المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَإِلَاّ .. فَلَا.   ‌ ‌فَصْلٌ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ سُنَّةٌ، ــ ولو كان سفر قصر .. اعتبر - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[الدميري]

الفصل: وَإِلَاّ .. فَلَا.   ‌ ‌فَصْلٌ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ سُنَّةٌ، ــ ولو كان سفر قصر .. اعتبر

وَإِلَاّ .. فَلَا.

‌فَصْلٌ:

الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ سُنَّةٌ،

ــ

ولو كان سفر قصر .. اعتبر قدر ركعتين فقط.

ولا تعتبر الطهارة في الأصح، إلا إذا لم يجز تقديمها كطهارة المستحاضة والمتيمم.

قال: (وإلا .. فلا) أي: إن لم يدرك قدر الفرض كما وصفنا .. فلا وجوب في ذمته، كما لو هلك النصاب قبل التمكن.

وجعل أبو يحيى البلخي حكمه حكم آخر الوقت وهو: تكبيرة أو ركعة وغلطوه، وفرقوا بأنه في آخر الوقت إذا أدرك قدر ركعة .. يمكنه أنه يبني على ما أدرك بعد الوقت، وههنا لا يمكن التقديم على الوقت.

وهل يقال في هذه الحالة: سقط الوجوب بعد ثبوته، أو تبين عدم الوجوب؟ صرح في (شرح المهذب) بالثاني، وكلام غيره يقتضي الأول، وجعلوا الوجوب بأول الوقت والاستقرار بالتمكن كما في الزكاة.

تتمة:

ذكر المصنف الحيض والجنون ليعلم منهما حكم النفاس والإغماء من باب أولى، ولا يتصور طرآن الكفر المسقط للإعادة؛ لأنها ردة وهو فيها ملزوم بالإعادة.

قال: (فصل:

الأذان والإقامة سنة) أي: من سنن الكفاية؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك والمواظبة عليه، وذلك الأخبار على أنه ليس بفرض عين ولا كفاية؛ لقوله صلى الله

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول .. لاستهموا عليه) رواه البخاري [654].

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما الأعرابي مع ذكره صلى الله عليه وسلم الوضوء والاستقبال، و (جمع صلى الله عليه وسلم بين صلاتين، وترك الأذان للثانية)، والجمع بين الصلاتين سنة، فلو كان الأذان واجبًا .. لما تركه لأجل سنة.

و (الأذان): اسم وضع موضع التأذين الذي هو المصدر، وهما في اللغة: الإعلام، قال تعالى:{وأذن في الناس بالحج} .

وفي الشرع: ذكر مخصوص، شرع للإعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة.

و (الإقامة) في الأصل: مصدر أقام، وسمي الذكر المخصوص بذلك؛ لأنه يقيم إلى الصلاة.

والأصل في مشروعيته قبل الإجماع قوله تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلوة} ، وقوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلوة} .

ومن السنة أحاديث منها: حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به الناس لجمع الصلاة طاف بي رجل وأنا نائم يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله؛ أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أولا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر الله أكبر إلى آخر ألفاظ الأذان، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر إلى آخر لفظ الإقامة، فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال:

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(إنها رؤيا حق إن شاء الله تعالى، قم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتًا منك).

قال أبو داوود: وتزعم الأنصار أن عبد الله بن زيد حين رأى الأذان كان مريضاً، ولولا ذلك .. لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان، قالوا: فلما أذن بلال سمع بذلك عمر وهو في بيته، فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق! لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الحمد لله) رواه أبو داوود [500] وغيره بإسناد صحيح.

وذكر الإمام والغزالي والقاضي حسين: أن عبد الله بن زيد أذن مرة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول مؤذن في الإسلام، قال ابن الصلاح: لم أجد هذا بعد البحث عنه.

وروى البزار: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أري الأذان ليلة الإسراء وأسمعه مشاهدة فوق سبع سماوات، ثم قدمه جبريل عليه السلام فأم أهل السماء والأرض، وفيهم آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام، فأكمل الله له الشرف على أهل السماوات والأرض).

وإنما أفرد المصنف الضمير وهو عائد على شيئين؛ لتأويله بالمجموع، ولو أتى به مثنى كما فعل في (المحرر)، وكما فعل هو بعد هذا .. كان أحسن.

فائدتان أجنبيتان:

الأولى: نقل القرطبي [5/ 271] في تفسير قوله تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} عن مكي والقشيري: أن عبد الله بن زيد المذكور لما توفي النبي صلى الله عليه

ص: 43

وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ

ــ

وسلم .. قال: (اللهم؛ أعمني حتى لا أرى شيئًا بعده)، فعمي من ساعته، وكان رؤيا الأذان في السنة الأولى من الهجرة.

قال الترمذي: سمعت البخاري يقول: لا يعرف له إلا حديث الأذان.

قال المصنف: قد رويت له أحاديث وذكر بعضها في (تهذيب الأسماء).

الثانية: بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أذن في الإسلام. قال مالك: ولم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة لعمر حين دخل الشام، فبكى الناس بكاء شديدًا.

وروى ابن أبي شيبة وابن عبد البر: أنه أذن لأبي بكر إلى أن مات، ولم يؤذن لعمر.

وأمه حمامة، ووقع في (الصحاح): أنه بلال بن حمام وهو وهم.

وذكر ابن حزم في هذا الباب من (المحلى): أنه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة إلا بسواد بلال؛ فإنه يفرق سواده شامات في خدودهن، فسبحان من أكرم أهل طاعته.

وروى الحاكم [3/ 284]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير السودان ثلاثة: بلا ولقمان ومهجع)، وهو مولى عمر، وهو أول قتيل من المسلمين يوم بدر.

قال: (وقيل: فرض كفاية)، واختاره الشيخ وجماعة؛ لما روى الشيخان [خ631 - م674/ 292] عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضر الصلاة .. فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)، وفي لفظ [خ 630 - م674/ 293]:(فأذنا ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما)، ولأنهما من الشعائر الظاهرة.

