الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ
أَرْكَنُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ:
ــ
باب صفة الصلاة
هذا الباب معقود لبيان كيفية الصلاة وتفصيل أجزائها؛ ليفعل المصلي الفرض حتمًا إن كان يعلمه، ويتعلمه وجوبًا إن جهله، ولهذا قال الإمام: يجب على كل من أسلم أن يبتدئ بتعلم شرائط الصلاة وأركانها، ومعرفة كون الشيء جزءًا من الصلاة أو ليس بجزء.
مأخوذ من اصطلاح الشارع الذي دل عليه فهم مراده من الصلاة الشرعية، وهي مشتملة على شروط وأركان وأبعاض وهيئات، فالشروط مذكورة في الباب الآتي، والأبعاض السنن المجبورة بسجود السهو مذكورة في بابه، والأركان مذكورة هنا، وكذلك الهيئات وهي: السنن التي لا تجبر.
والأركان والشروط قد يعسر التمييز بينهما من جهة أن كل واحد منهما لابد منه، فكما أن الصلاة متوقفة على الشرط، كذلك هي متوقفة على الركن. والتحقيق أن شرطها: ما يعتبر في صحتها متقدمًا عليها ومستمرًا فيها، والركن ما تركبت منه، مع اشتراكهما في أن كلاً منهما لابد منه.
وعلى هذا: يكون الركن والشرط خاصين تحت أعم وهو الواجب، ويمكن استحضار الصلاة دون شروطها، ولا يمكن تصور حقيقتها إلا بتصور جميع أجزائها.
قال: (أركانها ثلاثة عشر)، كذا في (المحرر)، وجعلها في (الروضة) و (التحقيق) سبعة عشر، فزاد الطمأنينة في الركوع وفي السجود وفي الاعتدال وفي الجلوس بين السجدتين، وهنا جعلها في كل ركن كالجزء منه وكالهيئة التابعة له، وهو صريح كلامهم في التقدم والتأخر بركن أو ركنين.
النِّيَةُ. فَإِنْ صَلَّى فَرْضًا .. وَجَبَ قَصْدُ فِعْلِهِ وَتَعْيِينُهُ
ــ
قال الرافعي: وبه يشعر قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا)، وهو خلاف لفظي، وزاد بعضهم الموالاة، وبعضهم نية الخروج، وبعضهم استقبال القبلة.
ونقص الغزالي النية، فجعلها بالشروط أشبه، وعدها في الصوم ركنًا؛ لأنها هنا صفة للأفعال فكانت كالطهارة، وأما الصوم .. فترك، فلا يحسن أن تكون وصفًا له، ولذلك لا تعتبر في سائر التروك، ولولا الخبر لما اعتبرت في الصوم.
قال: (النية)؛ لقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} . قال الماوردي: والإخلاص في كلامهم: النية. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). ولأن الصلاة قربة محضة، فلا تصح بغير نية كالصوم، وأجمع الأمة على اعتبار النية في الصلاة. وبدأ بها، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بها.
قال: (فإن صلى فرضًا .. وجب قصد فعله وتعيينه) أي: فعل الصلاة، وتعيين كونها ظهرًا أو عصرًا؛ ليتميز بالأول عن سائر الأفعال، وبالثاني عن سائر الصلوات؛ لأن النية شرعت لتمييز العبادة عن العادة كما في القسم الأول، أو لتمييز مراتب العبادة كما في الثاني، وكان الصواب أن يقول: قصد فعلها وتعيينها بضمير المؤنث ليعود على الصلاة؛ إذ لا يمكن عوده على الفريضة؛ لأن قصد الفرض سيأتي.
قال الرافعي: ولا يكفيه أن يحضر نفس الصلاة بباله مع الغفلة عن الفعل.
ولو اقتصر على نية فرض الوقت .. لم يكف في الأصح؛ لاحتمال أنه ذكر حينئذ فائتة. ولا تصح الظهر بنية الجمعة على الصحيح، وتصح الجمعة بنية الظهر المقصورة إن قلنا: إنها كذلك.
وَالأَصَحُّ: وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّة دُونَ الإِضَافَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى
ــ
قال: (والأصح: وجوب نية الفرضية)؛ لتمتاز عن صلاة الصبي، والصلاة المعتادة في جماعة.
والثاني: لا؛ لأن الظهر من البالغ إذا لم تكن معادة .. لا تكون إلا فرضًا، وصلاة الصبي حجة لنا؛ لأن الصبي إذا صلى ثم بلغ .. يجزئه ما أتى به، ولو كانت نية الفرضية مشترطة .. لما أجزأه ذلك.
لكن صحح في (التحقيق) و (شرح المهذب): أن نية الفرضية لا تشترط في صلاة الصبي، وفي (أصل الروضة) الاشتراط، والأول هو الظاهر.
والنذر كالفرض، حكاه ابن الرفعة عن بعضهم وأقره.
قاعدة:
العبادات المشروط فيها النية، في وجوب التعرض للفرض فيها خمسة أقسام:
الأول: يشترط بلا خلاف كالزكاة.
الثاني: عكسه كالحج والعمرة.
الثالث: يشترط التعرض له على الأصح كالصلاة.
الرابع: عكسه الجمعة والصوم على ما صححه في (شرح المهذب)، خلافًا لما وقع للرافعي من ترتيب الخلاف على الصلاة، وتبعه صاحب (الحاوي الصغير).
الخامس: عبادة لا يكفي فيها ذلك، بل يضر على الصحيح، وهي التيمم، فإذا نوى فرضه .. لم يكف.
قال: (دون الإضافة إلى الله تعالى)؛ لأن عبادة المسلم لا تكون إلا لله.
والثاني: يجب؛ لتحقق معنى الإخلاص. ويجريان في سائر العبادات.
ولا يشترط التعرض لعدد الركعات واستقبال القبلة على الصحيح، لكن متى نوى الظهر ثلاثًا أو خمسًا .. لم ينعقد.
وفي تصوير عدم الإضافة إلى الله تعالى إشكال، فإن فعل الفرض لا يكون إلا لله، فلا ينفك قصد الفرضية عن نية الإضافة إلى الله تعالى.
وَأَنَّهُ يَصِحُّ الأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ. وَالنَّفْلُ ذُو الْوَقْتِ أَوِ السَّبَبِ كَالْفَرْضِ فِيمَا سَبَقَ،
ــ
قال: (وأنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه)؛ لاستعمال كل بمعنى الآخر، تقول: قضيت الدين وأديته، وقال تعالى:{فإذا قضيتم الصلوة} أي: أديتموها.
والثاني: يشترطان؛ ليتميز كل منهما عن الآخر.
والثالث: يشترط التعرض لنية القضاء دون الأداء، لأن الأداء يتميز بالوقت بخلاف القضاء.
والرابع: إن كان عليه فائتة مثلها .. اشترط التعرض لنية الأداء، وإلا .. فلا، وبه قطع الماوردي والقفال.
قال الرافعي: هذا الخلاف ليس بظاهر؛ لأنه إن جرت هذه النية على لسانه أو في قلبه، ولم يقصد حقيقة معناها .. فينبغي أن يصح قطعًا، وإن قصد حقيقة معناها .. ينبغي أن لا تصح قطعًا؛ لتلاعبه.
وأجاب المصنف بأن مراد الأصحاب من نوى ذلك جاهلًا بالوقت لغيم ونحوه، فصلى بنية الأداء ثم تبين أنه صلى في غير الوقت .. فنص الشافعي على صحتها، وكذا لو ظن خروج الوقت فصلى بنية القضاء، ثم بان أنه باق .. فإنه تجزئه بلا خلاف، وكذا لو لم ينو شيئًا منهما؛ لأن الوقت يغني عن تعيين الأداء والقضاء.
ومن عليه فائتة أو فوائت .. لا خلاف أنه لا يشترط أن ينوي ظهر يوم الخميس مثلًا، بل تكفيه نية الظهر، أو الظهر الفائتة إذا شرطنا نية القضاء.
قال: (والنفل ذو الوقت أو السبب كالفرض فيما سبق) أي: من اشتراط نية فعل الصلاة والتعيين، فينوي في ذي السبب صلاة الاستسقاء مثلًا أو الخسوف.
وأما ذو الوقت .. فينقسم إلى راتب وهو: التابع للفرائض كسنة الظهر، وإلى غيره كصلاة العيد.
فغير الراتب يعينه بما اشتهر به كالتراويح والضحى وصلاة العيد.
وقال الشيخ عز الدين: لا يجب التعرض لكونه فطرًا أو نحرًا.
وَفِي نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ وَجْهَانِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ: لَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ النَّفْلِيَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَكْفِي فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ. وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ،
ــ
والرواتب يعينها بالإضافة، فيقول مثلًا: أصلي ركعتي الفجر، أو سنة العشاء، أو راتبة الظهر.
وقال في (شرح المهذب): التي قبلها أو بعدها وفيه نظر.
والوتر صلاة مستقلة فلا يضيفها لصلاة العشاء، فإن أوتر بواحدة أو بما زاد ووصل .. نوى الوتر، وإن فصل .. نوى بالواحدة الوتر، وفيما قبلها أوجه:
أصحها: ينوي الوتر أيضًا.
والثاني: صلاة الليل.
والثالث: سنة الوتر.
والرابع: مقدمة الوتر.
قال الرافعي: وهذه الأوجه تشبه أن تكون في الأولوية لا في الاشتراط.
قال: (وفي نية النفلية وجهان)، كما في اشتراط الفرضية في الفرض.
ولو عبر بالتعريف كما عبر في (المحرر) و (الروضة) .. كان أولى، وكانت في أصل المصنف كذلك، لكنه كشط الألف واللام وصحح عليه.
قال: (قلت: الصحيح: لا يشترط نية النفلية والله أعلم)؛ لأن النفلية ملائمة للفعل، بخلاف الظهر ونحوها.
قال: (ويكفي في النفل المطلق) وهو: الذي ليس له وقت ولا سبب (نية فعل الصلاة)؛ لأن بها تتحقق القربة، ولا خصوصية لها تفتقر إلى قصدها.
قال: (والنية بالقلب)؛ لأنها القصد، فلا يكفي النطق مع غفلة القلب بالإجماع، ونبه به هنا على جميع الأبواب فإنه لم يذكره إلا هنا.
وَيُنْدَبُ النُّطْقُ قُبَيْلَ التَّكْبِيرِ. الثَّاني: تَكْبِيرةُ الإِحْرَامِ
ــ
قال: (ويندب النطق قبيل التكبير)؛ ليساعد اللسان القلب، ولأن ذلك أبعد عن الوسواس، وتقدم أن الزبيري أوجب التلفظ بالنية في كل عبادة وهو بعيد، بل لم يقم دليل على الندبية.
ولا يجب استصحاب النية بعد التكبير، ولكن يشترط أن لا يأتي بمناقض لها.
فلو نوى في أثناء الصلاة الخروج منها .. بطلت، وإن تردد في أن يخرج أو يستمر .. بطلت.
ولو نوى في الركعة الأولى الخروج في الثانية، أو علق الخروج بشيء يوجد في صلاته .. بطلت في الحال على الصحيح، كما لو علق به الخروج من الإسلام .. فإنه يكفر في الحال كما سيأتي في بابه.
ولو تردد في الخروج من صومه، أو علقه على وجود شيء .. لم يبطل على المذهب كالحج.
فالعبادات في قطع النية أربعة أضرب:
الأول: الإيمان والصلاة، يبطلان بنية الخروج وبالتردد.
الثاني: الحج والعمرة لا يبطلان.
الثالث: الصوم والاعتكاف، الأصح: أنهما لا يبطلان.
الرابع: الوضوء فلا يبطل بنية الخروج بعد الفراغ على المذهب، ولا بالتردد فيه قطعًا.
ولو عقب النية بإن شاء الله بلسانه أو قلبه تبركًا .. لم يضر، وإن علق أو شك .. ضر.
ولو قيل له: صل الظهر لنفسك ولك دينار، فصلى بهذه النية .. صحت ولا دينار.
قال: (الثاني: تكبيرة الإحرام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة .. فكبر).
وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَادِرِ: (اللهُ أَكْبَرْ)،
ــ
وروى الشافعي [1/ 100] وأبو داوود [62] والحاكم [1/ 223] عن محمد ابن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وقال الترمذي [3]: هو أصح شيء في الباب وأحسن.
وسميت تكبيرة الإحرام؛ لأنه يحرم بها عليه ما كان حلالًا قبلها من مفسدات الصلاة، كالأكل والكلام ونحوهما.
وعند أبي حنيفة: التكبير شرط لا يدخل في الصلاة إلا بعد فراغه.
وعندنا وجه كمذهبه، والمذهب: أنا نتبين بفراغه منه دخوله فيها بأوله.
وفائدة الخلاف: فيما لو افتتح التكبير بمانع ما من نجاسة أو غيرها.
قال: (ويتعين على القادر: (الله أكبر))؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل به في الصلاة، وقال:(صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري [631].
وروى أبو حميد الساعدي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فتتح الصلاة .. استقبل القبلة ورفع يديه وقال: (الله أكبر) رواه ابن ماجه [862]، وصححه ابن حبان [1870]،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا تنعقد بقوله: الله الكبير؛ لفوات مدلول أفعل التفضيل، وفي وجه شاذ: يجزئ الرحمن الرحيم أكبر.
ومعنى (الله أكبر) أي: من كل شيء.
ويشترط في التكبير جزم الراء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (التكبير جزم)، فلو ضم الراء من أكبر .. لم تصح صلاته كما قاله ابن يونس في (شرح التنبيه)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال:(صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالتكبير إلا مجزومًا. ولو قال: أللهو أكبر بزيادة واو ساكنة أو محركة .. لم تصح. ولو قال: الله هو أكبر .. لم تصح كما قال في (الكفاية). ولو شدد الباء من أكبر .. ففي (فتاوى ابن رزين): أنها لا تنعقد.
وَلَا تَضُرُّ زِيَادَةٌ لَا تَمْنَعُ الاِسْمَ كَـ (اللهُ الأَكْبَرْ)، وَكَذَا (اللهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرْ) فِي الأَصَحِّ، لَا (أَكْبَرُ اللهُ) عَلَى الصَّحِيحِ
ــ
ولو قال: أصلي الظهر مأمومًا أو إمامًا الله أكبر .. فالأولى أن يقطع الهمزة من قوله: الله أكبر وليحققها، فإن وصلها .. خلاف الأولى، ولكن تصح صلاته، كذا في (شرح المهذب) و (التحقيق)، وأفتى به ابن الصلاح وابن عبد السلام.
والحكمة في استفتاح الصلاة بالتكبير: استحضار المصلي عظمة من تهيأ لخدمته والوقوف بين يديه؛ ليمتلئ هيبة فيحضر قلبه ويخشع ولا يغيب.
قال: (ولا تضر زيادة لا تمنع الاسم كـ (الله أكبر))؛ لأنه أتى به وبزيادة لا تخل بالمعنى.
قال: (وكذا (الله الجليل أكبر) في الأصح)؛ قياسًا على الله أكبر، والله عز وجل أكبر، ونحو ذلك من الصفات التي لا يطول بها الفصل؛ لما سبق.
والثاني: يضر؛ لأن هذه زيادة مستقلة تغير النظم، بخلاف تلك.
وصورة المسألة: أن يكون الفاصل يسيرًا كما مثله المصنف، فإن طال كقوله: الله الذي لا إله هو الرحمن الرحيم الملك القدوس أكبر .. ضر بلا خلاف، كذا في (الروضة).
وفي (الكفاية) وجه: أنه لا يضر، وهو اختيار الشاشي.
قال: (لا (أكبر الله) على الصحيح)؛ لأنه لا يسمى تكبيرًا، هذا هو المنصوص هنا، ونص على أنه: لو قال في آخر الصلاة عليكم السلام .. أجزأه، فقيل قولان بالنقل والتخريج، والأصح تقرير النصين. والفرق: أن ذلك يسمى تسليمًا، وهذا لا يسمى تكبيرًا.
والثاني: لا يضر؛ لأن تقديم الخبر جائز.
فائدة:
قال الإمام فخر الدين في تفسير قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية} أجمع
وَمَنْ عَجَزَ .. تَرْجَمَ، وَوَجَبَ التَّعَلُّمُ إِنْ قَدَرَ
ــ
المتكلمون على أن: من عبد الله ودعا لأجل الخوف من العقاب والطمع في الثواب .. لا تصح عبادته، وجزم في أوائل تفسير (سورة الفاتحة) بأن لو قال: أصلي لثواب الله أو للهرب من عقابه .. فسدت صلاته.
قال: (ومن عجز) أي: عن النطق بالعربية، ولم يقدر على التعلم (.. ترجم) أي: بدل التكبير؛ ولا يعدل إلى ذكر آخر؛ لأنه لا إعجاز فيه، والأصح: أنه يتخير، فيأتي بأي لسان كان.
وقيل: إن عرف السريانية أو العبرانية .. تعينت؛ لشرفها بإنزال الكتاب بهما، وبعدهما الفارسية أولى من التركية والهندية.
وانفرد أبو حنيفة بجواز الترجمة للقادر. أما العاجز لخرس أو نحوه .. فسيأتي حكمه في القراءة.
قال: (ووجب التعلم إن قدر)؛ لأن: (ما لا يتم الواجب إلا به .. فهو واجب).
فلو كان في موضع لا يجد من يعلمه .. لزمه السير إليه في الأصح.
وقيل: لا يجب السفر، كما لا يلزمه ذلك عند عدم الماء ليتوضأ.
والفرق: أن هذا تعلم كلمة واحدة ينتفع بها طول عمره، بخلاف الماء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يجوز الاقتصار على الترجمة في أول الوقت إذا قدر على التعلم والإتيان بها في آخره، فلو أخر مع القدرة وضاق الوقت فلم يتعلم .. صلى بالترجمة لحرمة الوقت، ثم يقضي لتقصيره، وفي وجه: لا يجب القضاء.
فروع:
يلزم السيد أن يعلم غلامه العربية لأجل التكبير، أو يخليه ليكتسب أجرة المعلم، فلو لم يعلمه واستكسبه .. عصى بذلك.
ويجب الاحتراز في التكبير عن وقفة بين كلمتيه، وعن زيادة تغير المعنى كمد الهمزة من الله، أو إشباع حركة الباء من أكبر فتحدث بعدها ألف.
والواجب فيه وفي سائر الأقوال الواجبة: أن يسمع نفسه إن كان صحيح السمع، ولا مانع من لغط وغيره.
ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير فيسمع من خلفه، ورفع المرأة إذا أمت دون رفع الرجل. أما المأموم .. فيكره له الجهر؛ لئلا يشوش على غيره.
والأخرس يجب عليه أن يحرك لسانه وشفتيه بحسب الإمكان.
ويستحب على المشهور أن يأتي بتكبيرة الإحرام بسرعة، ولا يمدها؛ لئلا تزول النية.
ويجب أن يكبر قائمًا حيث يجب القيام، فلو وقع حرف من تكبيرته في غير القيام .. لم يصح مسبوقًا كان أو غيره. فلو كبر المسبوق تكبيرة واحدة نوى بها التحريم والهوي .. فالأصح: لا تنعقد.
وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرِهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ،
ــ
ولو كبر للإحرام أربع تكبيرات أو أكثر .. دخل في الصلاة بالأوتار، وبطلت بالأشفاع.
وصورته: أن ينوي بكل تكبيرة افتتاح الصلاة، ولم ينو الخروج منها، فبالأولى دخل، وبالثانية خرج، وبالثالثة دخل، وبالرابعة خرج، وبالخامسة دخل، وبالسادسة خرج وهكذا أبدًا، هكذا في زوائد (الروضة)، والمسألة في (الشرح) كذلك في الباب الثاني من (أبواب الشفعة).
قال: (ويسن رفع يديه في تكبيره)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة .. رفع يديه حذو منكبيه، متفق عليه [خ735 - م930]، وأجمعت الأمة عليه.
وقال أبو الحسن أحمد بن سيار المروزي- من متقدمي أصحابنا، أصحاب الوجوه في طبقة المزني-: رفعهما واجب، لا تصح الصلاة إلا به. وهو قول الأوزاعي والحسن وداوود وآخرين، وسواء فيه من صلى قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا، والمفترض والمتنفل، والرجل والمرأة، والإمام والمأموم.
قال: (حذو منكبيه)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك إذا افتتح الصلاة كما تقدم. فلو كان بيديه ما يمنع من ذلك .. رفع إلى حيث يمكنه. ولو كان بإحدى يديه علة .. رفع الصحيحة كما سبق، والعليلة إلى حيث أمكن.
ويستحب كشف يديه، وأن تكون إلى القبلة، وتفريق أصابعهما تفريقًا وسطًا.
و (حذو) بالذال المعجمة معناه: مقابل.
و (المنكب): مجمع عظم العضد والكتف.
والمراد بـ (اليدين) هنا: الكفان.
وَالأَصَحُّ: رَفْعُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ. وَيَجِبُ قَرْنُ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي بِأَوَّلِهِ
ــ
ولو قطعت يده من الكوع .. رفع الساعد، أو من المرفق .. رفع العضد في الأصح.
قال: (والأصح: رفعه مع ابتدائه)؛ لما روى الشيخان [خ735 - م930] عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر)، فيكون ابتداؤه مع ابتدائه، ولا استحباب في الانتهاء، فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس .. أتم الآخر، وإن فرغ منهما .. حط يديه ولم يستدم الرفع.
والثاني: يرفع يديه غير مكبر، ثم يكبر ويداه قارتان، فإذا فرغ .. أرسلهما؛ لأن أبا داوود [725] رواه كذلك بإسناد حسن، وصحح هذا البغوي، واختاره الشيخ، ودليله في (مسلم)[390] من رواية ابن عمر.
والثالث: يرفع مع ابتداء التكبير، ويكون انتهاؤه مع انتهائه، ويحطهما بعد فراغ التكبير لا قبل فراغه؛ لأن الرفع للتكبير فكان معه، وصححه المصنف ونسبه إلى الجمهور.
ولو نسي الرفع ثم ذكره بعد فراغ التكبير .. لم يأت به، ولو ذكره في أثنائه .. أتى به.
قال: (ويجب قرن النية بالتكبير)؛ لأنه أول فرض، وجميعه بالنسبة إلى الصلاة كالجزء الواحد.
ومعنى مقارنتها للتكبير: أن تقارن جميعه.
وفي كيفية المقارنة وجهان:
أحدهما: يجب أن يبتدئ النية بالقلب مع ابتداء التكبير باللسان، ويفرغ منها مع فراغه منه، واستبعده الشيخ؛ لأن النية عرض لا ينقسم فلا أول لها ولا آخر.
وأصحهما- وهو مراد المصنف-: أن توجد النية مع أول التكبير وتستمر إلى آخره.
قال: (وقيل: يكفي بأوله)؛ لأن ما بعد التكبير في حكم الاستدامة، وهذا الوجه صححه الرافعي في (الطلاق).
