن الصلاة خلف المحدث جماعة، حتى لا يجب عند ظهوره في الجمعة إعادتها، وأما الثانية .. فإن ذلك
فَإِنْ سَجَدَ .. لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِلَاّ .. فَيَسْجُدُ عَلَى النَّصِّ. وَلَوِ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمَنْ سَهَا بَعْدَ اقْتِدَائِهِ، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأَصَحِّ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَسْجُدُ مَعَهُ، ثُمَّ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ
ــ
يقتضي: سجود السهو على الإمام على الأصح كزيادة سجدتين سهوًا، فلم يخرج سهو الإمام عن اقتضائه: سجود السهو في حق المأموم وعلى الوجه الآخر .. لا استثناء؛ لأنه لم يحصل من الإمام سهو يقتضي السجود.
قال: (فإن سجد) أي: في غير الصورتين (.. لزمه متابعته)، فإن تركها عمدًا .. بطلت صلاته؛ لمخالفته حال القدوة، سواء عرف سهو إمامه أم لا.
قال: (وإلا) أي: وإن لم يسجد الإمام إما عمدًا أو سهوًا، وسلم.
قال: (.. فيسجد على النص) أي: المأموم؛ جبرًا لخلل صلاته لسهو إمامه. وفيه قول مخرج: أنه لا يسجد؛ لأنه لم يسه.
فلو سلم الإمام لاعتقاده أن السجود بعده .. فالأصح: أنه يسجد المأموم قبل السالم ولا ينتظره.
والثاني: يتبعه في السلام ثم في السجود.
والثالث: ينتظره حتى يسجد فيسجد معه ثم يسلم؛ ليكون قد تابعه وسجد قبل السلام.
قال: (ولو اقتدى مسبوق بمن سها بعد اقتدائه، وكذا قبله في الأصح .. فالصحيح: أنه يسجد) للسهو (معه)؛ رعاية للمتابعة.
قال: (ثم في آخر صلاته) أي: صلاة نفسه؛ لأنه محل الجبر بالسجود.
والثاني: يسجد معه ولا يسجد في آخر صلاته، قاله في القديم، واختاره المزني.
والثالث: لا يسجد معه؛ لأن محل السجود آخر الصلاة.
والوجه الثاني المقابل لقول المصنف: (وكذا قبله في الأصح): أن سهو الإمام
فَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الإِمَامُ .. سَجَدَ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى النَّصَّ. وَسُجُودُ السَّهْوِ وَإِنْ كَثُرَ سَجْدَتَانِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ،
ــ
لا يلحق المقتدي بعد ذلك حكمه؛ لأنه لم يكن بينهما رابطة الاقتداء، فأشبه السهو الواقع من المأموم بعد سلام إمامه.
فعلى هذا: لا يسجد المأموم لا مع الإمام، ولا في آخر صلاة نفسه.
قال: (فإن لم يسجد الإمام .. سجد آخر صلاة نفسه على النص) وهو النص المتقدم أي: في الحالين، وهما: حالة الاقتداء وقبله.
قال: (وسجود السهو وإن كثر سجدتان)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من اثنتين، وكلم ذا اليدين، واقتصر على سجدتين، ولذلك جعل آخر الصلاة حتى يجمع كل سهو. ولا فرق بين أن يكون من نوع أو أنواع بزيادة أو نقصان أو بهما.
وقال ابن أبي ليلى: لكل سهو سجدتان؛ لما رواه أبو داوود [1030] من حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل سهو سجدتان).
والجواب: أنه من رواية زهير بن سالم وهو مجهول.
وفي وجه حكاه ابن عبدان في (شرائط الأحكام): إن سها بالزيادة والنقصان .. سجد أربعًا.
وقيل: يتعدد إذا تعدد سببه، حكاه صاحب (الوسائل) وهو ابن جماعة المقدسي.
قال: (كسجود الصلاة) في الكيفية والجلوس بينهما والطمأنينة والتسبيح فيهما قاله المتولي، ولم يره الرافعي بل قال: إن الكتب ساكتة عن الذكر فيهما، وذلك يشعر بأن المشروع فيهما هو المشروع في سجدات صلب الصلاة كسائر ما سكتوا عنه من واجبات هذا السجود ومحبوباته، قال: وسمعت بعض الأئمة يحكي: أنه يستحب أن يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو، وهو لائق بالحال. اهـ
نعم؛ سكتوا عن الذكر بينهما، والظاهر: أنه كالذكر بين سجدتي صلب الصلاة.
وَالْجَدِيدُ: أَنَّ مَحَلَّهُ بَيْنَ تَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ. فَإِنْ سَلَّمَ عَمْدًا .. فَاتَ فِي الأَصَحِّ، أَوْ سَهْوًا وَطَالَ الْفَصْلُ .. فَاتَ فِي الْجَدِيدِ،
ــ
قال: (والجديد: أن محله بين تشهده وسلامه)؛ لما تقدم عن عبد الله بن بحينة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد قبل السلام).
وفي حديث أبي سعيد: (وليسجد سجدتين قبل السلام)، وكذلك في (سنن أبي داوود)[1006] من رواية أبي هريرة، وفي (الترمذي)[398] من حديث عبد الرحمن بن عوف، وقال الزهري: إنه آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يفعل لإصلاح الصلاة، فكان قبل السلام كما لو نسي سجدة من الصلاة.