وقيل: فرضا كفاية في الجمعة دون غيرها؛ لأنهما دعاء إلى الجماعة وهي واجبة في الجمعة مستحبة في غيرها، فيكون الدعاء إليها كذلك.

وعلى هذا: الواجب هو الذي بين يدي الخطيب.

ص: 44

وَإِنَّمَا يُشْرَعَانِ لِلْمَكْتُوبَةِ، وَيُقَالُ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ

ــ

وقال ابن المنذر: فرض في حق الجماعة دون المنفرد.

فإن أوجبناهما .. قوتل أهل البلد بتركهما.

وشرط حصولهما فرضًا أو سنة: أن يظهرا في البلد بحيث يبلغ جميعهم لو أصغوا، فيكفي في القرية الصغيرة في موضع، وفي الكبيرة في مواضع يظهر الشعار بها.

قال: (وإنما يشرعان للمكتوبة)؛ إعلامًا بدخول الوقت، ليتهيأ من يريد الحضور. ولم يرد في السنة: أنهما فعلًا لغير الصلوات الخمس.

وأما قول صاحب (الذخائر): إن المنذورة يؤذن لها ويقيم إذا قلنا: يسلك بها مسلك واجب الشرع .. فقال المصنف: إنه غلط منه وهو كثير الغلط. وقد اتفق الأصحاب على أنه: لا يؤذن لها ولا يقيم ولا يقال: الصلاة جامعة. لكن يرد على حصره: أن الأذان يشرع في أذن المولود كما سيأتي في (العقيقة)، وإذا تغولت الغيلان؛ أي: تمردت الجان؛ لحديث صحيح ورد فيه كما قاله في (الأذكار).

قال: (ويقال في العيد ونحوه) كالكسوف والاستسقاء والتراويح (الصلاة جامعة)؛ لما روى الشيخان [خ960 - م886] عن ابن عباس وجابر قالا: (لم يكن يؤذن في يوم الفطر ولا يوم الأضحى).

ورويا [خ1045 - م910] عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: (لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. نودي بالصلاة جامعة).

و (الصلاة جامعة) منصوبان، الأول على الإغراء، والثاني على الحال، ويجوز رفعهما على الابتداء والخبر، وهذا اللفظ ورد عن الزهري وتبعه الناس.

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى العيد بغير أذان ولا إقامة).

ص: 45

وَالْجَدِيدُ: نَدْبُهُ لِلْمُنْفَرِدِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ

ــ

والمعنى فيه: الفرق بينها وبين الفرائض.

والصحيح في زوائد (الروضة)، وهو المنقول عن النص: أن صلاة الجنائز لا يستحب فيها ذلك؛ لأن المشيعين لها حاضرون.

قال: (والجديد: ندبه للمنفرد) سواء كان في بلد أو صحراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد الخدري: (إني أراك تجب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة .. فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)، كذا ذكر الحديث الرافعي والغزالي والإمام وهو وهم والصواب: ما ثبت في (البخاري)[609] وغيره عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: قال لي أبو سعيد: إني أراك تحب الغنم والبادية إلى آخره. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا إذا لم يبلغ المنفرد أذان غيره، فإن بلغه .. ففي (شرح مسلم): لا يؤذن.

وفي (شرح الوسيط) و (التحقيق): الأصح استحبابه، وهو مقتضى كلام (الشرح الصغير)، وعلي الفتوى.

والقديم: لا يستحب؛ لانتفاء المعنى المقصود منه وهو الإعلام.

وقيل: إن رجا المنفرد حضور جماعة .. أذن، وإلا .. فلا.

وقال الشافعي: ترك الأذان في السفر أخف منه في الحضر.

قال: (ويرفع صوته)؛ لحديث أبي سعيد السابق.

وقيل: إن انتظر حضور جماعة .. رفع صوته، وإلا .. فلا.

والمراد برفعه: أن يبالغ في رفعه ما أمكنه، فإن لم يبالغ ولكنه أسمع بعض الناس .. حصل الأذان قطعًا.

وإن أذن بحيث لم يسمع إلا نفسه، فإن كان منفردًا .. صح عند الجمهور، وإن لم يسمع نفسه .. فليس بأذان ولا يسمى كلامًا، وبذلك يعلم: أن رفع الصوت منقسم إلى: واجب، ومستحب، وخلاف الأولى.

ص: 46

إِلَاّ بِمَسْجِدٍ وَقَعَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ. وَيُقِيمُ لِلْفَائِتَةِ، وَلَا يُؤَذِّنُ فِي الْجَدِيدِ. قُلْتُ: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ كَانَ فَوَائِتُ .. لَمْ يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الأُولَى. وَيُنْدَبُ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ الإِقَامَةُ، لَا الأَذَانُ عَلَى الْمَشْهُورِ

ــ

قال: (إلا بمسجد وقعت فيه جماعة) أي: وانصرفوا، فذلك خلاف الأولى؛ لئلا يوهم دخول وقت صلاة الأخرى سيما في يوم غيم. ولو قال: بموضع بدل (مسجد) .. كان أشمل.

قال: (ويقيم للفائتة) بالاتفاق.

قال: (ولا يؤذن في الجديد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر يوم الخندق بعد الغروب، كلا منهما بإقامة، وروى معناه أبو داوود [1901].

قال: (قلت: القديم أظهر والله أعلم) يعني: أنه يؤذن للفائتة مطلقًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نام هو وأصحابه في الوادي إلى أن طلعت الشمس، ثم صلى صلاة الغداة بعد أن أذن لها بلال، رواه مسلم. وفي (الصحيحين) [خ595 - م684]:(فصنع ما كان يصنع كل يوم)، وهذا القول صححه الجمهور، وبه قال الأئمة الثلاثة، فالأذان في الجديد حق للوقت، وفي القديم حق للفريضة، وفي (الإملاء) حق للجماعة، كل هذا في الفائتة الواحدة، فإذا تعددت .. فسيأتي في كلام المصنف.