الثَّالِثُ: الْقِيَامُ فِي فَرْضِ الْقَادِرِ
ــ
وقال الإمام: لم يكن السلف الصالحون يرون المؤاخذة بهذه التفاصيل، إنما المعتبر انتفاء الغفلة بذكر النية حالة التكبير مع بذل المجهود، ومن لم يقل بذلك .. وقع في الوسواس المذموم.
واختار في شرحي (المهذب) و (الوسيط) تبعًا للإمام، والغزالي في (الإحياء): أن المراد المقارنة العرفية العامة بحيث يعد مستحضرًا للصلاة غير غافل عنها، قال الشيخ: وهو الصواب.
قال: (الثالث: القيام في فرض القادر)؛ لقوله تعالى: {وقوموا لله قنتين} .
وقال عمران بن حصين: كان بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال:(صل قائمًا، فإن لم تستطع .. فقاعدًا، فإن لم تستطع .. فعلى جنب) رواه البخاري [371]. زاد النسائي: (فإن لم تستطع .. فمستلقيًا {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} .
وأجمع الأمة على ذلك، وهو معلوم من الدين بالضرورة، من استحله من غير عذر .. كفر، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام.
وكلام المصنف يقتضي: أن المعادة في جماعة، إذا قلنا بالمذهب: إنها نافلة .. يجوز فعلها قاعدًا، وكذلك ظهر الصبي، وفيهما نظر.
وصحح في (البحر): أن الصبي لا يصح ظهره قاعدًا مع القدرة على القيام. لكن يستثنى لحاجة أو ضرورة مسائل:
منها: إذا كان للغزاة رقيب يرقب العدو، ولو قام لرآه العدو، أو جلس الغزاة في مكمن، ولو قاموا لرآهم العدو، وفسد تدبير الحرب .. فلهم الصلاة قعودًا، والمذهب: وجوب الإعادة.
ومنها: إذا خاف راكب السفينة الغرق، أو دوران الرأس .. صلى قاعدًا ولا يعيد.
وَشَرْطُهُ: نَصْبُ فَقَارِهِ، فَإِنْ وَقَفَ مُنْحَنِيًا أَوْ مَائِلاً بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى قَائِمًا .. لَمْ يَصِحَّ
ــ
ومنها: المريض إذا أمكنه القيام منفردًا ولو صلى جماعة قعد في بعضها .. نص الشافعي على جواز الأمرين، وقعوده أفضل.
والسلس الذي إذا قام استرسل بوله .. يصلي قاعدًا على الصحيح ولا إعادة عليه، وقال القفال: يصلي قائمًا محافظة على الركن كما يصلي العاري.
ومنها: إذا قال طبيب ثقة لمن بعينيه ماء: إن صليت مستلقيًا أمكن مداواتك .. فله ترك القيام على الأصح.
والثاني: لا يجوز، قال في (الوسيط): لأن ابن عباس استفتى عائشة وأبا هريرة، فليم يرخصا له فيه، وهذا لا يصح إنما روي: أنه كره ذلك.
وفي (المهذب): أن عبد الملك بن مروان حمل إليه الأطباء على البرد، فنعتوا له ذلك، فاستفتى عائشة وأم سلمة فنهتاه.
وإنما تولى عبد الملك الخلافة بعد موتهما وموت أبي هريرة بسنين عديدة.
أما إذا قال: إن صليت قاعدًا أمكن مداواتك .. فقال الإمام: يجوز القعود قطعًا، ونازعه الرافعي في ذلك.
قال: (وشرطه: نصب فقاره)؛ لأنه لا يسمى قائمًا بدون ذلك، ولا يضر إطراق الرأس بغير انحناء بلا خلاف، بل صرح في (الخلاصة) باستحبابه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. لكن يكره أن يلصق قدميه، وأن يقدم إحداهما على الأخرى.
و (الفقار) بفتح الفاء: خرزات الظهر، وفي حديث زيد بن ثابت: ما بين عجب الذنب إلى فقار القفا ثنتان وثلاثون فقارة.
قال: (فإن وقف منحنيًا أو مائلًا بحيث لا يسمى قائمًا .. لم يصح)؛ لتركه الواجب بلا عذر.
فَإِنْ لَمْ يُطِقِ انْتِصَابًا وَصَارَ كَرَاكِعٍ .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يَقِفُ كَذَلِكَ، وَيَزِيدُ انْحِنَاءَهُ لِرُكُوعِهِ إِنْ قَدَرَ. وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقَيَامُ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسَّجُودِ قَامَ وَفَعَلَهُمَا بِقَدْرِ إِمْكَانِهِ
ــ
ولو استند مع الانتصاب المشروط إلى جدار أو إلى إنسان استنادًا لا يسلب اسم القيام .. صح في الأصح، وقيل: لا، وقيل: إن كان بحيث لو رفع السناد لم يسقط .. صح، وإلا .. فلا.
ولو لم يقدر على النهوض للقيام إلا بمعين .. لزمه أن يستعين بمن يقيمه، فإن لم يجد متبرعًا .. لزمه الاستئجار بأجرة المثل إن وجدها، أو أن يعتمد على شيء. قال القاضي حسين: لم يلزمه ذلك، وصرح الإمام والمتولي بخلافه.
وإذا عجز عن القيام في الفاتحة فجلس .. وجب عليه إدامة القراءة في هوية، وقال المتولي: تجوز القراءة في هذه الحالة.
وفي (مرشد ابن أبي عصرون): لا تجزئه القراءة فيها، فحصلت ثلاثة آراء، وبالأول جزم الشيخان.
قال: (فإن لم يطق انتصابًا وصار كراكع .. فالصحيح: أنه يقف كذلك) أي: وجوبًا؛ لأنه أقرب إلى الواجب.
والثاني- قاله الإمام استنباطًا من كلام الأئمة، وتبعه عليه الغزالي-: أنه يلزمه أن يقعد؛ لأن حد الركوع يخالف حد القيام، فلا يتأدى أحدهما بالآخر.
ويشكل على الإمام: أنه رجح فيمن لا يمكنه القيام على قدميه، وأمكنه النهوض على ركبتيه .. أنه يلزمه- كما نقله الغزالي في تدريسه عنه، وهو أحد الوجهين- مع أنه لا يسمى قائمًا.
قال: (ويزيد انحناءه لركوعه إن قدر)؛ ليتميز الواجب عن غيره، وظاهر عبارة المصنف وغيره أن ذلك على سبيل الوجوب.
قال: (ولو أمكنه القيام دون الركوع والسجود .. قام وفعلهما بقدر إمكانه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر .. فأتوا منه ما استطعتم)، فيحني
وَلَوْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ .. قَعَدَ كَيْفَ شَاءَ، وَافْتِرَاشُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرَبُّعِهِ فِي الأَظْهَرِ.
ــ
صلبه ما أمكنه، فإن عجز .. حتى رقبته ورأسه، فإن عجز .. أومأ إليهما؛ لأن:(الميسور لا يسقط بالمعسور).
قال: (ولو عجز عن القيام .. قعد)؛ لما روى الشيخان [خ805 - م411] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سقط عن فرس، فجحش شقه الأيمن، فدخلتا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى قاعدًا)، ولإطلاق حديث عمران والإجماع، ولا إعادة عليه.
قال في (التهذيب): قال في (المهذب): ولا ينقص بذلك ثوابه؛ لأنه معذور.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى قائمًا .. فهو أفضل، ومن صلى قاعدًا .. فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائمًا .. فله نصف أجر القاعد) كما أخرجه البخاري في (التاريخ) عن عمران بن حصين .. فمحمول على النفل عند القدرة على القيام، وضبط الإمام العجز في هذا الباب بأن يلحقه بالقيام مشقة تذهب خشوعه. والمذهب: أنه لا يكفي ذلك، بل خوف الهلاك، أو زيادة المرض، أو مشقة شديدة.
قال: (كيف شاء) لا خلاف في ذلك، إنما الخلاف في الأفضل.
قال: (وافتراشه أفضل من تربعه في الأظهر) أي: في موضع قيامه؛ لأنها هيئة مشروعة في الصلاة، فكانت أولى من التربع؛ لأنه لا يليق بالخضوع، وهذا هو الصحيح، وخصه في (الحاوي) بالرجل وقال: الأولى للمرأة التربع؛ لأنه أستر.
والثاني: تربعه أفضل، وهو نصه في (البويطي)، واختاره الشيخ؛ لما رورى النسائي [3/ 224] عن عائشة رضي الله عنه قالت:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعًا)، وكان أنس وابن عمر يفعلانه.
وَيُكْرَهُ الإقْعَاءُ بِأَنْ يَجْلِسَ عَلَى وَرِكَيْهِ نَاصِبًا رُكْبَتَيْهِ
ــ
والفرض عند العجز كالنفل، والمعنى فيه: أنه بدل عن القيام فاستحب مخالفة صورته لصورة القعود كصلاة الصحيح، ولأنه أبعد عن السهو.
وقيل: التورك؛ لأنه أعون للمصلي.
وقيل: يجلس على رجله اليسرى، وينصب ركبته اليمنى كالجلوس بين يدي المقرئ؛ لأنه أكثر أدبًا، فهي قولان ووجهان.
قال: (ويكره الإقعاء)؛ لما روى الحسن عن سمرة قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة) رواه الحاكم [1/ 272] وقال: [صحيح] على شرط البخاري؛ لأن البخاري روى أنه سمعه من سمرة.
قال: (بأن يجلس على وركيه ناصبًا ركبتيه)، هكذا فسره أبو عبيد القاسم بن سلام عن شيخه أبي عبيدة معمر بن المثنى بزيادة: وضع يديه على الأرض.
والمراد بـ (الورك): أصل الفخذ. ومعنى ذلك: أن يلصق أليته بالأرض، وينصب فخذيه وساقيه كهيئة المستوفز. وإنما نهى عن ذلك؛ لتشبهه بالكلاب والقردة. وهذا الإقعاء منهي عنه في جميع الصلاة.
ومن الإقعاء نوع مستحب عند المصنف وابن الصلاح والبيهقي، ونص عليه في (البويطي)، وصوبه الشيخ وهو: أن يفرش رجليه، ويضع أليتيه على عقبيه، كما ثبت في (صحيح مسلم) [536] عن طاووس قال: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، قال: (هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن العبادلة، وجعله الرافعي أحد الأوجه في الإقعاء المكروه، وليس المراد بكونه سنة أنه أفضل من غيره، بل الافتراش أفضل منه؛ لكثرة رواته ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره أيضًا أن يقعد مادًا رجليه.
ثُمَّ يَنْحَنِي لِرُكُوعِهِ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ، وَالأَكْمَلُ: أَنْ تُحَاذِيَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقُعُودِ .. صَلَّى لِجَنْبِهِ الأَيْمَنِ،
ــ
قال: (ثم ينحني لركوعه بحيث تحاذي جبهته ما قدام ركبتيه) أي: من الأرض؛ وهذا أقل ركوع القاعد.
قال: (والأكمل: أن تحاذي موضع سجوده)؛ لأنه يضاهي أكمل ركوع القائم. أما سجوده فكسجود القائم، فإن عجز عن الركوع والسجود على ما تقرر .. أتى بالممكن، وإذا لم يقدر من السجود على وضع الجبهة، وقدر على زيادة أكمل الركوع .. وجب الاقتصار من الركوع على أكمله ليتميز عن السجود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لمريض عاده، فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودًا ليصلي عيه فرمى به، وقال عليه الصلاة والسلام:(صل على الأرض إن استطعت، وإلا .. فأومئ إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك) رواه البيهقي [2/ 306].
قال: (فإن عجز عن القعود .. صلى لجنبه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تستطع .. فعلى جنب).
والمعتبر في العجز هنا: ما يعتبر في القيام، وقال الإمام هنا: لابد من عدم تأتي القعود، أو خيفة الهلاك، أو المرض الطويل، كالتيمم.
قال: (الأيمن)؛ لفضله. ويجب استقبال القبلة بوجهه ومقدم بدنه، كالميت في لحده؛ لأنه روي:(فإن لم تستطع .. فعلى جنبك الأيمن مستقبل القبلة). فعلى هذا، لو اضطجع على يساره .. جاز؛ لإطلاق الحديث.
وقيل: على قفاه ورجلاه إلى القبلة، ويضع تحت رأسه شيئًا ليرتفع ويصير وجهه إلى القبلة لا إلى السماء، والخلاف في الوجوب لا الأولوية، بخلاف الكلام في هيئة القاعد.
والخلاف فيمن قدر على الاضطجاع والاستلقاء، أما من لم يقدر على كيفية واحدة .. فإنها تجزئه جزمًا.
فَإِنْ عَجَزَ .. فَمُسْتَلْقِيًا. وَلِلْقَادِرِ التَّنَفُّلُ قَاعِدًا،
ــ
قال: (فإن عجز .. فمستلقيًا) - أي: على قفاه- ويجعل رجليه إلى القبلة، كذا رواه الدارقطني [2/ 42] بمعناه، لكن ضعفه عبد الخالق.
ويجب عليه في هذه الحالة أن يأتي بالركوع والسجود إذا قدر عليهما، وإلا .. أومأ بهما وقرب الجبهة من الأرض بحسب الإمكان، ويجب عليه أيضًا أن يضع تحت رأسه شيئًا ليقبل بوجهه إلى القبلة كما تقدم، وهذا الوجه الثاني في المسألة قبلها، فإن عجز عن الإيماء برأسه .. أومأ بجفونه، فإن عجز عن الإيماء .. أجرى أفعال الصلاة على قلبه، بأن يمثل نفسه قائمًا وراكعًا وساجدًا، ويأتي بالقراءة والأذكار في محالها، فإن اعتقل لسانه .. وجب أن يجري القراءة والأذكار على قلبه، والمذهب: أنها لا تسقط ما دام عقله باقيًا ولا يعيد، وفيه وجه: أنه يعيد، ووجه آخر: أنه لا يصلي وتسقط عنه الصلاة في هذه الحالة، وحيث تغيرت حاله في الصلاة بقدرة أو عجز .. أتى بما يمكنه إلا إذا قدر على ركوع القائم بعد أن اطمأن في ركوعه .. فلا؛ لئلا يزيد ركوعًا.
كل هذا إذا صلى خارج الكعبة، أما إذا صلى فيها مضطجعًا لمرض أو نفلًا .. فالمتجه: أنه يجوز أن يصلي مستلقيًا على ظهره أو على وجهه؛ لأنه كيفما توجه مستقبل لجزء من أجزاء البيت، فإن لم يكن للكعبة سقف، أو كان على سطحها .. امتنع الاستلقاء على الظهر.
والمصلوب يلزمه أن يصلي، ثم إن كان مستقبل القبلة .. فلا إعادة عليه، وإلا .. أعاد، وكذلك الغريق على لوح.
قال: (وللقادر التنفل قاعدًا) بالإجماع، سواء فيه الرواتب وغيرها.
وفي صلاة العيدين والكسوفين والاستسقاء وجه: أنها لا تجوز، ويدل لعموم الجواز أنه صلى الله عليه وسلم في حديث عمران المتقدم جعل للقاعد نصف أجر القائم، وللنائم نصف أجر القاعد، والمراد: حالة القدرة، وإلا .. لم ينقص الأجر بذلك، ولأن النوافل تكثر فاشتراط القيام فيها يؤدي إلى المشقة والحرج.
وَكَذَا مُضْطَجِعًا فِي الأَصَحِّ. الرَّابِعُ: الْقِرَاءَةُ
ــ
قال: (وكذا مضطجعًا في الأصح)؛ للحديث المتقدم.
وعلى هذا: يلزمه أن يقعد للركوع والسجود، وقيل: يومئ بهما أيضًا.
والوجه الثاني: لا يجوز لانمحاق صورة الصلاة، وصاحب هذا الوجه يحمل الحديث على الفرض ويقول: المراد به: المريض الذي لا يستطيع إلا ذلك، وأجره على النصف مما قبله، فإن تحمل المشقة وأتى بالزائد .. تم أجره؛ لأن الخطاب في الحديث كان لعمران، ومعلوم من حاله أنه كان مريضًا.
وأجيب بأن كونه جوابًا لعمران .. لا يدل لاحتمال أن يكون عمران سأله عن الفرض مرة وعن النفل أخرى، لكن نقل السهيلي قبيل غزوة ودان عن الخطابي وابن عبد البر: أنهما نقلا إجماع الأمة على أن: المضطجع لا يصلي في حال الصحة نافلة ولا غيرها، ثم قال: وليست مسألة إجماع كما زعما، بل كان في السلف من يجيز ذلك كالحسن وغيره.
فائدة:
سئل الشيخ عز الدين عن رجل يتقي الشبهات، ويقتصر على مأكول يسد الرمق من نبات الأرض ونحوه، فضعف بسبب ذلك عن الجماعة والجمعة والقيام في الفرائض: هل هو مصيب؟ فأجاب: بأنه لا خير في ورع يؤدي إلى إسقاط فرائض الله تعالى.
قال: (الرابع: القراءة) حفظًا أو تلقينًا أو نظرًا في المصحف؛ لقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر منه} . وبينه صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)، وقوله:(كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج) أي: ناقصة.
وفي قول: لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية؛ لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا} .
وَيُسَنُّ بَعْدَ التَّحَرُّمِ دُعَاءُ الاِفْتِتَاحِ،
ــ
وروى مسلم [404] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وليؤمكم أحدكم، فإذا كبر .. فكبروا، وإذا قرأ .. فأنصتوا)، وهذا نصه في القديم، وبعض الجديد.
وأجاب القائل بالأول بأن الآية المراد بها: الخطبة، وأما الخبر .. فمحمول على السورة جمعًا بين الأحاديث.
أما السرية .. فيلزمه فيها القراءة وجهًا واحدًا.
ولو أسر الإمام في الجهرية، أو جهر في السرية، فهل الاعتبار بصفة الصلاة في الأصل، أو بفعل الإمام الآن؟ فيه وجهان، صحح المصنف الثاني.
قال: (ويسن بعد التحرم دعاء الافتتاح) أشار بذلك إلى أن لقراءة الفاتحة سنتين سابقتين، وسنتين لاحقتين: دعاء الاستفتاح والتعوذ، والتأمين وقراءة السورة.
فأما دعاء الاستفتاح .. فهو: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم؛ أنت الملك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعها؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)، رواه مسلم [771] من حديث علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:(وأنا أول المسلمين)؛ لأنه أول مسلمي هذه الأمة، وغيره إنما يقول: وأنا من المسلمين.
وورد في الاستفتاح أحاديث أخر اختار الشافعي منها هذا؛ لما فيه من موافقة ألفاظ القرآن، ولو دعا بغيره .. كان آتيًا بالسنة.
فإن كان إمامًا، ولم يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل .. لم تستحب له الزيادة على قوله: من المسلمين، وكذلك المأموم فيما ينصت فيه لقراءة إمامه.
وغيرهما يستحب له إكماله، ويزيد عليه ما في (الصحيحين) [خ744 - م598] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم؛ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم؛ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم؛ اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) أي: طهرني من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذنوب. وذكر هذه الأشياء مبالغة في التطهير.
وروت عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة .. قال: (سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) خرجه أصحاب السنن، لكن انفرد به طق بن غنام وليس بالقوي، فاستحب القاضي حسين والقاضي أبو حامد وغيرهما: أنه يبدأ به، ثم يقول: وجهت وجهي
…
إلى آخره.
وعن الطبري: يندب أن يقول: الله أكبر كبيرًا، والحمد له كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وجهت وجهي .. إلى آخره.
فلو ترك دعاء الاستفتاح عمدًا أو سهوًا .. لم يعد إليه، ولا يأتي به في باقي الركعات.
ويستثنى من إطلاق المصنف صلاة الجنازة على الأصح، والمسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام، أو فيه وخاف فوت الفاتحة، حتى لو أدركه في الاعتدال .. لم يأت به، بل يأتي بالتسميع والتحميد.
تنبيه:
لا فرق في التعبير بقوله: من المسلمين، ومن المشركين، بين الرجل والمرأة؛ لما روى الحاكم [4/ 222] عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك؛ فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)، قال عمران: قلت يا رسول الله؛ هذا لك ولأهل بيتك خاصة، أم للناس عامة؟ قال:(بل للمسلمين عامة).
فائدة:
معنى (وجهت وجهي): قصدت بعبادتي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و (فطر السماوات): ابتدأ خلقها من غير مثال سبق، وجمعت السماوات ووحدت الأرض في جميع الآيات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إليها، ووطئها بقدميه فتشرفت بذلك فجمعت، وأما الأرض فلم يطأ بقدميه الشريفتين سوى العليا منها، ولأن السماوات محل الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ولم يثبت في الأرض مثل ذلك، فجمعت السماوات حينئذ لشرفها، ولذلك كان المختار أنها أفضل من الأرض.
وروينا عن كعب الأحبار أنه قال: خلق الله سماء الدنيا من موج مكفوف، والثانية صخرة، والثالثة حديد، والرابعة نحاس، والخامسة فضة، والسادسة ذهب، والسابقة ياقوت. وروى البيهقي عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى:{ومن الأرض مثلهن} قال: (سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وعيسى كعيسى)، ثم قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح، غير أني لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا.
والحنيف): المائل إلى الخير والصلاح.
وقوله: (وما أنا من المشركين) بيان للحنيفي وإيضاح لمعناه.
و (النسك): العبادة، وجمع بين الصلاة والنسك، وإن كانت داخلة فيه تنبيهًا على شرفها وعظم مرتبتها، وهو من باب ذكر العام بعد الخاص.
و (رب العالمين) معناه: ملك الجن والإنس.
وأما قوله: (والشر ليس إليك) .. فقال المزني: معناه لا ينسب إليك وإن
ثُمَّ التَّعَوُّذُ،
ــ
كنت فاعله، كما لا يقال: يا خالق القردة والخنازير.
وقال ابن خزيمة وغيره: معناه لا يتقرب به إليك، وقيل: لا يصعد إليك.
قال: (ثم التعوذ)، لقوله تعالى:{فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} أي: أردت القراءة، كقوله تعالى:{إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم} أي: أردتم القيام.
وصيغته المحبوبة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقيل: بزيادة السميع العليم.
ومعنى (أعوذ بالله): ألتجئ إليه وأعتصم به.
و (الشيطان): كل متمرد من الجن والإنس، وهو من: شاط يشيط إذا هلك، أو من: شطن بمعنى بعد.
و (الرجيم): بمعنى مرجوم بالطرد واللعن، وقيل: يرجم به غيره بالإغواء.
ويحصل التعوذ بكل لفظ حصل معناه.
وقيل: يستحب ما رواه الحاكم [1/ 235] وابن حبان [1779] عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا افتتح الصلاة: (أعوذ بك من الشيطان
وَيُسِرُّهُمَا، وَيَتَعَوَّذُ كُلَّ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالأُولَى آكَدُ. وَتَتَعَيَّنُ (الْفَاتِحَةُ)
ــ
الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه).