وأما حديث ذي اليدين وما في طرقه من السجود بعد السلام .. فمحمول على أن تأخيره كان سهوًا لا مقصودًا، مع أن هذا الحديث لم يرد لبيان حكم سجود السهو، فوجب تأويله وحمله على رواية أبي سعيد وأبي هريرة وابن عوف.
والقول الثاني: إن سها بزيادة .. سجد بعد السلام، وإن سها بنقص .. فقبله.
والقول الثالث: يتخير إن شاء قبله، وإن شاء بعده. وهما قديمان.
والخلاف في الإجزاء في الأصح، وقيل: في الأفضل.
قال: (فإن سلم عمدًا .. فات في الأصح)؛ لفوات محله. وأشار بالفاء إلى أنه تفريع على الجديد.
والثاني: أنه كما لو سلم ناسيًا، إن طال الفصل .. لم يسجد، وإلا .. سجد. ونص عليه في (باب صلاة الخوف) من (البويطي).
وعلى هذا، إذا سجد .. لا يكون عائدًا إلى الصلاة بلا خلاف.
قال: (أو سهوًا وطال الفصل .. فات في الجديد)؛ لأنه يفعل لتكميل الصلاة، فلا يفعل عند طول الفصل.
وَإِلَاّ .. فَلَا عَلَى النَّصِّ. وَإِذَا سَجَدَ .. صاَرَ عَائِدًا إِلىَ الصَّلَاةِ فِي الأَصَحِّ
ــ
والثاني- وهو القديم-: يسجد؛ لأنه جبران عبادة، فلا يسقط بالتطاول كجبران الحج.
واختلفوا في حد الطول:
فقال الشيخ أبو إسحاق: هو أن يمضي قدر ركعة، وعليه نص في (البويطي).
وقال غيره: يرجع فيه إلى العرف.
وقال ابن أبي هريرة: إن مضى مقدار الصلاة التي نسي فيها .. استأنف، وإن كان دون ذلك .. بنى؛ لأن آخر الصلاة يبنى على أولها، وما زاد على ذلك لا يبنى، فجعل ذلك حدًا.
قال: (وإلا .. فلا على النص) أي: إذا لم يطل .. لم يفت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسًا، وقيل له في ذلك، فسجد للسهو، متفق عليه [خ1226 - م572].
والثاني: يفوت؛ لأن السلام ركن جري في محله، والسجود يجوز تركه قصدًا.
قال: (وإذا سجد .. صار عائدًا إلى الصلاة في الأصح)؛ لأن محل السجود قبل السلام.
والثاني: لا؛ لأن التحلل حصل بالسلام.
وينبني على الخلاف مسائل، كبطلان الصلاة بالحدث وغيره من المفسدات إذا وقع في السجود، ولزوم الإتمام على القاصر إذا نواه فيه، وفوات الجمعة بخروج وقت الظهر فيه، نعم السجود في هذه الحالة حرام عند العلم بالحال؛ لأنه يفوت الجمعة مع إمكانها.
إذا قلنا بالعود .. لا يكبر للافتتاح ولا يتشهد على الأصح، وعلى مقابله يكبر ولا يتشهد في الأصح.
وَلَوْ سَهَا إِمَامُ الْجُمُعَةِ وَسَجَدُوا فَبَانَ فَوْتُهَا .. أَتَمُّوا ظُهْرًا وَسَجَدُوا. وَلَوْ ظَنَّ سَهْوًا فَسَجَدَ فَبَانَ عَدَمُهُ .. سَجَدَ فِي الأَصَحِّ
ــ
قال: (ولو سها إمام الجمعة وسجدوا فبان فوتها .. أتموا ظهرًا)؛ لما سيأتي في بابها.
قال: (وسجدوا)؛ لأن محله آخر الصلاة.
قال: (ولو ظن سهوًا فسجد فبان عدمه .. سجد في الأصح)؛ لأنه زاد سجدتين سهوًا.
والثاني: لا؛ لأن سجود السهو يجبر كل خلل في الصلاة، فيجبر نفسه كما يجبر غيره، وصار كإخراج شاة من الأربعين تزكي نفسها وغيرها.
تتمة:
أشار المصنف بهاتين المسألتين إلى أن سجود السهو وإن كان لا يتعدد حكمًا .. فإنه قد يتعدد صورة فيما ذكرناه، وفي صور أخرى:
منها: المسبوق كما تقدم.
ومنها: إذا سجد في آخر الصلاة المقصورة، ثم لزمه الإتمام فأتم .. فإنه يسجد أيضًا.
* * *
خاتمة
ختم الله لنا بالحسنى
سجد للسهو ثم سها قبل السلام بكلام أو غيره .. قال ابن القاص: يسجد؛ لأن السجود لا يجبر ما بعده.
والأصح عند المتولي وغيره: لا يعيد؛ لأنه لا يأمن وقوع مثله فيتسلسل- وهو قول أبي عبد الله الختن- ولأن السجود يجبر خلل الصلاة مطلقًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهذه المسألة التي سأل عنها أبو يوسف الكسائي لما ادعى: أن من تبحر في علم اهتدى به إلى سائر العلوم، فقال له: أنت إمام في النحو والأدب فهل تهتدي به إلى الفقه؟ فقال: سل ما شئت، فقال: لو سجد سجود السهو ثلاثًا، هل يلزمه أن يسجد؟ قال: لا؛ لأن المصغر لا يصغر.
وذكر الخطيب في (تاريخ بغداد)[14/ 156]: أن هذه القضية جرت بين محمد بن الحسن والفراء، وهما ابنا خالة.
* * *