قال: (فإن كان فوائت .. لم يؤذن لغير الأولى) أي: ويقيم لكل واحدة بلا خلاف، هذا إذا والى بينهما؛ لعدم ورود الموالاة بين أذانين، أما إذا قضاها متفرقات .. ففي الأذان لكل واحدة الخلاف السابق، ويقيم للجميع.

قال: (ويندب لجماعة النساء الإقامة لا الأذان على المشهور)؛ لما روى البيهقي [1/ 408] عن ابن عمر أنه قال: (ليس على النساء أذان)، ولما في الأذان من رفع الصوت الذي يخاف منه الافتتان بخلاف الإقامة.

ونص في (البويطي) على أنه: لا يستحب لها الأذان ولا الإقامة؛ لأن في أثر ابن عمر ليس على النساء أذان ولا إقامة.

ص: 47

وَالأَذَانُ مَثْنَى، وَالإِقَامَةُ فُرَادَى إِلَاّ لَفْظَ الإِقَامَةِ

ــ

وفي قول ثالث: يستحبان؛ لما روى الحاكم [1/ 203] والبيهقي [1/ 408] عن عائشة أنها كانت تفعلهما.

والخنثى كالمرأة. ولو قال: ويندب للنساء .. كان أولى؛ لأن الخلاف جار فيهن عند الانفراد، فإن قلنا: لا تؤذن، فأذنت ولم ترفع صوتها .. لم يكره على الصحيح، وإن قلنا: تؤذن وتقيم .. لم ترفع فوق ما تسمع صواحبها، فإن زادت .. حرم على الصحيح عند الشيخين هنا، والصواب المنصوص المفتى به: الجواز كما صرح به في رفع الصوت بالتلبية، وجواز استماع غنائها وأذانها وإن كانت أجنبية حرة أو أمة.

ولو أذنت للرجال .. لم يصح، وفيه وج ضعيف؛ تغليبًا للأخبار، على عكس الصبي والفاسق، فإن الصحيح: صحته منهما؛ تغليبًا للشعار.

قال: (والأذان مثنى، والإقامة فرادى إلا لفظ الإقامة)؛ لما رواه الشيخان [خ605 - م378] عن أنس قال: (أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة إلا الإقامة)، وعليه أجمع أهل الحرمين، والحكم على الأذان بالتثنية باعتبار معظمه، ولا خلاف في ذلك عندنا، وأنه بالترجيع: تسع عشرة كلمة كما: (علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة)، ولم يزل هو وأولاده يؤذنون بمكة كذلك إلى زمن الشافعي، فسمعه من إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وسمعه يفرد الإقامة، ولم يزل بنو سعد القرظ على ذلك بالمدينة أيضًا إلى أن وقع التغيير في أذانيهما.

وأما الإقامة .. ففيها خمسة أقوال:

الجديد الصحيح: أنها إحدى عشرة كلمة؛ لإجماع أهل الحرمين على ذلك.

والثاني: عشر كلمات يفرد قوله: قد قامت الصلاة.

ص: 48

وَيْسَنُّ إِدْرَاجُهَا، وَتَرْتِيلُهُ،

ــ

والثالث: تسع يفرد التكبير في آخرها.

والرابع: ثمان يفرد الجميع، وهو مذهب مالك.

والخامس: أنه إن رجع في الأذان .. فالسنة أن يثني الإقامة؛ لأنها إنما أفردت اكتفاء بتثنية الأذان، وإن لم يرجع فيه وصححناه .. أفرد الإقامة، واختاره ابن المنذر؛ لما روى أبو محذورة أنه قال:(لقنني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة)، رواه الدارقطني [237] والنسائي [2/ 4]، والترمذي [192] وقال: حسن صحيح، وابن ماجه [709] برجال الصحيح.

قال ابن سريج: وهذا من الاختلاف في المباح، وليس بعضه أولى من بعض.

وقال الماوردي: الاختلاف في الأفضل.

ولما كانت كلمات الأذان والإقامة مشهورة .. لم يذكرها المصنف، بل اقتصر على كونه مثنى وهي فرادى.

قال: (ويسن إدراجها) أي: الإسراع فيها مع بيان الحروف، من قولك: أدرجت الكتاب إذا طويته؛ وذلك أنها للحاضرين فإدراجها أشبه، ولما روى أبو داوود والترمذي [195] والحاكم [1/ 204] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بلال إذا أذنت .. فترسل، وإذا أقمت .. فاحذم)) أي: فأسرع، وهي بالذال المعجمة وبعدها ميم.

ويسن أيضًا أن تكون أخفض صوتًا من الأذان.

قال: (وترتيله) أي: من غير تمطيط؛ لأنه للغائبين. وترتيله: أن يأتي به حرفًا حرفًا، وأن يقف على آخر الكلمات.

قال الهروي: وعوام الناس يقولون: أكبر بضم الراء إذا وصل، وكان المبرد يفتح الراء من أكبر الأولى ويسكن الثانية.

ص: 49

وَالتَّرْجِيعُ فِيهِ، وَالتَّثْوِيبُ فِي الصُّبْحِ،

ــ

ويستحب أن يجمع بين كل تكبيرتين بصوت، وأما باقي الكلمات .. فيفرد كل واحد بصوت، وفي الإقامة يجمع كل كلمتين.

قال: (والترجيع فيه)، كما رواه مسلم [379] عن أبي محذورة، وحكمته التدبر والإخلاص، وفي وجه: أنه شرط فيه، والصواب: أن الترجيع الذي يأتي به سرًا.

وفي (شرح مسلم) و (الحاوي الكبير): أنه العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت [بعد قولهما مرتين بخفض الصوت]، وكلام (الشرح) و (الروضة) محتمل؛ لأنه اسم للمجموع.

والمراد بالخفض: أن يسمع نفسه، أو أهل المسجد إن كان واقفًا عليهم.