(همزه): الجنون، و (نفخه): الكبر، و (نفثه): الشعر.
ويستثنى المسبوق إذا علم عدم إدراك الفاتحة، وحيث لا يقرأ المأموم لا يستحب له التعوذ في الأصح.
وقياسه عدم الاستحباب فيمن لا يحسن القراءة، إذا قلنا: التعوذ لها، فإن قلنا: التعوذ للصلاة .. تعوذ في الأولى.
قال: (ويسرهما) كسائر الأذكار المستحبة، وفي قول: يستحب الجهر بالتعوذ في الجهرية؛ لأنه تابع للقراءة فأشبه التأمين، وقيل: يستحب الإسرار قطعًا، وقيل: يتخير بين الجهر والإسرار.
قال: (ويتعوذ كل ركعة على المذهب)؛ لحصول الفصل بين القراءتين بالركوع وغيره.
والثاني: يختص بالأولى، كما لو سجد لتلاوة ثم عاد للتلاوة .. فإنه لا يعيد التعوذ. وعلى هذا، إذا تركه في الأولى عمدًا أو سهوًا .. أتى به في الثانية بخلاف دعاء الاستفتاح.
قال: (والأولى آكد)؛ للاتفاق عليها، ولأن افتتاح القراءة في الصلاة فيها.
ويتعوذ في صلاة الجنازة، وفي قراءة خارج الصلاة، وكلما قطع بكلام أو سكوت طويل، لا سجدة تلاوة كما تقدم.
قال: (وتتعين (الفاتحة)) حتى لو قرأ القرآن كله في ركعة ولم يقرأها .. لم تصح صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة لكتاب) متفق عليه [خ756 - م394] من رواية عبادة بن الصامت.
وفي رواية: (لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب) رواه ابن خزيمة [490]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابن حبان [1794] من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح، والدارقطني [1/ 322] من رواية عبادة وقال: رجاله كلهم ثقات.
وأفهم قوله: (تعيين) أنها لا تسقط بالنسيان، وهو كذلك على الصحيح، كالركوع والسجود.
وفي القديم: تسقط به؛ لما روي أن عمر صلى المغرب، فترك قراءة الفاتحة، فقيل له ذلك، فقال:(كيف كان الركوع والسجود؟) قالوا: حسنًا، قال:(فلا بأس إذاً).
والقائلون بالأول أجابوا عن هذا: بأنه ترك الجهر بالقراءة، أو أنه منقطع؛ فإن الشافعي رواه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه، وأبو سلمة لم يدرك عمر.
فائدة:
سميت (فاتحة الكتاب)؛ لافتتاح القرآن بها. وسميت (أم الكتاب)؛ لأنها أوله وأصله، ولذلك سميت مكة أم القرى؛ لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دحيت.
وحكى في (التحرير): لها عشرة أسماء: الحمد، وفاتحة الكتاب، وأم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني- لأنها سبع آيات، وتثنى في كل ركعة- والصلاة، والوافية، والكافية، والشفاء، والأساس، زاد الكاشغري في (غريبه): الكنز.
كُلَّ رَكْعَةٍ، إِلَاّ رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ،
ــ
قال في (الإكمال): وكره قوم منهم ابن سيرين تسميتها بأم الكتاب، ولا وجه له لصحة الأحاديث به.
وفي (تفسير بقي بن مخلد): أن إبليس رن أربع رنات: رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب.
قال: (كل ركعة)؛ لما روى أحمد [4/ 304] والبيهقي [2/ 374] وابن حبان [1787]- بسند صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخلاد بن رافع الزرقي حين أساء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة .. فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن) إلى أن قال: (ثم اصنع ذلك في كل ركعة). ولأنه صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ في كل ركعة) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه الشيخان [خ631 - م674].
قال: (إلا ركعة مسبوق)؛ لأنه إذا أدرك الركوع .. فقد أدرك الركعة؛ لحديث أبي بكرة: (أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع معه، ثم دخل في الصف) رواه البخاري [783].
وعبارة المصنف تفهم: أن (الفاتحة) لا تجب عليه وهو وجه.
والأصح: أنها تجب عليه، ثم يتحملها الإمام عنه، فيكون مراده: نفي الوجوب المستقر.
وذهب ابن خزيمة وأبو بكر الصبغي من أصحابنا إلى أنه لا يكون مدركًا للركعة بإدراك الركوع.
أما إذا أدركه قائمًا وقرأ بعضها من غير اشتغال بشيء فركع .. فإنه يركع معه في الأصح.
وتسقط (الفاتحة) أيضًا في الركعات كلها حيث حصل له عذر تخلف بسببه عن الإمام
وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا،
ــ
بأربعة أركان طويلة، وزال عذره والإمام راكع، وذلك في صور:
منها: لو كان الإمام بطيء القراءة.
ومنها: لو نسي أنه في الصلاة.
ومنها: لو امتنع من السجود بسبب الزحمة.
ومن الأعذار أيضًا: ما إذا شك بعد ركوع إمامه في قراءة الفاتحة .. ففي الجميع يتحمل عنه.
قال: (والبسملة منها)؛ لما روي: (أنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة سبع آيات، وعد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية منها)، وعزاه الإمام والغزالي إلى البخاري، وليس في (صحيحه)، بل في (تاريخه).
وروى الدارقطني [1/ 312] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قرأتم: الحمد لله .. فاقرؤوا: {بسم الله الرحمن الرحيم}؛ إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، و {بسم الله الرحمن الرحيم} إحدى آياتها)).
وروى ابن خزيمة [1/ 248]- بإسناد صحيح- عن أم سلمة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، و (الحمد لله رب العالمين) ست آيات)، وبه قال علي وابن عباس وابن عمر وابن الزبير.
وقال أبو نصر المؤذن: اتفق قراء الكوفة وفقهاء المدينة على أنها آية منها. وقال قراءة المدينة وفقهاء الكوفة: إنها ليست آية منها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنها ثبتت بإجماع الصحابة في المصحف مع تحريهم في تجريده مما ليس بقرآن، وأجمعوا على كتابتها بخط القرآن، وأما ما أثبت فيه من أسماء السور والأعشار .. فذلك شيء ابتدعه الحجاج في زمنه فلا اعتبار به، وأيضًا هي بعير خط المصحف.
وسواء قلنا: هي من أول كل سورة قطعًا أو ظنًا، فمن تركها .. لم يكن قرأ السورة كلها، فلا يخرج عن نذره ولا تبر يمينه إذا كان قد حلف على قراءة سورة كذا، ولا تصح صلاته إذا تركه من الفاتحة، لكن إن قلنا: هي قرآن ظنًا .. لم يكفر جاحدها، وإن قلنا قطعًا .. فالمذهب: القطع بعدم تكفيره أيضًا؛ لشبهة الخلاف فيها من الجانبين.
وفي (الكفاية): أن صاحب (الفروع) قال: يكفر جاحدها، ويفسق تاركها.
ثم هي آية كاملة من أول الفاتحة بلا خلاف، وكذا فيما عدا براءة من أوائل السور.
وفي قول: بعض آية.
ويجهر بها فيما يجهر فيه بـ (الفاتحة)، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أحد وعشرين صحابيًا.
وقال ابن أبي هريرة: لا يجهر بها؛ لأن ذلك صار من شعار الرافضة.
وحجة المخالفين حديث أنس. وجوابه: أنه محمول على سورة (الحمد)، أو أن المراد عدم المبالغة في الجهر.
وروى أحمد [3/ 166] وابن خزيمة والدارقطني [1/ 316]- بسند صحيح- أن أنسًا سئل: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون القراءة بـ {الحمد لله رب العلمين} ، أو بـ {بسم الله الرحمن الرحيم}؟ فقال للسائل:(هذا شيء لم أعرفه، ولم يسألني عنه أحد قبلك).
وروى الدارقطني [1/ 311] والحاكم [1/ 233] عن أنس أنه قال: صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ البسملة في (أم القرآن)، ولم يقرأها في السورة، فلما سلم .. ناداه من شهد ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية؛ أسرقت الصلاة
وَتَشْدِيدَاتُهَا. وَلَوْ أَبْدَلَ ضَادًا بِظَاءٍ .. لَمْ تَصِحَّ فِي الأَصَحِّ
ــ
أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك .. قرأها.
قال: (وتشديداتها)؛ لأن المشدد حرفان أولهما ساكن، وفيها أربع عشرة شدة، وجملة حروفها مئة وأحد وأربعون حرفًا دون التشديدات، وبها مئة وخمسة وخمسون إلا لمن أدغم، أو قرأ:{ملك} ، فإنه يزيد حرفًا وينقص حرفًا.
والحكم على التشديد بكونه من الفاتحة فيه تجوز. وقد أحسن (المحرر) في قوله: وتجب رعاية تشديداتها.
وقال في (البحر): لو ترك التشديد من قوله: {إياك} وخففها، فإن تعمد وعرف معناه .. كفر؛ لأن (الإيا): ضوء الشمس، فكأنه قال: نعبد ضوء الشمس، وإن كان ناسيًا أو جاهلًا .. سجد للسهو. قال: ولو شدد حرفًا مخففًا منها .. أساء وأجزأه، وفيه نظر.
قال: (ولو أبدل ضادًا بظاء .. لم تصح في الأصح)؛ لاختلاف المعنى؛ لأن الضاد من الضلال، والظاء من قولهم: ظل فعل كذا ظلولًا إذا فعله نهارًا، وقياسًا على باقي الحروف.
والثاني: يصح لقرب المخرج، وعسر التمييز بينهما، والخلاف مخصوص بالقادر.
وأما العاجز .. فيجزئه قطعًا، وعبارة المصنف كعبارة (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) وغيرها من كتب الأصحاب، وصوابه: بالعكس؛ لأن الباء تدخل على المتروك، فإذا ترك الظاء إلى الضاد .. فقد أصاب، وإنما الممتنع على الأصح العكس، كقوله تعالى:{ومن يتبدل الكفر بالإيمان} . وقال: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} . وقال: {ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} .
لكن حكى الواحدي عن ثعلب عن الفراء في قوله تعالى: {بدلنهم جلودًا غيرها} ما يدل على صحة عبارة المصنف.
ويشهد لذلك قول الطفيل بن عمرو الدوسي لما أسلم في وصف النبي صلى الله عليه وسلم [من الوافر]:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فألهمني هداي الله عنه .... وبدل طالعي نحسي بسعدي
وأيضًا (الإبدال) في اللغة: الإزالة، فيكون المعنى أزال ضادًا بظاء.
وسيأتي في (الديات): أن لغة الغرب انفردت بحرف الضاد، فلا يوجد في لغة غيرها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش، واسترضعت في بني سعد).
وكذلك الحكم إذا أبدل حرفًا بحرف من (الفاتحة) غير الضاد، كالذال المعجمة إذا أتى بها مهملة، إلا أن تكون قراءة شاذة مثل:(إنا أنطيناك الكوثر) .. فإنها لا تبطل.
فرع:
تشرع القراءة بما ورد في السبع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، كلها شاف كاف). قال المتولي: المراد: أنزل بلغة سبع قبائل من فصحاء العرب.
قال: وأما القراءة بالشواذ، فإن لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه .. فتجوز ولا تبطل الصلاة- كاللحن الذي لا يغير المعنى- وإن كان فيها زيادة حرف أو تغيير معنى .. امتنع وتبطل الصلاة به إذا تعمده، كقوله:(ثلاثة أيام متتابعات)، وقوله:(فاقطعوا أيمانهم)، وقوله:(وأقيموا الحج والعمرة لله)، و (إنما يخشى الله من عباده العلماء) برفع (الله) وبنصب (العلماء)، وإن كان ساهيًا .. سجد للسهو، وإن لم يغير المعنى ولم يزد في الكلام .. لم تبطل.
وَيَجِبُ تَرْتِيبُهَا وَمُوَالَاتُهَا، فَإِنْ تَخَلَّلَ ذِكْرٌ .. قَطَعَ الْمُوَالَاةَ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ كَتَامِينِهِ لِقِرَاءَةِ إِمَامِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ
ــ
وجزم المصنف في كتبه بتحريم القراءة بالشاذ من غير تفصيل.
وحكى البغوي في أول (تفسيره) الاتفاق على جواز القراءة بما قرأ به يعقوب وأبو جعفر لاستفاضتها، وصوبه الشيخ واختاره.
وفي (فتاوى) قاضي القضاة صدر الدين موهوب الجزري: أن القراءة بالشواذ جائزة مطلقًا، إلا في الفاتحة للمصلي.
ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه: لا تجوز القراءة بالشاذ، ولا الصلاة خلف من يقرأ بها.
وقال العجلي: وتكره القراءة بها وتجزئ الصلاة.
قال: (ويجب ترتيبها) بأن يأتي بالآية بعد الآية؛ لأن نظم القرآن معجز، وترك الترتيب يزيل إعجازه. فإن قدم وأخر عمدًا .. بطلت قراءته دون صلات واستأنف القراءة، وإن كان سهوًا .. لم يعتد بالمؤخر.
واستشكل الشيخ وجوب الاستئناف عند التعمد على الوضوء والأذان والطواف والسعي وغيرها، قال: ولو قيل: إنه يبني .. لكان له وجه.
قال: (وموالاتها) وهي: أن يصل الكلمات بعضها ببعض، ولا يفصل إلا بقدر التنفس؛ لأنها القراءة المأثورة.
قال: (فإن تخلل ذكر .. قطع الموالاة) سواء كثر أم قل، وسواء كان قرآنًا أم غيره: كالتحميد عند العطاس، وإجابة المؤذن، والتسبيح للداخل، ونحو ذلك؛ لأن الاشتغال به يوهم الإعراض عن القراءة فيستأنفها.
هذا إذا تعمد. فإن كان سهوًا .. فالصحيح المنصوص: لا يقطع فيبني، وقيل: إن طال الذكر .. قطع القراءة، وإلا .. فلا.
قال: (فإن تعلق بالصلاة كتأمينه لقراءة إمامه وفتحه عليه)، وكذلك إذا قرأ
فَلَا فِي الأَصَحِّ، وَيَقْطَعُ السُّكُوتُ الطَّوِيلُ، وَكَذَا يَسِيرٌ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ فِي الأَصَحِّ. فَإِنْ جَهِلَ (الْفَاتِحَةَ)
ــ
الإمام آية رحمة فسألها المأموم، أو آية عذاب فاستعاذ، أو آية سجدة فسجد.
و (الفتح): تلقين الآية عند التوقف فيها.
قال: (.. فلا في الأصح) أي: لا يقطع القراءة؛ لأن المأموم مندوب إلى هذه الأمور على المشهور. أما التأمين .. فلما سيأتي. وأما الفتح عليه .. فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة، فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله؛ آية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم لأبي:(أصليت معنا؟) قال: نعم، قال:(فما منعك؟).
وأما باقيها .. فواضح، لكن عبارة المصنف تقتضي: أنه لا فرق بين أن يطول الذكر الفاصل أو يقصر، وفيه إذا طال نظر.
والوجه الثاني: تبطل الموالاة كالذكر الأجنبي.
والثالث: تبطل الصلاة.
ومحل الخلاف: في العامد، فإن كان ساهيًا .. لم يقطع جزمًا.
قال: (ويقطع السكوت الطويل) وهو: المشعر بإعراضه عن القراءة، مختارًا كان أو لعائق؛ لإخلاله بالموالاة المعتبرة.
وقيل: لا لوجود القراءة المأمور بها.
كل ذلك في المعتمد، أما الناسي .. فلا يضره على الصحيح.
قال: (وكذا يسير قصد به قطع القراءة في الأصح)؛ لاجتماع السكوت والقصد.
والثاني: لا يقطع؛ لأن كلًا منهما لا يؤثر بمفرده، فكذلك إذا اجتمعا.
و (اليسير): ما جرت به العادة لتنفس أو استراحة.
قال: (فإن جهل (الفاتحة)) أي: كلها بالعربية. وعجز عن قراءتها أو تعلمها أو
فَسَبْعُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ .. فَمُتَفَرَّقَةٍ. قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: جَوَازُ الْمُتَفَرِّقَةِ مَعَ حِفْظِهِ مُتَوَالِيَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ــ
تلقنها أو قراءتها في المصحف- بإجارة أو إعارة- أو عدم الضوء وهو في ظلمة وضاق الوقت عن التعلم.
قال: (.. فسبع آيات)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة .. فتوضأ كما أمرك الله، فإن كان معك قرآن .. فاقرأ، وإلا .. فاحمد الله وهلل وكبر) رواه الترمذي [302] وقال: حسن. والمعنى فيه: أن القرآن بالقرآن أشبه.
وإنما أوجبنا سبع آيات؛ لأن هذا العدد مرعي في (الفاتحة)؛ لأنها السبع المثاني. ولا تجزئ الآية الواحدة وإن طالت كآية الدين.
قال الشافعي: وأحب أن يقرأ ثماني آيات؛ لتكون الآية الثامنة بدلًا عن السورة.
وحكى المحب الطبري وجهين: في أن البدل هل يشترط أن يكون مشتملًا على ثناء ودعاء؟
قال: (متوالية)؛ لأنها أشبه بـ (الفاتحة).
قال: (فإن عجز) أي: عنها (.. فمتفرقة)؛ لأنه المقدور.
قال: (قلت: الأصح المنصوص: جواز المتفرقة) أي: من سورة أو سور (مع حفظه متوالية والله أعلم) كما في قضاء رمضان.
وقال في (المهمات): المعتمد في الفتوى ما ذهب إليه الرافعي، لكن قال الإمام: إذا كانت الآية المنفردة لا تفيد معنى منظومًا كـ {ثم نظر} .. لم يؤمر بقراءتها.
وحكى صاحب (التنبيه) وغيره الخلاف قولين، وهو الصواب؛ لأنهما منصوصان في (الأم).
فَإِنْ عَجَزَ .. أَتَى بِذِكْرٍ،
ــ
قال: (فإن عجز) أي: عن المتوالية والمتفرقة.
قال: (.. أتى بذكر)؛ لما روى أبو داوود [828] والنسائي [2/ 143] وابن حبان [1808] أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فعلمني ما يجزيني في صلاتي، فقال عليه الصلاة والسلام:(قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وأشار المصنف بقوله: (بذكر) منكرًا إلى أنه: لا يتعين ما في الحديث، وهو المرجح.
وهل يشترط أن يأتي بسبعة أنواع منه؟ فيه وجهان، قال الرافعي: أقربهما: نعم، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقن العاجز عقب الذكر المتقدم:(ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن).
والثاني: لا تلزمه الإضافة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الكلمات الخمس لما سئل عما يجزئ، ولأنه بدل من غير الجنس، فجاز أن ينقص عن أصله كالتيمم، بخلاف القرآن فإنه بدل من الجنس.
تنبيهات:
أحدها: ادعى ابن الرفعة أنه لا خلاف أن معرفة بعض آية كالعدم، وفي إطلاقه نظر ظاهر؛ فإن بعض الآية قد يفيد معنى منتظمًا كآية الدين، وكقوله تعالى:{كان الناس أمة واحدة} إلى قبيل آخرها، بل هو أولى بالاعتبار من آية كاملة قصيرة، وكقوله سبحانه:{ثم نظر} .
الثاني: الدعاء المحض، في إغنائه عن الذكر تردد للشيخ أبي محمد، والمختار في (النهاية) و (البسيط)، ورجحه في (التحقيق): أنه إن تعلق بأمور الآخرة .. أجزأ، وإلا .. فلا.
قال الشيخ: وفي هذا خروج عن الحديث بالكلية، والمختار: أنه لا يقوم مقام الذكر.
وَلَا يَجُوزُ نَقْصُ حُرُوفِ الْبَدَلِ عَنِ (الْفَاتِحَةِ) فِي الأَصَحِّ
ــ
الثالث: يشترط في الذكر المأتي به أن لا يقصد به غير البدلية. وفي اشتراط قصد البدلية وجهان، أصحهما: لا يشترط، فلو أتى بدعاء الاستفتاح والتعوذ وقصد به البدلية .. أجزأه عن (الفاتحة)، وإن قصد الاستفتاح والتعوذ .. فلا، وإن لم يقصد شيئًا .. أجزأه على الأصح.
قال: (ولا يجوز نقص حروف البدل عن (الفاتحة) في الأصح) سواء كان البدل قرآنًا أو ذكرًا، كما لا يجوز النقص عن آياتها.
والمراد: أن لا ينقص المجموع عن المجموع، لا أن كل آية أو نوع ذكر قدر آية من (الفاتحة)، حتى يجوز جعل آيتين مقام آية من (الفاتحة).
وقيل: يشترط أن تعدل حروف كل آية حروف آية من (الفاتحة) أو أطول وهو بعيد، ولم يشترطوه في الذكر.
ومقابل كلام المصنف: أنه لا يشترط عدد حروف الآية أصلًا، بل يكفي سبع آيات قصارًا كن أو طوالاً، كما يكفي أن يصوم يومًا قصيرًا عن يوم طويل.
فإن عجز عن الذكر بالعربية .. ترجمه كما سيأتي.
هذا كله إذا عجز عن (الفاتحة) بجملتها، فلو كان يحسن بعضها: فإن لم يحسن للباقي بدلًا .. كرر ما يحسنه مرة أو مرات حتى يبلغ قدر (الفاتحة)، وإن أحسن .. فقولان أو وجهان:
أحدهما: هذا؛ لأنه أقرب إليها.
وأصحهما: أنه يأتي به ويضيف إليه من الذكر قدر ما تتم به (الفاتحة)؛ لأن الشيء لا يكون أصلًا وبدلًا.
ويجب رعاية الترتيب، فإن كان الذي يحفظه الأول .. بدأ به وختم بالذكر، وإن كان غير الأول .. بدأ بالذكر وأتى بالذي يحفظه في محله.
ولا يأتي بالذكر إلا إذا كان عاجزًا عن جميع القرآن.
فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا .. وَقَفَ قَدْرَ (الْفَاتِحَةِ). وَيُسَنُّ عَقِبَ (الْفَاتِحَةِ): آمِينَ،
ــ
قال: (فإن لم يحسن شيئًا .. وقف قدر (الفاتحة))؛ لأنه كان يلزمه عند القدرة على القراءة قيام وقراءة، فإذا فات أحدهما .. بقي الآخر. ومثل هذا من لا يحسن التشهد والقنوت .. فإنه يمكث بقدرهما، ولهذا عد القنوت وقيامه، والتشهد الأول وقعوده مما يسجد لكل منهما عند السهو.
فإن قيل: القيام إنما وجب للقراءة فيسقط بسقوطها .. قلنا: القيام وجب عندنا؛ لنفسه على الأصح.
وهل يندب أن يزيد في القيام قدر سورة؟ لا نقل في ذلك، ولا يبعد القول به.
وقال أبو حنيفة: إذا عجز عن القرآن .. قام ساكتًا، ولا يجب الذكر.