قال: (والتثويب في الصبح) هذا نصه في القديم و (الإملاء)، وهو أن يقول بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم مرتين، أي: اليقظة للصلاة خير من الراحة التي تحصل من النوم.

سمي تثويبًا من قولهم: ثاب فلان إذا رجع، وهو بالثاء المثلثة بلا خلاف، ففي (سنن أبي داوود) [501] و (ابن حبان) [1682]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم لقنه لأبي محذورة)، وصح: أن بلالًا كان يفعله، رواه عنه أحمد [4/ 42] والترمذي [198]، وقيل: فيه قولان:

أحدهما: هذا، وهو القديم المفتى به.

والثاني- هو الجديد-: أنه لا يسن، قال الشافعي: لأن أبا محذور لم يروه. قال الأصحاب: وقد صح أنه رواه.

وظاهر إطلاق الغزالي والمصنف .. أن التثويب يشمل الأذان الذي قبل الفجر والذي بعده، وصرح في (التهذيب) بأنه إذا ثوب في الأذان الأول .. لا يثوب في الثاني، وأقره عليه المصنف والشيخ.

والصحيح في (التحقيق): أنه يثوب فيهما: وفي (شرح المهذب): ظاهر إطلاق الأصحاب .. أنه لا فرق.

ص: 50

وَأَنْ يُؤَذَّنَ قَائِمًا لِلْقِبْلَةِ

ــ

واحترز بـ (الصبح) عما عداها؛ فإنه لا يستحب فيها التثويب، بل يكره خلافًا للنخعي، ونقل ابن الصلاح عن الحسن بن صالح: أنه استحبه في أذاني الصبح والعشاء.

ويكره أن يقول في (الأذان): حي على خير العمل.

قال: (وأن يؤذن قائمًا)؛ لحديث: (قم يا بلال؛ فناد بالصلاة) رواه الشيخان [خ604 - م377] عن ابن عمر.

وروى أبو داوود [500]: أن الملك الذي رآه عبد الله بن زيد في المنام كان قائمًا، ولأنه أبلغ في الإعلام، فلو أذن قاعدًا مع القدرة .. كره وأجزأه على الصحيح.

وقيل: القيام شرط فيه.

وعلى الأول .. في جواز الاضطجاع فيه وجهان، أصحهما: يجوز.

أما العاجز .. فيجوز له القعود بلا كراهة قولًا واحدًا.

ويجوز على الراحلة في السفر كالنافلة، ففي (الترمذي) [411] بإسناد صحيح:(أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك).

وهل يجوز ماشيًا؟ قال الماوردي: إن انتهى في مشيه إلى حيث لا يسمع من كان في موضع ابتدائه بقية أذانه .. لم يجز، وإلا .. أجزأه.

وهذا الحكم والذي بعده يستوي فيما الأذان والإقامة، وعبارة المصنف قاصرة عن ذلك.

ويستحب أن يؤذن على موضع عال، وأن يضع إصبعيه في صماخي أذنيه؛ لأن ذلك أجمع للصوت، ويستدل به الأصم على الأذان، وقال الروياني: لا يستحب ذلك في الإقامة وهو ظاهر.

قال (للقبلة)؛ لأنها أشرف الجهات.

وقيل: الاستقبال فيه شرط، لكن يستحب الالتفات في الحيعلتين، بأن يلوي رأسه وعنقه من غير أن يحول صدره عن القبلة، فيلتفت عن يمينه فيقول: حي على

ص: 51

وَيُشْتَرَطُ تَرْبِيتُهُ، وَمُوَالَاتُهُ، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَضُرُّ كَلَامٌ وَسُكُوتٌ طَوِيلَانِ.

ــ

الصلاة مرتين، ثم عن شماله فيقول: حي على الفلاح مرتين، فإن كان على مئذنة .. لا يستحب أن يدور عليها خلافًا لأبي حنيفة.

وإنما خص الالتفات بالحيعلتين؛ لأنه دعاء إلى الصلاة، بخلاف باقي الكلمات، والفرق بين هذا وبين كراهة الالتفات في الخطبة: أن المقصود بالأذان إعلام الغائبين، والخطبة وعظ للحاضرين، لكن يشكل على هذا: أن الأصح: استحباب الالتفات في الإقامة، وقيل: لا، وقيل: إن ضاق المسجد .. فلا.

قال: (ويشترط ترتيبه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أبا محذورة كذلك، وهو أمر لا يعقل معناه فيتبع فيه ما ورد، ولأن عكسه يفوت مقصوده، فلو عكسه .. اعتد بأوله وبنى عليه.

قال الماوردي: فلو أذن بالعجمية وهو يحسن العربية .. لم يصح، وكذا إن لم يحسنها بالنسبة إلى غيره، وأما بالنسبة إلى نفسه .. فيعتد به.

قال: (وموالاته)؛ ليعلم السامع أنه أذان، وكذلك الإقامة، ولا يضر سكوت قصير بالاتفاق، ولا يكره ذلك إذا كان لمصلحة كتشميث العاطس ونحوه؛ لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الخطبة، ففي الأذان أولى، وتردد الشيخ أبو محمد فيما إذا رفع الصوت بالكلام اليسير.

قال: (وفي قول: لا يضر كلام وسكوت طويلان)؛ لأن ذلك في الخطبة لا يوجب استئنافها، فالأذان أولى.

والجواب: أن كلمات الخطبة غير متعينة، بخلاف كلمات الأذان، فيعد قاطعه معرضًا، وموضع الخلاف: ما لم يفحش الطول، فإن فحش بحيث لا يسمى مع الأول أذانًا واحدًا .. استأنف جزمًا.

ص: 52

وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ: الإِسْلَامُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالذُّكُورَةُ. وَيُكْرَهُ لَلْمُحْدِثِ،

ــ

وفي (البحر) وجهان في اشتراط النية في الأذان، ذكرهما قبل (باب صلاة المسافر).

قال: (وشرط المؤذن: الإسلام)، فلا يصح أذان الكافر؛ لأنه ليس من أهل الصلاة، فلا يكون داعيًا إليها، فلو أذن .. حكم بإسلامه إن لم يكن عيسويًا، وهم: طائفة من اليهود ينسبون إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني اليهودي، كان في خلافة المنصور يعتقد أن نبينا صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى العرب خاصة، وتبعه على ضلاله بشر كثير من اليهود، وله كتاب وضعه حرم فيه الذبائح، وخالف اليهود في أحكام كثيرة، وليس هذه النسبة إلى عيسى ابن مريم.

والمرتد في أثناء الأذان الأصح: يبني إن عاد إلى الإسلام، وقصر الفصل دون طوله.

قال: (والتمييز)؛ لأن غير المميز ليس من أهل العبادة، وكذلك لا يصح أذان السكران الذي لا تتميز له في الأظهر كالمجنون.

ولو طرأ إغماء في أثنائه .. فالأصح: لا يضر إن قصر زمنه، ولو مات أو جن .. لم يبن غيره على أذانه على الأصح.

قال: (والذكورة)، فلا يصح أذان المرأة والخنثى للرجال قياسًا على إمامتهما لهم، فلو بانت ذكورة الخنثى بعد أذانه .. فالوجه: إجزاؤه.

ويشترط أيضًا: أن يكون عارفًا بالوقت إذا كان راتبًا.

ويستحب أن يكون المؤذن حرًا بالغًا؛ لما روى البيهقي [1/ 426] أن عمر قال لقيس بن أبي حازم التابعي الجليل: (من مؤذنوكم؟) قال: موالينا وعبيدنا، فقال:(إن ذلك لنقص كبير).

ويصح أذان الأعمى، لكن يكره إذا لم يكن معه بصير.

قال: (ويكره للمحدث)؛ لما روى الترمذي [200]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تؤذن إلا وأنت متوضئ)، والأصح: أنه موقوف على أبي هريرة.

ص: 53

وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ، وَالإِقَامَةُ أَغْلَظُ. وَيُسَنُّ صَيِّتٌ، حَسَنُ الصَّوْتِ، عَدْلٌ

ــ

وصح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه لما سلم عليه المهاجر بن قنفذ وهو يبول .. لم يرد عليه حتى توضأ، ثم قال:(كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة)، ولأنه دعاء وذكر وذلك على طهارة أفضل، وظاهر عبارته الكراهة للمتيمم وإن أباح تيممه الصلاة؛ لأنه محدث عند الشافعي، وبه صرح ابن الرفعة، وكذلك فاقد الطهورين والسلس، لكن تعليلهم يقتضي: عدم الكراهة لهما وهو الظاهر.

قال: (وللجنب أشد)؛ لأن حدثه أغلظ، وينبغي أن يكون للحائض أغلظ، وفي (الكفاية) وجه عن (البحر): أن الجنب يحرم عليه الأذان.

والذي قاله مخصوص بما إذا أذن في غير المسجد، فإن أذن فيه أو في رحبته .. أثم بالمكث وصح أذانه.

قال: (والإقامة أغلظ)؛ لطول أمد التخلف للطهارة، ولأنه يوقع الناس فيه بسبب انصرافه، ولأن الطهارة بعدها ربما فوتت الصلاة.

قال: (ويسن صيت) أي: عالي الصوت؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (ألقه على بلال؛ فإنه أندى منك صوتًا)، والمعنى فيه: زيادة الإبلاغ.

و (الأندى): هو الأبعد مدى، هذا هو المشهور في اللغة. وفي (نهاية ابن الأثير) - قول ضعيف- أنه الأحسن.

قال: (حسن الصوت)؛ ليرق قلب السامع ويميل إلى الإجابة، ولأن الداعي ينبغي أن يكون حلو المقال، وروى الدارمي [1232] وابن خزيمة [377]:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عشرين رجلًا فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان).

ويكره التمطيط والتطريب والتغني في الأذان.

قال: (عدل)؛ ليقبل خبره، ويؤمن إلى العورات نظره، وفي (أبي داوود)[591]

ص: 54

وَالإِمَامَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الأَصَحِّ

ــ

و (ابن ماجه)[726] عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليؤذن لكم خياركم)، ولذلك قال الشافعي: يستحب أن يكون المؤذن خيار الناس، فلو أذن فاسق .. تأدى الشعار به، لكن لا يقلد ولا يقبل خبره في دخول الوقت كالصبي المميز، بخلاف الكافر؛ فإن أذانه لا يصح كما تقدم.

فرع:

يستحب أن يكون المؤذن من ذرية من جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأذان فيهم، وهم أربعة: بلال وابن أم مكتوم كانا بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ بقباء، فإن عدم أقرباؤهم فأقرباء الصحابة.

وأن يكون عارفًا بالوقت، إلا الراتب فيشترط ذلك فيه، وإذا كانت الليلة ذات ريح ومطر يستحب أن يقول بعد الأذان: ألا يصلوا في رحالكم، فإن قاله بعد الحيعلتين .. جاز، فلو جعله عوضًا عنهما .. جاز، ففي (صحيح البخاري):(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك).

قال: (والإمامة أفضل منه) أي: من الشعار المتقدم من الأذان والإقامة في الأصح)؛ لأنها أشق.

وفي (الصحيحين)[خ628 - م674] عن مالك بن الحويرث قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (ليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم).

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين اختاروها، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر كما تقدم؛ فلأنه عليه الصلاة والسلام لو

ص: 55

قُلْتُ: الأَصَحُّ: أَنَّهُ أَفْضَلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

أذن .. لوجب الحضور على من سمعه، واختار هذا الشيخ تبعًا للرافعي.

ونقل في (الأحياء) عن بعض السلف أنه قال: ليس بعد الأنبياء عليهم صلاة والسلام أفضل من العلماء، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين؛ لأنهم قاموا بين الله وبين خلقه، هؤلاء بالنبوة، وهؤلاء بالعلم، وهؤلاء بعماد الدين وهي الصلاة، وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم الصديق للخلافة؛ إذا قالوا: نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين، فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، وما قدموا بلالًا؛ احتجاجًا بأنه رضيه للأذان.