وقال مالك: لا يجب الذكر ولا القيام.
فرع:
الأخرس يجب عليه أن يحرك لسانه بالتكبير والتشهد؛ لأن ذلك يتضمن نطقًا وتحريك لسان، فالقدر الذي تعذر .. جعلناه عفوًا، وما يقدر عليه لابد من الإتيان به، قاله الجمهور ولو لم يرتضه الإمام والغزالي.
ويشكل عليه أن من لا يشعر برأسه .. يستحب إمرار الموسى عليه ولا يجب، وكذلك المريض إذا اعتقل لسانه .. يجري الأفعال على قلبه ولم يأمروه بتحريك اللسان.
قال: (ويسن عقب (الفاتحة): آمين) سواء كان في الصلاة أم خارجها، وهو في الصلاة أشد استحبابًا.
روى أبو داوود [929] والترمذي [248] والدارقطني [1/ 335] وابن حبان [1805] عن وائل بن حجر قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال:({ولا الضالين}) .. قال: (آمين)، ومذ بها صوته.
وروى الدارقطني [1/ 335] والحاكم [1/ 223] وابن حبان [1806] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إا فرغ من قراءة (أم القرآن) .. رفع صوته، وقال:(آمين).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وروى البخاري [782] عن أبي هريرة: (إذا قال الإمام: {ولا الضالين} .. فقولوا: آمين؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة .. غفر له ما تقدم من ذنبه).
وقوله: (عقب) بفتح العين وكسر القاف بعدها باء موحدة، ويجوز ضم العين وإسكان القاف. وأما قول كثير من الناس: عقيب بياء بعد القاف .. فهي لغة قليلة.
والمعنى في ذلك كله: أن يكون بعده غير متراخ عنه، وإن كان يتسحب بين قوله:{ولا الضالين} و (آمين) سكتة قليلة لطيفة؛ ليعلم أن (آمين) ليست بقرآن، فمراد المصنف بـ (العقب): هذا.
ولا يفوت التأمين إلا بالشروع في السورة أو الركوع.
و (آمين): اسم فعل بمعنى استجب، وهي مبنية على الفتح مثل: كيف وأين.
خَفِيفَةَ الْمِيمِ بِالْمَدِّ، وَيَجُوزُ الْقَصْرُ، وَيُؤَمِّنُ مَعَ تَامِينِ إِمَامِهِ، وَيَجْهَرُ بِهِ فِي الأَظْهَرِ
ــ
قال: (خفيفة الميم بالمد) هذه اللغة الفصيحة المشهورة.
قال الشاعر [من البسيط]:
آمين آمين لا أرضى بواحدة .... حتى أبلغها ألفين آمينا
قال: (ويجوز القصر)؛ لأنه لا يخل بالمعنى، وحكى الواحدي مع المد لغة ثالثة وهي: الإمالة، ورابعة وهي: التشديد؛ أي: قاصدين، والمشهور: أنها لحن هنا.
واختلفوا في بطلان الصلاة بها، فذهب المتولي والروياني إلى ذلك. وقال الشيخان أبو محمد ونصر المقدسي: لا تبطل بذلك وإن تعمد، ورجحه المصنف.
قال في (الأم): ولو قال: آمين رب العالمين، وغير ذلك من الذكر .. كان حسنًا.
قال: (ويؤمن مع تأمين إمامه)؛ ليوافق تأمين الملائكة المقتضية: مغفرة ما تقدم من الذنوب.
قال الشيخ: والظاهر أن المراد: الموافقة في الزمان لا في الصفات من الإخلاص وغيره، وفي ذلك مزية عظيمة ودرجة رفيعة للإمام تقتضي: التهالك على الإمامة لينال هذا الأجر العظيم.
فإن لم تتفق موافقته .. أمن عقبه، فإن لم يؤمن الإمام أو لم يسمعه أو لم يدر: هل أمن أو لا؟ .. أمن هو. ولو أخر الإمام التأمين عن الوقت المستحب فيه .. أمن المأموم.
قال: (ويجهر به في الأظهر) المراد: أن الإمام والمأموم والمنفرد يجهرون بالتأمين في الصلوات الجهرية؛ للأحاديث المتقدمة.
قال البخاري: قال عطاء: أمن ابن الزبير ومن وراءه حتى إن للمسجد
وَتُسَنُّ سُورَةٌ بَعْدَ (الْفَاتِحَةِ)،
ــ
للجة، وتقدم أن تعليقات البخاري بصيغة الجزم كهذا صحيحة عنده وعند غيره.
وقال عطاء: أدركت مئتين من الصحابة في هذا المسجد- يعني: المسجد الحرام- إذا قال الإمام: {ولا الضالين} .. رفعوا أصواتهم بآمين، رواه ابن حبان في (ثقاته)[6/ 265].
وهذا هو القديم، والمسألة مما يفتى به على القديم، ولأن تأمين المأموم ليس هو لقراءة نفسه، إنما هو لقراءة الإمام، فيتبعه في الجهر كما يتبعه في التأمين.
والثاني- وهو الجديد-: لا يجهر المأموم كما لا يجهر بالتكبير، أما المنفرد والإمام .. فيجهران قطعًا. والسرية فيها جميعهم كالقراءة.
والثالث: إن جهر الإمام .. أسر بالقياس على التكبير، وإلا .. فيجهر.
وهذه الأقوال محلها: إذا أمن الإمام، فإن لم يؤمن .. استحب للمأموم التأمين جهرًا بلا خلاف؛ ليسمعه الإمام فيأتي به.
وينبغي أن يستثنى من ذلك المرأة والخنثى، فيأتي في تأمينهما ما في جهرهما بالقراءة كما سيأتي.
قال: (وتسن سورة بعد (الفاتحة))؛ لما روى الشيخان [خ776 - م451] عن أبي قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بـ (أم الكتاب) وسورتين، وفي الأخريين بـ (أم الكتاب)، ويسمعنا الآية أحيانًا، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وكذا في العصر).
وإنما لم تجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أم القرآن عوض عن غيرها، وليس غيرها منها عوضًا) رواه الحاكم [1/ 238] وقال: على شرط الشيخين.
وأصل السنة يتأدى بقراءة شيء من القرآن، لكن السورة القصيرة أولى من قدرها من الطويلة، هذه عبارة (الشرح) و (الروضة) و (شرح المهذب).
وفي (الشرح الصغير): أفضل من بعض طويلة وإن طال، وهذا هو الصواب،
إِلَاّ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الأَظْهَرِ
ــ
وهو قضية إطلاق الأكثرين، ونقله ابن الأستاذ صريحًا عن البغوي.
ويجوز أن يجمع بين سورتين فأكثر في ركعة واحدة، والسنة أن يقرأ على ترتيب المصحف، فإن خالف ذلك .. خالف السنة ولا شيء عليه.
لكن يستثنى صلاة فاقد الطهورين، وصلاة الجنازة.
وقول المصنف: (بعد (الفاتحة)) يفهم: أنه لو قرأها قبلها .. لم يعتد بها، وهو كذلك على الصحيح.
ويجوز في السورة الهمز، وتركه وهو أشهر.
فرع:
لو كرر (الفاتحة) وقلنا: لا تبطل صلاته .. لم تحسب المرة الثانية عن السورة بلا خلاف؛ لأن الشيء الواحد لا يؤدى به فرض ونفل في محل واحد، كذا قاله في (شرح المهذب).
ويرد عليه: أنا عهدنا ذلك فيما إذا اغتسل للجنابة والجمعة، ولهذا صرح شارح (التعجيز) بأنها تحسب، خلافًا للمتولي.
ولو فرق بين من يحسن السورة فلا تجزئ، ومن لا يحسن إلا (الفاتحة) فتحسب .. لكان له وجه.
قال: (إلا في الثالثة والرابعة في الأظهر) وهو القديم، وأفتى به الأكثرون، ويدل له حديث أبي قتادة المتقدم.
والثاني- وهو نص (الأم)، وصححه أكثر العراقيين والبيضاوي في (شرح التبصرة)، واختاره الشيخ-: أنها تسن فيهما أيضًا، إلا أنها تكون أقصر؛ لما روى مسلم [452]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية- أو قال- قدر نصف ذلك).
وثبت في (الموطأ)[1/ 79] عن أبي عبد الله الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بسورتين من قصار المفصل، ثم قام في
قُلْتُ: فَإِنْ سُبِقَ بِهِمَا .. قَرَأَهَا فِيهِمَا عَلَى النَّصِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. ولَا سُورَةَ لِلْمَامُومِ، بَلْ يَسْتَمِعُ، فَإِنْ بَعُدَ أَوْ كَانَتْ سِرِّيَّةً .. قَرَأَ فِي الأَصَحِّ
ــ
الركعة الثالثة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته قرأ بـ (أم الكتاب)، وبهذه الآية:{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} .
قال: (قلت: فإن سبق بهما .. قرأها فيهما على النص والله أعلم)؛ لئلا تخلو صلاته عن قراءة سورة.
وقيل: لا، كما لا يجهر فيهما.
والفرق على المشهور: أن السنة في آخر الصلاة الإسرار بخلاف القراءة؛ فإنا لا نقول: إنه يسن تركها، بل لا يسن فعلها.
وفرق قوم بأن القراءة سنة مستقلة، والجهر صفة للقراءة فكانت أخف.
قال: (ولا سورة للمأموم، بل يستمع)؛ لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له} . وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كنتم خلفي .. فلا تقرؤوا إلا بأم القرآن) حسن صحيح.
وروى عبادة بن الصامت قال: كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ .. قال:(لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)، قلنا: نعم، هذا يا رسول الله، قال:(لا تفعلوا إلا بـ (فاتحة الكتاب)؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) رواه أبو داوود [819] والترمذي [311] والدارقطني [1/ 318] والحاكم [1/ 238] وابن حبان [178].
قال: (فإن بعد أو كانت سرية .. قرأ في الأصح)؛ لانتفاء المعنى. وكذلك حكم الأصح.
والثاني: لا؛ لإطلاق الخبر.
والمراد بـ (السماع): سماع الكلمات مفسرة، فلا اعتبار بسماع الهيمنة.
فرع:
المرأة إذا أمت أو صلت منفردة .. تجهر إن لم تكن بحضرة الأجانب، لكن دون
وَيُسَنُّ لِلصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَضَّلِ، وَلِلْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ، وَلِلْمَغْرِبِ قِصَارُهُ،
ــ
جهر الرجل، وتسر إن كان ثم أجانب. وقيل: تسر مطلقًا. وحيث قلنا: تسر، فجهرت .. لا تبطل صلاتها.
والخنثى كالمرأة، قاله في (الروضة). وقال في (شرح المهذب): الصواب: أنه يسر بحضرة الرجال والنساء.
ومن قضى فائتة في مثل وقتها .. لم يغير هيئة القراءة من جهر أو إسرار. وإن قضى فائتة الليل نهارًا أو بالعكس .. فالأصح: أن العبرة بوقت الأداء، ورجح القفال والماوردي وقت القضاء، واختاره الشيخ.
هذا كله في غير الصبح، أما الصبح .. فوقتها وقت جهر، فإذا قضاها فيه أو في الليل .. جهر، وإن قضى فيه مغربًا أو عشاء .. جهر، وإن قضى فيه ظهرًا أو عصرًا أو قضى الفجر فيما بين طلوع الشمس وغروبها .. فعلى الوجهين.
قال: (ويسن للصبح والظهر طوال المفصل، وللعصر والعشاء أوساطه، وللمغرب قصاره)؛ لما روى أحمد [2/ 329 - 330] والنسائي [2/ 167] وابن حبان [1837] عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: (ما رأيت رجلًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان) لإمام كان في المدينة.
قال سليمان: فصليت خلفه، فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، وكان يقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في الأوليين من العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الغداة بطوال المفصل.
وفي (صحيح مسلم)[457]: (أنه صلى عليه وسلم قرأ في الصبح بـ (ق والقرآن المجيد)). قال الترمذي [306]: وكان ذلك في الركعة الأولى، و (قرأ فيها بـ (الواقعة))، كما أشار إليه الترمذي.
والمستحب أن تكون القراءة في الصبح أطول منها في الظهر، فإن خالف ذلك ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جاز؛ لما روى أبو داوود [812]- بإسناد صحيح-: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح: (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما).
وفي (الصحيحين)[خ765 - م463]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ (الطور))، و (فيهما أيضًا [خ763 - م462] بـ (المرسلات))، وتقدم:(أنه قرأ فيها بـ (الأعراف)) [خ764].
وأوساط المفصل كـ (الجمعة)، و (المنافقين)، و (سبح اسم ربك الأعلى)، (والليل إذا يغشى).
و (طوال) بكسر الطاء.
ويستثنى- من إطلاق المصنف- المسافر، فيستحب له أن يقرأ في الصبح بـ (قل يا أيها الكافرون)، و (قل هو الله أحد)، كذا في (الإحياء) و (الخلاصة) و (عقود المختصر).
وروى أحمد في (مسنده)[4/ 144] من حديث عقبة بن عامر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالمعوذتين في صلاة الصبح في السفر).
و (المفصل): المبين المميز، قال تعالى:{كتب فصلت ءايته} أي: جعلت تفاصيل في معاني مختلفة: من حكم، وأمثال، ومواعظ، ووعد ووعيد، وحلال وحرام. وقيل: سمي بذلك؛ لكثرة الفصول بين السور. وقيل: لقلة المنسوخ فيه.
وآخره: {قل أعوذ برب الناس} ، وفي أوله عشرة أقوال للسلف:
الأول: (الجاثية). الثاني: (القتال). الثالث: (الحجرات). الرابع: (ق).
الخامس: (والصافات). السادس: (الصف). السابع: (تبارك)، حكاها ابن أبي الصيف اليمني.
وَلِصُبْحِ الْجُمُعَةِ: (آلمَ تَنْزِيلُ)، وَفي الثَّانِيةِ:(هَلْ أَتى)
ــ
الثامن: (إنا فتحنا)، حكاه الدزماري. التاسع:(سبع) حكاه ابن الفركاح. العاشر: (الضحى)، حكاه الخطابي في (غريبه).
قال: (ولصبح الجمعة: (الم تنزيل)، وفي الثانية:(هل أتى))؛ لما روى الشيخان [خ891 - م1880] عن أبي هريرة، ومسلم [879] من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل). فإن اقتصر على بعضها أو قرأ غيرها من السجدات .. خالف السنة.
وعن ابن أبي هريرة: (لا تستحب المداومة عليها).
وقيل للفقيه عماد الدين ابن يونس: إن العامة صاروا يرون قراءة (السجدة) يوم الجمعة واجبة، وينكرون على من تركها، فقال: يقرأ في وقت ويترك في وقت؛ ليعرفوا أنها غير واجبة.
وفي (فضائل الأوقات) للبيهقي عن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أفضل الصلاة عند الله تعالى صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة).
وقوله: (تنزيل) مرفوع على حكاية التلاوة.
و (سورة السجدة) ثلاثون آية مكية، وفي (مسند الدارمي) [3454] و (الترمذي) [2892] عن جابر:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأها و (تبارك الذي بيده الملك)).
فائدة:
قال ابن عبد السلام: القرآن ينقسم إلى فاضل ومفضول، كآية الكرسي
الْخَامِسُ: الرُّكُوعُ. وَأَقَلُّهُ: أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ
ــ
و (تبت)، فالأول كلام الله عز وجل في الله، والثاني كلامه في غيره، فلا ينبغي أن يداوم على قراءة الفاضل ويترك المفضول؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولأنه يؤدي إلى هجران القرآن ونسيانه.
وروى أبو داوود [1324]- بإسناد صحيح- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بلالاً يقرأ من ههنا ومن ههنا، فسأله عن ذلك، فقال: أخلط الطيب بالطيب، فقال عليه الصلاة والسلام:(أحسنت).
ويستحب للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة .. أن يسأل الله تعالى الرحمة، أو بآية عذاب .. أن يسبح، أو بآية مثل .. أن يتفكر، وإذا قرأ:{أليس الله بأحكم الحكمين} ؟ .. قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، وإذا قرأ:{فبأي فحديث بعده يؤمنون} ؟ .. قال: آمنت بالله، والمأموم يفعل ذلك لقراءة إمامه على الصحيح.
قال: (الخامس: الركوع)؛ لقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} ، وقوله صلى الله عليه وسلم:(ثم اركع حتى تطمئن راكعًا).
قال: (وأقله) أي: للقائم (أن ينحني قدر بلوغ راحتيه ركبتيه) أي: لو أراد وضعهما عليهما؛ لأنه بدون ذلك لا يسمى راكعًا، ولابد من اعتدال اليدين والركبتين في الطول. فلو طالت يداه أو قصرتا أو قطع شيء منهما .. لم يعتبر ذلك.
وشرطه أن يبلغ ذلك بالانحناء الصرف.
بِطُمَانِينَةٍ بِحَيْثُ ينْفَصِلُ رَفْعُهُ عنْ هَوِيِّهِ، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ. فَلَوْ هَوَى لِتِلَاوَةٍ فَجَعَلَهُ رُكُوعًا .. لَمْ يَكْفِ. وَأَكْمَلُهُ: تَسْوِيَةُ ظَهْرِهِ وَعُنُقِهِ،
ــ
فلو انخنس وأخرج ركبتيه وهو مائل منتصب .. لم يكن ذلك ركوعًا وإن كان بحيث لو مد يديه لنالتا ركبتيه؛ لأن ذلك لم يكن بالانحناء.
فلو لم يقدر على المذكور أولًا إلا بمعين .. لزمه.
و (الراحة): بطن الكف، وجمعها: راح. وظاهر عبارته عدم الاكتفاء بالأصابع.
قال: (بطمأنينة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا).
ورأى حذيفة رجلًا لا يتم الركوع، فقال:(ما صليت، ولو مت .. مت على غير الفطرة التي فطر الله محمد صلى الله عليه وسلم عليها) رواه البخاري [791].
قال: (بحيث ينفصل رفعه عن الهوية) أي: سقوطه. هذا بيان حقيقة الطمأنينة، وهي: سكون بعد حركة.
و (الهوى) بضم الهاء وفتحها، والفتح أشهر. ولا تقوم زيادة الهوى مقام الطمأنينة.
قال: (ولا يقصد به غيره) أي: غير الركوع. فيجب عدم الصرف لا قصد الركوع.
قال: (فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعًا .. لم يكف)؛ لأنه صرفه إلى غير الواجب. أما قصد الركوع وسائر الأركان .. فلا يشترط؛ لدخوله في عموم نية الصلاة.
قال: (وأكمله تسوية ظهره وعنقه)، فيجعلهما كالصفيحة؛ لما روى مسلم [498] عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع .. لم يشخص رأسه ولم
وَنَصْبُ سَاقَيْهِ، وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، وَتفْرِقَهُ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُكَبِّرُ فِي ابْتِدَاءِ هَوِيِّهِ،
ــ
يصوبه، ولكن بين ذلك)، وسيأتي في آخر (شروط الصلاة) الكلام على شيء من هذا.
قال: (ونصب ساقيه)؛ لأن أعون. والمراد: نصبهما إلى حقوبه، ولا يستثنى ركبتيه. وكان ينبغي أن يقول: وفخذيه؛ فإن الساق إلى الركبة فقط.
والساق مؤنثة، وجمعها: سوق وأسوق.
قال: (وأخذ ركبتيه بيديه)؛ لما روى البخاري [828] عن أبي حميد الساعدي: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ركع، فمكن يديه من ركبتيه). ولفظ أبي داوود [730]: (ووضع يديه على ركبتيه).
وفي (الصحيحين)[خ790 - م535] عن سعد بن أبي وقاص: (كنا نطبق في الركوع، فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب).
و (التطبيق): أن يجعل بطن إحدى كفيه على بطن الأخرى، ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه.
فلو لم يمكن وضعهما على ركبتيه .. أرسلهما، فإن كانت إحدى يديه مقطوعة أو عليلة .. فعل بالأخرى ما أمرنا.
قال: (وتفرقة أصابعه)؛ لحديث وائل بن حجر قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع .. فرج أصابعه، وإذا سجد .. ضمها) رواه البيهقي [2/ 112] وصححه ابن حبان [1920]، ولأن التفريق أعون.
وشذ الغزالي وإمامه فقالا: يتركها على هيئتها.
قال: (للقبلة)؛ لأن ذلك ثبت في السجود، فقسنا عليه هذا.
قال: (ويكبر في ابتداء هويه)؛ لما روى الشيخان [خ803 - م392] عن أبي هريرة أنه كان يكبر في الصلاة كلها، ويقول:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي كذلك).
وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَإِحْرَامِهِ، وَيَقُولُ:(سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)
ــ
والجديد: أنه يمد هذا التكبير، وغيره من تكبيرات الانتقالات إلى أن يحصل في الركن المنتقل إليه، حتى لا يخلو جزء من صلاته عن ذكر، وسيأتي ذكره في الرفع من السجود.
قال: (ويرفع يديه)؛ لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه منه، وكان لا يفعل ذلك في السجود) رواه الشيخان [خ735 - م390] وغيرهما.
وقد رد البخاري على منكري الرفع، وقال: روى هذه السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصحابة، وأنه لم يثبت عن أحد منهم عدم الرفع.
وكان الأوزاعي يرفع يديه، والثوري لا يرفعهما، فتكلما في ذلك بمنى، فقال الأوزاعي للثوري: قم بنا إلى مقام نلتعن أينا على الحق، فامتنع الثوري من ذلك.
وكيفية الرفع: أن يبدأ به وهو قائم مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى بكفيه منكبيه .. انحنى.
قال: (كإحرامه) أي: بحيث تحاذي كفاه منكبيه، فيبتدئ به قائمًا مع ابتداء التكبير، فإذا حاذى كفاه منكبيه .. انحنى، وليس المراد: مجيء الخلاف في الابتداء والانتهاء، وكذلك يرفعهما إذا صلى جالسًا أو مضطجعًا.
قال: (ويقول: (سبحان ربي العظيم))؛ لما روى مسلم عن حذيفة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك).
وروى أحمد [4/ 155] وأبو داوود [865] وابن ماجه [887] وابن حبان [1898] والحاكم [1/ 225] أنه صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: {فسبح باسم ربك العظيم} .. قال: (اجعلوها في ركوعكم)، ولما نزل قوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى} .. قال: (اجعلوها في سجودكم).
ثَلَاثًا، وَلَا يَزِيدُ الإِمَامُ، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ:(اللَّهُمَّ؛ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي، وَمَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمِي)
ــ
ويستحب أن يضيف إليها: وبحمده.
قال الإمام فخر الدين: (الجليل): الكامل في الصفات، و (الكبير): الكامل في الذات، و (العظيم): الكامل فيهما.
قال: (ثلاثًا)؛ لما روى ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ركع أحدكم فقال: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات .. فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات .. فقد تم سجوده، وذلك أدناه)، وهو إن كان مرسلًا .. فقد اعتضد بفتوى أكثر أهل العلم.