قال: (قلت: الأصح: أنه أفضل والله أعلم)؛ لقوله تعالى: {ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله} .

قالت عائشة: (هم المؤذنون)، رواه ابن أبي شيبة [1/ 255]، وأبو موسى في (معرفة الصحابة)، لكنه معارض بقول ابن عباس: إن المراد بها النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله تعالى:{يقومنا أجيبوا داعي الله وءامنوا به} . قال ابن الرفعة: وكأنه الصحيح؛ لأن الآية مكية بلا خلاف، والأذان إنما ترتيب بالمدينة.

لكن في (الصحيحين)[خ615 - م437] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلمون ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه .. لاستهموا عليه).

وروى أحمد [2/ 266] وأبو داوود [516] والنسائي [2/ 12] عن أبي هريرة رفعه: (المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس).

وروى الحاكم [1/ 205] وابن ماجه [728] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن اثنتي عشرة سنة .. وجبت له الجنة).

وفي (ابن ماجه)[727] و (الترمذي)[206] عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن [محتسبًا] سبع سنين .. كتب الله له براءة من النار).

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وروى الطبراني في (أصغر معاجمه)[499] عن أنس رفعه: (إذا أذن في قرية .. أمنها الله من عذابه في ذلك اليوم).

وروى أبو داوود [518] والترمذي [207] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم؛ أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين). والأمانة أعلى في الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد.

وروى مسلم [387] عن معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة)، واختلفوا في معناه، فقيل: أكثر رجاء لرحمة الله تعالى، وقيل: لا يلجمهم العرق. وروى: (إعناقًا) بالكسر، أي: إسراعًا إلى الجنة.

وروى أبو الشيخ الحافظ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن خمس صلوات إيمانًا واحتسابًا .. غفر له ما تقدم من ذنبه).

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وروى أبو بكر الخطيب في كتاب (موضح أوهام الجمع والتفريق [1/ 54] عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول من يدخل الجنة الأنبياء، ثم مؤذنوا البيت الحرام، ثم مؤذنوا بيت المقدس، ثم مؤذنو مسجدي، ثم سائر المؤذنين). قال: ومؤذن البيت الحرام بلال.

وروى ابن عدي [6/ 120]، والبخاري في (التاريخ)[1/ 37]، والعقيلي [4/ 21] في ترجمة محمد بن إسماعيل الضبي: أنه روى عن ابن عباس أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني عملًا أدخل به الجنة، قال:(كن مؤذنًا)، قال: لا أقدر على ذلك، قال:(فكن إمامًا)، قال: لا أقدر على ذلك، قال:(فصل بإزاء الإمام).

وروى الحاكم [1/ 151] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله)، وقال عمر رضي الله عنه:(لولا الخليفي .. لأذنت)، رواه البيهقي [1/ 426].

وقال ابن مسعود: لو كنت مؤذنًا .. ما باليت أن لا أحج ولا أغزو.

وقال الحسن البصري: أهل الصلاح والخشية من المؤذنين أول من يكسى يوم القيامة.

ويشكل على المصنف: أن الإمامة إقامة للجماعة، وهي فرض كفاية عنده، فكيف يكون الأذان المستحب أفضل منها؟

وقيل: هما سواء في الفضيلة؛ لما روى أحمد والترمذي [2566] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: رجل أم قومًا وهم به راضون، ورجل يؤذن في كل يوم خمس صلوات، وعبد أدى حق الله وحق مواليه).

ص: 58

وَشَرْطُهُ الْوَقْتُ

ــ

وقيل: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع فضائلها .. فهي أفضل، ولذلك يتعين لها الأفضل علمًا وروعًا وسنًا.

قال الشافعي: ولا أكره الإمامة إلا من أجل أنها ولاية، وأنا أكره سائر الولايات.

والأصح في زوائد (الروضة)، وبه صرح أبو علي الطبري والماوردي والقاضي أبو الطيب: أنه يستحب للصالح لهما أن يجمع بينهما.

واستنبط ابن حبان [1668] من قوله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير .. فله مثل أجر فاعله) أن المؤذن يكون له مثل أجر من صلى بأذانه؛ لأنه دعاه إلى ذلك.

فروع:

يستحب أن يكون الأذان بقرب المسجد، ويكره أن يخرج من المسجد بعد الأذان قبل أن يصلي إلا لعذر.

ويستحب أن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم، بل يؤذن في كل مسجد.

ووقت الأذان منوط بنظر المؤذن، لا يحتاج فيه إلى مراجعة الإمام، والإقامة بنظر الإمام، فلا يقيم إلا بإذنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة) رواه [ابن] عدي [4/ 12] من رواية أبي هريرة، فلو أقام المؤذن بغير إذن الإمام .. اعتد به على الصحيح.

قال: (وشرطه الوقت)؛ لأنه إعلام به، فلا يصح قبله اتفاقًا، وكما لا يصح لا يجوز أيضًا؛ لما فيه من الإلباس، لكن تسقط مشروعيته بفعل الصلاة، كذا نص عليه البويطي.

ولو نوى المسافر تأخير الصلاة .. ففي استحباب الأذان في وقت الأولى نظر،

ص: 59

إِلَاّ الصُّبْحَ فَمِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ؛ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَآخَرُ بَعْدَهُ

ــ

ويظهر تخريجه على أنه حق للوقت أو الصلاة، فإن قلنا بالأول .. أذن، وإلا .. فلا.

قال: (إلا الصبح)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)، رواه الشيخان [خ618 - م1092].

زاد البخاري: وكان رجلًا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت. ولأن وقتها يدخل وفيهم الجنب والنائم، فاستحب تقديم أذانها ليتهيؤوا لإدراك فضيلة أول الوقت، ولهذا اختصت بالتثويب.

وقيل: لا يستحب ذلك في بلد لم يعتادوه كيلا يلتبس عليهم.