فلو اقتصر على مرة في الركوع، ومرة في السجود .. أدى أصل السنة، إلا أن المستحب أن لا ينقص عن ثلاث.
ثم الكمال درجات أعلاها: إحدى عشرة أو تسع، وأوسطها: خمس، واختار الشيخ: أنه لا يتقيد بعدد، بل يزيد في ذلك ما شاء، وكذلك الزيادة في الدعاء، ففي (صحيح مسلم) [772] عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه قرأ في ركعة البقرة والنساء وآل عمران، ثم ركع نحوًا من قيامه، ثم قام قريبًا مما ركع).
قال: (ولا يزيد الإمام) خشية التطويل على المأمومين، إلا إذا كانوا محصورين ورضوا به. وقيل: يزيد إلى خمس.
قال: (ويزيد المنفرد: (اللهم؛ لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي، وما استقلت به قدمي))؛ تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم [771] إلا:(وما استقلت به قدمي) فهذه في (ابن حبان)[1901]، وزاد الشافعي [شم1/ 38]: وشعري وبشري.
ويكره أن يقرأ القرآن في الركوع والسجود؛ لما روى مسلم [479] أن النبي صلى الله
السَّادِسُ: الاِعْتِدَالُ قَائِمًا
ــ
عليه وسلم قال: (ألا، وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا)، وكذلك الحكم فيما عدا القيام.
ويستحب أن يزيد في الركوع والسجود ما رواه الشيخان [خ794 - م484] عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي).
و (الاستسلام): الانقياد والطواعية لأوامر الله، والرضا بقضائه.
قال عمر بن عبد العزيز: ما قضى الله في بقضاء فسرني أن يكون قضى لي بغيره، وما أصبح لي هوى إلا في مواقع قدر الله.
و (قدمي) في لفظ المصنف بلفظ الإفراد، ولا يصح فيها التشديد على أنه مثنى، لفقدان ألف الرفع.
و (القدم) مؤنثة، قال الله تعالى:{فتزل قدم بعد ثبوتها} .
قال: (السادس: الاعتدال قائمًا) أي: على الحالة التي كان عليها قبل الركوع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى تتعدل قائمًا).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره من الركوع والسجود) رواه أبو داوود [851] وغيره، وقال الترمذي [265]: حسن صحيح.
هذا في صلاة الفرض، أما الاعتدال من الركوع والسجود في النفل .. ففي وجوبه وجهان، وأجراهما القفال في الجلوس بين السجدتين بناء على الخلاف: فيما لو صلى القادر النفل قاعدًا أو مضطجعًا، وصحح المصنف وجوبه.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الاعتدال، فلو انحط من الركوع إلى السجود .. أجزأه وعن مالك روايتان كالمذهبين.
مُطْمَئِنّا، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ غَيْرَهُ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ .. لَمْ يَكْفِ. وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ رَفْعِ رَاسِهِ قَائِلًا:(سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ)،
ــ
قال: (مطمئنًا)؛ قياسًا على الركوع، وقال الإمام: في قلبي منه شيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتعرض لها هنا، وبين السجدتين في خبر المسيء صلاته، وهما ركنان قصيران.
والجواب: أن ابن حبان رواها في (صحيحه)[1787]، والشافعي في (الأم) [1/ 102] وابن عبد البر في (التمهيد) [9/ 183] ولفظه:(حتى تطمئن قائمًا)، والصواب: وجوبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمئن، وقال:(صلوا كما رأيتموني أصلي).
قال: (ولا يقصد به غيره، فلو رفع فزعًا من شيء .. لم يكف)؛ لأنه صارف كما تقدم.
و (الفزع): الذعر، قال الله تعالى:{ففزع من في السموات ومن في الأرض} .
ويجوز في لفظ المصنف فتح الزاي على أنه مصدر مفعول لأجله، والكسر على أنه اسم فاعل منصوب على الحال.
قال: (ويسن رفع يديه مع ابتداء رفع رأسه)؛ لما تقدم في حديث ابن عمر وغيره.
قال: (قائلًا: (سمع الله لمن حمده))، ففي (الصحيحين) [خ734 - م675] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يرفع صلبه من الركوع:(سمع الله لمن حمده)، ثم يقول وهو قائم:(ربنا ولك الحمد)، ويبتدئ به مع ابتداء رفع الرأس واليد.
ومعنى (سمع الله لمن حمده): أجاب الله حمد من حمده، وقيل: غفر له.
ولو قال: من حمد الله سمع له، أو لك الحمد ربنا .. قال في (الأم): أجزأه. والأول أولى، والفرق بينهما وبين أكبر الله: أن ذلك لا يسمى تكبيرًا.
فَإِذَا انْتَصَبَ .. قَالَ: (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)، وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ:(أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدَ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)
ــ
قال: (فإذا انتصب .. قال: ((بنا لك الحمد))؛ للحديث المذكور. ويجهر الإمام والمبلغ عنه بالتسميع فقط كالتكبير؛ لأنه ذكر الانتقال، أما التحميد .. فهو تسبيح الانتقال مثل: سبحان ربي العظيم والأعلى.
واقتصر المصنف والجمهور على: ربنا لك الحمد بلا واو، وأكثر الروايات بالواو، وقال في (الأم): وهو أحب إلي.
وزاد المصنف في (التحقيق): (حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه)، ولم يذكره الجمهور وهو في (البخاري)[799] من رواية بن رافع، وفيه:(أنه ابتدر ذلك بضعة وثلاثون ملكًا يكتبونه)، وذلك أن عدد حروفها بضعة وثلاثون حرفًا.
وأغرب المصنف في (شرح المهذب) فقال: لا يزيد الإمام على: ربنا لك الحمد، إلا برضا المأمومين، وهو مخالف لما في (الروضة) و (التحقيق).
قال: ((ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)) رواه مسلم أيضًا [476].
و (ملء) يجوز فيه الرفع على الصفة، والنصب على الحال؛ أي: مالئا لو كان جسمًا.
وقوله: (من شيء بعد) أي: كالكرسي وغيره، مما لا يعلمه إلا الله.
قال: (ويزيد المنفرد: (أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) رواه مسلم [477]. وإنما لم يستحب ذلك للإمام؛ لما فيه من التطويل.
وَيُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي اعْتِدَالِ ثَانِيَةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ: (اللَّهُمَّ؛ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ
…
) إِلَى آخِرِهِ،
ــ
و (أهل) منصوب على النداء، و (الثناء): المدح، و (المجد): العظمة، وقال الجوهري: الكرم.
و (أحق ما قال العبد) مبتدأ خبره: (لا مانع لما أعطيت) إلى أخره، وما بينهما اعتراض.
وإثبات ألف (أحق) وواو (وكلنا) هو المشهور، ويقع في كتب الفقهاء حذفهما، والصواب: إثباتهما كما رواه مسلم [477] وسائر المحدثين، كذا قاله المصنف، واعترض عليه بأن النسائي روى حذفهما [سك 1382].
و (الجد) بفتح الجيم: الحظ والغنى. وروى بالكسر، وهو: الاجتهاد. والمعنى: لا ينفع ذا الحظ في الدنيا حظه في العقبى، إنما تنفعه طاعتك.
قال الأزهري: و (منك) هنا بمعنى: عندك.
قال: (ويسن القنوت في اعتدال ثانية الصبح)؛ لقول أنس: (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا)، صححه الحاكم والبيهقي [2/ 201] وأحمد [3/ 162] والدارقطني [2/ 39] وجماعة من الحفاظ، وعمل به الخلفاء الراشدون.
وأما كونه بعد الركوع .. فقال البيهقي: إنه رواته أكثر وأحفظ، فهو أولى. فلو قنت قبل الركوع .. لم يجزئه ويسجد للسهو، وقيل: يجزئه، وقيل: تبطل صلاته كما لو نقل التشهد وهو غلط.
قال: (وهو: (اللهم؛ اهدني فيمن هديت ..) إلى آخره) أي: (وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت وتعاليت)، كذا صح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن الحسن بن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ذلك، رواه أبو داوود [1420] عن أبي الحوراء- بالحاء والراء المهملتين وهو فرد في الأسماء- عن الحسن مكبرًا، ووقع في (الكفاية) عن الحسين مصغرًا، ووقع له نظير ذلك في (العدد) كما سيأتي.
قال الرافعي: وزاد بعض العلماء فيه: (ولا يعز من عاديت) قبل: (تباركت وتعاليت)، وبعده: ولك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك، ولم يستحسن القاضي أبو الطيب: ولا يعز من عاديت؛ لأن العداوة لا تضاف إلى الله تعالى، ورد عليه بقوله تعالى:{فإن الله عدو للكافرين} .
وظاهر عبارة المصنف أن هذه اكلمات متعينة للقنوت، وهو وجه اخاره الغزالي قياسًا على التشهد، والأصح: أنها لا تتعين.
فلو قنت بآية من القرآن تضمنت دعاء أو شبهه ناويًا بذلك القنوت .. أجزأ، وإن لم تتضمنه كآية الدين و {تبت يدا أبي لهب} .. لم يكن ذلك قنوتًا على الصحيح.
ولو قنت بالمنقول عن عمر .. كان حسنًا، وهو:(اللهم؛ إنا نستعينك ونستهديك ..) إلى آخره.
ويستحب الجمع بينهما للمنفرد، ويؤخر قنوت عمر على الأصح، فإن اقتصر على أحدهما .. فعلى الأول.
وكان الشيخ أبو محمد يقول في دعاء قنوت الصبح: اللهم؛ لا تعقنا عن العلم بعائق، ولا تمنعنا منه بمانع.
وقال في (الإقليد): (الذكر الوارد في الاعتدال لا يقال مع القنوت؛ لأنه يطول وهو ركن قصير، وعمل الأئمة بخلافه لجهلهم بفقه الصلاة، فإن الجمع إن لم يكن مبطلًا .. فلا شك في كونه مكروهًا) اهـ
وَالإِمَامُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ. وَالصَّحِيحُ: سَنُّ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِهِ،
ــ
والصواب: الجمع بينهما، نص عليه البغوي ونقله عن النص، وفي (العمدة) نحوه.
قال: (والإمام بلفظ الجمع)؛ حتى لا يخص نفسه بالدعاء، ففي (سنن أبي داوود) [92] و (الترمذي) [357] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يؤم عبد قومًا، فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل ذلك .. فقد خانهم)، ومقتضى كلام (الأذكار) اطراده في كل الأدعية، وبه صرح في (الإحياء)، ونقله ابن المنذر عن النص، إلا ما ورد السنة فيه بالإفراد كقوله:(اللهم؛ باعد بيني وبين خطاياي)، (اللهم؛ اغسلني من خطاياي)، والدعاء بين السجدتين .. فيفرده؛ لأن الجميع مأمورون بقوله هناك.
قال: (والصحيح: سن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره)؛ لأن ذلك ورد في رواية في حديث الحسن في (النسائي)[3/ 248] بإسناد حسن، ولفظه:(وصلى الله على النبي). وروى ابن حبان [3382] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول لك: أتدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم، قال: إذا ذكرت .. ذكرت معي).
ولم يذكر المصنف الآل، وفي (الأذكار) [42]: يستحب أن يقول: اللهم؛ صل على محمد، وعلى آل محمد وسلم، وفي (حيلة الروياني) نحوه.
والوجه الثاني: لا تجوز، فإن فعلها .. بطلت صلاته؛ لأنه نقل ركنًا إلى غير موضعه، وهو شاذ بل غلط.
وَرَفْعِ يَدَيْهِ، وَلَا يَمْسَحُ وَجْهَهُ. وَأَنَّ الإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ. وَأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْمَامُومُ لِلدُّعَاءِ وَيَقُولُ الثَّنَاءَ
ــ
قال: (ورفع يديه) ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن- في قنوته على أصحاب بئر معونة، وصح عن جماعة من الصحابة في القنوت، وبه قال أبو حنيفة وأحمد.
والثاني: لا يرفع- وبه قال مالك- قياسًا على سائر الأدعية في الصلاة، ولما روى الشيخان [خ1031 - م895] عن أنس قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء).
وذكر الرافعي في بابه: أن السنة لمن دعا برفع بلاء .. أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، ولمن دعا لتحصيل شيء .. أن يجعل بطنهما إليها.
قال: (ولا يمسح وجهه)؛ لأنه لم يثبت بذلك خبر ولا أثر.
وقال أحمد: لا يعرف عن أحد أنه كان يمسح وجهه بعد الدعاء إلا الحسن.
والثاني: نعم؛ لما في (أبي داوود)[1480] و (ابن ماجه)[3866] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعوت .. فادع ببطون كفيك، فإذا فرغت .. فامسح راحتيك على وجهك) لكنه ضعيف. وأما الصدر .. فلا يستحب مسحه قطعًا، بل هو بدعة منكرة.
قال: (وأن الإمام يجهر به)؛ لأحاديث بئر معونة التي تأتي قريبًا.
والثاني: يسر كغيره من الدعاء.
أما المنفرد .. فإنه يسر به بلا خلاف.
قال: (وأنه يؤمن المأموم للدعاء ويقول الثناء)؛ لما روى أبو داوود [1438] والحاكم [1/ 225] عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح في دبر كل صلاة، إذ قال: سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة .. يدعو على أحياء من بني
فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ .. قَنَتَ. وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ لِلنَّازِلَةِ
ــ
سليم: على رعل وذكوان وعصية، ويؤمن من خلفه).
وهل يجهر المأموم بالتأمين، أو لا؟ فيه الخلاف في التأمين للقراءة.
والوجه الثاني: يؤمن للدعاء والثناء؛ لإطلاق الحديث.
والثالث: يتخير بين التأمين والقنوات.
والرابع: يقنت.
ووجه المشاركة في الثناء ظاهر، وقال الرافعي: يشاركه فيه أو يسكت.
وقال في (الإحياء): يقول: صدقت وبررت، أو بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وما أشبه ذلك.
وعبارة المصنف تقتضي: أنه يؤمن في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها دعاء، وبه جزم الطبري في (شرح التنبيه).
قال: (فإن لم يسمعه .. قنت)، كما يشاركه في سائر الدعوات والأذكار السرية.
والثاني: يؤمن.
وهما كالوجهين السابقين في قراءة السورة. وإذا قلنا: يقنت .. فقياسه: أن يسر، ويأتي بلفظ الإفراد كالمنفرد، ولفظ المصنف يشعر بذلك.
قال: (ويشرع القنوت) أي: يسن (في سائر المكتوبات للنازلة)، كالوباء والقحط والجراد والخوف؛ لأحاديث بئر معونة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام شهرًا يدعو عليهم، ثم ترك الدعاء عليهم، فكان إذا قال:(سمع الله لمن حمده) من الركعة الأخيرة .. يدعو عليهم، ويؤمن من خلفه. رواه أبو داوود [1438].
وقنت علي في المغرب، وأبو هريرة في الظهر والعشاء، وبه يرد على الطحاوي حيث قال: لم يقل بالقنوت في غير الصبح إلا الشافعي.
لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ. السَّابِعُ: السُّجُودُ
ــ
وكأن الحامل على القنوت في قصة بئر معونة دفع تمرد القاتل لا النظر إلى المقتولين؛ لعدم إمكان تداركهم.
وفي قول: أنه لا فرق في النازلة بين العامة والخاصة، وهو المفهوم من عبارة المصنف وفيه نظر، وأفهم أنه: لا يقنت في النوافل وهو المنصوص في (الأم).
قال: (لا مطلقًا على المشهور) المراد: أنه إذا لم ينزل بالمسلمين نازلة .. فالمذهب المنصوص في (الأم): لا يقنت؛ لعدم وروده. وخالفت الصبح غيرها لشرفها؛ لأنه يؤذن لها قبل الوقت وبالتثويب، ولأنها أقصر الفرائض فكانت بالزيادة أليق.
ويقابل المشهور في كلام المصنف قوله في (الإملاء): إن شاء قنت فيها، وإن شاء ترك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قنت فيها وترك، والخلاف في الاستحباب. وقيل: في الجواز، وهو مقتضى كلام أكثر الأئمة.
وقيل: يقنت في الجمعة والعشاء حكاه في (البحر). وقيل: إنما يقنت الإمام في الجهرية دون السرية.
وإذا قنت في الجميع .. فالراجح: أنه كالصبح سرية كانت أو جهرية. ومقتضى إيراد (الوسيط): أنه يسر في السرية، وفي الجهرية الخلاف.
قال: (السابع: السجود)؛ للأمر به في الكتاب والسنة. وهو في اللغة: التطامن.
وَأَقَلُّهُ: مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَاّهُ،
ــ
قال: (وأقله: مباشرة بعض جبهته مصلاه)؛ لما روى البيهقي [2/ 105]- بإسناد صحيح- عن خباب بن الأرت قال: (شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا)، وهو في (مسلم)[619] بدون جباهنا وأكفنا، ووقع في (الكفاية) و (شرح الشيخ) بهما، وهو منسوب إلى (مسلم) وهو وهم.
ومعنى (لم يشكنا): لم يزل شكوانا، فلو لم تجب المباشرة بالجبهة .. لأرشدهم إلى سترها.
وقال المصنف: الحديث منسوخ بأمره صلى الله عليه وسلم بالإبراد بالظهر، واستدل للاكتفاء بالبعض بأن النبي صلى الله عليه وسلم (أصبح ليلة القدر وعلى جبهته أثر الماء والطين).
وقيل: لابد من السجود على جميعها.
قال الشيخ: فإن أريد كشفها .. فلا دليل له صحيح. وإن أريد الموضوع فقط .. فدليله: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)، مع أن الأولى ذلك.
والاقتصار على بعضها مكروه كراهة تنزيه، ولا يجزئ غير الجبهة على انفراده، كالصدغ والجبين والخد ومقدم الرأس والأنف، وإنما يجب كشف بعضها حيث لا عذر، فلو عصبها لجرح ونحوه وسجد عليها .. صح ولا إعادة عليه على المذهب حيث لا نجاسة تحت العصابة، فإن كانت غير معفو عنها .. أعاد.
وفي قول: يجب وضع الأنف مع الجبهة؛ لما روى الدارقطني [1/ 348] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة لمن لا يضع أنفه على الأرض)، لكنه ضعيف.
وقال أبو حنيفة: وهو مخير بين الجبهة والأنف، وله الاقتصار على أحدهما.
فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ .. جَازَ إِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ. وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فِي الأَظْهَرِ. قُلْتُ: الأَظْهَرُ: وُجُوبُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ
ــ
قال: (فإن سجد على متصل به .. جاز إن لم يتحرك بحركته)، كطرف كمه وعمامته وذيله الطويل؛ لأنه كالمنفصل.
وقيل: لا يجوز كما يمنع الصحة لو كان متنجسًا.
فإن تحرك بحركته في القيام والقعود أو غيرهما .. لم يجز؛ لظاهر حديث خباب.
ويؤخذ من عبارة المصنف أن الامتناع على اليد من باب أولى، لكن يستثنى ما لو كان بيده عود فسجد عليه .. فإنه يجوز كما صرح به في (نواقض الوضوء) من (شرح المهذب).
قال: (ولا يجب وضع يديه وركبتيه وقدميه في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} ، ولأنه لو وجب وضعها .. لوجب الإيماء بها عن العجز، ولأنه النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني عبد الأشهل وعليه كساء ملتحف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصى، رواه ابن ماجه [1032].
قال المصنف: ويتصور ذلك بما إذا رفع ركبتيه وقدميه، ووضع ظهر كفيه أو حرفيهما .. فإنه في حكم رفعهما.
قال: (قلت: الأظهر: وجوبه والله أعلم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء).
وروي: (آراب الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين) متفق عليه [خ809 - م490].
فعلى هذا: لا يجب كشفهما، بل يكره كشف الركبتين. وفي قول: يجب كشف اليدين، وفي (شرح كفاية الصيمري): أنه يكفي كشف إحداهما، وأن الاعتبار في اليدين بباطن الكف، وفي الرجلين ببطون الأصابع، وقيل: يكفي ظهر القدمين.
وَيَجِبُ أَنْ يَطْمِئِنَّ وَيَنَالَ مَسْجَدَهُ ثِقَلُ رَاسِهِ. وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ .. وَجَبَ الْعَوْدُ إِلَى الاِعْتِدَالِ. وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الأَصَحِّ.
ــ
قال: (ويجب أن يطمئن)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا).
قال: (وينال مسجده ثقل رأسه)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجدت .. فمكن جبهتك من الأرض، ولا تنقر نقرًا) رواه ابن حبان [1887].
ولابد من التحامل بحيث لو فرض تحته حشيش أو قطن .. لانكبس وظهر أثره.
ومعنى (ينال): يصيب، و (مسجده) بفتح الجيم أي: محل السجود.
واكتفى الغزالي وإمامه بإرخاء الرأس؛ لأن الغرض إبداء هيئة التواضع.
ولو نبت على جبهته شعر فسجد عليه .. جاز بخلاف الناصية، قاله البغوي في (الفتاوى).
قال: (وأن لا يهوي لغيره)؛ لما سبق.
قال: (فلو سقط لوجهه .. وجب العود إلى الاعتدال) أي: ليسجد منه؛ لأنه لابد من نية أو فعل، ولم يوجد واحد منهما. هذا إذا سقط قبل الهوي، فلو هوى ليسجد فسقط على الأرض بجبهته، فإن وضع جبهته على الأرض للاعتماد .. لم يحسب عن السجود، وإلا .. حسب سواء قصد السجود أم لا؛ استصحابًا لحكم السجود.
قال: (وأن ترتفع أسافله على أعاليه في الأصح)؛ لأن البراء بن عازب وضع يديه واعتمد على ركبتيه ورفع عجيزته وقال: (هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) رواه أبو داوود [892] والنسائي [2/ 212]، وصححه ابن حبان [1916].
وإطلاق البراء: (العجيزة) على الرجل مجاز كما سيأتي في (الجنائز).
وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ لِهَوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ
ــ
والثاني: يجوز أن تستوي أسافله وأعاليه. والأصح في هذه الصورة: عدم الصحة.
ولو كانت أعاليه أعلى، بأن سجد على مخدة .. فلا يصح قطعًا.
هذا في المتمكن، أما من به علة تمنعه التنكيس أو الاستواء .. فلا يلزمه، لكن هل يلزمه وضع شيء يسجد عليه أو يكفيه الإيمانء؟ .. فيه وجهان، صحح في (الشرح الصغير) الأول، وقال في (الشرح الكبير): الثاني أشبه بكلام الأكثرين.
ولا خلاف أنه إذا عجز عن وضع الجبهة بالأرض، وقدر على وضعها على وسادة مع رعاية التنكيس .. أنه يلزمه ذلك، ولو عجز عن الانحناء .. أشار بالرأس ثم بالطرف.
قال: (وأكمله: يكبر لهوية)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع، متفق عليه [خ785 - م392].
قال: (بلا رفع)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يفعل ذلك في السجود، متفق عليه [خ735 - م390].
وقيل: يرفع في كل خفض ورفع، وفيه أحاديث صحيحة، واختاره أبو بكر بن المنذر وأبو علي الطبري والروياني وبعض أهل الحديث.
قال: (ويضع ركبتيه ثم يديه)؛ لقول وائل بن حجر: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد .. وضع ركبتيه قبل يديه، فإذا نهض .. رفع يديه قبل ركبتيه) رواه الأربعة، وصححه ابن خزيمة [626] وابن حبان [1912] والحاكم [1/ 226]، ولا يضره أن في سنده شريكًا القاضي وليس بالقوي؛ لأن مسلمًا روى له فهو على شرطه، لكن يعارضه ما في (أبي داوود) [836] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم .. فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل
ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، وَيَقُولُ:(سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) ثَلَاثًا،
ــ
ركبتيه)، وهو جيد الإسناد، وبه أخذ مالك؛ لأنه قول وأمر، وهو أقوى من الفعل.
لنا: ما رواه سعد بن أبي وقاص قال: (كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بالركبتين قبل اليدين) خرجه ابن خزيمة [628] وابن حبان.
وقال الخطابي: إن تقديم الركبتين أثبت من تقديم اليدين، وبه قال أكثر العلماء، وهو أرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل ورأي العين.
قال: (ثم جبهته وأنفه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رئي على جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صلاة صلاها بالناس، رواه البخاري [669] ومسلم [1167].
وهما كعضو واحد يقدم أيهما شاء، فلو خالف الترتيب المذكور .. قال الشافعي: كرهته ولا إعادة عليه.
وفي (شرح التبصرة) للبيضاوي: الجزم باستحباب تقديم الجبهة على الأنف.
قال: (ويقول: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثًا)؛ لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد أحدكم .. فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا)، وهو مرسل اعتضد بقول الصحابة وأكثر أهل العلم.
وفي (المهذب): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: (سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)، والمراد به: جبريل عليه السلام، وقيل: ملك له مئة ألف رأس، لكل رأس مئة ألف وجه، في كل وجه مئة ألف فم، في كل فهم مئة ألف لسان يسبح الله تعالى بلغات مختلفة، وقيل: خلق من الملائكة يرون الملائكة ولا تراهم، فهم للملائكة كالملائكة لبني آدم.
ويستحب أن يبرز قدميه من ذيله في السجود، ويكشفهما إذا لم يكن عليهما خف.
وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ: (اللَّهُمَّ؛ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آَمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ،
ــ
وقال: (ويزيد المنفرد: (اللهم؛ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)) رواه مسلم [771] بهذا اللفظ. زاد في (الروضة): (بحوله وقوته) قبل: (تبارك).
وخص الوجه بالذكر؛ لأنه أكرم جوارح الإنسان، وفيه بهاؤه وتعظيمه، فإذا خضع وجهه لشيء .. فقد خضع له سائر جوارحه.
وفي (المرشد) عن الشافعي أنه كان يقول: سجد وجهي حقًا حقًا، عبودية ورقًا.
قال: (ويضع يديه حذو منكبيه) أي: مقابلهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، رواه أبو داوود [734] وغيره من حديث أبي حميد.
وعن وائل بن حجر قال: (قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فلما افتتح الصلاة .. كبر ورفع يديه، فرأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه ....) فذكر الحديث قال: (فسجد فوضع رأسه بين يديه على مقدارهما حين افتتح الصلاة).
قال: (وينشر أصابعه مضمومة للقبلة)، أما النشر .. فرواه البخاري [828] من حديث أبي حميد. وأما الضم .. فرواه ابن حبان [1920] من حديث وائل بن حجر. وأما كونها للقبلة .. فرواه البيهقي [2/ 112] عن البراء بن عازب.
وسئل صاحب (الحاوي الصغير) عن حكمة وضع اليدين في السجود مضمومة الأصابع، وفي التشهد منشورة، فقال: لتنصب الرحمة على أعضائه في التشهد، وفي السجود؛ لئلا تنزل على الأرض.
وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى
ــ
قال: (ويفرق ركبتيه)، وكذا بين قدميه قدر شبر؛ لأن أبا حميد رواه، وكذا يفرج بين فخذيه نص عليه.
قال: (ويرفع بطنه عن فخذيه)؛ لما روى أبو داوود [894]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد لو مرت بهيمة .. لنفذت).
وروى مسلم [497]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد .. جخى) ويروى: (خوى)[سك 737]، ومعناه: رفع عضديه وجافاهما عن جنبيه، ورفع بطنه عن الأرض.
قال: (ومرفقيه عن جنبيه، في ركوعه وسجوده)، أما في ركوعه .. فلا خلاف فيه، وأما في سجوده .. ففي (الصحيحين) [خ390 - م495] عن أبي حميد:(أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد .. فرج بين يديه حتى يرى بياض إبطيه).
ويستحب: (أن يرفع مرفقيه ويعتمد على راحتيه) روى البخاري ذلك عنه صلى الله عليه وسلم. وأن يرفع ظهره ولا يحدودب. ولا يرفع وسطه عن أعلاه وأسفله.
قال: (وتضم المرأة)؛ لأنه أستر لها؛ لما روى البيهقي [2/ 223] مرسلًا أنه صلى الله عليه وسلم مر على امرأتين تصليان فقال: (إذا صليتما .. فضما بعض اللحم إلى بعض).
قال: (والخنثى)؛ احتياطًا. وقيل: هما في حقه سواء. وهذه المسألة من زياداته على (المحرر) و (الشرحين)، وكان أليق تقديم هذه الصفات على قوله: (ويقول: سبحان ربي الأعلى.
الثَّامِنُ: الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنّاً. وَيَجِبُ: أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ. وَأَنْ لَا يُطَوَّلَهُ وَلَا الاِعْتِدَالَ. وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا،
ــ
قال: (الثامن: الجلوس بين سجدتيه مطمئنًا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا).
وفي (الصحيحين)[خ793 - م498]: (كان صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه .. لم يسجد حتى يستوي جالسًا).
وقال أبو حنيفة: لا تجب الطمأنينة ولا الجلوس، بل يكفي أن يرفع رأسه .. عن الأرض أدنى رفع ولو كحد السيف.
قال: (ويجب: أن لا يقصد برفعه غيره)، كما تقدم في الاعتدال.
قال: (وأن لا يطوله ولا الاعتدال)؛ لأنهما ركنان قصيران ليسا مقصودين لذاتهما وإن كانا فرضين.
وتجب الطمأنينة فيهما ليكون على سكينة وثبات، وإنما الغرض منهما الفصل بين الركوع والسجود وبين السجدتين.
فلو أطال الاعتدال حيث ورد الشرع بتطويله بالقنوت، أو في صلاة التسبيح .. لم تبطل، وإن أطاله عمدًا بالسكوت أو بذكر آخر .. فالأصح: البطلان. واختار المصنف والشيخ جواز إطالته بالذكر لما تقدم عن (صحيح مسلم): (أن النبي صلى الله عليه وسلم طوله جدًا).
ولو قيل بمثل ذلك في الجلوس بين السجدتين .. لم يبعد، ففي (الصحيحين) [خ820 - م471]:(كان ركوعه عليه الصلاة والسلام وجلوسه بين السجدتين قريبًا من السواء).
قال: (وأكمله: يكبر)؛ لما سبق.
قال: (ويجلس مفترشًا)؛ لحديث أبي حميد.
وروى البويطي عن الشافعي: أنه يجلس على عقبيه وتكون صدور قدميه على الأرض؛ لأن العبادلة كانوا يفعلون ذلك.
وَاضِعًا يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَهِ، وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ قَائِلاً:(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْمِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي). ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالأُولَى،
ــ
ووقع لابن الرفعة وغيره وهم في العبادلة سيأتي في (دية المرأة).
قال: (واضعًا يديه قريبًا من ركبتيه)؛ بحيث تساوي رؤوس الأصابع الركبتين؛ لأنه أسهل.
قال: (وينشر أصابعه) أي: إلى القبلة؛ قياسًا على السجود وغيره.
قال: (قائلًا: (رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني))، هذه الألفاظ السبعة رواها الحاكم [1/ 241 و271] بإسناد صحيح، وزاد في (الإحياء):(واعف عني).
وروى مسلم [2697] عن طارق بن أشيم الأشجعي الصحابي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله؛ كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: (قل: اللهم؛ اغفر لي وارحمني، وعافني وارزقني؛ فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك). وأي شيء قال من الذكر .. فحسن. وفي (تحرير الجرجاني) يقول: رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم.
وقال المتولي: يستحب للمنفرد أن يزيد على ذلك: رب هب لي قلبًا تقيًا نقيًا، من الشرك بريًا، لا كافرًا ولا شقيًا.
و (الغفر): الستر. و (العافية) تقدم أنها: دفاع الله عن العبد. و (الأرزاق) نوعان: ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم.
قال: (ثم يسجد الثانية كالأولى) أي: في الأقل والأكمل. وإنما شرع تكرار السجود دون غيره؛ لأنه أبلغ في التواضع، ولأن الشارع أمر بالدعاء فيه وأخبر أنه حقيق بالإجابة، فيسجد ثانيًا شكرًا لله تعالى على إجابتها، كما هو المعهود فيمن سأل ملكًا فأنعم عليه.
وروى: (أنه لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء فمن كان من
وَالْمَشْهُورُ: سَنُّ جَلْسَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا
ــ
الملائكة قائمًا .. سلموا عليه قيامًا، ثم ركعوا شكرًا لله تعالى على رؤيته صلى الله عليه وسلم، ومن كان من الملائكة راكعًا .. رفعوا رؤوسهم من الركوع وسلموا عليه، ثم سجدوا لله تعالى شكرًا على رؤيته، ومن كان منهم ساجدًا .. رفعوا رؤوسهم وسلموا عليه، ثم سجدوا ثانية شكرًا لله تعالى على رؤيته)، فلذلك صار السجود مثنى مثنى، فلم يرد الله تعالى أن يكون للملائكة حال إلا وجعل لهذه الأمة حالًا مثل حالهم، كذا قاله أبو الحسن القرطبي في كتاب (الزاهر).
وجعل المصنف السجدتين ركنًا واحدًا، والصحيح في (البسيط): أنهما ركنان.
قال ابن الرفعة: وتظهر فائدة الخلاف في المأموم إذا تقدم على إمامه في الأفعال أو تأخر عنه.
وجزم في (الروضة) بأن أفضل الأركان: القيام، ثم السجود، ثم الركوع. وقيل: كثرة الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام.
وقيل: الأفضل تطويلهما نهارًا، وتطويل القيام ليلًا؛ لأن الظلمة مانعة لرؤية ما يلهيه، حكاه الطبري شارح (التنبيه).
وأفتى بعض المتأخرين بأن عشرين ركعة من قعود أفضل من عشر ركعات من قيام؛ لما في الأول من زيادة الركوع والسجود وغيره، وفي ذلك نظر؛ لأن الشرع شهد له بالمساواة.
قال: (والمشهور: سن جلسة خفيفة بعد السجدة الثانية في كل ركعة يقوم عنها) سواء في ذلك الفرض والنفل، والشيخ والشاب؛ لما روى البخاري [823] عن مالك بن الحويرث:(أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإن كان في وتر من صلاته .. لم ينهض حتى يستوي جالسًا).
واحترز بـ (كل ركعة) عن سجود التلاوة، فلا تشرع له جلسة الاستراحة.
ويقابل المشهور قول: أنه لا يجلس- وهو مذهب الأئمة الثلاثة- لقول وائل بن حجر: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجود .. استوى قائمًا)، ولأنها لو ندبت لكان لها ذكر مشروع، ولما أجمعنا على أنه لا ذكر فيها .. دل على أنها
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ وَالْحَادِي عَشَرَ: التَّشَهُّدُ، وَقُعُودُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَالتَّشَهُّدُ وَقُعُودُهُ إِنْ عَقَبَهُمَا سَلَامٌ .. فَرُكْنَانِ،
ــ
غير مستحبة. والعمل بالخبر الأول أولى؛ لاشتماله على زيادة. فلو لم يجلس الإمام للاستراحة، فجلس المأموم .. جاز.
وقال المتولي: قدرها قدر الجلوس بين السجدتين، ويكره أن يزيد عليها.
قال الشيخان: ولا يكبر تكبيرتين بلا خلاف. وفيه وجه في (الإقليد): أنه يكبرهما.
والصحيح في زوائد (الروضة): أنها فاصلة بين الركعتين، وقيل: من الثانية. والمسألة في (الرافعي) كذلك.
وفي (شرح المهذب): فائدة الخلاف في تعليق الطلاق على الركعة.
وقال الشيخ شرف الدين البارزي: فائدته في المسبوق إذا كبر والإمام فيها، فإن قلنا: إنها مستقلة .. جلس معه كما يجلس في التشهد، وإن قلنا: إنها من الثانية .. فله أن ينتظره إلى القيام.
قال: (التاسع والعاشر والحادي عشر: التشهد، وقعوده، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
(التشهد) تفعل من الشهادة؛ لما اشتمل هذا الذكر على الشهادة لله سبحانه وتعالى بالتوحيد، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة. سمي تشهدًا من باب تسمية الشيء بأشرف ما اشتمل عليه، ولذلك سمي اللسان شاهدًا.
قال: (فالتشهد وقعوده إن عقبهما سلام .. فركنان)؛ لقول ابن مسعود: كان نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل: عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تقولوا: السلام على الله؛ فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله) رواه الدارقطني [1/ 350] والبيهقي [2/ 378] بإسناد صحيح، فدل على وجوب التشهد.
وَإِلَاّ .. فَسُنَّتَانِ،
ــ
وإذا ثبت وجوبه .. وجب القعود؛ لأن كل من أوجبه .. أوجب فيه القعود.
وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .. فلما رواه الشيخان [خ4797 - م406] عن كعب بن عجرة قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: (قولوا: اللهم؛ صلى على محمد، وعلى آل محمد
…
) إلى آخره. وفي رواية صحيحة: (كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟).
واستدل الشافعي بقول الله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا} ، فاقتضت الآية الوجوب، وأولى الأحوال بذلك الصلاة.
وفي (مسند أبي عوانة)[2/ 224] عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيدعو ربه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ينهض قائمًا ولا يسلم، ثم صلي التاسعة فيقعد ويحمد ربه ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعو، ثم يسلم تسليمًا يسمعناه)، وهذا مع قوله: عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) يدل على الوجوب، فخرج وجوبها في التشهد الأول بالإجماع، فبقي في الثاني على مقتضى الدليل.
وفي (الشافعي) للجرجاني حكاية قول: أنها ليست ركنًا في الصلاة، واختاره ابن المنذر والخطابي، كذا نقله القاضي عياض في (الشفا) عنهما.
قال: (وإلا .. فسنتان)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبرهما بسجود السهو، كما رواه الشيخان [خ829 - م570]، والواجب لا يجبر بالسجود.
والجلسات المشروعات في الصلاة أربع: اثنتان واجبتان: الجلسة بين السجدتين وجلسة التشهد الأخير، واثنتان سنتان: جلسة الاستراحة وجلسة التشهد الأول.
وَكَيْفَ قَعَدَ .. جَازَ. وَيُسَنُّ فِي الأَوَّلِ: الاِفْتِرَاشُ، فَيَجْلِسُ عَلَى كَعْبِ يُسْرَاهُ وَيَنْصِبُ يُمْنَاهُ، وَيَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ لِلْقِبْلَةِ، وَفِي الآخِرِ: التَّوَرُّكُ، وَهُوَ كَالاِفْتِرَاشِ، لَكِنْ يُخْرِجُ يُسْرَاهُ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُلْصِقُ وَرِكَهُ بِالأَرْضِ. وَالأَصَحُّ: يَفْتَرِشُ الْمَسْبُوقُ وَالسَّاهِي. وَيَضَعُ فِيهِمَا يُسْرَاهُ عَلَى طَرَفِ رُكْبَتِهِ مَنْشُورَةَ الأَصَابعِ بِلَا ضَمٍّ.
ــ
قال: (وكيف قعد .. جاز) أي: في الجلسات الأربع بالاتفاق، سواء تورك أو افتراش أو تربع أو مد رجليه أو نصب ركبتيه أو إحداهما أو غير ذلك، لكن يكره الإقعاء الذي ذكره المصنف.
قال: (ويسن في الأول: الافتراش، فيجلس على كعب يسراه وينصب يمناه، ويضع أطراف أصابعه للقبلة، وفي الآخر: التورك، وهو كالافتراش، لكن يخرج يسراه من جهة يمينه ويلصق وركه بالأرض)؛ لأن جميع ذلك ثبت في (الصحيحين)[خ828]. وإنما خولف في التشهدين؛ لأنه أقرب إلى نفي الغلط، وليعلم المسبوق حالة الإمام؛ لأن المصلي بعد الأول يبادر إلى قيام، وليس بعد الآخر قيام.
قال: (والأصح: يفترش المسبوق والساهي)؛ لأنه ليس آخر صلاته.
والثاني: يتورك تبعًا للإمام.
والثالث: إن كان في محل تشهده الأول .. افترش، وإلا .. تورك؛ لأن جلوسه حينئذ لمجرد المتابعة.
ولو ترك الأبعاض عمدًا .. فهو كالساهي؛ لأنه مأمور بالسجود، فلو قال: ومريد السجود .. لدخل فيه ذلك وكان أولى.
قال: (ويضع فيهما) أي: في التشهدين (يسراه على طرف ركبتيه)، ويجعلها قريبًا من ركبته بحيث تسامت رؤوسها الركبة؛ لما روى مسلم [580/ 116] عن ابن عمر:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله).
قال: (منشورة الأصابع بلا ضم)؛ كذلك هو في حديث ابن عمر [م580].
قُلْتُ: الأَصَحُّ: الضَّمُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَيَقْبِضُ مِنْ يُمْنَاهُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ، وَكَذَا الْوُسْطَى فِي الأَظْهَرِ، وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ
ــ
قال: (قلت: الأصح: الضم والله اعلم)؛ لتتوجه إلى القبلة. ونقل الشيخ أبو حامد الاتفاق عليه. ويجري الوجهان بما فيهما من اختلاف التصحيح في الجلوس بين السجدتين.
قال: (ويقبض من يمناه الخنصر والبنصر، وكذا الوسطى في الأظهر) رواه كذلك مسلم [580] عن ابن عمر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: لا يضم الإبهام، بل يبسطها.
والثالث: لا يقبض الوسطى، بل يلحقها مع الإبهام؛ لحديث وائل بن حجر في (البيهقي)[2/ 131].
والخلاف في الأفضل، وكيف فعل ذلك كان آتيًا بالسنة، إلا أن يفعلها كعاقد ثلاثة وعشرين.
و (الخنصر والنبصر) بكسر أولهما وفتح صاديهما. ومقتضى كلام الجوهري: أن نون الخنصر زائدة؛ لأنه ذكره في مادة (خصر)، فوزنه فنعل، لكن صاحب (المحكم) ذكره في الرباعي، فيكون وزنه فعلل.
قال: (ويرسل المسبحة) أي: في كل التشهد؛ لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [م580]. وسميت مسبحة؛ لأنه يشار بها في التوحيد. وتسمى السبابة؛ لأنه يشار بها في السب أيضًا.
فائدة:
كانت سبابة النبي صلى الله عليه وسلم أطول من الوسطى، والوسطى أطول من البنصر، والبنصر أطول من الخنصر، كذا رواه يزيد بن هارون عن عبد الله بن مقسم عن سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم تخبر: (أنها رأت أصابع
وَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: (إِلَاّ اللهُ)، وَلَا يُحَرِّكُهَا،
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك).
قال: (ويرفعها عند قوله: (إلا الله))؛ لما روى البيهقي [2/ 133] من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: (يرفعها في كل التشهد)؛ لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الرفع عند الهمزة .. فلأنه حالة إثبات الوحدانية.
وخصت السباب بذلك؛ لأن لها اتصالًا بنياط القلب، فكأنها سبب لحضوره.
وفي (اللباب) و (الرونق): يستحب: (أن يميلها قليلًا عند رفعها)، وكذلك رواه أبو داوود [983] والنسائي [3/ 39] وابن ماجه [911] من فعله صلى الله عليه وسلم.
فلو كانت اليمين مقطوعة .. سقطت هذه السنة ولا يشير بغيرها، وهو نظير من ترك الرمل في الأشواط الثلاثة .. لا يتداركه في الأربعة؛ لأن سنتها ترك الرمل.
ويسن أن تكون الإشارة بها إلى جهة القبلة، وأن ينوي بها الإخلاص والتوحيد؛ ليكون جامعًا في التوحيد بين القول والفعل والاعتقاد.
وعن مجاهد: أنها مقمعة للشيطان.
ويكره أن يشير بالسبابتين، ويستحب أن لا يجاوز بصره إشارته.
قال: (ولا يحركها) أي: عند رفعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، كذا رواه أبو داوود [981] عن عبد الله بن الزبير.
وقيل: يستحب التحريك؛ لأن وائل بن حجر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحركها مرغمة للشيطان، قال البيهقي: والحديثان صحيحان.
وَالأَظْهَرُ: ضَمُّ الإِبْهَامِ إِلَيْهَا كَعَاقِدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ. وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ،
ــ
وقيل: يحرم تحريكها وتبطل الصلاة.
قال: (والأظهر: ضم الإبهام إليها كعاقد ثلاثة وخمسين)، كذا رواه مسلم [580] عن عبد الله بن عمر. وشرط هذا عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر.
والمستحب هنا إنما هو وضعهما معًا على الراحة، وهو الصورة التي سماها أهل الحساب تسعة وخمسين، وإنما عبر الفقهاء بالأول دون الثاني إتباعًا رواية ابن عمر.
وأجاب في (الإقليد) بأن اشتراط وضع الخنصر على البنصر هي طريقة أقباط مصر، وأما غيرهم .. فلا يشترطون ذلك.
والقول الثاني: يرسل الإبهام مع طول المسبحة.
وقيل: (يقبضه ويجعله فوق الوسطى)، كما رواه مسلم [579] عن ابن الزبير. والخلاف في الأفضل، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك تارة كذا، وتارة كذا.
فائدة:
الإبهام من الأصابع مؤنث، ولم يحك الجوهري غيره، وحكى في (شرح الجمل) فيها التذكير والتأنيث، وجمعها: أباهم على وزن أكابر، وقال الجوهري أباهيم بزيادة ياء.
قال: (والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض في التشهد الأخير)؛ لما تقدم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو في صلاته لم يحمد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(عجل هذا)، ثم دعاه فقال:(إذا صلى أحدكم .. فليبدأ بتحميد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء) صححه الترمذي [3477] والحاكم [1/ 230] وابن حبان [1960]. وقد تقدم أنه صلى الله عليه وسلم علمهم ذلك،
وَالأَظْهَرُ: سَنُّهَا فِي الأَوَّلِ. وَلَا تُسَنُّ عَلَى الآلِ فِي الأَوَّلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتُسَنُّ فِي الأَخِيرِ، وَقِيلَ: تَجِبُ
ــ
ووافق الشافعي على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، ولم يخالف فيه من أصحابه سوى ابن المنذر كما تقدم.