قال: (فمن نصف الليل)؛ لأن معظمه قد ذهب، ولأنه يشبه الدفع من مزدلفة، ولهذا يقال فيه عند التحية: صباح مبارك، وصححه في (شرح المهذب). وعبارة (المحرر): آخر الليل، فغيرها المصنف إلى ما صححه.

والثاني: من ذهاب وقت الاختيار للعشاء، وهو الثلث أو النصف، وصححه في (الروضة).

والثالث- وصححه الرافعي-: أنه إن كان في الشتاء .. فمن سبع يبقى، ولنصف سبع في الصيف.

والرابع: جميع الليل.

والخامس: أنه من السحر قبل طلوع الفجر، وصححه الشيخ تبعًا للقاضي والبغوي والمتولي- وضبطه بما بين الفجر الكاذب والصادق- ولأنه المنقول عن بلال. وقيل: بعد ثلثي الليل حكاه في (الأذكار) وهو غريب. فلو أراد الاقتصار على أحدهما .. قال المتولي: اقتصر على الثاني.

قال: (ويسن مؤذنان للمسجد؛ يؤذن واحد قبل الفجر، وآخر بعده)، كما كان

ص: 60

وَيُسَنُّ لِسَامِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ،

ــ

بلال وابن أم مكتوم، فيعلم بأذان أحدهما ذاك، وبأذان الآخر هذا، بخلاف ما إذا أذن أحدهما مرتين.

وذكر المسجد مثال، والأول أولى بالإقامة، فإن كان للمسجد مؤذن واحد .. أذن مرتين.

وقال الغزالي: إذا كان للمسجد مؤذن واحد .. منع من الأذان قبل الفجر؛ لئلا يشوش.

فإن احتيج إلى زيادة .. زيد إلى أربعة ولا يتعداها، قاله الجمهور.

وقال جماعة من المحققين منهم المصنف: ضابطه الحاجة والمصلحة، فيزاد وينقص بحسب ذلك، فإن زاد على ذلك للحاجة .. جاز، لكن في كراهة الزيادة على أربع خلاف، صحح الرافعي الكراهة، والمصنف عدمها وهو المنصوص، فإذا احتاج إلى الزيادة .. جعلهم ستة، فإن احتاج .. جعلهم ثمانية؛ ليكونوا شفعًا لا وترًا، فيؤذنون واحدًا بعد واحد، إلا أن يضيق الوقت فيؤذنون متفرقين في جوانب المسجد إن كان كبيرًا في وقت واحد، ولا يؤذنون مجتمعين.

وقال الماوردي: لا بأس باجتماعهم إذا اتسع البلد؛ لأن اجتماع الأصوات أبلغ في الإعلام.

وقال القاضي حسن: إن اتفقت أصواتهم .. جاز، وإن اختلفت .. لم يجز.

قال: (ويسن لسماعه مثل قوله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء .. فقولوا مثل ما يقول [المؤذن]) رواه الشيخان [خ611 - م383] عن أبي سعيد.

ويستحب أن يتابع عقب كل كلمة، لا معها ولا يتأخر عنها، وعبر بـ (السامع) ليؤخذ منه المستمع من باب أولى.

قالوا: ولا فرق في الاستحباب بين الجنب والحائض. قال الشيخ: وفيه نظر؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (كرهت أن أذكر الله إلا على طهر).

قال: (والتوسط أنه يستحب للمحدث دون الجنب والحائض؛ لأنه كان يذكر الله على كل أحيانه إلا لجنابة.

ص: 61

إِلَاّ فِي حَيْعَلَتَيْهِ فَيَقُولُ: (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ بِاللهِ)

ــ

وأفهم كلام المصنف: أنه لا يجيب في الترجيع، واختار المصنف أنه يجيب فيه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(قولوا مثل ما يقول)، ولم يقل: مثل ما سمعتم، فلو علم أنه يؤذن ولكن لم يسمعه لصمم ونحوه .. لم يجبه.

وكلام المصنف على إطلاقه في الخالي عن الشغل، وكذا المشغول بالقراءة والذكر والتدريس، فيقطع ما هو فيه ويجيب المؤذن ثم يعود إلى ما كان فيه، وكذا إذا سمع وهو طائف .. يجيب.

وأما المصلي .. ففيه أقوال أصحها: يكره؛ لأنه يشغله إلا في: صدقت وبررت، فإن أتى بذلك عالمًا بالصلاة، وبأن ذلك مفسد .. بطلت صلاته. وإن كان ناسيًا أو جاهلًا .. فلا في الأصح.

ولو سمع مؤذنًا بعد مؤذن .. قال المصنف: المختار: أنه يختص بالأول؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار، والأفضل أن يجيب كلًا منهما، ووافق ابن عبد السلام على ذلك في الصبح والجمعة، فقال فيهما: يجيب على السواء.

وقال الرافعي في كتاب (أخطار الحجاز) - وليته قال: خواطر-: إن سمع ثم صلى جماعة .. لا يجيب الثاني؛ لأنه غير مدعو بهذا الأذان، وهو حسن.

ولو لم يجب المؤذن حتى فرغ .. تدارك قبل طول الفصل لا بعده، وينبغي أن يستثنى من هذا ما إذا شرع خطيب الجمعة بعد الأذان في الخطبة؛ فإن الإنصات آكد.

قال: (إلا في حيعلتيه فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال المؤذن: حي على الصلاة .. قال سامعه: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قال: حي على الفلاح .. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) رواه مسلم [385] ولأن الحيعلة دعاء للصلاة، فحسن لسامعها الإتيان بما تقدم عوضًا عنها.

وفي (الصحيحين)[خ4205 - م2704] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وسلم قال: (لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة) أي: أجرها مدخر لقائلها، كما يدخر الكنز.

وروى البيهقي في (الشعب)[1/ 664] عن ابن مسعود أنه قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال صلى الله عليه وسلم:(تدري ما تفسيرها؟) قلت: لا، قال:(لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله عز وجل إلا بعون الله)، ثم ضرب بيده على منكبي وقال: (هكذا أخبرني جبريل عليه السلام.