قال: (والأظهر: سنها في الأول)؛ لأنها ذكر يجب في الجلسة الأخيرة فتسن في الأول كالتشهد.
والثاني- وهو قديم-: لا تسن، كما لا تسن فيه الصلاة على الآل.
قال: (ولا تسن على الآل في الأول على الصحيح)؛ لطلب التخفيف، ففي (أبي داوود) [987] وغيره عن ابن مسعود:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين كأنه يجلس على الرضف حتى يقوم).
و (الرضف): الحجارة المحماة.
والثاني: تسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (قولوا: اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد)[خ3370 - م406].
و (آله) صلى الله عليه وسلم: بنو هاشم وبنو المطلب، بلا خلاف عندنا. وقيل: كل مسلم، واختاره في (شرح مسلم).
وقيل: من انتسب إلى النضر بن كنانة، وقيل: أصحابه وعشيرته.
وقيل: الأتقياء من المسلمين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن آله فقال: (كل مؤمن تقي)، لكنه ضعيف.
و (آل إبراهيم): إسماعيل وإسحاق عليهما الصلاة والسلام وأولادهما.
قال: (وتسن في الأخير)؛ لحديث الأمر بها.
قال: (وقيل: تجب)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به وظاهر الأمر الوجوب، وهو قول الزنجي من أصحابنا وأبي إسحاق المروزي، وهما مسبوقان بالإجماع.
وَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ مَشْهُورٌ. وَأَقَلُّهُ: (التَّحِيَّاتُ للهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)،
ــ
قال: (وأكمل التشهد مشهور) وردت فيه أحاديث أصحها حديث ابن مسعود لاتفاق البخاري [831] ومسلم [402] عليه، ثم حديث ابن عباس وحديث أبي موسى رواهما مسلم [403 و 404]، ثم حديث ابن عمر وحدث عائشة رواهما مالك [1/ 91].
واختار الشافعي حديث ابن عباس وهو: (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله)؛ لزيادة: المباركات؛ موافقة لقوله تعالى: {تحية من عند الله مبركة طيبة} ، ولأن ابن مسعود من متقدمي الصحابة، وابن عباس من متأخريهم، والمتأخر يقضي به على المتقدم.
وتعريف السلام أفضل، وقيل: تنكيره، وقيل: هما سواء.
قال: (وأقله: (التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله))؛ لأن جميع الروايات اتفقت عليه.
و (التحيات) جمع تحية وهي: الملك، وقيل: البقاء والدوام، وقيل: العظمة، وقيل: الدعاء، وقيل: الرحمة.
وَقِيلَ: يَحْذِفُ (وَبَرَكَاتُهُ) وَ (الصَّالِحِينَ)، وَيَقُولُ:(وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ). قُلْتُ: الأَصَحُّ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)، وَثَبَتَ فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ)، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ــ
و (الطيبات): الأعمال الصالحة، وقيل: الكلمات الصالحة، وقيل: الكلمات الطيبات لله عز وجل وهي: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، وهي: الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
و (الصالحون) جمع صالح وهو: القائم بحقوق الله عز وجل، وحقوق العباد.
قال: (وقيل: يحذف (وبركاته) و (الصالحين)، ويقول:(وأن محمدًا رسوله)).
أما حذف (وبركاته) .. فرواه ابن كج والصيدلاني عن الشافعي.
وأما لفظ (الصالحين) .. فأسقطها الحليمي محتجًا بأن لفظ: العباد إذا أضيف إلى الله تعالى .. انصرف إلى الصالحين.
وأما حذف (أشهد)، والإتيان بالضمير .. فلم يوافق المصنف عليها بل قال:
(قلت: الأصح: و (أن محمدًا رسول الله)، وثبت في (صحيح مسلم) والله أعلم) أما إسقاط لفظة (أشهد) .. فرواها مسلم [404] عن أبي موسى الأشعري، ولفظه:(إذا كان أحدكم عن القعدة .. فليكن من قوله: التحيات إلى أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله).
وأما الإتيان بالضمير في: (وأن محمدًا رسوله) .. فلا يكفي، بل لابد من قوله: وأن محمدًا رسول الله، كما اقتضاه كلام الرافعي في (الشرحين)، ونقله في (شرح المهذب) عن النص، وصححه في (التحقيق) و (شرح الوسيط)، لكنه اختصر في (الروضة) كلام الرافعي على العكس فصحح: أن الضمير يجزئ.
قال في (المهمات): والمفتى به: المنع، غير أنه ثبت الضمير مع زيادة (العبد) في التشهد الوارد في (الصحيح) من رواية ابن مسعود وأبي موسى، ولم يقع الظاهر إلا في رواية ابن عباس.
وقد اتفق العلماء على جواز التشهد بالروايات الثلاثة كما قاله في (شرح مسلم)، فالخلاف مختص بما عدا هذه الصورة، ثم إن المصنف جزم في كتبه بأن الضمير كاف
وَأَقلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ)،
ــ
في الصلاة على الآل إذا أوجبناها، فيطلب منه الفرق بينهما.
والمنقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في تشهده: (وأني رسول الله)، كذا ذكره الرافعي في صلاة العيدين).
فإن قيل: سلام عليك خطاب لآدمي، فلم لا تبطل؟
فالجواب: أن هذا كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، وخاصة من خواصه، لكن روى البخاري في (كتاب الاستئذان) [6265] وأبو عوانة في (مسنده) [2026] كلاهما عن ابن مسعود قال:(كنا نقول في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قلنا: السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فمقتضى ذلك: أن الخطاب اليوم غير واجب، وبه صرح أبو حفص عمر بن أبي العباس بن سريج في كتاب (تذكرة العالم)، وهو غريب.
قال: (وأقل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله: (اللهم؛ صل على محمد وآله)). أما الواجب .. فقوله: اللهم؛ صل على محمد. وأما الآل .. فمراده: إذا أوجبناها؛ لأن اسم الصلاة حاصل فيه.
وفي (سنن النسائي)[3/ 49] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتهدوا في الدعاء وقولوا: (اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد).
وروى الدارقطني [1/ 355]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاة لم يصل علي فيها، ولا على أهل بيتي .. لم تقبل منه)، لكن في رجاله جابر بن يزيد الجعفي.
فإن قيل: فأين السلام؟ قيل: هو في قوله: السلام عليك أيها النبي.
وأفهمت عبارة المصنف تعين ما ذكره، وقد قال القاضي حسين: تسمية محمد
ــ
صلى الله عليه وسلم واجبة، فلا يكفي على النبي ولا على أحمد.
وقال في (التحقيق): يجزئ صلى الله عليه وسلم وعلى النبي دون أحمد على الصحيح، وقياسه: أنه لو قال: وأن أحمد رسول الله .. لا يجزئ، وفيه نظر.
ولو قال: صلى الله عليه وسلم .. فوجهان أصحهما: لا يكفي.
فإن قيل: تقرر أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، فكيف يسأل أن يصلي عليه كإبراهيم عليهما الصلاة والسلام؟
فالجواب: أن الكلام تم عند قوله: (اللهم؛ صلى على محمد)، واستأنف: و (على آل محمد
…
إلخ).
وقيل: طلب له ولآله وليسوا بأنبياء منازل إبراهيم وآله الأنبياء؛ لأن (آل إبراهيم): إسماعيل وإسحاق عليهما الصلاة والسلام وذريتهما.
وخص إبراهيم بالذكر؛ لأن الصلاة من الله رحمة ولم تجمع الرحمة والبركة لنبي غيره، قال الله تعالى:{رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد} .
و (إبراهيم) معناه بالسريانية: أب رحيم.
قال الشافعي: الأولى في الصلاة أن يقول: اللهم؛ صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
مهمة:
نقل الرافعي عن الصيدلاني: أن من الناس من يزيد: وارحم محمدًا كما ترحمت على إبراهيم، وربما يقول: كما رحمت .. قال: وهذا لم يرد في الخبر، وهو غير فصيح؛ فإنه لا يقال: رحمت عليه، وهذه أسقطها من (الروضة).
وَالزِّيَادَةُ إِلَى (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) .. سُنَّةٌ فِي الآخِرِ، وَكَذَا الدُّعَاءُ بَعْدَهُ، وَمَاثُورُهُ أَفْضَلْ،
…
.
ــ
وقوله: (لا يقال: رحمت عليه) .. غير صحيح؛ فقد نقلها الطبري شارح (التنبيه) عن الصاغاني.
وقال الغزالي: لا يجوز: ترحم بـ (تاء)، وقال المصنف: إنه بدعة.
وبالغ ابن العربي في إنكاره وخطأ فيه ابن أبي زيد.
قال: (والزيادة إلى (حميد مجيد) .. سنة في الآخر)؛ للأمر به في حديث كعب بن عجرة. ولا فرق بين أن يكون منفردًا أو مأمومًا، وكذا الإمام على الأصح.
و (الحميد): الذي تحمد فعاله.
و (المجيد): الكامل الشرف.
قال: (وكذا الدعاء بعده)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: (ثن ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به) متفق عليه [خ835 - م402]. وفي رواية لمسلم [402]: (ثم ليتخير من المسألة ما شاء).
وكلام الشافعي يقتضي: أن ترك الدعاء مكروه، قال الشيخ: وكأنه يريد خلاف الأولى.
وعن الشيخ أبي محمد تردد في مثل: اللهم؛ ارزقني جارية صفتها كذا وكذا؛ ومال إلى المنع وأن الصلاة تبطل وهو خلاف ما عليه الجمهور، وإن حكاه الروياني في (البحر)، والشاشي في (الحلية)، والعمراني في (البيان).
والعجب أنه نقله في (الكفاية) عن ابن يونس، وذكر أن الرافعي نقله عن بعض الحنفية، وأنه لم يره في مشاهير الكتب.
وقال في (الشامل): إذا دعا بدعاء محظور .. بطلت صلاته.
قال: (ومأثوره أفضل) المراد بالمأثور: المنقول من الدعاء في هذا المحل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو أفضل من غير المنقول؛ لتنصيص الشارع عليه.
وَمِنْهُ: (اللَّهُمَّ؛ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ
…
إلخ)
ــ
وقال الماوردي: الدعاء إن كان بأمر الدنيا .. فمباح، أو بأمر الدين .. فمسنون، وهو حسن.
قال: (ومنه) أي: المأثور هنا ((اللهم؛ اغفر لي ما قدمت وما أخرت
…
إلخ)) أشار إلى ما رواه مسلم [771] عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: (اللهم؛ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).
والمراد بالتأخير: بالنسبة إلى ما وقع؛ لن الاستغفار قبل وقوع الذنب محال.
ومن آكد الأدعية المأثورة: ما روى مسلم [588] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تهد أحدكم .. فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم؛ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)، ولذلك أوجب هذا الدعاء بعض العلماء، وأمر طاووس من صلى ولم يقله أن يعيد الصلاة.
و (المسيح) بالحاء المهملة: مسيح الضلالة. سمي مسيحًا؛ لأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة، أي: يطؤها. واختلفوا في معناه على ثلاثة وعشرين قولًا حكاها ابن دحية.
وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى قَدْر التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
ــ
سمي دجالاً؛ لتمويهه وكذبه، (يمكث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وباقي الأيام كأيامكم، مكتوب بين عينيه: ك ف ر)[م2937و 2933].
ومن أحسن الأدعية ما رواه البخاري [834] عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال:
يا رسول الله؛ علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: (قل: اللهم؛ إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به في صلاته.
قال: (ويسن أن لا يزيد على قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تبع لهما. فإن زاد. فإن زاد .. لم يكره إلا أن يكون إمامًا؛ رعاية للتخفيف- والظاهر: أن مراد المصنف: لا يزيد على قدر أقهلما- أما المنفرد .. فيطيل ما شاء ما لم يخرجه إلى خوف السهو.
وَمَنْ عَجَزَ عَنْهَمَا .. تَرْجَمَ، وَيُتَرْجِمُ لِلدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَنْدُوبِ الْعَاجِزُ لَا الْقَادِرُ فِي الأَصَحِّ
ــ
قال: (ومن عجز عنهما) أي: عن التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (.. ترجم)؛ قياسًا على تكبيرة الإحرام.
قال: (ويترجم للدعاء والذكر المندوب العاجز)؛ ليحوز فضلهما.
قال: (لا القادر في الأصح)؛ قياسًا على ما تقدم، ولأنه لا ضرورة به إلى ذلك، فإن ترجم القادر .. بطلت صلاته.
والثاني: يجوز مطلقًا؛ قياسًا على الدعاء خارج الصلاة، والجامع عدم الوجوب.
والثالث: لا مطلقًا؛ لعدم الضرورة إليه.
والخلاف محله: في المأثور، أما غيره .. فلا يجوز ترجمته قطعًا وتبطل الصلاة به.
فرع:
لا يجب التتابع في كلمات التشهد، فإن نكسه .. فالأصح المنصوص في (الأم): أنه إن لم يغير المعنى .. أجزأه، وإن غيره .. أبطل الصلاة إن تعمده.
وسكوت المصنف عن اشتراط ترتيبه مؤذن بما ذكرناه، بخلاف (الفاتحة).
ويسن للإمام أن يرتله، بحيث يعلم أن من في لسانه ثقل ممن خلفه قد أتى به، فإن حدره .. كره.
ويستحب أن يسر به، وكذا سائر الأذكار في الجلوس إلا السلام.
وروى أبو داوود [978] عن ابن مسعود أنه قال: (من السنة إخفاء التشهد).
الثَّانِي عَشَرَ: السَّلَامُ. وأَقَلُّهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)، وَالأَصَحُّ: جَوَازُ: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ). قُلْتُ: الأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: لَا يُجْزِئُهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ
ــ
قال: (الثاني عشر: السلام)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم) رواه مسلم، ولأنه كان مشغولًا كان مشغولًا عن الناس وأقبل عليهم.
قال: (وأقله: (السلام عليكم))، فلو أخل بحرف من ذلك .. لم يصح، فإن كان عمدًا .. بطلت صلاته، وإن كان سهوًا .. سجد للسهو، إلا في: السلام عليهم .. فإنهما لا تبطل؛ لأنه دعاء لغائب.
قال: (والأصح: جواز: (سلام عليكم)) - بالتنوين- قياسًا على التشهد؛ لأن التنوين يقوم مقام الألف واللام. وفي هذا نظر؛ لأن مدلول المعرف غير مدلول المنكر.
قال: (قلت: الأصح المنصوص: لا يجزئه والله أعلم) ووافقه الشيخ؛ لأنه لم يصح في حديث.
ولو قال: عليكم السلام .. فالأصح: الإجزاء مع الكراهة؛ لأنه يسمى سلامًا، بخلاف التنكير كما تقدم.
ولو قال: سلام عليكم بغير تنوين .. فالمذهب: أنه لا يجزئه قولًا واحدًا.
ولو قال: سلامي عليكم، أو سلام الله عليكم، أو السلام عليه، أو عليهم .. لم يجزئه.
قال: (وأنه لا تجب نية الخروج) كسائر العبادات؛ لأن النية تليق بالفعل دون الترك، ولأن النية السابقة منسحبة على جميع الصلاة.
والثاني: تجب؛ لأنه نطق وجب في أحد طرفي الصلاة، فلم يصح بغير نية كالتكبير، وهذا عليه جمهور العراقيين، فيجب عندهم أن تمتزج النية بالتسليم، فإن قدمها عليه أو أخرها عنه .. بطلت صلاته.
ولا يجب تعيين الصلاة في نية الخروج بلا خلاف، فإن عين وأخطأ .. فعلى
وَأَكْمَلُهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ)، مَرَّتَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا، مُلْتَفِتًا فِي الأُولَى حَتَّى يُرَى خَذُّهُ الأَيْمَنُ، وَفِي الثَّانِيَةِ الأَيْسَرُ،
ــ
الأول: لا يضر، وعلى الثاني: إن كان عمدًا .. بطلت صلاته، وإن كان سهوًا .. سجد وأعاد السلام مع النية إن لم يطل الفصل، وإن طال .. بطلت.
قال: (وأكمله: (السلام عليكم ورحمة الله))؛ لأنه المأثور عن السلف، وزاد السرخسي والإمام، والروياني في (الحلية): وبركاته؛ لما رواه أبو داوود [989] وابن ماجه [914] وابن حبان [1993]- بإسناد صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وشماله: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، فليس يحسن حينئذ قوله في (شرح المهذب): أن الصحيح أو الصواب خلافه.
قال: (مرتين)؛ لما روى مسلم [581] عن ابن مسعود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره).
قال: (يمينًا وشمالًا، ملتفتًا في الأول حتى يرى خده الأيمن، وفي الثانية الأيسر)؛ لما روى مسلم [582] عن سعد بن أبي وقاص قال: (كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده).
قال الرافعي: وينبغي أن يبتدئ بها مستقبل القبلة، ثم يلتفت بحيث تنقضي مع تمام الالتفات.
والقول الثاني: يسن تسليمة واحدة تلقاء وجهه.
والثالث: إن كان منفردًا أو في جماعة قليلة .. فتسليمة، وإلا .. فثنتان.
نَاوِيًا السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ، وَيَنْوِي الإِمَامُ السَّلَامَ عَلَى الْمُقْتَدِينَ، وَهُمُ الرَّدَّ عَلَيْهِ
ــ
قال: (ناويًا السلام على من عن يمينه ويساره من ملائكة وإنس وجن) أي: مؤمنين؛ ليحوز بذلك فضيلة السلام.
وروى الترمذي [429]: (أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعًا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين ومن معه من المؤمنين).
قال: (وينوي الإمام السلام على المقتدين، وهم الرد عليه)؛ لما روى الحاكم [1/ 270] وأبو داوود [993] عن سمرة بن جندب قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض)، وفي رواية:(وأن ينوي بعضنا بعضًا).
فإن كان المأموم خلف الإمام .. تخير الإمام، فإن شاء نوى السلام عليه، بالأولى أو بالثانية.
وأما المأموم، فإن كان عن يمين الإمام .. نوى بالثانية الرد عليه، وإن كان عن يساره .. نوى ذلك بالأول، وإن كان محاذيًا .. فإن شاء رد عليه بالأولى أو بالثانية، والأولى أفضل.
فروع:
التسليمة الثانية هل هي من الصلاة؟ اختلف في تصحيحها، فصحح الرافعي، والمصنف في (شرح المهذب) في (الجمعة): أنها ليست من الصلاة، وصححا في آخر (صلاة الجماعة): أنها منها.
الثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْتِيبُ الأَرْكَانِ كَمَا ذَكَرْنَا
ــ
ويستحب أن ينوي بعض المأمومين الرد على بعض؛ لظاهر حديث سمرة بن جندب، وأن لا يمد لفظ السلام؛ لما روى الترمذي [297]- وقال: حسن صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حذف السلام سنة).
وقال في (الإحياء): السنة أن يفصل بين التسليمتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المواصلة في الصلاة، عزاه رزين إلى الترمذي وليس فيه.
قال عبد الله بن أحمد ابن حنبل: ما كنا ندري ما المواصلة في الصلاة حتى قدم علينا الشافعي فمضى إليه أبي فسأله عنها، فقال: هي في مواضع من الصلاة:
منها: أن يقول الإمام: {ولا الضآلين} ، فيقول من خلفه:(آمين) معًا.
ومنها: أن يصل القراءة بالتكبير.
ومنها: السلام عليكم ورحمة الله، فيصلها بالتسليمة الثانية، الأولى فرض والثانية سنة، فلا يجمع بينهما.
ومنها: إذا كبر الإمام .. فلا يكبر معه حتى يسبقه ولو بحرف.
قال: (والثالث عشر: ترتيب الأركان كما ذكرنا)؛ للإجماع، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: إذا قمت إلى الصلاة .. فكبر، ثم اقرأ، ثم كذا، فذكرها بـ (الفاء) أولًا، ثم بـ (ثم)، وهما للترتيب.
وأما السنن كالاستفتاح والتعوذ، والتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه .. فليس الترتيب ركنًا فيها، لكنه شرط في الاعتداد بها.
وتستثنى النية فإنها تقارن التكبير، لكن قوله:(كما ذكرنا) يخرجه. ويستثنى نية الخروج إن أوجبناها؛ فإنها تقارن السلام. ويستثنى القيام؛ فإنه يقارن التحرم والقراءة. والجلوس الآخر؛ فإنه يقارن التشهد والسلام.
ومقتضى إطلاقه .. أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لابد من إيقاعها بعد
فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بِأَنْ سَجَدَ قَبْلَ رُكُوعِهِ .. بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَهَا .. فَمَا بَعْدَ الْمَتْروكِ لَغْوٌ، فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ بُلُوغِ مِثْلِهِ .. فَعَلَهُ، وَإِلَاّ .. تَمَّتْ بِهِ رَكْعَتُهُ وَتَدَارَكَ الْبَاقِيَ، فَلَوْ تَيَقَّنَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ تَرْكَ سَجْدَةٍ مِنَ الأَخِيرَةِ .. سَجَدَهَا وَأَعَادَ تَشَهُّدَهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا .. لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، وَكَذَا إِنْ شَكَّ فِيهِمَا
ــ
التشهد، وبه جزم في (شرح المهذب)، ونقل الرافعي في (شرح المسند) عن الحليمي: أنه كبعض أجزاء التشهد، حتى يجوز فيه التقديم والتأخير.
قال: (فإن تركه عمدًا بأن سجد قبل ركوعه .. بطلت صلاته) بالإجماع.
هذا في الأركان الفعلية، كما مثله بالسجود قبل الركوع، أما تقديم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على التشهد .. فلا يبطل، لكنه لا يعتد بالمتقدم.
قال: (وإن سها .. فما بعد المتروك لغو)؛ لوقوعه في غير محله.
قال: (فإن تذكر قبل بلوغ مثله .. فعله) أي: على الفور.
قال: (وإلا .. تمت به ركعته وتدارك الباقي)؛ لأن كل ما يفعل قبل وقته كالعدم.
هذا إذا عرف عين المتروك، فإن لم يعرف .. أخذ بأدنى الممكن وأتى بالباقي، وفي الأحوال كلها يسجد للسهو، إلا إذا وجب الاستئناف بأن ترك ركنًا وأشكل عليه، وجوز أن يكون النية أو تكبيرة الإحرام، وإلا إذا كان المتروك هو السلام؛ فإنه إذا تذكر قبل طول الفصل .. سلم ولا حاجة إلى سجود السهو.
قال: (فلو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الأخيرة .. سجدها وأعاد تشهده)؛ لأنه وقع بعد متروك.
قال: (أو من غيرها .. لزمه ركعة)؛ لأن الركعة الناقصة ملفقة بالركعة التي بعدها، وتصير الثالثة ثانية والرابعة ثالثة.
قال: (وكذا إن شك فيهما) أي: هل تركه من الأخيرة أو من غيرها .. جعله من غيرها أخذًا بالأحوط ولزمه ركعة أخرى.
وَإِنْ عَلِمَ فِي قِيَامِ ثَانِيَةٍ تَرْكَ سَجْدَةٍ، فَإِنْ كَانَ جَلَسَ بَعْدَ سَجْدَتِهِ .. سَجَدَ- وَقِيلَ: إِنْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الاِسْتِرَاحَةِ .. لَمْ يَكُفِهِ- وَإِلَاّ .. فَلْيَجْلِسْ مُطْمَئِنّاً ثُمَّ يَسْجُدُ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ فَقَطْ. وَإِنْ عَلِمَ فِي آخِرِ رُبَاعِيَّةٍ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ جَهِلَ مَوْضِعَهَا .. وَجَبَ رَكْعَتَانِ،
ــ
قال: (وإن علم في قيام ثانية ترك سجدة، فإن كان جلس بعد سجدته .. سجد) أي: مطلقًا في الحال من قيام؛ لأن ذلك الجلوس فاصل.
وقيل: لابد من أن يجلس لينتقل منه إلى السجود، وهو ضعيف.
قال: (وقيل: إن جلس بنية الاستراحة .. لم يكفه) وصححه البغوي؛ لأنه قصد بها النفل فلا ينوب عن الفرض.
والأصح: الاكتفاء بها كما لو جلس للتشهد الأخير وهو يظنه الأول، بخلاف ما إذا قرأ هذا التارك في قيامه آية سجد لها .. فإنها لا تجزئه عن السجدة المنسية على الصحيح المنصوص؛ لأن سجدة التلاوة لم تشملها نية الصلاة بخلاف ما نحن فيه.
قال: (وإلا .. فليجلس مطمئنًا ثم يسجد)؛ لأن الجلوس ركن لابد منه.
قال: (وقيل: يسجد فقط)؛ لأن الفصل حصل بالقيام. وأجاب الأول بأن الفصل وإن كان هو المقصود لكنه على هيئة الجلوس، فلا يقوم القيام مقامه كما لا يقوم التشهد مقام القيام.
قال: (وإن علم في آخر رباعية ترك سجدتين أو ثلاث جهل موضعها .. وجب ركعتان).
أما الأولى .. فلأن الأسوأ تقدير سجدة من الركعة الأولى وسجدة من الثانية، فتنجبر الركعة الأولى بسجدة من الثانية ويلغو باقيها، وتنجبر الثالثة بسجدة من الرابعة ويلغو باقيها، وتصير الثالثة ثانية.
وأما الثانية- وهي ترك الثلاث- فسيأتي ما قاله الأصحاب فيها، ولشيخنا اعتراض في (المهمات) و (التنقيح) على الأصحاب تبع فيه الشيخ نجم الدين الأصفوني، ورده النشائي في (نكته) بأنه خلاف الفرض؛ فإن فرض المسألة في ترك سجدتين فقط.
و (الرباعية): نسبة إلى رباع المعدول عن أربع.
أَوْ أَرْبَعٍ .. فَسَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَتَانِ، أَوْ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ .. فَثَلَاثٌ، أَوْ سَبْعٍ .. فَسَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثٌ. قُلْتُ: يُسَنُّ: إِدَامَهُ نَظَرِهِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ
ــ
قال: (أو أربع .. فسجدة ثم ركعتان)؛ لاحتمال أن يكون قد ترك سجدتين من ركعتين غير متواليتين، كسجدتين من الأولى، وسجدة من الثانية، وسجدة من الرابعة.
قال: (أو خمس أو ست .. فثلاث) أما في الخمس .. فلاحتمال ترك واحدة من الأولى، واثنتين من الثانية، وأخريين من الثالثة.
وأما في الست .. فلأنه لم يأت إلا بسجدتين، فكمل له ركعة.
قال: (أو سبع .. فسجدة ثم ثلاث)؛ لأن الحاصل له ركعة إلا سجدة. وفي ثمان سجدتان، ثم ثلاث ركعات، وفي جميع ذلك يسجد للسهو.
وصوروا ذلك بأن يظهر على جبهته عصابة ونحوها.
قال: (قلت: يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده)؛ لأن جمع البصر في مكان واحد أقرب إلى الخشوع، وفي (المهذب) عن ابن عباس والبيهقي [2/ 284] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة .. لم ينظر إلا إلى موضع
- وَقِيلَ: يُكْرَهُ تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ- وَعِنْدِي: لَا يُكْرَهُ إِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا
ــ
سجوده). وروى محمد بن سيرين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى السماء في صلاته، فأنزل الله تعالى: {الذين هم في صلاتهم خشعون}، فجعل ينظر في صلاته حيث يسجد)، ولم يصح في شيء من ذلك حديث.
والصحيح: أن هذا في جميع الصلاة، وإليه أشار المصنف بقوله:(إدامة نظره).
وقيل: ينظر في القيام إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى ظهر قدميه، وفي السجود إلى أنفه، وفي القعود إلى حجره؛ لأن امتداد البصر يلهي فإذا قصره .. كان أولى، وبهذا جزم البغوي والمتولي.
وحكى المحب الطبري وجهًا: أن الذي بالمسجد الحرام نظره إلى الكعبة أولى، لكنه صحح الأول.
والسنة للمتشهد أن لا يجاوز بصره إشارته.
قال: (وقيل: يكره تغميض عينيه) قاله العبدري من أصحابنا وبعض التابعين.
لكن أسند الطبراني في (معجمه الصغير)[24] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة .. فلا يغمض عينيه).
قال: (وعندي: لا يكره إن لم يخف ضررًا)؛ لأنه يجمع الخشوع وحضور القلب.
وعبر في (الروضة) بالمختار، وهذا قاله اختيارًا من عنده، وهو مذهب بعض العلماء.
وقال الشيخ عز الدين: إذا خشي فوات الخشوع لرؤية ما يفرق خاطره .. فالأولى تغميض عينيه.
وقال بعض الصوفية: الأولى للساجد أن يفتح عينيه؛ لأنهما تسجدان.
وروى مالك [1/ 98] عن أبي طلحة أنه صلى يومًا في حديقته فدخل طائر فأعجبه ذلك، فلم يدر كم صلى، فتصدق بها.
وَالْخُشُوعُ وَتَدَبُّرُ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ
ــ
قال: (والخشوع) فيتصف به ظاهر وباطنه، ويستحضر أنه واقف بين يدي ملك الملوك يناجيه، وأن صلاته معروضة عليه، ومن الجائز أن يردها ولا يقبلها.
والدليل على أنه مسنون في الصلاة قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خشعون} . والأحاديث والآثار في ذلك كثيرة.
ولذلك قيل: إنه شرط في جزء من الصلاة، وليس للإنسان من الصلاة إلا ما عقل منها.
و (الخشوع): السكون.
وروى الترمذي الحكيم [3/ 210] عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: (لو خشع قلب هذا .. لخشعت جوارحه). وروى الترمذي [2653] عن عبادة بن الصامت وغيره: (أن الخشوع أول علم يرفع من الناس) وقال: حسن غريب، ورواه النسائي أيضًا.
وقال الإمام فخر الدين: اختلفوا في الخشوع، فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف، فإذا خشع القلب .. خشعت الجوارح؛ لأنه ملكها. ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون. ومنهم من قال: هو مجموع الأمرين وهو أولى.
أما العبث في الصلاة .. فهو مكروه، وفي (الرافعي) في (الشهادات) عن صاحب (العدة): أنه حرام من الصغائر.
واعترض عليه المصنف بأن المشهور في كتب الأصحاب: كراهته.
حتى لو سقط رداؤه أو طرف عمامته .. كره له تسويته إلا لضرورة، قاله في (الإحياء).
قال: (وتدبر القراءة والذكر)؛ لأن بذلك يحصل مقصود الخشوع والأدب، قال الله تعالى:{أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها} . وقال تعالى: {ليدبروا ءايته} . فلو اشتغل بذكر الجنة والنار وغيرهما من الأحوال السنية التي لا تعلق لها بذلك المقام .. كان من حديث النفس. ويكره أن يفكر في صلاته في أمر دنيوي، أو في مسألة فقهية كما قاله القاضي حسين.
وَدُخُولُ الصَّلَاةِ بِنَشَاطٍ وَفَراغِ قَلْبٍ
ــ
قال: (ودخول الصلاة بنشاط)؛ لأن الله تعالى قد ذم تارك ذلك بقوله تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى} .
و (الكسل): الفتور عن الشيء، والتواني فيه، وهو: ضد النشاط.
وأنشد الشيخ أبو حيان لبعضهم في ذم من ينتمي إلى الفلاسفة [من الوافر]:
وما انتسبوا إلى الإسلام إلا .... لصون دمائهم ألا تسالا
فيأتون المناكر في نشاط .... ويأتون الصلاة وهم كسالى
قال: (وفراغ قلب) أي: عن الشواغل الدنيوية؛ لن ذلك أدعى إلى تحصيل هذا الغرض.
فإذا كانت صلاته كذلك .. انفتح له فيها من المعارف ما يقصر عنه فهم كل عارف؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة). ومثل هذه الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فرع:
لو خاف قاصد الجماعة فوت فضيلة التحرم .. لم يستحب له الإسراع عند الجمهور، خلافًا لأبي إسحاق المروزي.
قال الفارقي: ويظهر أنه لو خشي فوات الجماعة بجملتها .. له أن يسرع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالمشي مع إمكان إدراك الصلاة. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم .. فصلوا
…
)، فدل على أنه خطاب لمن يعلم أنه يدرك بعض الصلاة.
وقيل: إذا خاف فوت بعض الجماعة أو كلها .. أسرع.
كل هذا ما لم يضق الوقت، فإن ضاق وخشي فواته .. أسرع لا محالة.
وَجَعْلُ يَدَيْهِ تَحْتَ صَدْرِهِ آخِذًا بِيَمِينِهِ يَسَارَهُ. وَالدُّعَاءُ فِي سُجُودِهِ
ــ
قال: (وجعل يديه تحت صدره)؛ لما روى ابن خزيمة [479] عن وائل بن حجر قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره).
وعبارة الأصحاب: تحت صدره، فكأنهم جعلوا التفاوت بينهما يسيرًا.
كل هذا في حالة القيام، ويلتحق به القعود والاضطجاع.
وقال أبو إسحاق: يجعلهما تحت سرته؛ لقول عائشة: (وضعهما تحت السرة)، رواه أحمد [1/ 42] وأبو داوود [تحفة 10314 عن علي].
وقال ابن المنذر: يتخير بينهما.
قال: (آخذًا بيمينه يساره)؛ لما روى الترمذي [252] وغيره ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن حبان [1770] عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من سنن المرسلين: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة). وفي (سنن أبي داوود)[727]: (ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى).
قال بعض الأصحاب: يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى، ويقبض رسغها وساعدها.
وقال القفال: يتخير بين بسط أصابع اليمنى على عرض المفصل، وبين نشرها في صوب الساعد.
والأصح في (الروضة): أنه يحط يديه بعد التكبير تحت صدره، وقيل: يرسلهما ثم يستأنف نقلهما إلى تحت صدره.
قال في (الأم): والقصد من وضع اليمين على اليسار تسكين اليدين. فإن أرسلهما ولم يعبث .. لا بأس.
قال: (والدعاء في سجوده)؛ لما روى مسلم [479] من حديث ابن عباس أن
وَأَنْ يَعْتَمِدَ فِي قِيَامِهِ مِنْ السُّجُودِ وَالْقُعُودِ عَلَى يَدَيْهِ
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما السجود .. فأكثروا فيه من الدعاء؛ فقمن أن يستجاب لكم) أي: حقيق.
وفيه [483] أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول فيه: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وآخره وأوله، علانيته وسره).
وروى الحاكم [1/ 492] عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السماوات والأرض).
وفيه [1/ 493] عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر، وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
وفيه [1/ 492] عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة).
وروى ابن ماجه [3817] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يسأل الله بغضب عليه).
وظاهر لفظ الشافعي .. أنه لا فرق بين الإمام والمنفرد. والرافعي فرق بين الإمام وغيره.
قال: (وأن يعتمد في قيامه من السجود والقعود على يديه)؛ لأنه أشبه بالتواضع وأعون للمصلي، و (كذلك كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري [824].
وكيفية الاعتماد: أن يجعل بطن راحتيه وبطن أصابعه على الأرض. وسواء فيه القوي والضعيف.
وأما الحديث الذي في (الوسيط) عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الصلاة وضع يده بالأرض كما يضع العاجن) .. فباطل، وإن صح ..
وَتَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الأَصَحِّ. وَالذِّكْرُ بَعْدَهَا
ــ
حمل على ذلك، ويكون المراد بـ (العاجن): الشيخ الكبير، لا عاجن العجين كقول الشاعر [من الطويل]:
فأصبحت كنتيًا وأصبحت عاجنًا .... وشر خصال المرء كنت وعاجن
قال: (وتطويل قراءة الأولى على الثانية في الأصح)؛ لحديث أبي قتادة الثابت في (الصحيحين)[خ759 - م451].
والثاني: لا، وصححه الجمهور، وحملوا حديث أبي قتادة على أنه أحسن بداخل، وهذا بعيد؛ لقوله: (كان
…
).
وكل هذا إذا لم تدع ضرورة أو مصلحة إلى خلافه كمسألة الزحام؛ فإنه يستحب للإمام فيها أن يطول الثانية على الأولى. وكذا إذا ورد نص من الشارع بتطويل غير الأولى، كصلاة الكسوف وصبح الجمعة. فلو أغفل قراءة السجدة في الأولى .. قرأها في الثانية، وكذلك (سبح) و (الغاشية) في العيد.
وإذا صلى بهم الإمام في الخوف صلاة ذات الرقاع .. فالمستحب: أن يخفف القراءة في الأولى؛ لأنها حال شغل. ويستحب للطائفتين التخفيف في الثانية؛ لئلا يطول الانتظار.
قال: (والذكر بعدها) ثبت ذلك في (الصحيحين) بأنواع من الأذكار والأدعية:
فمن ذلك: حديث ثوبان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته .. استغفر الله تعالى ثلاثًا، وقال:(اللهم؛ أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذات الجلال والإكرام) قيل للأوزاعي وهو أحد رواته: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله. رواه مسلم [591].
وَأَنْ يَنْتَقِلَ لِلنَّفْلِ مِنْ مَوْضِعِ فَرْضِهِ، وَأَفْضَلُهُ إِلَى بَيْتِهِ
ــ
ومنها: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم؛ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد).
ومنها: ما رواه مسلم [596] عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاثًا تسبيحة، وثلاثًا وثلاثين تحميد، وأربعًا وثلاثين تكبيرة). وروى أن من قال ذلك. (غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال دبر صلاة الفجر وهو ثان رجله قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات .. كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم، إلا الشرك بالله تعالى) رواه الترمذي [298] وقال: حديث حسن صحيح.
قال بعض العلماء: خاطب الله تعالى هذه الأمة بقوله: {فاذكروني أذكركم} ، فأمرهم أن يذكروه بغير واسطة، وخاطب بني إسرائيل بقوله:{اذكروا نعمتي} ؛ لأنهم لم يعرفوا الله إلا بآلائه، فأمرهم أن يتصوروا النعم ليصلوا بها إلى ذكر المنعم.
قال: (أن ينتقل للنفل من موضع فرضه)؛ لتكثر مواضع سجوده؛ فإنها تشهد له، فإن لم ينتقل .. فليفصل بكلام إنسان، ففي (صحيح مسلم) [883]:(الأمر بأن لا يوصل صلاته حتى يتكلم).
قال: (وأفضله إلى بيته)؛ لما روى الشيخان [خ731 - م781] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة.
وَإِذَا صَلَّى وَرَاءَهُمْ نِسَاءٌ .. مَكَثُوا حَتَّى يَنْصَرِفْنَ
ــ
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل البيت الذي يذكر فيه، والبيت الذي لا يذكر فيه مثل الحي والميت).
وقال صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا).
وفي (صحيح مسلم)[778]: إذا قضى أحدكم صلاته في مسجده .. فليجعل لبيته [نصيبًا] من صلاته؛ فإن الله جاعل [في بيته] من صلاته خيرًا).
والمراد: صلاة النافلة.
وإنما حيث عليه في البيت؛ لكونه أخفى وأبعد عن الرياء، ولتنزل الرحمة في ذلك المكان.
وسواء في ذلك مسجد مكة والمدينة وغيرهما؛ لعموم الحديث، لكن تستثنى النافلة يوم الجمعة لفضيلة البكور، وركعتا الطواف، وركعتا الإحرام إذا كان في الميقات مسجد.
وذهب مالك والثوري إلى الفرق بين الليل والنهار: ففي النهار .. في المسجد أفضل، والبيوت في الليل.
وقال القاضي أبو الطيب: إذا أخفى نافلته في المسجد .. كانت أفضل من البيت.
قال: (وإذا صلى وراءهم نساء)، وكذا الخناثى فيما يظهر (.. مكثوا حتى ينصرفن)؛ لقول أم سلمة رضي الله عنها:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم .. قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث يسيرًا كي ينصرفن قبل أن يدركهن أحد من القوم)، رواه البخاري [837]. ولأن الاختلاط بهن مظنة الفساد.
فإن لم يكن ثم نساء .. فالمستحب للإمام: أن يقوم من مصلاه عقب صلاته؛ لئلا يشك هو ومن خلفه هل سلم أو لا؟ ولئلا يدخل غريب فيظنه في الصلاة فيقتدي به.
وَأَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ، وَإِلَاّ .. فَيَمِينِهِ
ــ
وفي (الإحياء): (أن ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر).
وقال ابن الرفعة: إنما يستحب له القيام بعد الذكر والدعاء.
قلت: ينبغي أن يستثنى من ذلك: (ما إذا قعد مكانه يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس؛ لن ذلك كحجة وعمرة تامة تامة تامة) رواه الترمذي [586] عن أنس.
فرع:
إذا أراد الإمام أن ينفتل من المحراب .. فلينفتل عن يمينه، والأصح في كيفيته: يدخل يساره في المحراب ويجعل يمينه إلى الناس؛ لما روى مسلم [709] عن البراء قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه؛ يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول:(رب قني عذابك يوم تبعث عبادك).
وقيل: يستدبر القبلة.
وقيل: يلي المحراب يمينه، ويساره إلى الناس، وبه قال أبو حنيفة.
قلت: ينبغي أن يرجح هذا في محراب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إن فعل الصفة الأولى يصير مستديرًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قبلة آدم فمن بعده من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
قال: (وأن ينصرف في جهة حاجته، وإلا .. فيمينه)؛ لأن التيامن محبوب ففي (صحيح مسلم)[708]: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه). وفي (أبي داوود)[1034] عن هلب الطائي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن شقيه).
لكن ذكر المصنف في (الرياض) أنه: يستحب في الحج والصلاة وعيادة المريض وسائر العبادات أن يذهب من طريق، ويرجع من أخرى، كما سيأتي في صلاة العيد.
ويؤخذ من عبارة المصنف .. أنه لا يكره أن يقال: انصرفنا من الصلاة، وقد أسند
وَيَنْقَضِي الْقُدْوَةُ بِسَلَامِ الإِمَامِ، فَلِلْمَامُومِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِدُعَاءٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلَوِ اقْتَصَرَ إِمَامُهُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ .. سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ــ
الطبري [11/ 55] عن ابن عباس: أنه يكره ذلك؛ لقوله تعالى: {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم} .
وفي (الصحيحين)[خ841 - م583]: (أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته).
وفيهما [خ4168 - م860] عن سلمة بن الأكوع: (كنا ننصرف من الصلاة وليس للحيطان ظل نستظل به).
وفي (مسلم)[1779] في حديث غزوة بدر: (ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، فلما رأى ذلك .. انصرف).
وفي (كامل ابن عدي)[2/ 53]- في ترجمة بحر بن كثير السقاء- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من الصلاة قال: (اللهم؛ بحمدك انصرفت، وبذنبي اعترفت، وأعوذ بك من شر ما اقترفت).
قال: (وتنقضي القدوة بسلام الإمام) أي: التسليمة الأولى؛ لخروجه من الصلاة بها.
قال: (فللمأموم) أي: الموافق (أن يشتغل بدعاء ونحوه ثم يسلم)؛ لانقطاع القدوة. وهذا محله إذا كان غير مسبوق، أو مسبوق وجلوسه مع الإمام في موضع تشهده الأول، أما غيرهما .. فيلزمه القيام عقب التسليمتين.
قال: (ولو اقتصر إمامه على تسليمة .. سلم ثنتين والله أعلم) لأنه خرج عن متابعة الإمام بالأولى، بخلاف التشهد الأول فإن الإمام لو تركه .. لزم المأموم تركه؛ لأن المتابعة واجبة عليه قبل السلام.
تتمة:
اتفقوا على أنه يجوز أن يسلم بعد فراغ الإمام من التسليمة الأولى بعد (الميم) من قوله: عليكم، إذا قدم الإمام لفظ السلام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأصح المنصوص: أن الأفضل أن لا يسلم حتى يسلم الإمام الثانية.
وقال المتولي: يستحب أن يسلم بعد سلام الإمام الأولى.
ولو قارنه في التسليمة الأولى .. فالأصح: أن الصلاة لا تبطل كما لو قارنه في بقية الأركان، بخلاف تكبيرة الإحرام فإنه لا يصير في الصلاة حتى يفرغ منها.
ولو سلم قبل شروع الإمام في السلام، فإن لم ينو المفارقة .. بطلت صلاته، وإن نواها .. ففيه الخلاف فيمن نوى المفارقة.
* * *
خاتمة
يستحب الدعاء بعد الصلاة؛ لما روى الترمذي [3499] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الدعاء أسمع؟ - أي: أقرب إلى الإجابة- قال: (جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات).
وروى أبو داوود [1517] والنسائي [3/ 53]- بإسناد صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد معاذ وقال: (يا معاذ؛ والله إني أحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم؛ أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
ويستحب الإسرار به وبالذكر، إلا أن يكون إمامًا يريد التعليم.
وسئل الشيخ عز الدين: هل يكره أن يسأل الله تعالى بعظيم من خلقه كالملك والنبي والولي؟.
أجاب بأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه علم بعض الناس: (اللهم؛ إني أقسم عليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، نبي الرحمة
…
) الخ [خز 1219].
فإن صح .. فينبغي أن يكون مقصوراً عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة؛ لأنهم ليسوا في درجته. ويكون هذا من خواصه صلى الله عليه وسلم.
والحديث المذكور خرجه الترمذي [3578] وقال: صحيح غريب.