والحاء والعين لا يجتمعان في كلمة واحدة أصلية الحروف لقرب مخرجها، إلا أن تؤلف كلمة بكلمتين كقولهم: بسمل إذا قال: باسم الله، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، هكذا قاله الجوهري. وقال الأزهري وغيره: حولق بتقديم اللام على القاف، وقالوا: سبحل إذا قال: سبحان الله، وحمدل إذا قال: الحمد لله، والهيللة: لا إله إلا الله، والجعفلة: جعلت فداك، والطلبقة: أطال الله بقاءك، والدمعزة: أدام الله عزك.

ومعنى (حي على الصلاة): هلم وأقبل إليها، وقال الزمخشري: أسرع.

ص: 63

قُلْتُ: وَإِلَاّ فِي التَّثْوِيبِ، فَيَقُولُ: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ، وَالله أَعْلَمُ

ــ

و (الفلاح): الظفر بالمطلوب، والنجاة من المرهوب.

والحوقلة في الأذان أربع، لكل حيلعة واحدة، فلو عبر بقوله: في حيعلاته .. لشملها.

وفي (تلخيص الروياني): يقول ذلك مرتين: مرة عند حي على الصلاة، ومرة عند حي على الفلاح، واختاره ابن الرفعة، لكنه صحح في الحيعلة موافقة الجمهور.

فرع:

في الجمع بين الأذان والإمامة ثلاثة أوجه:

أحدها: أن ذلك مكروه؛ لما روي عن جابر وأنس- بإسناد ضعيف- (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يكون المؤذن إمامًا).

والثاني: يستحب؛ ليحور الفضيلتين، وهذا ما صححه في (شرح المهذب)، قال: (وقد نقل القاضي أبو الطيب الإجماع على جواز كون المؤذن إمامًا واستحبابه.

والثالث: أن ذلك لا يستحب، وصححه الرافعي في (الشرح)، وحمل الماوردي والروياني ذلك على اختلاف أحوال الناس.

قال: (قلت: وإلا في التثويب، فيقول: صدقت وبررت والله أعلم)؛ لأنه مناسب، وادعى ابن الرفعة أن خبرًا ورد فيه، ولا يعرف ما قاله.

و (بررت) بكسر الراء الأولى وسكون الثانية.

وفي وجه يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمشهور: استحباب الإجابة في كلمات الإقامة.

وقيل: لا يجيب إلا في كلمتيها، فيقول:(أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض) كما رواه أبو داوود [529]، لكن بإسناد ضعيف.

ص: 64

وَلِكُلٍّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، ثُمَّ:(اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ)

ــ

وقال الإمام: يقول: اللهم؛ أقمها وأدمها واجعلني من صالحي أهلها، وهو أيضًا مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (ولكل) أي: من السامع والمؤذن (أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فراغه)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن .. فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاة .. صلى الله عليه به عشرًا) رواه مسلم [384].

قال: (ثم) يقول: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة؛ آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته))؛ لما روى البخاري [614] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال ذلك .. (حلت له شفاعتي يوم القيامة).

وقوله: (اللهم) أصله: يا الله، حذف منها ياء وعوض عنها الميم، ولهذا لا يجوز الجمع بينهما.

ووصف هذه الدعوة بالتمام؛ لأنها ذكر الله، ويدعى بها إلى عبادته.

و (الصلاة القائمة) أي: التي ستقام وتفعل بصفاتها.

و (الوسيلة) أصلها: ما يتوصل به إلى الشيء، والجمع: وسائل، والمراد بها في الحديث: القرب من الله تعالى، وقيل: منزلة في الجنة كما ثبت في (صحيح مسلم)[384].

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفي (شرح الصابن) للجيلي: (الوسيلة والفضيلة): قبتان في أعلى عليين: إحداهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها محمد صلى الله عليه وسلم وآله، والأخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم وآله عليهم الصلاة والسلام.

وذكر في (الروضة) أيضًا: مقامًا محمودًا منكرًا، وقال في (الدقائق): إنه ثبت كذلك في (الصحيح)، وإنه موافق لقوله تعالى:{عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} .

وفي (المحرر) و (الشرح): (المقام المحمود) معرفًا، وهو صحيح أيضًا، رواه ابن خزيمة [420] والنسائي [2/ 27] وابن حبان [1689] والبيهقي [1/ 410] بإسناد صحيح، والمراد: مقام الشفاعة العظمى في القيامة؛ حيث يحمده الأولون والآخرون، والحديث بطوله في (الصحيح).

وقال مجاهد والطبري: المقام المحمود هو: أن الله تعالى يجلسه على العرش.

والحكمة في سؤال ذلك- وهو واجب الوقوع بوعد الله تعالى-: إظهار شرفه وعظيم منزلته صلى الله عليه وسلم.

ووقع في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) بعد (والفضيلة) زيادة: والدرجة الرفيعة، ولا وجود لها في كتب الحديث.

ويستحب أن يقول بعد أذان الصبح: (اللهم؛ هذا إقبال نهارك، وإدبار ليلك، وأصوات دعاتك، فاغفر لي)، وعند إقبال الليل وإدبار النهار: اللهم هذا إقبال ليلك إلى آخره؛ لما روى أبو داوود [531] والترمذي [3589] عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها ذلك.

ويستجيب الدعاء بين الأذان والإقامة؛ لما روى أبو داوود [522] والترمذي [212]: (أن الدعاء حينئذ لا يرد)، والمستحب أن يقعد بينهما قعدة ينتظر فيها الجماعة؛ لأن الذي رآه عبد الله بن زيد أذن وقعد قعدة، ثم أقام إلا في صلاة المغرب؛ لضيق وقتها.

تتمة:

لو وجد أمينًا يتطوع بالأذان، وأمينًا أحسن منه صوتًا لا يتطوع .. قال ابن سريج: يجوز للإمام أن يرزقه، وقال القفال: لا يجوز.

ص: 66